بيروت | Clouds 28.7 c

نعيم تلحوق شاعر الضوء

يأتي نعيم تلحوق الى الشعر من بوابة التمرد، بوابة الجحيم التراجيدي، وبوابة الاحساس بالنهايات التي باتت قاب قوسين أو أدنى.

يغوص في أغوار عالمه الخاص. ينهل منه، ما لذ وطاب. يستغرق في وحدته كناسك صوفي عتيق. يعرف متى يرتدي عمامته، ومتى يتفلت من قيودها، ليسبح في خضم شجوه الذي يتراقص على ايقاع كلماته التي تخترق روتينه اليومي، وتمضي به الى الأعلى، الى تلك الشجرة الحبلى وعوداً وثماراً.

نعيم تلحوق والشعر لا يختلفان. ولا يتباعدان، بل هما اثنان في واحد. ولهذا يكتب الشعر باعتباره قيمة أخلاقية. فإن لم يكن الشعر مدججاً بالأخلاق فما هو إلا قفزات بهلوانية، تحضر لتغيب بعيداً في عالم النسيان.

ونعيم بحد ذاته قيمة أخلاقية، تضفي على شعره ومضاً، ورؤى تعيد تشكيله من جديد، ليسبح في فناء العاصفة، وليعطيها شيئاً من هدوئه الرزين، ومن حركاته التي لا تعرف السكون.

يكتب الشعر متفلتاً من كل القيود. لا يأبه السائد. لا تستوقفه المعادلات القائمة. لا يلهث ككثيرين وراء هواء الصورة. بل ينتظرها من على بعد، حتى تقترب منه، فيقبض عليها بفخ قريحة، تستنير ببرقها الداخلي لتعيد لنسمة الخيال بهاءها الأجمل.

نعيم رجل الشعر الشعر. في كتاباته وفي سلوكاته. يتكلم فتشعر ان نبض الشعر يقترب منك، يغزوك ينغرز بعيداً في الصميم، ليعطيه ماهية أبهى، أو ليأخذ المعنى الأعمق الذي يكلله الجمال الشعري، الصاعد من أسّ فلسفي يتجلى كأنه القصيدة الأخيرة.

عرفته شاباً بعمر الورد. وشيخاً بعمر الزمهرير. مضت السنون ولم يزل على تمرده، وعلى هدوئه المسكون بدوي الريح، ولم يزل ذلك النجم الثاقب الذي يعطي الضوء بريقه الساطع، الذي لا ينحني إلا لنجمة تشمخ، لتعطي الوجود نسغه الأخصب.

الشيخ نعيم يعتمر جبة الشعر، وجبة الفلسفة. ويمضي في تجلياته كأنها الروح التي نستلهم منها نار الدهشة، فتشتعل بوهجها المتأجج، لا لنحترق، بل لنضيء ما حولنا من غياهب.

انه الطائر الغريد. الذي يبحث عن المعنى في المعنى. ويبحث عن الصورة في عمق بهاء الصورة. ويبحث عن الجمال الجمال في غور صحراء قاحلة، تتعرى أمامه، فيكتشف مكنوناتها ويعطيها ما تشاء من بهاء وخصوبة.

شاعر المعنى الكامن في أغوار المعنى، المنسكب على فناء الصورة أغنيات تتجلى كما الحب، لا لتضيء فحسب، بل لتعطي العالم لغزه المكنون، وأفقه المترامي، كأنه شهقة الحب الأخيرة.

شاعر الضوء، يأتي على متن سحابة لا تمطر إلا لكي تضيء، وتمنح العالم عذوبتها وماءها. وتتجلى كأنها الوجه الآخر للخرافة التي تكتسب غرابتها عبر بساطتها التي تتفاعل في الأعماق، لتمنح الكينونة الشعرية ذلك الضوء الاستثنائي الذي يتوغل في الاحساس، ليمنحه ما يشاء من أجنحة، ولكي يحلق في فضاء الجمال نسراً ينحني للسنابل الصاعدة، ولمواسم العطاء كأنها خمرة الوجود التي لا تضاهى.

 

لامع الحر

الوسوم