من اوراق حسن صبرا
رفضت جائزة مصطفى امين عام 1986

الشراع 3 شباط 2022

كنت في مكتبي في الشراع في بيروت عندما جاءني عبر هاتف الاستعلامات ليلاً اتصال هاتفي تبين من لهجة صاحبها انه مصري ليبلغني انه من لجنة جائزة مصطفى امين وهو الصحافي والكاتب المصري المعروف وانني حصلت على الجائزة عن العام 1986 عن كشفي لفضيحة ايران -غيت التي نشرت عنها الشراع موضوعاً احتل غلاف العدد 242 في نهاية ت ١ 1986 وان هناك من سيتصل بي لاحقاً لبحث اجراءات حضوري الى القاهرة لحضور حفل تسليم الجائزة معنوياً ومادياً والبالغة خمسة آلاف جنيه مصري
قلت للمتحدث من القاهرة: لن اجيبك الآن وانا سادرس الامر وارجو اعطائي رقم هاتفكم في القاهرة لأتصل بكم.

اعترف انني لم اكن سعيدا بحصولي على هذه الجائزة لأنني ككل الوطنيين المصريين والناصريين نعرف ان مصطفى امين محكوم بالسجن المؤبد بسبب جريمة تسليم وثائق وكتابات سياسية ومعلومات اقتصادية عن الوضع في مصر للقائم بالاعمال الاميركي في سفارة بلاده في مصر بيرجيس وقد ضبط متلبساً في شهر آب عام 1965في حديقة منزله في الاسكندرية وكانت مصر خاضعة لحصار اقتصادي خانق من جانب اميركا بسبب رفض جمال عبد الناصر إملاءات ليندون جونسون بوقف برامج التصنيع الثقيل والتخلي عن برنامجه للعدالة الاجتماعية ورفض جمال الصلح مع العدو الصهيوني وإلغاء كل توجه قومي عربي لمصر وشطب كل دعوة للوحدة العربية من السياسة والاعلام في مصر ...

ومن مظاهر هذا الحصار الاميركي لمصر امتناع اميركا عن بيع القمح الاميركي للجمهورية العربية المتحدة وتراجع المخزون المصري منه حتى وصل الى النفاذ الكامل للقمح في المطاحن المصرية ولم يكن يتبقى منه ما يكفي مطاحنها لصنع الخبز سوى 15 يوماً ، والمصريون يطلقون كلمة العيش على الخبز في دلالة لإرتباط الحياة والعيش بهذا المنتج الحيوي جداً..

طلبت مصر من البلاد الاساسية المنتجة للقمح وهي الاتحاد السوفياتي وكندا وفرنسا تزويدها بمادة الحياة الاساسية لملايين المصريين..

وكانت المشكلة ان كندا خافت من مخالفة اميركا فأعتذرت عن مد مصر بالقمح..

وكذلك فرنسا بسبب نقص في موسم القمح بسبب صقيع وثلوج هطلت بكثافة في ذلك العام اثرت على كميات الانتاج..

اما الاتحاد السوفياتي فقد ابلغ مصر انه يعاني من المشكلة الفرنسية نفسها وهو يستورد القمح في هذه الفترة من كندا لسد حاجاته... لكنه سيعمل على تحويل سفنه المحملة بالقمح المستورد من كندا في عرض البحر الى ميناء الاسكندرية لمنع حدوث حاجة مصرية مؤلمة للقمح..

في هذا المناخ ضبط مصطفى امين كجاسوس يقدم اسرار مصر الاقتصادية لاميركا مقابل مبالغ مالية ويقدم تقارير اعلامية واخبارية عن الاسواق المصرية وحاجتها الى المواد الغذائيه وردود افعال المواطنين المصريين تجاه ذلك واللافت ان مصطفى امين كتب اعترافات صارخة بهذا الامر في 64 صفحة من الحجم الكبير وبتفصيل دقيق وبكل طيب خاطر حيث ضبط بالجرم المشهود..!

بعد كل هذا حصل الاعجب
فبعد رحيل جمال عبد الناصر في 28/9/1970 وانقلاب انور السادات على نهج وفكر عبد الناصر في 13/5/1971
واعاد الاعتبار للإخوان المسلمين الذين دبروا في الفترة نفسها التي كشف فيها تجسس امين محاولة لقلب نظام الحكم ومحاولة لإغتيال جمال عبد الناصر وانتهت بإعتقال مجموعات كبيرة من الجماعة على رأسها المحرض والمخطط الإرعابي سيد قطب الذي تمت محاكمته وصدر حكم بإعدامه بعد اعترافه بكل مانسب اليه متباهياً بما حاول ارتكابه.

انقلاب انور السادات على نهج جمال كان عبر قرارات عديدة اتخذها وهي تشجيع كل اعداء وخصوم عبد الناصر على التطاول عليه في وقت حظر فيه الدفاع عن عبد الناصر
وسط هذا المناخ المعادي اطلق انور السادات سراح مصطفى امين لاسباب صحية ولم يجروء على اعلان براءته وهو المعترف بالتجسس...

والاغرب ان مصطفى امين لم يجروء على طلب اعادة محاكمته...

خصوصاً ان ملف قضيته محفوظ بالكامل في ارشيف الاستخبارات المصرية ذات السجل المشرف وطنياً وقومياً..

اخرج السادات مصطفى امين من السجن بطلب اميركي ليتفرغ هذا لتنفيذ احقاد السادات والاميركان ضد عبد الناصر في الاعلام المصري وقد توفر لامين مساعدات مالية من امراء سعوديين ما انفكوا يكرهون جمال وعصره وهم الذين حضنوا الاخوان المسلمين وسلموهم عقول النشأ السعودي والشباب الغض ليعطوهم دروساً في التطرف وليخرجوا اجيالا في السعودية حاقدة على كل تطور كارهة كل استنارة وكان اصرخ تعبير عن هذا اسامة بن لادن ومن معه من شباب سعودي...

راح مصطفى امين ينفذ احقاد ثلاثية الابعاد:

البعد الاول لاسباب شخصية ونفسية وهو لو لم يكن يكره نهج ومشروع جمال لما تورط في التجسس على بلده.
البعد الثاني هو تسديده دين انور السادات عليه بإخراجه من السجن لاسباب صحية ليتفرغ للتطاول على جمال عبد الناصر .. وقد توفر لأمين المال الكثير خصوصاً من السعوديين اشترى منه اقلام كتبة وصحافيين ليتناولوا عصر جمال بالأباطيل والكذب وبما يزودهم به مصطفى امين من مزاعم واختلاقات راحت تنهش عصر جمال بالافتراءات والاضاليل وتمدح السادات الموغل في البعد عن الاستقلالية والتحررية والعروبة الصادقة التي ميزت عصر جمال ، وانهال تأليف الكتب الصفراء التي تخصصت بفبركة عناوين ومواضيع ضد عصر الاستنارة والانجازات والعلم والمعرفة والعمل والبناء وكلها من سمات عصر جمال..
البعد الثالث يتجسد في عودة مصطفى امين الى دوره في خدمة اميركا العدو الاخطر مع اسرائيل على نهج وشخص جمال عبد الناصر
واذا كان ريتشارد نيكسون اوقف مناورات ضخمة في البحر الابيض المتوسط للاسطول الاميركي السادس بعد تبلغه نبأ رحيل جمال بعد ظهر الاثنين في 28 سبتمبر / ايلول عام 1970 .. فإن السياسة الاميركية ظلت تعتبر ان نهج جمال بعد رحيل صاحبه سيظل خطراً على مصالحها وعلى الكيان الصهيوني .. وبعد ان ساعدت رجلها انور السادات في الانقلاب على النهج الناصري في السياسة جاء دور مصطفى امين لإكمال الحقد الاميركي على الرجل الذي شكل اكبر الاخطار على سياسة اميركا في المنطقة

أبعد كل هذا هل يمكن لحسن صبرا العروبي الناصري ان يقبل جائزة من هذا الجاسوس؟

في اليوم التالي لإتصال عضو لجنة جائزة مصطفى امين اتصل بي الصحافي الكبير رئيس تحرير جريدة النهار الاستاذ ميشال ابو جودة ليهنئني على الجائزة وليبلغني انه تلقى ايضاً جائزة أمين عن افضل كاتب افتتاحية في الصحافة العربية ، وليطلب مني التنسيق لنسافر سوية الى القاهرة لتسلم الجائزتين، وكانت صدمته كبيرة وهو يسألني:

حسن انت مجنون ترفض جائزة تكريم!!

ثم يبتسم رحمه الله وهو يقول لي: انا بعرفك ناصري وما بتحب مصطفى امين ثم يداعبني بقوله: يا اخي هو بيكره عبد الناصر لانه سجنو وهو بيعرف انك ناصري ومع هيدا اعطاك جائزة ليضحك بعد هذا التعليق لكنه لم يجد مني سوى مزيد من التمسك بموقفي الرافض...

وها انا اسجل للتاريخ انني اتصلت بعدة اصدقاء لأبلغهم موقفي كان منهم الكاتب الصحفي العربي الاهم محمد حسنين هيكل الذي شجعني على رفض الجائزة وكذلك فعل الصديق اسامة سعد وكان ما يزال يدرس الطب في القاهرة وقد حياني على رفضي..

لكن الصديق الكبير المناضل الناصري فريد عبد الكريم (كان اميناً للتنظيم الطليعي في منطقة الجيزة وقد سجنه السادات بعد انقلابه على عبد الناصر) فإنه على العكس حثني على قبول الجائزة.

رفضت جائزة الجاسوس الاميركي مصطفى امين، لكنني كنت سعيداً بالتقدير الذي وصلني من انحاء كثيرة في العالم واهم تقدير حصلت عليه هو اختياري من قبل جريدة لو موند الفرنسية كأفضل صحافي في العالم لسنة 1986

الشراع