بيروت | Clouds 28.7 c

في مواجهة العنف الأسري, طبول الخلع تقرع ساحات لبنان / تحقيق:هلا بلوط

 في مواجهة العنف الأسري, طبول الخلع تقرع ساحات لبنان / تحقيق:هلا بلوط 

 

  • *الخلع توافق شرعي.. ينتظر توافقاً مدنياً و..
  • *استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور سعدالدين الهلالي لـ ((الشراع)):
  • - الخلع حق أصيل وشرعي للمرأة، وهو ثابت في السنة النبوية
  • *قاضي محكمة بيروت الشرعية المتخصص بشؤون الطلاق الشيخ عبدالعزيز الشافعي لـ ((الشراع)):
  • - التفريق في لبنان هو خلع بتسمية مختلفة
  • المفتي الجعفري الشيخ احمد طالب لـ ((الشراع)):
  • *الخلع موجود عند الطائفة الشيعية ولكن ليس كما يقصده أهل السنة
  • *الخلع موضوع قابل للاجتهاد وليس مقفلاً
  • *بإمكان الفتاة ان تشترط في عقد الزواج الحصول على وكالة عن بعلها لتطليق نفسها ساعة تشاء
  • *رئيس نادي الثقة للمطلقين عبير الانصاري لـ ((الشراع)):
  • - الخلع هو الحل الوحيد الذي يخلص المرأة من المعاناة.
  • *المحامي بالنقض والدستورية العليا محمود البدوي:
  • - الخلع نظام اسلامي سامٍ ومتحضر
  • - خير لهما ان يفترقا على باب محكمة الأحوال الشخصية بدلاًَ من ان يلتقيا داخل محاكم الجنح والجنايات
  • *الاخصائي بالأمراض النفسية الدكتور احمد عياش لـ  الشراع
  • - دعم الأهل ضروري لتتحول نظرة المجتمع الى الايجابية

 

((طلقوني.. انه يغتصبني)).

هكذا صرخت نوال أمام محكمة الأسرة في مصر، مطالبة بالخلع من بعلها، مبدية الاستعداد للتنازل عن كل حقوقها الزوجية مقابل التخلص منه.

هذه عينة من عينات كثيرة، تنظر بها المحاكم اليوم، لحل مشكلات ما عرف بالعنف الأسري، حيث تتعرض الزوج للضرب والاحتقار وسوء المعاملة على يد بعلها، ما جعل الخلع في مصر او التفريق في لبنان يتزايد بنسب غير قليلة.

ورغم بعض الحالات الغريبة لطلب الخلع مثل عدم ((استحمام البعل)) او بسبب ((رائحة رجليه)) الكريهة، او اهتمامه بتربية الكلاب والقطط مع كل ما ينجم عن ذلك من روائح كريهة تملأ ارجاء المنزل، فإن طرح الخلع او التفريق هو خطوة من المرأة من أجل استعادة حقها في تحديد مصير حياتها ومستقبلها، رغم اعتباره من قبل البعض بأنه حالة من التمرد تحاول المرأة ان تواجه من خلالها واقعاً مجتمعياً صعباً ومريراً بسبب فقر المشاعر الانسانية لبعل ليس على قدر المسؤولية والاستيعاب.

تعددت الآراء حول الخلع او التفريق، إلا ان الثابت هو انه ليس طارئاً على الاسلام بل هو جزء منه إلا انه لم يكن معتمداً بسبب الطابع الذكوري للمجتمعات الاسلامية.

((الشراع)) أرادت تسليط الضوء على هذا الموضوع الذي تطالب به شريحة كبيرة من السيدات اللبنانيات من المعنفات اللواتي لا حول لهن ولا قوة إلا الصبر وتحمل الوضع المأسوي الذي يعشن فيه واللواتي ينتظرن رأفة المحاكم الشرعية كي تنظر بشأنهن.. زد على ذلك ظلم المجتمع والأهل والمقربين لهن.

وكما استطاعت ((الشراع)) ان تلقي الضوء على الأمر من كافة جوانبه فكان لا بد من أخذ آراء أهل الخبرة والعلم والفقه والقانون والاجتماع والطب النفسي. وكذلك التقت ((الشراع)) بعدد من السيدات اللواتي خلعن بعولهن للوقوف على تجربتهن الجريئة هذه.

 

الدكتور سعد الدين الهلالي استاذ الفقه المقارن بجامعة الازهر :

 في الرأي الفقهي عن الخلع او التفريق كما فضل ان يذكره الدكتور سعد الدين الهلالي استاذ الفقه المقارن بجامعة الازهر حيث قال لـ((الشراع))، أن الخلع حق أصيل وشرعي للمرأة تقوم به في حالة وقوع ضرر عليها من البعل، في مقابل أن يتمسك هو بعدم طلاقها، والزوج لا تحتمل البقاء معه، مبيناً أنه ثابت عند اربعة من الفقهاء لقول الله تعالى ((الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَن يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) وفي الجزء الأخير من قول الحق تبارك وتعالى ((ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً إلا أن يخالفا ألا يقيما حدود الله، فان خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)) صدق الله العظيم. فهذه الآية الكريمة ذات الحكم الواضح أباحت للزوج – متى خشيت ألا تقيم حدود الله تعالى – أن تفتدي نفسها بمالاً تقدمه لبعلها لقاء طلاقها خلعاً، وفي المقابل أباحت الآية الكريمة للبعل قبول هذا المال كعوض عن إيقاع طلاق لا يريده ولم يسعَ إليه أو يتسبب فيه، والخلع وكما سيلي نوع من الطلاق على مال لذا وجب تقديم الزوج لما يفديها من هذا الزواج الذي أمست لا تطيقه والتساؤل ما المقصود بحدود الله تعالى التي تخشى الزوج عدم إقامتها ولذا تطلب التطليق خلعاً؟

حدود الله تعالى – في هذا المقام – هي ما حده الله وفرضه على الزوجين من الحقوق والواجبات و أمر كلا منهما بالوقوف عنده وعدم مجاوزته ، فمن الحقوق التي أمر بها الزوج طاعة بعلها في ما يريده من استمتاع ، ومنها إخلاص المودة له إخلاصاً تاماً، فلا يحل لها ان يكون جسمها مع البعل وقلبها مع غيره، ومنها أن تقوم بكل ما يصلح الأسرة فلا يحل لها ان ترهقه بالإنفاق فيختل نظام الأسرة وتسوء حالة المعيشة، ومنها عدم خيانته بالمحافظة على ماله وعرضة وأولاده.

وأوضح الهلالي لـ((الشراع)) أن الخلع ثابت في السنة النبوية والتي تعد هي المصدر الصريح المقرر لنظام الخلع في الإسلام فيما ورد عن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أمرأة ثابت بن قيس، لما أتت النبي وقالت له يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها النبي، كم اصدقك؟ قالت له.. حديقة.. قال لها النبي  أتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم وزيادة، فقال له النبي اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة.

اما عن رأي الفقهاء والأئمة فيقول الدكتور الهلالي أن الامام مالك والامام الشافعي والامام احمد ابن حنبل ثم مذهب الظاهرية ((استندا في مشروعية الخلع ً الى النص القرآني والحديث النبوي سالفي الذكر ان هذه الآية والحديث يدلان على انه يجوز للمرأة أن تفدي نفسها من بعلها بما يعرف خلعاً)) وان تطلب من بعلها ان تنهي علاقتها به مقابل تنازلها عن ما لها من حقوق. وفي ذلك ان لم يستجب البعل فكان رأي الأئمة أن تلجأ الزوج الى ساحات القضاء والتي ستأخذ بمطالبها حتى لا يكره الزوج على معيشة ترفضها، وكذلك إستناداً الى مبدأ تكافوء الفرص حيث يحق للبعل ان يطلق زوجه وقتما شاء فكان للزوج الحق ان تطلب هي الأخرى أن تطلق نفسها وقتما شاءت.

وأضاف استاذ الفقه المقارن بجامعة الازهر متسائلاً: هل نريد رأياً يتناسب  مع حفظ كرامة نسائنا وبناتنا و قانوناً يحفظ لكل منهن حياة كريمة تحمل في طياتها وبين جنبات معيشتها العدل والمساواة أم نريد أن نكرس لحياة قهرية وسلطوية للرجال على النساء!

أما قاضي محكمة بيروت الشرعية المتخصص بشؤون الطلاق، القاضي الشيخ عبدالعزيز الشافعي فقد تحدث عن الخلع عندما سألناه كما يلي:

 

#ما هي موانع تطبيق الخلع في لبنان على الرغم من نجاح التجربة في مصر ((الأزهر))؟

- الخلع يطبق عندنا في لبنان ولكن باتفاق الطرفين.

#هذا طلاق وليس خلعاً؟

- لا في هذه الحالة تستطيع المرأة الحصول على جزء من المهر، اما الإلزام بالخلع فهو الذي لا يطبق.

#كيف يعني ذلك؟

- بمعنى ان تقول الزوج انها لا تريد بعلها بينما يكون هو غير راضٍ أو موافق على الطلاق.

#وهذا ما يطبق في مصر؟

-يطبق ولكن بشروط، والفرق بين دعوى الخلع في مصر ودعوى التفريق في لبنان هو ان التفريق قد يأخذ وقتاً أكثر بنسبة معينة وذلك كي نتحقق من وجود شقاق بين الطرفين وانه فعلاً يوجد مشكل يقتضي طلب الطلاق ونبذل جهداً مضاعفاً محاولين إعادة الصلح والوفاق بين الزوجين، بينما بدعاوى الخلع في مصر، الزوج ليست ملزمة بتبرير طلبها الطلاق. صحيح انهم يعرضون الصلح، ولكنها غير ملزمة إطلاقاً بتبرير طلبها الخلع.

#إذاً لماذا هذا الفرق طالما أن ((الأزهر)) الذي هو أم المدارس الدينية في العالم ككل وفي عالمنا العربي قد اعترف بها ويطبقها؟

- لا علاقة لهذا الموضوع بالأزهر وغيره، بل بالإجتهاد وتطبيق القانون ، تماماً كما توجد في الدول العربية قوانين متفاوتة، كذلك في اوروبا توجد قوانين مختلفة في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية.

#عفواً، لكن أليس هذا القانون تحديداً وتطبيقه مربوطاً بما نص عليه كتاب الله ((القرآن الكريم))؟

- حتى ولو، بالنهاية هذا الأمر يقنن ضمن قانون لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية ، لأن تقدير حاجات الناس ومصالحها في منطقة ما ،قد يختلف عنها في منطقة أخرى وبحكم عملي في دعاوى التفريق أرى أنها تحقق الهدف المطلوب منها، وغالباً عندما تسد كافة أبواب إعادة ذات البين بين الزوجين، نصل الى الطلاق حتى وإن كان أحد الطرفين غير راضٍ عن هذا الطلاق.

#هل يحق للرجل أيضاً تقديم دعوى تفريق خلافاً لما هو الحال في الخلع،حيث تقتصر دعوى الخلع على المرأة فقط؟

- صحيح، بالطبع يحق للرجل تقديم دعوى تفريق، وإذا كان المهر مرتفعاً جداً، وهو ليس قادراً على تقديمه كله وتكون الزوج قد قامت بأفعال سببت هذه التفرقة ممكن حينها أن يخفض المهر وأن يعفى من جزء منه، يحدد حسب الضرر الذي تسببت به الزوج لإنهاء هذه العلاقة، وكذلك الأمر اذا تقدمت الزوج بدعوى التفريق نقوم بالتحقيقات اللازمة والمحاولات ذاتها وبعدها نقرر بحسب من تسبب بالاساءة للآخر أكثر.

#ولكن أحياناً قد لا يكون لدى الزوج  ما يبرر التفريق سوى النفور من بعلها في هذه الحالة الخلع يعطيها حق خلعه بينما في التفريق..

 -((مقاطعاً)) الموضوع  نفسه لدينا، اذا نفرت من بعلها ولم تقدم أسباباً بل أثبتت أنه أذاها نحكم حينها بالطلاق ونحملها المسؤولية أكثر منه، بحيث لا تحصل إلا على حوالى عشرة أو عشرين في المئة من مهرها، وقد تعفية هي من أي إلتزام مادي، فندون هذا الطلاق وننفذه.

الخلافات مع الخلع هو التسمية فقط، إنما في الإجراءات والنتيجة، النتيجة هي نفسها. دعوى التفريق عندنا، تكون نتيجتها هي تماماً كدعوى الخلع التي تقوم في مصر، وتقريباً بالإجراءات نفسها حيث لا فرق سوى شهر أو شهر ونصف بين الدعويين.

#هل سبق ان تم تناول هذا الموضوع ((الخلع)) ليصبح مطابقاً لما هو في مصر؟

- عادة كل القوانين يكون لها أسباب موجبة، واذا كنا نرى أننا نحقق الهدف نفسه والنتيجة نفسها ولكن بمستوى آخر فما المشكلة بأن نبقى كما نحن عليه الآن.

#هل هذا رأي سماحتك الشخصي أيضاً؟

- إذا أردنا تطوير القوانين فلا نستطيع أن ننظر اليها من زاوية ضيقة. مثلاً يحضر إلينا زوجان متفقان على الطلاق، وتكون الزوج لا تريد من البعل شيئاً، تعفيه من كل شيء لقاء الحصول على طلاقها، وإذ بنا نفاجأ بعودتهما بعد يومين متصالحين، والحالة نفسها تحصل في موضوع الخلع، فإذا سهلنا هذا الموضوع طالما هو بإرادتها، ونراها تبريه، ثم جاءت بعد اسبوع تريد العودة إليه. بالنهاية يجب أن نعمل تشريعاً متكاملاً، يأخذ بعين الإعتبار هذه الحالات، حتى ولو لم تكن هي العامة، ولكنها موجودة وتتكرر دائماً. وأي تغيير بأي قانون، الأصل أن يكون مبنياً على دراسات وعلى إحصاءات ووقائع. والدراسة تأخذ منحيين: دراسة إحصائية، وتتضمن أرقاماً ودراسة حالات خاصة تظهر بعض الجوانب التي لا نراها في الدراسات الإحصائية ويوجد نظر في هذا الموضوع عندنا في لبنان، أي بمنظومة الأحوال الشخصية الموجودة حالياً،وحدث منذ خمس سنوات تعديل في موضوع الحضانة وكان ايجابياً رغم بعض الملاحظات عليه. الموضوع يلزمه تروٍ كي لا يسبب لنا اشكالات.

#لكن ألا ترى أن الخلع يحقق نوعاً من الحماية للسيدة المعنفة ورادعاً للبعل المعنّف؟

  • على العكس لأن الخلع هو طلاق مقابل تنازل الزوج عن كامل حقوقها، بينما في دعوى التفريق تستطيع الزوج أن تقول أريد الطلاق وأريد حقوقي معه، وإذا اثبتت أنها معنّفة ممكن حينها أن تأخذ مهرها ونفقه عدتها، لكن لا أخفي انه يبقى لدينا مشكلة وهي العنف اللفظي لأن إثباته صعب، هنا تظلم المرأة لأنها لا تستطيع الإثبات وليس لأن المحكمة ظالمة.

#وهل نسبة دعاوى التفريق التي تصلكم كبيرة ومرتفعة؟

  • بالطبع، يوجد لدينا الكثير من دعاوى التفريق، وفي بعض منها يتصالح الزوجان ويعدلان عن رأيهما أو البعض الآخر ينتهي بالمخالعة أي بالاتفاق على الطلاق، وقسم أيضاً ممن نرى فيه كل طرف متمسكاًَ بحقوقه، هنا يتم تقدير من المتسبب بالضرر أكثر.

وللوقوف على رأي الطائفة الشيعية من موضوع الخلع وإمكانية تشريعه، التقت ((الشراع)) المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب في هذا الحوار: 

#لماذا هذا التشدد لدى الطائفة الشيعية، تجاة عدم إباحة الخلع؟

- الخلع موجود عند الطائفة الشيعية، ولكن ليس كما يقصده أهل السنة والجماعة، حيث تستطيع المرأة تنفيذ الخلع بمجرد التنازل عن مهرها مع تقديم الأسباب فيصبح ملزماً أن يتم الخلع، على الأقل من خلال القاضي أما نحن فالفرق بيننا وبين أهل السنة أن الطلاق هو دائماً بيد البعل، ولو اتفقت المرأة مع بعلها على الطلاق ينفذ بطريقة نسميها طلاقاً رجعياً، ولكن لو كان الطلاق يحدث بسبب أن المرأة كارهة لبعلها واضطرت أن تبذل مهرها وتفتدي به نفسها ليطلقها وقبل البعل لهذا الأمر وطلقها يصبح الطلاق طلاقاً خلعياً.

#وإن لم يوافق البعل ؟

- لا يتم الطلاق، لذلك أنا أقول أن الفارق بين الإجتهاد في المذهب الجعفري والإجتهاد في المذاهب السنية هو هذا الباب، في الأول لا بد وفي كل الأحوال أن يكون البعل هو الذي يطلق إلا في حالات معينة تسمى الطلاق الحاكم.

#ولكنه نادراً ما يحدث وقليل جداً؟

- في الماضي نعم، أما في وقتنا الحالي، فلدينا اسبوعياً عشرات الحالات التي تطلقها مكاتب المراجع لهذه الحالة، فاليوم الاجتهاد الشيعي أعطى مساحة مهمة، وخصوصاً بفتاوى السيد السيستاني الأخيرة، فقد أعطى مساحة للطلاق الحاكم أوسع مما كانت عليه في الماضي، حيث كان الفقهاء يرون ان الطلاق الحاكم لا يتم إلا إذا تمنع الرجل عن النفقة، أما اليوم فالسيد السيستاني يرى أن أي نوع من أنواع سوء العشرة يحق للحاكم أن يطلق فيما لو تمنع البعل عن الطلاق بعد أن يطلب منه الحاكم ذلك، يعني سوء العشرة هو عنوان تدخل ضمنه أسباب عديدة منها التعنيف والضرب والإهانات والإتهامات التي تخلص أنه لا يعاشرها بالمعروف، فإذا ثبت ذلك، واطمأن الحاكم بالأدلة على أن هذا الأمر يحصل بالفعل، حينها يطلب الحاكم من البعل أن يطلقها، وإذا تمنع البعل، يطلقها الحاكم طلاقاً غيابياً. هذا الأمر أصبح موجوداً ويحتل مساحة أوسع من الماضي. لكن المشكلة التي تحدث الآن هي إستسهال الطلاق، وشعور المرأة أنها مكتفية إقتصادياً  وهما يشكلان حافزاً لها لطلب الطلاق حتى ولو لأسباب بسيطة، أو غير مقنعة إذا صح التعبير، أو أسباب ليست جرمية يقدم عليها البعل بحيث تبرر للحاكم الطلاق، هنا تطالب المرأة وترى أن من حقها أن تبذل مهرها فتطلب الخلع. ونحن نقول أن هذا الأمر لا يتم بلا أسباب تدلل على سوء العشرة إلا إذا كانت قد اشترطت لنفسها ذلك في العقد الزوجي. حيث تستطيع أي امرأة، ونحن نتحدث هنا كي نعمم هذا النوع من الثقافة وكي لا يبقى الفقه قاصراً على تلبية حاجات الأنثى بأنه باستطاعتك ايتها الفتاة المقدمة على خطوة الزواج أن تشترطي لنفسك في عقد الزواج أن يكون لك وكالة عن بعلك في الطلاق ساعة تريدين أو مشروطة بشيء ما كالزواج عليها أو السكن خارج بلدها، وتستطيع أن لا تذكر السبب إذا أرادت.

#هذا ما يسمونه العصمة بيد الزوج؟

- لا، العصمة يفهمها الناس كأننا نسلخها من يد البعل ونعطيها للمرأة،  هذا غير صحيح فالبعل لا يمكن لأحد أن ينـزع منه العصمة لكنها تستطيع في عقد الزواج أن تأخذ وكالة من البعل وتكون غير قابلة للعزل لأنها ضمن العقد الزوجي وتكون قائمة ما دام العقد الزوحي قائماً وملخصها أنها وكيلة عن البعل في طلاق نفسها وقتما تريد.

#ولكن يا سماحة المفتي، إذا قارنا هذا الاسلوب بالخلع نرى الأخير أقرب الى المنطق وأسهل؟

- الموضوع هنا هو كم ساعدت النصوص الدينية المجتهد في المذهب الجعفري على أن يسلك هذا المسلك ولدينا بعض الأقوال عند بعض علمائنا في موضوع الخلع ولكنها نادرة حيث ان الإجتهاد الشيعي لم يجد أن النص يملك هكذا قابلية، فلم يستطع إستخراج هكذا فتوى منه، إذاً الموضوع ليس كيف نراه نحن أسهل، فقد يكون أحياناً موضوع تعقيد الطلاق أكثر حكمة من تسهيله لأنه في كثير من الحالات يكون هذا التعقيد سبباً من أسباب المحافظة على الحياة الزوجية أكثر، ولأن الطلاق يعتبر أبغض الحلال ومكروهاً فإن الدين أعطى إما محفزات وإما موانع، مثلاً، أحيانا يُطلب منا موعد بسبب موضوع طلاق، وقد يتأخر تحديد الموعد أحياناً بسبب ضغط وظروف عملنا، وإذ بنا نتفاجأ بعد مرور عدة أيام بأصحاب العلاقة يتصلون بنا لإبلاغنا بأن المياه قد عادت إلى مجاريها بين الطرفين، والمقصود انه في بعض الحالات إيجاد العقد قد يكون حكمة عامة على مستوى المجتمع الإنساني لأن الأساس في الدين هو الحفاظ على الحياة الزوجية.

#ولكن ألا يكفي أن تشعر الزوج بنفور شديد من بعلها لكي تحصل على الطلاق؟

  • ((ضاحكاً)) إذا أعطينا مجالاً لهذا العذر فقد نرى معظم سيدات لبنان مطلقات.. المقصود هو انه لا يمكن إعطاء تسهيل للمرأة لأنها سريعة الغضب وكذلك هي سريعة في إتخاذ الموقف وبالوقت نفسه هي سريعة الندم والرجوع عن موقفها، وذلك نتيجة عاطفتها الجياشة، نراها تغضب بسرعة ثم تهدأ وتحن. لذلك نرى أن صون المجتمعات يحتاج أحياناً إلى الإدارة الحكيمة في التشريع، وتسهيل الطلاق كثيراً أمام المرأة يعني أننا نساهم في خراب البيوت، والعقبات التي نوجدها أحياناً هي بسبب أقله إذا أصرّت على القرار ولم تتراجع عنه، ان يكون إصرارها هذا بقناعة تامة لأنها تكون قد اقتنعت فعلاً أنها وصلت إلى باب مسدود.

#ولكن ألم يطرح تعديل طرق وأسباب الطلاق عند الطائفة الشيعية من قبل؟

- الإجتهاد عندنا مرن، وقد يستنبط يوماً ما مرجع من المراجع من الأدلة فتوى يعطي فيها رخصة لعملية الخلع بالمعنى الموجود عند الطائفة السنية. ولكن مع هذا نحن نقول أن نص الآية موجود ولكن الأحاديث والروايات التي تحدثت عن الآية مقيدة عندنا، ولكنه موضوع قابل للإجتهاد وليس مقفلاً نهائياً ولأنه حتى عند أهل السنة هذا إجتهاد مستحدث، وهو ليس موجوداً منذ فترة طويلة لذلك بالإجتهاد كل شيء قابل للتعديل.

#أروقة المحاكم تضج بعدد مخيف من قضايا الطلاق المتراكمة ومعاناة السيدات التي تحتاج قصصهن إلى البت الفوري بقضاياهن؟

  • المشكلة عندنا هي في المحاكم وليس في التشريع وقضاتنا في المحاكم اليوم هم طبقة لا رقابة عليها، والقاضي للأسف يعتبر نفسه غير ملزم بقضايا الناس وإذا كانت إمكانياته توجب عليه حل قضية ما، فهو غير مستعد إلا لحل قضية واحدة وليس اثنتين لذلك نحن نطلب من كل من يرغب بحل مواضيع كهذه ان لا يذهب إلى المحكمة مباشرة بل يتوسل وسائط رجل الدين الآخر المستعد لسماعهم ومتابعة تفاصيل قضيتهم وتذليل عقبات حتى ولو لم ينجح رجل الدين هذا بإصلاح ذات البين فإنه ينجز له الطلاق فيأخذه صاحب العلاقة وينفذه في المحكمة ولا يعود هناك داعٍ لعقد جلسات وغيره.

المجلس الشيعي استحصل من وزارة الداخلية على قرار بأنه (أي المجلس) يستطيع ان يصدر طلاق حاكم يأخذ الاجراء التنفيذي المباشر في دوائر النفوس.. في عهد تسلم زياد بارود لوزارة الداخلية.

سابقاً كان يستدعي طلاق الحاكم كي يأخذ صيغة تنفيذية ان يمر عبر المحاكم الشرعية أما اليوم بعد الاستحصال على هذا القانون من الداخلية لم يعد هناك حاجة للرجوع الى الحاكم ويكتفي بالقرار الصادر عن المجلس الشيعي لأخذ الصيغة الاجرائية في دوائر النفوس.

وطلاق الحاكم موجود عند الشيعة تاريخياً كما هي ولاية الفقيه، لكن المحاكم الشرعية الشيعية في لبنان تعتمد فتوى المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني بتوسيع دوافع الطلاق من دون حصرها، فيعطى للمرأة حق الطلاق اذا ما اشتكت من إهمال بعلها لها في حق المعاشرة الزوجية، او في طعن البعل في شرفها او في الامتناع عن الصرف عليها في منـزلها الزوجي..

 

 

رأي علم النفس

ولكن ما هي تداعيات النفسية ((الخلع))، ان كان على المرأة الخالعة او الرجل المخلوع، وردة فعل المجتمع من هذا التصرف، وماذا عن الأهل ودورهم عند وقوع الخلع بين الطرفين؟

الاخصائي في الأمراض النفسية والعصبية الدكتور أحمد عياش، يرى ان دعم الأهل والاحتضان العائلي كفيل بتحويل نظرة المجتمع الى الايجابية.

ويضيف: عندما يصل السلوك والكلام الى ما يسمى الخلع، يعني ذلك ان الانتقام وصل الى حدّه الأقصى، وتنحى الوصال، وانتهت المودة وحلّت الكراهية في العلاقة، وهنا لا تعود الصفات التي تطلق على الرجل أو المرأة تعني لهما أي شيء لأنهما تخطيا مسألة القيل والقال، والفعل وردّة الفعل ومحاولة اصلاح البين بينهما إلى مرحلة أصبح العداء هو الفاصل بينهما، أي وصلا إلى مرحلة متقدمة بسوء العلاقة، تصل إلى مرحلة ما قبل الإنفجار أو إلى مرحلة ما قبل الجريمة، ما يجعل الإنفصال حكماً صالحاً. ومعرفة تسويق الأسباب التي أدت إلى الإنفصال وتسلسل الأحداث في الخلافات وشخصية الزوجين المختلفين مجتمعة، تؤسس السلبي والايجابي لنظرة الناس إلى الأمور، وبإمكان ظالم أن يحسن تسويق أسباب ظلمه، فيظهر مظلوماً للناس وبإمكان مظلوم أن يخطىء في التعبير والسلوك، فيظهر كأنه الظالم.

 أن تمتلك المرأة قرارها بالخلع، أو مبادرتها لطلب الطلاق، يظهر بداية كأنه إمتلاك للقوة وعظمة في الإرادة، ولكن عندما تضاف تفاصيل الأسباب و وجهات نظر الطرفين وحيثيات الأمور يتغير المشهد اما لصالحها أو ضدها، لذلك فالأحكام لا تكون فقط بمفردة ((الخلع)) بل في سلوك وشخصية وقدرة التعبير والقدرة على الإقناع عند ((الطليقة))..

 المجتمع لا يحبذ فكرة الطلاق لما للطلاق من ارتدادات سلبية على الأطفال أولاً و أخيراً وطالما أن أبغض الحلال عند الله هو الطلاق، فالناس ستبتعد عنه وعن مسببيه إحتياطاً وخوفاً وتوقياً لإعادة المشهد نفسه مع الأشخاص أنفسهم لذلك أكان الطلاق خلعاً أم غيره ففكرة الإنفصال والشجار والخلاف و..  تكفي لتأخذ الناس حذرها لاعتقادها دائماً أن ما لم يقل أفظع مما قيل، وما بدر في العلن لا يكشف المستور من الخلاف.

 تجاوز الطلاق على علاقة وطيدة بالثقة بالنفس والقدرة على الاستقلالية الاقتصادية وفي القرار وعلى علاقة بالدعم العائلي والحضن العائلي للمطلقة أكثر منه للمطلق، فطالما الأهل موجودون و داعمون، تتحول نظرة المجتمع سريعاً إلى الإيجابية نحو المطلقة، ويصبح طلاقها خلاصاً لا بد منه، وفي حال العكس تصبح نظرة المجتمع تأنيباً للمطلقة عنوانه لماذا أوصلت نفسها الى هنا؟ فالمجتمع يبتعد عن الضعفاء ولو تضامن معهم ويتقرب من الأقوياء حتى لو لم يكن مقتنعاً بسلوكهم.

 

نادي الثقة

ويختلف رأي رئيسة نادي الثقة للمطلقين عبير الأنصاري عن الآراء الواردة في حديثها لـ ((الشراع)) حيث رأت ان الخلع هو وسيله للتخلص من حياه مليئة بالظلم والاهانات تصل لها السيدة بعد أن تغلق أمامها كافة أبواب التفاهم مع البعل، ويصبح الوضع متعنتاً، وكذلك الخلع هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يخلصها من هذه الحياة المؤلمة وان كان بمثابة الدواء المرّ مع صعوبته وسوء مردوده عليها لاضطرارها للتنازل عن كل حقوقها المنصوص عنها في الشريعة الاسلامية.

وعن مردود الخلع على الرجل تقول الأنصاري أن هناك  نوعين من الرجال، نوع يشعر بالانتصار لأنه أجبر الزوج على الخروج من الحياة الزوجية بأقل تكاليف ممكنة من غير دفع أي مصاريف بل و أحياناً إذا كانت تملك أي شيء تضطر للتنازل عنه حتى تخلعه. و نوع آخر يكون غاضباً من قانون الخلع لانه أجبر على عمل شيء غصباً عنه و يظل دائماً حاقداً على طليقته ويسعى دائماً للانتقام منها كلما سنحت الفرصه لخروجها من القفص.

وأما عن رؤية المجتمع ونظرته للرجل المخلوع فتكون هناك علامات استفهام على سلوكه الذي أوصل زوجه للتنازل عن كل شيء في سبيل خلعه والخلاص منه، وكذلك ما يكون له مردوده عند الزواج التالي والذي يكون أكثر صعوبة، خصوصاً وان كان الارتباط من رجل مطلق عن طريق الخلع.

وحول نظرة المجتمع للمرأة التي خلعت بعلها تقول الأنصاري أن المجتمع يخشى كثيراً  من المرأة الخالعة ويعتبرها قوية أو ((بجحة)) لأنها الجانب الأضعف ولا بد أن ترتضي وتتحمل معيشتها من أجل ابنائها وكذلك تراجع فرصة ارتباطها مرة أخرى نظراً لما وجدوه من قوة في شخصيتها جعلتها تخلع بعلها السابق.

أما بالنسبة أيضاً للمجتمع حالياً ومع وصول حالات الطلاق الى معظم العائلات المصرية وتفهمهم لواقع الظلم على بناتهم أو إخوانهم أو أقاربهم أصبح المجتمع أكثر تفهماً ومساندة للمطلقة الخالعة.

وعن تجربتها الشخصية تقول الأنصاري ان زواجها المدني في انكلترا كان زواجاً مدنياً وإسلامياً ولكن نظراً لتعنت البعل وعدم رغبته في الطلاق اضطرت لرفع قضية بأسباب الطلاق أدت بأمر المحكمة بعد سنتين من الانتظار بحكم الطلاق أو الخلع والذي حصلت عليه وطُلب من المركز الإسلامي بعدها بتنفيذ الحكم حسب الشريعة الاسلامية بالخلع.. وعن التداعيات النفسية للخلع تقول عبير الأنصاري لـ((الشراع)) ان الرجل يتأثر نفسياً أكثر في الخلع خصوصاً لأنه يأتي غصباً عنه. والمرأة تسعد بالخلاص من حياه صعبة وان كانت المرأة لا تسعى الى ذلك لأنه لا يوجد سيدة تفضل لقب مطلقة، وتسعى دائماً لإرضاء الرجل مع تهديده المستمر بالطلاق. وفي ظل استقلالية المرأة وتدرجها التعليمي وتثقيفها حقوقياً استطاعت الدفاع عن نفسها، وجعل منها مخلوقاً أقوى. وتتساءل الأنصاري: مَن قال أن الخلع هو وسيلة سهلة؟ فلكل شيء عيوبه كما أن له مميزاته. بدء حياة المرأة من جديد، ولكن مع ضياع حقوقها كامله بعد زواج دام سنوات كثيرة قضتها في ظلم وعنف، أمر صعب جداً وليس نصراً، فالخلع هو حل وليس نصراً، لأنه أبغض الحلال، ولكنه حلال، ومن أجل ذلك شرعه الله تعالى.

 

رأي القانون

وعن الشق القانوني، يقول الاستاذ محمود البدوي، وهو محامٍ بالنقض والدستورية العليا ان الخلع معروف قانوناً أنه عبارة عن دعوى ترفعها الزوج ضد بعلها إذا بغضت الحياة معه، ولم يكن هناك من سبيل لاستمرار الحياة الزوجية وخشيت بسبب هذا البغض ألا تقيم حدود الله، والخلع يقتضي افتداء الزوج لنفسها برد مهرها وتنازلها عن جميع حقوقها المالية الشرعية .

وعلى ذلك يشترط قانوناً للحكم للزوج بالتطليق خلعاً.

الشرط الأول:- أن تبغض الزوج الحياة مع بعلها دون سبب من جانب البعل ولم يكن من سبيل لاستمرار الحياة الزوجية، وأن تخشى الزوج ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض.

الشرط الثاني:- أن تفتدي الزوج نفسها بأن ترد لبعلها المهر أو مقدم المهر الذي أعطاه لها وتتنازل له عن جميع حقوقها المالية الشرعية من مؤخر صداق ونفقة متعة ونفقة عدة.

الشرط الثالث:- ألا تفلح المحكمة في إنهاء الدعوى صلحاً سواء بنفسها أو بالحكمين اللذين تنديهما لهذه المهمة.

الشرط الرابع:- أن تقرر الزوج صراحة – أمام محكمة – أنها تبغض الحياة مع بعلها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض.

 

النص القانوني الذي تقرر بموجبه الخلع:

((للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوج دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت بعلها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه.

ولا تحكم المحكمة بالتطليق خلعاً إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وندبها لحكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وبعد أن تقرر الزوج صراحة إنها تبغض الحياة مع بعلها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض. ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاطه حضانة الصغير، أو نفقتهم أو أي حق من حقوقهم.

ويقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن.

ويكون الحكم – في جميع الأحوال – غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن.

 

ثالثاً: الإجماع:

يقول الاستاذ محمود البدوي المحامي بالنقض والدستورية العليا ان قانون الخلع ومشرعيه توافقوا مع إجماع فقهاء الشريعة الإسلامية على شرعية قانون الخلع كنظام إسلامي ولم يثبت وجود أي اختلاف بينهما على شرعيته، ولا يحول ذلك دون وجود اختلافات تتعلق بعض أركانه وشروطه على النحو الذي سيرد.

الخلع بناء على طلب البعل - الخلع بناء على طلب الزوج.

الأصل في الخلع أن يكون بالتراضي بين الزوجين فيتم الخلع اتفاقاً، سواء عرض البعل على زوجه مخالعتها، أو طالبت به الزوج، ويراعى أن عرض الخلع من جانب الرجل يعد تعليقاً لطلاق على مال ((المال الذي يأخذه من الزوج مقابل مخالعتها)) وهو لذلك يعد يميناً، ويعد طلب الخلع من جانب الزوج معاوضة لها شبه التبرعات لأن الزوج تلتزم بالمال الذي تفتدي به نفسها.

وبعيداً عن أقوال الموتورين فإن الخلع نظام إسلامي سامٍ ومتحضر فلا يتصور عاقل أن يجمع بين زوجين يكره أحدهما الآخر، خصوصاً إذا كانت الكراهية من جانب الزوج وهي دوماً الطرف الضعيف أو هكذا يبدو، فخير للجميع أن يفترقا على باب محكمة الأحوال الشخصية بدلاً من اللقاء داخل محاكم الجنح بل والجنايات،  وفي سبيل بيان الحكمة من الخلع كنظام عادل ومتحضر لا نجد أصدق من قوله تعالى ((ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهم فيما افتدت به)).

 

الخلع تهذيب وإصلاح:

الخلع تهذيب واصلاح للرجل، هكذا بدأت السيدة شيماء الدالي كلماتها والتي تبلغ من العمر 37 عاماً بعد تجربة زواج مدتها سبعة عشر عاماً حيث تروي تجربتها قبل ان تعلم عن الخلع فقد كانت حياتها مليئة بالمشاجرات والكثير من نكد العيش وعدم الراحة مع شريك الحياة فاختلاف البيئة الاجتماعية التي نشأ فيها كل منهما جعل الجياة بينهما تكاد تكون مستحيلة بسبب ما يقبل عليه من تعدٍ بالألفاظ يصل في اوقات كثيرة الى التعدي بالضرب وتقول الزوج انها لم تكن تلجأ الى طلب الطلاق خشية من متاهات المحاكم التي لن تجدي نفعاً، خصوصاً وان كان الرجل ممانعاً ويستمتع بحياته التي يرى قوامته فيها بالتعدي عليها مستشهدة على ذلك بعدد النساء اللاتي يعانين في ساحات المحاكم وكذلك عدد القضايا في محاكم الأسرة والتي لم يبت في معظمها بسبب العوار القانوني حتى حادثتها احدى صديقاتها عن الخلع فكانت ضربة البداية لحياة يغلب عليها طابع المساواة والندية وبات البعل يعلم انه بجرة قلم من قاضٍ بمحكمة الأسرة يخسر زوجه وأسرته ويصبح الرجل المخلوع في نظر أهله ومجتمعه.

 

حالات ساعدهن الخلع في الخلاص:

وقفت ((هويدا. م)) أمام المحكمة، وأقامت دعوى خلع ضد بعلها ((عبدالرازق. أ)) البالغ من العمر 42 عامًا، بسبب رغبة بعلها في استغلال إعاقتها بقدمها اليمنى وإجبارها على التسول في أحدى الميادين لجمع المال.

وقالت الزوج خلال الدعوى أنها طلبت منه الطلاق أكثر من مرة، ولكنه رفض ذلك، ((في سبيل هذا تنازلت عن جميع حقوقي الشرعية وخشية ألا أقيم حقاً من الحقوق الشرعية، ورفعت دعوى طلاق خوفاً من التسول فى الميادين)).

واستطردت ((هويدا)) أنا أتعس إنسانة على وجه الأرض، وأصبحت لا أجد نفسي معه، ولا أستطيع العيش معه تحت سقف بيت واحد، إني أكره هذا الرجل كرهاً شديداً، ولا أحترمه تنازلت عن القيمة والعفش من أجل الطلاق ولكن بعلي رفض الطلاق، وصلت لمرحلة مرضية مزمنة، وأخذت العلاج لعدت شهور بسبب حالتي النفسية، كان يعايرنى بإعاقتي ومرضي، لذا لجأت إلى محكمة الأسرة لأتخلص من بعل لا يصلح أن يكون أباً يدير أسرة، أطالب بالخلع مقابل التنازل عن جميع حقوقي الزوجية والعيش بعيداً عن التسول.

 

نوال تنزف أمام محكمة الأسرة: ((طلقوني منه بيغتصبني)):

 

بعيون حائرة لجأت السيدة نوال للقضاء لطلب التطليق من بعلها بالخلع للتخلص من العقد المقدس الذى جمع بينها وبين بعلها بعد معاملته غير الآدمية لها في علاقة زوجية دامت 7 سنوات ظهر فيها وجهه الآخر الذى أخفاه طوال فترة الخطبة وحاول الأهل أن يصلحوا ما انكسر بينهما إلا أن المحاولات جميعها فشلت لأن السبب الحقيقي لم تعلنه الزوج، فقد منعها خجلها أن تقص على والديها ما يفعله بعلها إلى أن قررت أن تقول للقاضي ما خشيت قوله لأسرتها فكان بعلها يهجرها لشهور دون سبب ولا يعطيها حقوقها الشرعية مهما حاولت وعندما كان يمارس العلاقة الحميمية معها كان شديد العنف حتى أنها ذهبت للمستشفى أكثر من مرة مصابة بنزيف حاد نتيجة لعنفه، فتعرضت نجوى مع بعلها إما لعدم حصولها على حقها الشرعى وإما اغتصابها وفقدت الود والرحمة الذي أوصى به ديننا في العلاقة الزوجية وعند مواجهتها له بما تعانيه من معاشرته لها يقول ((هو كدا واذا كان عاجبك يا كدا يا مفيش خالص)).

أغرب حالات الطلاق عن طريق الخلع:

التحدث بالإنكليزية:

عدم موافقة البعل التحدث باللغة الإنكليزية مع زوجه، كان الدافع وراء رفعها دعوى خلع ضد بعلها، رغم أنه طبيب، لكنه فضل الحديث بلغته العربية، فطلبت منه الطلاق ورفعت عليه قضية للخلع. 

تصبحي على خير

ومن أغرب حالات الخلع والطلاق، كان تقدم امرأة تبلغ من العمر 67 عاماً، بدعوى طلاق من بعلها، الذي يبلغ من العمر 73 عاماً، لأنه نسي أن يقول لها ((تصبحي على خير)) قبل النوم.

رائحة الرجلين:

وكانت رائحة قدم الزوج الكريهة، الدافع وراء رفع امرأة قضية خلع على بعلها.

 

رفض الاستحمام:

كما رفعت امرأة دعوى خلع لرفض بعلها الاستحمام لأنها عادة قديمة له منذ الصغر.

النوم المستمر:

فيما رفعت زوج تبلغ من العمر 34 عامًا دعوى لخلع بعلها، ترى فيه أنه تحول لجسد متكاسل كل حياته نوم فى المنزل دون البحث عن مصدر رزق، كرهت معاشرته وبررت أسبابها بأنها تخشى الفتنة لأنها ما زالت في شبابها، وقررت الرحيل عنه دون إزعاجه ليستمر في نومه العميق كما يشاء. 

 

تحول البعل لامرأة:

بعد زواجها من رجل أعمال لمدة 3 سنوات وإنجاب طفلة، فوجئت زوجه، بقيام بعلها بإجراء عملية تحول إلى امرأة بعملية أجراها بالخارج في تايلند، ما دفعها إلى إقامة دعوى أمام المحكمة  لخلعه، وتساءلت الزوج هل هو بعلي أم صديقتي، وكانت البداية حين لاحظت شراءه لكمية من الملابس الخاصة بالنساء ودخوله غرفة منفردة ليضع كمية من مساحيق التجميل ويرتديها ويلتقط لنفسه العديد من الصور بها، وعندما واجهته بالأمر نهرها وترك المنزل، ثم غاب عنها لمدة 3 أشهر لتعلم بعدها بأمر العملية.

 

تربية القطط والكلاب:

فيما يهوى البعل تربية القطط والكلاب إلى حد انتشار رائحة كريهة في جميع أرجاء المنزل، إضافة إلى أن الأمر مكلف مع الظروف الاقتصادية الحالية، أصرت الزوج على الخلع.

صراع لا زال يؤرق المجتمع ترى من خلاله زورق الحياة الزوجية تتلاطمه الخلافات حتى يتهادى على صفحات الأيام.. بين منادٍ بالعدل والمساواة وآخر يرى ان للرجل سطوته وقوامته التي يجب ان يفرضها في كل شيء حتى وان كان مخطئأ.

وتبقى المحبة برافديها المودة والرحمة هما الفيصل في الحياة الانسانية .. ذلك الشعور الذي يملأ النفس بالطمأنينة.. ويصعد بها إلى فضاءات فسيحةٍ من الحب والألفة.. ويجعل الحياة على صعوبتها جديرة بالعيش.

 

تحقيق: هلا بلوط

 

 

الوسوم