بيروت | Clouds 28.7 c

التباين الحضاري بين العرب والأوربيين في القرن الثاني عشر / بقلم عبد الهادي محيسن

مجلة الشراع 28 شباط 2021

من حسن الحظ أن المؤرخ العربي الأمير أسامة بن منقذ ذو فكر ثاقب ومراقب نافذ البصيرة ترك لنا شهادة لاتنسى في عادات الفرنجة وحياتهم اليومية ، فها هو يقّدر أن عاداتهم البربرية قد تهذبت باحتكاكهم بالشرق ويشرح لنا ذلك فيقول : ومن الإفرنج قوم قد تبلدوا وعاشروا المسلمين فهم أصلح من القريبي العهد ببلادهم ويروي لنا حوادث جمعها خلال زيارته الى مملكة القدس فيقول .

شهدتهم يوما في نابلس وقد أحضروا رجلين للمبارزة والسبب أن حرامية من المسلمين سرقوا من ضيعة من ضياع الفرنجة ، فاتُّهم رجل من الفلاحين أنه دل الحرامية على الضيعة فهرب ...فقام الملك بحبس أولاده فعاد اليه وقال انصفني بأن أبارز الذي قال عني أني دللت الحرامية على القرية فقال الملك لحاكم القرية إحضر من يبارزه فمضى الى قريته فرأى فيها رجلا "حداد" بدلا عن الفلاح ...فأخذه وقال تبارزه .

 شاهدت الحداد شاب قوي البنية والذي طلب المبارزة شيخ فأعطى الفيكونت كل واحد منهما عصا غليظة وترس وجعل الناس من حولهم حلقة فالتقيا فتضاربا حتى أصبحا كتلتين من الدماء تتصارعان فطال الأمر بينهما فأعيا الحداد ذلك الشيخ ثم ضربه فوقع ووقعت عصاه تحت ظهره فبرك عليه الحداد وهو يداخل أصابعه في عينيه ولا يتمكن من كثرة الدم ثم قام عنه وضرب رأسه بالعصا حتى قتله فطرحوا في رقبته حبلا وجرّوه وشنقوه .. هذا من جملة فقههم وحكمهم .  

أما عن العدالة عند المسلمين فهي قضاة محترمون أسمى الإحترام ويتّبعون قبل حكمهم اجراءاً محدداً ينص عليه القرآن من ( تحقيق ودفاع وبينات ) بينما حكم الفرنجة الغربيون كأنه مهزلة جنائزية مثل المبارزة التي استبدل أحد أطرافها بشخص قوي آخر فكانت شكلا من أشكال المحاكمة بالتعذيب وحكما مسبقا بالموت .

لقد كان الفرنج في القرن الثاني عشر الميلادي متأخرون جدا عن العرب في جميع الميادين العلمية والتقنية ولكن البون كان أوسع بين الشرق المتقدم والغرب البدائي في ميدان الطب فيقول مؤرخنا أسامة بن منقذ : ومن عجب طبّهم أن صاحب المنيطرة كتب الى عمي الأمير بن المنذر يطلب منه إنفاذ طبيب يداوي مرضى من أصحابه فأرسل له طبيبا يقال له ثابت فما غاب بضعة أيام ثم عاد فقلنا له ما أسرع ما داويت المرضى ! .

قال لقد أحضروا عندي فارسا قد طلعت في رجله دملة وامرأة لحقها نشاف فعملت للفارس لبيخة ففتحت الدملة وصلحت ، وحميت المرأة ورطّبتُ مزاجها .... فجاءهم طبيب إفرنجي فقال لهم "هذا ما يعرف شيئا يداويهم " وقال للفارس أيهما أحب اليك تعيش برجل واحدة أم تموت برجلتين ؟ فقال أعيش برجل واحدة فقال أحضروا لي فارسا قويا وفأسا قاطعا .

فوضع ساقه فوق قرمة خشب وقال للفارس إضرب ضربة واحدة واقطعها فضربه ضربة فما انقطعت وضربه ثانية فسال مخ الساق ومات من ساعته ! ونظر الى المرأة فقال هذه المرأة في رأسها شيطان احلقوا شعرها فأخذ الموسى وشق رأسها صليبا وسلخ وسطه فبان عظم الرأس فحكه بالملح فماتت من ساعتها .... فقلت لهم بقي لكم الي حاجة قالوا لا .....فجئت وقد تعلمت من طبهم ما لم أكن أعرفه .

وكان أسامة يستنكر أخلاقهم وعاداتهم فاسمعه يقول : ليس عندهم شيء من النخوة والغيرة .. "يكون الرجل منهم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل آخر فيأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها والزوج يقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث ، فإذا طولت عليه تركها مع الرجل ومضى ..! وبقدر ما يزداد أسامة معرفة بالغربيين تزداد فكرته عنهم سوءاً .

عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث

الوسوم