بيروت | Clouds 28.7 c

تأملات في مسألة معارض الكتاب.. ومِسْكه/ بقلم فؤاد مطر

تأملات في مسألة معارض الكتاب.. ومِسْكه

بقلم فؤاد مطر

مجلة الشراع 20 كانون الأول 2019 العدد 1930

 

نتيجة الإستكبار الفارض سطوته على أي تخريجة لإصلاح ما يجب إصلاحه في لبنان، لم يُكتب للحدث المعرفي السنوي الذي هو معرض الكتاب أن يتم في الموعد المحدد آخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بأمل عقْده آخر شباط/ فبراير 2020 وأُضيع على اللبنانيين وغيرهم التجوال كما كل آخر شهر من العام على عشرات أجنحة دور النشر اللبنانية والعربية يختارون منها ما من شأنه إثراء المعرفة، كما يختارون لأولادهم من الكتب ما ينمي فيهم روح القراءة وباللغة العربية التي تتراجع بعض الشيء تحت وطأة وسائل المعرفة والتسلية الإلكترونية.

كما أُضيع على عالم النشر في لبنان الأمل في إستعادة حيويته وهو الذي كان من خلال 618 دار نشر مسجَّلة رسمياً يرفد العالم العربي على مدى نصف قرن من الخمسينيات بألوف العناوين لمؤلفات في الأدب والفقه والعلوم فضلاً عن ريادته في ترجمة ما ينفع باللغتيْن الفرنسية والإنكليزية إلى اللغة العربية تزيد من المعرفة لدى اللبناني والأشقاء العرب. هنا يحضُرنا القول الشهير: بيروت تطبع والعالم العربي يقرأ.. أو هي تطبع ليقرأ الأشقاء العرب. ولكم يشعر المرء بالأسى كون تنكيس عَلَم دورة معرض الكتاب في بيروت يحدُث بعد أسبوع من إعلان المديرية العامة للأونيسكو من باريس إختيار بيروت ((مدينة مبدعة في الأدب)) وتكون المدينة العربية الثانية بعد بغداد، المكتوية هي الأُخرى وسائر مدن بلاد الرافديْن بنار مفاعيل الثورة في شبكة المدن المبدعة التي أنشأتْها المنظمة الأممية الثقافية عام 2004. وفي حيثيات الإختيار ((إن لقب مدينة مبدعة يضع بيروت على خارطة المدن المبدعة في الأدب كما في غيره من المجالات بما يساهم في تحفيز الإنتاج الأدبي فيها والإنفتاح على آداب المدن الإبداعية الأُخرى)).

في الوقت الذي يحدُث هذا التنكيس لعَلَم معرض الكتاب في دورته السنوية، نجد كيف أنه في ظل الإستقرار تنعقد في الشارقة الدورة السنوية للمعرض ويلقى الكتاب من أهل الحُكم ومن الشعب الإماراتي وكذلك من المقيمين والعاملين في الدولة الإهتمام والإقبال، المماثل لما لقيه الكتاب في القاهرة في دورة معرضه للعام 2019، ونجد الحالة نفسها تحدُث في العام نفسه في دورة معرض الكتاب في دولة الكويت وفي الجزائر وقبل ذلك في دمشق وعمان وإسطنبول. وحتى في أربيل عايش إخواننا الكرد بإهتمام دورة لمعرض الكتاب في عاصمة إقليمهم، وكذلك في السودان الخارج شعبه من نضال مرير إنتهى بصيغة سيادية وحكومية مستقرة أقيم معرض الكتاب وأثمر إهتماماً من جيل الإنتفاضة الميمونة.

وكما في كل السنوات السلمانية الماضية أخذ معرض الكتاب في الرياض وكذلك في جدة الحظوة اللافتة من الإهتمام ليس فقط لأن الكلمة تزداد زهواً في ظل القائد المعرفي الملك سلمان بن عبد العزيز وإنما لأن الخمسية الأُولى لخادم الحرمين الشريفين زادت الإستقرار ثباتاً. ومِن قبل إنعقاد الدورة المقبلة لمعرض الكتاب في الرياض تتواصل الطفرة المعرفية بكل ملامحها التي آخرها وليس أخيرها عضوية في المجلس التنفيذي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ((الأونيسكو)).

كما أن المملكة وعلى نحو ما أفاد به وزير الثقافة بدر بن عبدالله بن فرحان على موعد مع خطوة متقدمة من خلال مبادرة ((مِسْك الكتب)) أحد رموز معالم التطوير لـ((رؤية 2030)) على نحو الشمولية التي يريدها لها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، وتتمثل تلك الخطوة بنشر مئة عنوان في شتى حقول المعرفة. وما هو لافت في هذا الإطار أن هذه الخطوة ما دامت ليست ربحية وتأخذها على عاتقها المرجعية الثانية في الدولة وبما يمثله رمزها الأمير محمد من حيوية وحِرْص على الإنجاز، فإنها ستتيح المجال أمام الألوف الذين يتطلعون إلى القراءات النوعية لكن ارتفاع أسعار الكتب على ما هي الحال في الزمن الراهن لا تيسر الأمر أمام مَن يؤسس في منزله مكتبة خاصة تحوي العناوين المختارة بعناية وفي معظم مجالات المعرفة، هذا إلى أن هذه المئة عنوان ستليها مئة أُخرى بل ومئات وذلك لأن آفاق الطفرة الثقافية والمعرفية التي تشمل العلوم والفنون والطب والتراث والسياسة والآثار رحبة. كما أن التطوير أياً كانت هويته لا يُختصر بمدة زمنية.

ثم إن هذه الخطوة المعرفية المتمثلة بـ((مِسْك الكتب)) ربما تؤسس بعد التعامل مع دور نشر عالمية ذات سمعة في جدية ما تنشره من كُتب تتولى المؤسسة التي أرادها الأمير محمد بن سلمان وتلقى إهتماماً نوعياً من جانبه، إلى أن يكون هنالك نشْر بالمقابل من جانب دور النشر الأجنبية لمؤلفات تصدر بالعربية، خصوصاً أن في العالم العربي صفوة من المفكرين الذين يثري دعم ((مِسْك الكتب)) لهم شحْذ هممهم وتركيزهم على إنجاز أعمال تفيد الأمة عند ترجمتها إلى لغات أجنبية. وبذلك لا يقتصر الأمر على أن تكون العملية المتوخاة حصراً على ترجمة الأجنبي إلى العربي وإنما تعامُل بالمثل. وهذا نفتقده مع الأسف في التعامل الإعلامي مع مؤسسات أجنبية تتولى تسويق كتابات ليست كلها في المستوى المناسب لقضايا الأمة، ويتم نشْر هذه الكتابات بعد ترجمتها إلى العربية من دون أن تحذو الجهة المسوِّقة الحذو المقابل أي تسوِّق من الكتابات باللغة العربية ما تراه مناسباً. وعدا ذلك تبقى المسألة بمفردات أهل التجارة والأسواق أقرب إلى مجرد عملية إستيراد من دون تصدير.

وأستحضر كتأكيد إلى ما أشير إليه في شأن إمكانية التبادل النشري إلى أننا في الثمانينيات عشنا خطوة لافتة. في تلك الحقبة كنت أنشر في لندن مجلة ((التضامن)) الأسبوعية السياسية والإقتصادية وأبرمنا إتفاق تعاون مع صحيفة ((فايننشال تايمز)) ننشر بالعربية مواد مختارة منها مع بعض التصرف الموضوعي في الترجمة من الإنكليزية على أن تنشر الصحيفة ما تراه مناسباً أيضاً من مادة حول أمور إقتصادية عربية تنفرد المجلة بها. وكان هذا الإتفاق رائداً وحقق المبتغى. كما إنه شجعنا على إبرام إتفاق مماثل مع دار النشر التابعة لجامعة ((كمبردج)) وباشرْنا إصدار بعض عناوين صادرة عن الدار كما بدأنا نُعد العدة لتأمين تزويد دار ((كمبردج)) بمادة كُتب نشرنا في ((التضامن)) فصولاً منها وهي من تأليف الدكتور لويس عوض والدكتورة نوال السعداوي وكذلك كتاب لي حول السيرة الذاتية والنضالية للدكتور جورج حبش وكان مأمولاً للخطوة أن تصل إلى مرحلة التنفيذ والديمومة لولا أن الظروف الناشئة عن الغزوة الصدَّامية للكويت وما تلاها من حرب عربية دولية على العراق، أربكت خطوات كثيرة إحداها خطوة طموحة على صعيد النشر المشترَك الذي أشرتُ إليه. وقصدي من ذلك هو القول إن عملية الإستيراد يقابله التصدير ممكنة ووجوب الأخذ بها يعطي الإستنهاض الثقافي النوعي من جانب ((مِسْك الكتاب)) رونقاً يزيد من وهج الطفرة الثقافية المبهرة في المملكة العربية السعودية بكل روافد بحيرتها العميقة.

الوسوم