توقعات تركية بـ«يوم تالٍ» قاتم: سوريا نحو «سيفر» جديدة؟ / كتب: محمد نور الدين
الشراع 5 كانون الأول 2024
*تحاول الفصائل السورية المسلحة مواصلة تقدُّمها في اتجاه محافظة حماة وريفها، بعدما أكملت سيطرتها على حلب، في وقت يستعدّ فيه الجيش السوري للانتقال إلى مرحلة الهجوم المضاد.*
*وممّا يجري، يبدو أن تركيا تسعى من وراء الهجمات المسلحة الأخيرة، إلى تحقيق هدفَين أساسيَّين:*
*الأول، احتلال أوسع مساحة ممكنة من الأرض الخاضعة لسيطرة الدولة السورية قبل أن يتمكّن ثالوث أستانا، مضافاً إليه قطر، من وقف القتال والبحث عن حلول سلمية للمستجدات.*
*أمّا الثاني، فهو العمل على «تنظيف» المنطقة الواقعة غرب الفرات من أيّ تواجد كردي مسلح أو غير مسلح. وعلى غرار ما جرى في عفرين، فإن المعارضة المسلحة، ولا سيما «الجيش الوطني» المدعوم من تركيا، نجحت في إخراج عناصر «قوات سورية الديموقراطية» وعشرات الآلاف من المدنيين الأكراد من الأحياء التي كانوا موجودين فيها في حلب وتل رفعت، إلى مناطق شرق الفرات، في انتظار تصفية مَن تبقّى منهم في مناطق أخرى، ومنها منبج.*
وإذا ما حقّقت هذين الهدفين، تكون تركيا، وفقاً لتصريحات مسؤوليها، قد أحكمت سيطرتها على جميع مناطق غرب الفرات التي تقع خارج سيطرة الدولة، وحالت دون أن يؤسّس الأكراد كوريدوراً جغرافياً متّصلاً من الرقة إلى حلب وتل رفعت ومنبج. وفي ظلّ تلك المتغيرات، تصبح تركيا، كما تعتقد، في موقع ميداني أقوى من ذي قبل، في انتظار تسلّم السلطة من قبل دونالد ترامب، الذي لا تزال أنقرة تأمل في أن يتّخذ قراراً بالانسحاب من سورية ، لتتمكّن هي من تصفية الوجود الكردي المسلح، وملء «الفراغ» الذي سيخلّفه خروج أميركا من اللعبة.
أمّا البعد السياسي المتعلق بالنظام، فهو فرض الشروط التي تناسب تركيا والتي يتضمّنها القرار 2254، ويكرّرها دائماً وزير الدفاع التركي، ياشار غولر، من وجوب تحقيق المصالحة بين دمشق والمعارضة عبر إجراء انتخابات وإقرار دستور وتشكيل حكومة «شرعية»، وما يعنيه ذلك من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ويأتي كل هذا، في وقت دعت فيه ثلاث دول غربية رئيسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا)، في بيان، إلى «خفض التوترات» في سورية وتطبيق القرار 2254، في ما يشير إلى بداية مرحلة جديدة لفرض تطبيق القرار الدولي، وتصفية النظام السوري بما يتناسب مع مصالح تركيا والغرب، وهو ما يمثّل أيضاً مصلحة إسرائيلية قصوى، لأن من شأن ما تقدّم، أن يقطع الممرّ السوري أمام إمداد «حزب الله» في لبنان بالسلاح والمساعدات الإيرانية.
ووفقاً لصحيفة «جمهورييات»، فإن إسرائيل كانت تركّز هجماتها المسلحة على قواعد ومطارات ومنشآت سورية تقع بين حلب وحماة تحديداً، وهو ما كان بمنزلة تمهيد للأرضية الميدانية لفصائل إدلب لبدء هجومها الواسع، يوم الخميس الماضي.
وفي سياق «توضيح» أهداف هجمات المعارضة، أشار عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات»، إلى أن الرئيس السوري، بشار الأسد، «رفض بإصرار، منذ سنة، مصافحة إردوغان الذي كان يمدّ له اليد تكراراً. والأسد الآن يدفع ثمن عدم مبادلة إردوغان بالمثل. ولم يَعُد يسيطر سوى على اللاذقية ودمشق. لكن الوقت لم يفت بعد، ويمكن للأسد في المرحلة الجديدة مصافحة يد إردوغان الممدودة له».
وبالتالي، فإن ما لم تحقّقه تركيا بالسلم، تحاول الآن تحقيقه بالقوّة. ومنطق القوة هذا، يبدو أنه لا يجد صدًى لدى القيادة السورية التي أعلن رئيسها أن الإرعاب «لا يفهم سوى لغة القوة»، معتمداً في ذلك على الجيش السوري الذي يريد استعادة زمام المبادرة في الميدان، وعلى ما يمكن أن تقدّمه له كل من إيران وروسيا من دعم، ولا سيما بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى دمشق.
*▪️يرى بعض الأتراك أن الحلّ هو إمّا «حكومة مؤقتة بين النظام والمعارضة، أو تقسيم سورية »*
وفي الوقت نفسه، تستمرّ المساعي الإيرانية - الروسية لبحث إحياء مسار أستانا، والتمهيد لاجتماع جديد لثلاثيتها، إضافة إلى قطر. وبطبيعة الحال، فإن التطورات الميدانية قد تجاوزت قرارات ثلاثي أستانا السابقة، حيث لم تَعُد الأمور تتعلّق بفتح طريق هنا (أم4) أو انسحاب من هناك (تل رفعت ومنبج... إلخ)، بل لا بد أن يبدأ البحث من نقطة الصفر وما يتضمّنه ذلك من مساومات جديدة وعسيرة في شأن ملامح الحلّ بين دمشق وأنقرة، التي تمتاز الآن برجاحة الموقع في المعادلة الميدانية والاجتماعية، مع ارتياح الأتراك لمغادرة الأكراد، وانحسار السيطرة السورية على حلب وريفها والاقتراب من حماة. وترى أوساط إردوغان أن الطريق بات ممهّداً لعودة اللاجئين إلى حلب، والأهم «عودة» حلب إلى ديموغرافيتها المذهبية بعد محاولة «طمس» هويتها.
ويكتب مراد يتكين، من جهته، أن لتركيا في سورية الآن، ثلاث أولويات: منع حصول موجة نزوح جديدة، ومنع الأكراد من كسب أيّ مواقع جديدة، وإنهاء الأزمة بالديبلوماسية مع القوى الأساسية (إيران وروسيا).
ويقول الكاتب إن إردوغان حذّر، مع بداية تشرين الثاني الماضي، من أن القوات المسلحة التركية ستكون ملزمة بالقيام بعملية شاملة تضمّ العراق وسورية إذا اضطرتها الظروف إلى ذلك.
فهل يعني ما تقدّم نهاية مسار أستانا؟ وفقاً ليتكين، نقلاً عن مصدر ديبلوماسي تركي، فإن «هذا المسار موجود أصلاً في الثلاجة. ومن غير الممكن القطع بأنه سينتهي أم سيعاد إحياؤه».
وتستعيد هاندي فرات، في «حرييات»، بدورها، ما قاله إردوغان قبل مدة، من أن جهود تركيا لإقامة منطقة آمنة خالية من الإرهاب على امتداد حدودها من البحر المتوسط إلى الحدود الإيرانية، في طريقها إلى التحقُّق خطوة خطوة، وأن 2025 سيكون عام تتويج هذه الجهود بـ«الديبلوماسية، وبالقوّة العسكرية». وتقول الكاتبة إن أنقرة تستكمل استعداداتها منذ مدة؛ إذ وتبعاً لمصدر رفيع المستوى، فإن «رفض الأسد الاستجابة لنداءات إردوغان، ورفضه المصالحة مع المعارضة، وهجمات الجيش السوري على المدنيين في إدلب، ووجود بؤر الحرب في أوكرانيا وإسرائيل، كل ذلك كان سبباً لتخريب الوضع في سورية .
ونظراً إلى ما تقدم، فإن الاستخبارات التركية، برئاسة إبراهيم قالين، تراقب بكلّ دقّة تطوّرات الميدان منذ ثلاثة أشهر، وقامت بكل التحضيرات لمواجهة الوضع. وبعدما بدأت هيئة تحرير الشام هجومها، نزلت الاستخبارات التركية بكلّ قوّتها على الأرض.
وكان هدفها تنظيف تل رفعت عبر الجيش الوطني السوري، وهذا ما حصل. وقد أعلمت تركيا، روسيا بالأمر قبلاً، لأن هناك قوات روسية ولو قليلة العدد في تل رفعت، وقد سحبت روسيا جنودها من هناك فوراً.
كذلك، غادرت العناصر الكردية المسلّحة تل رفعت في اتجاه الجنوب وشرق الفرات. لكن القوات التركية قطعت الطريق بين تل رفعت والرقة ومنعت وصول تعزيزات إلى منبج التي تحاصرها قوات الجيش الوطني تمهيداً لإسقاطها».
وتنهي الكاتبة مقالتها بالقول إن «أنقرة كانت تنتظر باهتمام ما إذا كان وزير الخارجية الإيراني يحمل أيّ رسالة من الأسد للقاء مع الأتراك. لكن تبيّن أن عراقجي لم ينقل إلى الأسد أيّ رسالة أو نصيحة في شأن اللقاء بين الأتراك والسوريين».
وفيما تعتبر صحيفة «تركيا» الموالية إلى أن الحلّ هو إمّا «حكومة مؤقتة بين النظام والمعارضة، أو تقسيم سورية »، يكتب مصطفى بالباي، في «جمهورييات»، محذّراً من أن الولايات المتحدة وإسرائيل قرّرتا تقسيم سورية بدءاً من سيطرة إسرائيل على جنوبها، ثم إحداث الفوضى الحالية في الشمال، مضيفاً: «سورية الآن بحكم المقسمة إلى أربع مناطق: الجنوب تحت سيطرة إسرائيل، ومنطقة قسد، ومنطقة هيئة تحرير الشام، والمنطقة العلوية. هذا يعني سيفر سوريّة»، في إشارة إلى الاتفاقية التي قسّمت تركيا والأناضول بعد الحرب العالمية الأولى، عام 1920.
ويتابع بلباي: «عندما ننظر إلى سورية من تركيا، فإن الوضع أكثر فوضوية. وفي مناخ صمت العالم الإسلامي، وبحث إيران عن التمدّد عبر العراق، وتعاون موسكو مع دمشق، والاستعداد لتسلّم ترامب، والألاعيب الإسرائيلية، فإن على تركيا القيام بشيء واحد: أن تحمي نفسها. وهذا لا يكون بالانحياز إلى طرف دون آخر».