طانيوس شاهين ويوسف بيك كرم مارونيان: ثائر اشتراكي وعروبي من لبنان
الشراع 12 ايلول 2024
-
الثورة البيضاء
———————
المحامي رشيد قباني اصدر كتاباً تحت عنوان :
الثورة البيضاء
لبنان من الموت القسري إلى الديمومة …
نقتطف منه سيرة مناضلين مارونيين هما الثائر طانيوس شاهين ضد الإقطاع والعروبي يوسف بيك كرم .
———————-
تأججت الصراعات الطائفية في سنتي 1840 و 1845 بين الموارنة وبين الدروز، واستمرت اثر تقسيم امارة جبل لبنان سنه 1842 الى قائمقاميتين، احداهما للمسيحيين والاخرى للدروز الى سنة 1859، وتأججت مرة ثانية هذه الصراعات سنة 1860 حين ثار الفلاحون في كسروان ضد مشايخ آل الخازن الاقطاعيين واجلوهم عن المنطقة، وهذا صراع طبقي ضمن الطائفة الواحدة واخذت بعدها الثوري الوطني الاجتماعي بإعلان ثورة الفلاحين بقيادة طانيوس شاهين ضد الاقطاعيين المسيحيين من ال الخازن وال حبيش وال ابي اللمع وامتدت الى الشوف ضد الاقطاعيين الدروز من آل جنبلاط وال تلحوق وال العماد وال نكد وال عبد الملك وكانت اول ثورة شعبية ذات بعد اجتماعي في لبنان.
اعلن طانيوس شاهين قيام الجمهورية برئاسته فكانت اول جمهورية في لبنان الا ان هذه الثورة المباركة قد تحولت فيما بعد الى اقتتال مسيحي- مسيحي بين زعماء الطائفة والى اقتتال مسيحي- درزي. كل ذلك بفعل دسائس الزعامات مع الحكومات التركية والفرنسية والإنجليزية حفاظاً على مصالح هؤلاء الزعماء ومكانتهم وتحقيقاً لمصالح هذه الدول ونفوذها في مناطقهم.
اجهضت في لبنان اول ثورة واجهضت اول حكومة، واستمرت هذه الصراعات الى قيام ثورة يوسف بيك كرم 1823- 1889 التي انطلقت من الظروف نفسها التي كانت سائدة ايام ثورة طانيوس شاهين ذلك الثائر الذي لم يعرف لبنان مثيلا له لا في تاريخه القديم ولا في تاريخه الحديث.
يوسف بك كرم ابن قريته اهدن ومن اسرة غنية اقطاعية تخلى عن كل ثروته لتمويل جيشه. هو المتعلم الذي يجيد اربع لغات العربية والآرامية والإيطالية والفرنسية المقاتل بالأيدي وبالسيف المؤمن بمسيحيته ايمانا عميقا من دون تعصب المنفتح على كل اللبنانيين من كل الطوائف بعلائق وصداقات. ومن وحي ايمانه المسيحي والوطني سار ضد الطائفية والاقطاع والظلم والقهر، المتألق بعروبته الداعي للوحدة العربية.
يوسف بك كرم ضد الاستعمار التركي وظلمه:
شكل يوسف كرم جيشاً قويا برجاله وعتاده وخاض معارك عديدة ضد العسكر التركي وانتصر فيها جميعاً وابرزها معركة بنشعي الكبيرة التي هزم فيها كرم ورجاله جحافل العسكر التركي ومعركة سبعل. نفته الحكومة التركية مرتين الاولى سنه 1861 الى اسطنبول والثانية سنه 1867 الى مصر فالى فرنسا.
يوسف بيك كرم الوطني اللبناني بطل لبنان:
كان يوسف كرم يأمل ان يصبح حاكماً لكل لبنان الحر السيد وله انصار مؤيدون من كل المناطق والطوائف، وفي مقدمتهم الشيعي سليمان الحرفوش امير قطاع سهل البقاع الذي قتلته الحكومة التركية بشكل همجي كونه من اعوان يوسف بك كرم الرافض للظلم من اية جهة كانت حتى لو كان من البطريرك الماروني بولس مسعد والاقطاع المسيحي.
هو الثائر على المتصرف التركي الكاثوليكي المسيحي داوود باشا، وكان رافضاً ان تكون المتصرفية تحت امرة انسان غير لبناني، وهو القائل عند نفيه آمراً نفسه: فلأضح انا وليعيش لبنان. تجلى هذا الشعار بعد ان علم ان حاكم طرابلس التركي قد خصص مكافأة لإلقاء القبض عليه حيا او ميتا. فما كان من يوسف كرم الا ان حضر لوحده الى مقر الحاكم في طرابلس مبدياً امامه استعداده لتسليم نفسه مقابل ان تخصص المكافأة لمساعدة الشعب المحتاج. فأعجب الحاكم بفروسيته واخلاقه وشجاعته فعفا عنه.
يوسف بيك كرم المفكر العروبي الوحدوي:
كان يوسف كرم اول من طرح الكونفدرالية على مستوى الوطن العربي كصيغة اتحادية لأبناء الامة العربية، وربما هو اول من استعمل كلمة الامة العربية في رسائله الى الامير عبد القادر الجزائري الثائر ضد الفرنسيين في سنه 1877 طارحا فيها مشروعه لقيام سلطنة عربية. فيقول كرم: لدى سقوط الحكومة العثمانية يتلقانا الاجانب بالإرث عنها ولا يستطيع الجنس العربي ان يتحد تحت راية واحدة على قاعدة حق العباد وحفظ الحقوق.
يوسف بك كرم ذلك البطل ذو الرؤية الاستراتيجية، وتحسبا من وقوع لبنان وبقية الاقطار العربية تحت السيطرة الأجنبية الفرنسية والإنجليزية نادى بإقامة دولة الوحدة العربية تحت راية واحدة تقوم على اقامة اقاليم مستقلة متحدة بطريقة الكونفدرالية. وفعلا تحقق ما كان يخشاه فقسمت المنطقة وفقاً لمخطط سايكس بيكو فوقع لبنان وسوريا تحت الاحتلال الفرنسي، والاردن وفلسطين تحت الاحتلال الانجليزي. فلم يتحقق حلمه بإقامة دولة الوحدة، اذ يقول كرم: بينما حكومة روسيا منهمكة بالحرب الحاضرة، فان حكومتي فرنسا وانجلترا قد هيأتا الوسائل الآيلة الى تجزئة الديار العربية الى اقاليم تلجأ الى حمايتها. وتحمل هذه الاقاليم على رفض حماية الحكومة الروسية خوفا من ان يجمع الجنس العربي صفوفه ويصبح حكومة واحده.
ان حكومتي فرنسا وانجلترا تخشيان ان يمتد فيما بعد اتحاد الجنس العربي، فينتزع منهما الجزائر وبعض اقاليم الهند لذلك هما ترغبان باستبعادنا جميعا.
وقد توصل الى خلاصة مفادها بقوله: ان لا نجاة ولا نجاح للأقطار العربية جميعا الا بالاتحاد. ويقول: جدير لنا اذا نحن الشرقيين ان يكون لنا المشرق بأسره من ان تكون لنا اوطان عديدة مهانة على صغرها وانقسامها....
ان يوسف بك كرم بفكره الاستراتيجي العروبي الوحدوي رائد العروبة الحضارية الواقعية ويلتقي بأفكاره وتطلعاته في العصر الحالي مع افكار الزعيم العربي جمال عبد الناصر ومبادئه، وبتخليه عن ثروته لتمويل جيشه، كمثل الثائر الكوبي نستوتشي جيفارا الذي تخلى عن ثروته، وقاد الثورة مع فيدال كاسترو بإبعادها الوطنية والأيديولوجية.