"سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام"
بقلم الشيخ أسامة السيد
الشراع 26 كانون الأول 2024
الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
قال الله تعالى:{إذ قالت الملآئكة يا مريم إن الله يُبشِّرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويُكلِّم الناس في المهد وكهلًا ومن الصَّالحين} سورة آل عمران.
قد سبق وتكلمنا عن سيدنا عيسى المسيح عليه السلام في غير مقالٍ فلينظرها من شاء لكنني أردت في هذا المقال أن أنبِّه على أربع مسائل مهمةٍ فأقول:
المسألة الأولى: لم يثبت على وجه التحديد متى كان مولد سيدنا عيسى عليه السلام وإن كان الأظهر أنه وُلد في الشتاء قال تعالى في شأن السيدة مريم حين ولدت سيدنا عيسى عليهما السلام:{وهزِّي إليك بجذع النخلة تُساقط عليك رطبًا جنيًّا} سورة مريم. والرُّطب أوانه أول الشتاء لكننا لا نجزم في أي شهرٍ وأي يومٍ كان ذاك المولد الميمون ولو ثبت لدينا لاحتفلنا به كما نحتفل بمولد سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كيف لا ونحن نؤمن أن عيسى ومحمدًا عليهما السلام أخوان ولا يكون المرء مؤمنًا ولا مسلمًا ما لم يؤمن بعيسى كما يؤمن بمحمدٍ عليهما السلام، قال تعالى:{لا نُفرِّق بين أحدٍ من رسله} سورة البقرة. معناه: لا نؤمن ببعضٍ ونكفُر ببعضٍ بل نؤمن بالأنبياء الكرام جميعًا، وقال تعالى أيضًا:{لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون} سورة البقرة.
المسألة الثانية: قد كان مولد سيدنا عيسى عليه السلام من غير نطفةِ أبٍ ولا أمٍ كما دلَّ على هذا المعنى قول الله تعالى:{إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون} سورة آل عمران. والذي حصل أن جبريل الأمين عليه السلام نفخ الروح في جيب السيدة مريم أي فتحة الثوب عند العنق فحملت بعيسى عليه السلام بلا مني أنثى أو رجل قال تعالى:{ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجَها فنفخنا فيه من روحنا} سورة التحريم. والمعنى: أمرنا جبريل عليه السلام أن ينفخ الروح في جيب مريم عليها السلام، وقوله: روحنا أي الروح التي هي مِلكٌ لنا ومشرَّفةٌ عندنا فالإضافة للتشريف لا للجزئية فإن الله تعالى لا يحل في شىءٍ ولا ينحل منه شىءٌ بل هو الواحد الأحد الذي ليس كمثله شىءٌ، ومن الضلال المبين اعتقاد أن الله تعالى روحٌ عظمية وأن روح آدم أو عيسى أو محمّدٍ أو جبريل أو غيرهم أجزاءٌ منها فإن اعتقاد هذا ضد الدين وخلاف ملة المؤمنين، ولتقريب ذلك للأفهام نقول: كما يقال في الكعبة بيت الله والمعنى بيتٌ مملوكٌ لله مُشرَّفٌ عند الله قال تعالى:{وعهدنآ إلى إبراهيم وإسمعيل أن طهِّرا بيتي} سورة البقرة. كذلك قوله تعالى في حق سيدنا عيسى عليه السلام:{إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاهآ إلى مريم وروحٌ منه فآمنوا بالله ورسله} سورة النساء. فيه تشريفُ لعيسى عليه السلام. ومعنى: وكلمته البشارة التي بشَّرها جبريل عليه السلام لمريم بأنها تلد مولودًا طيِّبًا قال تعالى إخبارًا عن جبريل عليه السلام:{قال إنمآ أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيًّا} سورة مريم. ومعنى: وروحٌ منه روحٌ مخلوقةٌ لله والإضافة في قوله منه للتشريف فإن الأرواح على قسمين: أرواحٌ مشرَّفةٌ كأرواح الأنبياء والصَّالحين وأرواحٌ خبيثةٌ كأرواح الشياطين. وعن عبادة بن الصَّامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسُوله وأن عيسى عبد الله ورسُوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه والجنة حقٌ والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" متفقٌ عليه. ومعنى: "والجنة حق" موجودةٌ وباقية ومعنى: "والنار حق" موجودةٌ أيضًا وباقية وقوله: "أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" أي وفَّقه الله إذا داوم على قول هذه الشهادة بتمامها كل يومٍ إلى العمل الصالح بحيث يحسن حاله وختامه فيدخل الجنة بغير عذاب وهذا من أسرار المواظبة على قراءة هذه الشهادة بنيةٍ خالصةٍ لله تعالى كل يومٍ وقد سمَّاها العلماء (الشهادة الخاصَّة) وليس المعنى أنه يجب الإتيان بهذه الصيغة للدخول في الإسلام إنما الدخول في الإسلام بالنسبة للكافر يكون بقول: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله مرةً واحدةً
المسألة الثالثة: قد جاء سيدنا عيسى عليه السلام بالإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء عليهم السلام وإليه دعوا ولا خلاف في العقائد بين نبيٍ ونبيٍ آخر، إنما وقع الخلاف في شرائع المرسلين أي الأحكام العملية كالصلاة والزكاة والصوم قال تعالى:{إن الدين عند الله الإسلام} سورة آل عمران. وقال تعالى:{ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} سورة آل عمران.
وقال تعالى:{وقال المسيح يابني إسرآئيل اعبدوا الله ربي وربَّكم إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار} سورة المائدة.
وقال تعالى أيضًا:{فلمَّا أحسَّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ءامنا بالله واشهد بأنا مسلمون} سورة آل عمران.
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوةٌ لعلَّات أمهاتهم شتَّى(شرائعهم مختلفة) ودينهم واحد(أي الإسلام) رواه البخاري. وقوله إخوةٌ لعلات تشبيهٌ، يقال للإخوة إذا كانوا لأبٍ واحدٍ وأكثر من أمٍ: إخوةٌ لعلَّات.
المسألة الأخيرة: ما زال عيسى عليه السلام حيًّا وقد اجتمع به سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم في السماء الثانية ليلة الإسراء والمعراج وقد كان رفعه إلى السمآء بعدما تآمر اليهود لقتله فنجَّاه الله تعالى ولسنا بصدد الكلام في تفصيل ذلك ومن أراد زيادة المعرفة فليسأل أهل العلم وسينزل عيسى عليه السلام من السماء آخر الزمان وينصر الله به الدين الحق دين الأنبياء فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليهبطن عيسى ابن مريم حكمًا عدلًا وإمامًا مقسطًا الحديث" صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس بيني وبين عيسى نبي وإنه نازلٌ فإذا رأيتموه فاعرفوه الحديث وذكر صفته" رواه أبو داود. والحمد لله أولًا وآخرًا.