"من أمناء حزب الله: السيد عباس الموسوي"/ كتب: محمد المشهداني
الشراع 19 تشرين الأول 2024
ولد السيد عباس الموسوي في العام 1952. في بلدة النبي شيت في البقاع في لبنان ،ودرس في مدرسة البلدة الرسمية وتابع دراسته الابتدائية في مدرسة الساحل الواقعة في الشيّاح في الضاحية الجنوبية لبيروت ،حتى أنهى المرحلة المتوسطة.
التحاقه بالمقاومة الفلسطينية _
——————
تعرّف السيد عباس الموسوي على المقاومة الفلسطينيةفي أوائل شبابه ،وقرر أن يلتحق بإحدى الدورات العسكرية التي أقيمت في سورية ، ولمّ يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره حينها.
تعرّفه على السيد موسى الصدر _
كان من عادة السيد موسى الصدر أن يأتي إلى الشياح لزيارة أحد السادة من آل الموسوي، وهو قريب لوالد السيد عباس ،فأرسل السيد عباس مع والده للسيد موسى الصدر، أنه يرغب بلقائه والتعلم عنده، فأعطاه السيد موسى الصدر موعداً في صور، وبعد الإجراءات المتّبعة دخل إلى عالم طلب العلوم الدينية.
وأصبح السيد عباس الموسوي صاحب معرفة عميقة بالسيد موسى الصدر، أدّت إلى أن يتأثر به بشكل واضح، خصوصاً من ناحية الرسالة السياسية والحركة التبليغية والنشاط الإجتماعي وفهم الناس والتعامل معهم والإنفتاح على الآخر. وقد أُعجب السيد موسى الصدر بالسيد عباس الموسوي.. و مما دفعه ليعطيه أهتماما خاصا لأنه إستطاع أن يلفت نظر السيد موسى الصدر، من خلال تجاوزه لهمومه الشخصية ليحمل هموماً تخصّ الأوضاع العامة.
في النجف الأشرف_
و رأى السيد عباس الموسوي أنه من الضروري الذهاب إلى النجف الأشرف ،والتعرف على كل مظاهر العلم هناك ،لذا قام السيد موسى الصدر بالكتابة إلى صهره وأبن عمه السيد محمد باقر الصدر موصياً إياه بالسيد عباس الموسوي، فهاجر السيد عباس إلى النجف الأشرف في العام 1969. وهو في السابعة عشرة من عمره.
دور السيد محمد باقر الصدر _
أشتهرت مكانة السيد محمد باقر الصدر العلمية في الحوزة العلمية، وشكّل بالنسبة إلى السيد عباس الموسوي نموذجاً فريدا فمن جهة الدراسة كان موضوع التبليغ وضرورة المبادرة إليه من أهم المواضيع التي أوصى بها السيد محمد باقر الصدر، فقام السيد عباس الموسوي مع جملة من أخوانه طلبة العلوم الدينية، بعقد ندوة أسبوعية يتكلم فيها بعضهم ويقوم البعض الآخر بتوجيه الأسئلة والإشكالات، ثم بعد ذلك تجري عملية تصحيح لنقاط الخلل إن كان ثمة نقاط خلل في الكلام ،أو في رد الإشكالات. وفي تلك المرحلة تعرّف السيد عباس الموسوي إلى رفيق دربه الشيخ راغب حرب.
زواجه_
في العام 1973. تزوج السيد عباس الموسوي من إبنة عمه السيدة سهام _ أم ياسر، وسافرا معاً إلى النجف الأشرف. وكانت السيدة أم ياسر إحدى تلامذة السيد عباس الموسوي ،و كما كان لها دور أساسي في مشروعه في النهضة والتوعية .
العمل التبليغي في مرحلة عقد السبعينيات_
———-
في أول زيارة للسيد الموسوي إلى لبنان في العام 1973. بدأ فعلاً بالعمل التبليغي منطلقاً من بلدته النبي شيت ،حيث كان يجتمع الشباب في البلدة يستمعون إلى محاضرات للسيد عباس الموسوي ،الذي لم يتجاوز آنذاك الحادية والعشرين من عمره. وساعده أمتلاكه قدرة خطابية مميزة، و زاد في ميزتها الأفكار المتماسكة التي تمكّن السيد عباس الموسوي من تحصيلها خلال سنوات قليلة.
وبسرعة تمكن من أن يجعل من النبي شيت منطلقاً لعمله الذي شمل القرى والبلدات المحيطة بها، وكان يذهب بصحبة عقيلته التي كان لها دورها في تبليغ النساء في تلك النواحي.
العودة إلى لبنان بشكل نهائي _
لازم السيد عباس الموسوي طلب العلم في النجف الأشرف إلى العام 1977. وهو العام التي أخذت فيه السلطة العراقية ، بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي قراراً ببدء حملة ضد الحوزة العلمية ..و كان السيد عباس الموسوي حين أخذ القرار قد أتى إلى لبنان للتبليغ كعادته في شهر محرم ..وعلم بحملة الأعتقالات .وأدرك أن أسمه يأتي في رأس قائمة المطلوبين للسلطة، وعلى الرغم من ذلك أراد العودة إلى النجف الأشرف ،لولا أن أستاذه السيد محمد باقر الصدر أمره بالبقاء في لبنان ،ريثما تنجلي الأمور ،و لا سيما أن السيد محمد باقر الصدر كان يعلم أن السلطة إذا ألقت القبض على السيد عباس الموسوي ،فلن يكون هناك مجال لإنقاذه. ولما إتجهت الأمور إلى التصعيد من جانب السلطة العراقية قرر السيد الإستقرار في لبنان ليبدأ بالإعداد لمشروع آخر.
في بعلبك_
والتقى السيد عباس الموسوي بطلابه المرحّلين من العراق في لبنان، ونجح في جمع شملهم من جديد. ورأى السيد عباس الموسوي وطلابه أن الخيار الوحيد الباقي هو الإقامة في لبنان .ووقع الخيار على أن يسكنوا في بعلبك ،وأن يتم تأسيس حوزة علمية فيها بفضل الوضع الأمني الجيد نسبياً مقارنةً مع المناطق الأخرى ،ونتيجةً للاحتضان الشعبي ولحاجة المدينة الفعلية لمثل هذه المؤسسة.
وعلى الرغم من أن الأمور المادية لم تكن متاحة للقيام بأي حركة في مجال بناء حوزة علمية، إلا أن السيد عباس سعى لتأمين مركز مؤقت. فتم أستئجار شقة من غرفتين في بادىء الأمر لمدة شهرين، ثم بدأت الحوزة بالتنقل من مكان إلى مكان آخر في مدينة بعلبك، إلى أن أستقرت ولمدة طويلة في المبنى المجاور لمسجد الإمام علي في المدينة ،وسميت بحوزة الإمام المنتظر .
وقد تميّزت إدارة السيد الموسوي لهذه الحوزة بالأهتمام بالأجواء الروحية ،والأبعاد الأخلاقية، وبمتابعة أوضاع الطلاب العلمية ،والوقوف بجانبهم عند الحاجة ،وكما ونجح السيد الموسوي في بناء علاقات متينة للحوزة العلمية مع الناس في محيطها.
وكانت دروس الأخلاق والتفسير والسيرة تأخذ دورها في الوسط العلمي لطلاب حوزة بعلبك، ليتمكّن المبلغ من أداء دوره المطلوب بشكل أكمل. كذلك كانت تتم تهيئة الطلاب عبر الندوة الأسبوعية التي بدأت مع بداية الحوزة ،والتي تضم كل الطلاب، وكانت تهدف إلى تمرين الطالب على الخطابة والموعظة.
و كما إنصب الإهتمام على تدريب الطالب على إجراءات وضوابط النشاطات الدينية الإجتماعية.. كإجراء عقد الزواج أو الصلاة على الجنازة أو الاستخارة أو فض نزاع جرى بين شخصين ،أو غير ذلك مما يتعرض له طالب العلم. وكان ذلك جزءاً من التأهيل الذي سعى السيد ليوصل إليه الطلاب.
الحوزة والثورة الاسلامية الإيرانية_
كانت الثورة الإسلامية التي قادها الإمام الخميني قد أحدثت تياراً كبيراً في وسط الأمة الإسلامية، وتمكنت من إعادة كثير من أبناء الأمة إلى مبادئ الإسلام بعد أن مالوا إلى بعض التيارات العلمانية أو الملحدة. وقد رأي السيد عباس باكرا في الثورة المبدأ الصحيح، والقاعدة الصلبة، والقائد الحكيم.
ولمّا أنتصرت الثورة ووصل خبرها إلى كل العالم ،كان من الطبيعي أن يتأثر بها لبنان بكل مناطقه ومنها مدينة بعلبك التي غدت حوزتها منبراً لإيصال نداء الثورة الإسلامية الإيرانية و خصوصاً عندما بدأت الحرب مع العراق ( 1980-1988) وكان التفاعل الجماهيري مع الثورة واضحاً، وصارت حوزة الإمام المنتظر هي الملتقى لأولئك الذين أحبوا الإمام وثورته.
مرحلة الإجتياح وما تلاه _
و في أوائل شهر حزيران من العام 1982بدأت القوات الإسرائيليةبأجتياح لبنان، وأنهار أمامه كل شيء، فلم يعد للمنظمات الفلسطينية المقاتلة وجود في السَّاحة.
في تلك الحال قرر الإمام الخميني مساعدة لبنان، وأرسل مجموعات من حرس الثورة الإسلامية إلى منطقة البقاع في شرق لبنان ،لرد العدوان. وكان الجو في البقاع عموماً وفي بعلبك على وجه الخصوص، مؤاتياً لاستقبال هذه المجموعات، لعدة عوامل منها :إستعداد المجتمع نفسه لتوفير بيئة مناسبة وحاضنة لنشاط وعمل هذه المجموعات.
-الإستعداد العسكري _
وقد تم الإتفاق بين السيد عباس الموسوي وبين مجموعة من العلماء وقيادة الحرس الثوري على تهيئة الجو على مستوى الإعداد العسكري ليتحول المجتمع إلى مجتمع مقاومة، وهذا ما حصل وبدأت الدورة الأولى ،وكان السيد عباس الموسوي وجزء من طلاب الحوزة وأساتذتها من بين الذين خضعوا للدورة.
إستمرت الدورة تلك لمدة أكثر من شهر ،وأستطاع السيد عباس الموسوي من خلالها أن يحقق نتيجتين طيبتين.. فهو ركز طلابه من خلال إخضاعهم بما خضع له ليكونوا بالمستوى المطلوب في هذه المرحلة الصعبة. وهو ثانياً فتح باب الجهاد على مصراعيه ،أمام أبناء الأمة الذين رأوا علماء الإسلام في مقدمة المسيرة.
وتبعت هذه الدورة دورات أخرى خرّجت مئات المقاتلين في الأشهر الأول التي أعقبت الأجتياح الإسرائيلي ،وأخذت أعداد كبيرة من خارج منطقة البقاع وبالتحديد من الجنوب والضاحية وبيروت - حيث كان الإحتلال الإسرائيلي - تتقاطر إلى معسكرات التدريب.
وقد لازم السيد عباس دروسه ومحاضراته في المعسكرات التدريبة الداعية إلى تغيير ردّة الفعل السائدة في التعاطي مع مشكلة الاحتلال.
أنشطة السيد عباس للتوعية بعد الاجتياح _
—————
و في المرحلة التي أعقبت الأجتياح الإسرائيلي ،تركّزت أنشطة الموسوي في عدة محاور
١_ تثبيت صلاة الجمعة في بعلبك ،حيث كان يؤم المصلين في هذا اليوم المبارك. وكانت صلاة يحضرها المؤمنون من أنحاء البقاع فضلاً عن مدينة بعلبك. وتحولت الصلاة العبادية السياسية إلى موقع قوي من مواقع التعبئة الروحية والجهادية.
٢_ مضاعفة الجهد في مجال الأستنهاض والتوعية والتبليغ، فإن المنطقة بأسرها تعيش وضعا صعبا كان من جملة أسبابه عدم معرفة الناس عموماً، بما كان يجري من أحداث ووقائع.
٣_ السعي الحثيث من أجل تحقيق الوحدة الإسلامية ،وقد رفعت الثورة الإسلامية هذا الشعار وطلبت من المسلمين أن يحققوه في أوساطهم ليوجهوا من خلال ذلك ضربة كبيرة إلى الاستكبار العالمي. وكان المسلمون يعيشون الخلافات المتنوعة ومن خلال هذه الخلافات عاشوا التشرذم طويلاً.
و في البداية كانت هذه المناسبة لا تحمل أكثر من مجرد اللقاء بين علماء المسلمين ثم بعد ذلك أخذت تتضمن الطروحات الإسلامية لمعالجة مختلف القضايا ،وفي أول الأمر كانت هذه المسألة تحتاج إلى من يلاحقها ويتابعهاولاحقاً صارت جزءاً من حياة المسلمين. كما أن بعلبك كانت أولاً المكان الوحيد الذي يتواجد المسلمون فيه بأطرافهم، ثم بعد ذلك أضحت كل المناطق معنية بهذا الجانب.
تأسيس حزب الله _
وهو أمر جوهري ومن خلاله يحفظ ما تقدم من مساعي السيد عباس الموسوي.ط والمرجو من هذا الإطار عدّة أمور:
١_ يجب في هذا الإطار أن يؤدي الدور الذي يقوم به المجاهدون من خلال الأعداد والتهيئة من جهة والتنسيق بين وحدات العمل ،من جهة ثانية وتأمين السبل لدعم هذا الدور الجهادي بما يلزمه من سلاح وعتاد من جهة ثالثة.
٢_ يجب أن يلتزم فيه بالحد الأدنى من العقيدة التنظيمية ليكون قادرا على أستيعاب الأمة بأسرها ،فلا يكون الوضع التنظيمي حائلاً بين هذه الأطار بكل أفراده وأجزائه وبين الشرائح الإجتماعية المختلفة.
٣_ يجب أن يحقق في ذاته الإلتزام الكامل بأحكام الإسلام، ليصبح وسيلة من رسائل الدعوة إلى الله تعالى.
ولم يكن بالإمكان الإعتماد على تنظيم قائم لأن كل التنظيمات القائمة - بنظر السيد عباس الموسوي والمؤسسين الآخرين - كانت قد تعرضت إلى الإمتحانات و لم تستطع أن تتجاوزها بنجاح ….و بالإضافة إلى أن الطروحات التي ينبغي أن يحملها حزب الله، و لا تستطيع القيادات الأخرى أن تحملها وقد عانى هؤلاء المؤسسون في البداية معاناة شديدة وعملوا في ظروف قاسية ..حيث لم يكن الجو ممهدا لقيام تنظيم جديد، خصوصا أن الفكرة عن الأحزاب في المجتمع اللبناني لم تكن تشجع على القيام بعمل كهذا.
ولقد تمكن هذا الجمع من الأخوة مع السيد عباس الموسوي أن يحددوا الهوية لهذا التنظيم الجديد، فهو تنظيم مقاتل للعدو الإسرائيلي وليس حزبا سياسيا بالمعنى المتعارف والذي يجعل العمل العسكري والقتالي في مصلحة العمل السياسي، بل أن الهدف المرحلي هو إخراج هذا العدو من المناطق التي احتلها بغض النظر عن المكتسبات السياسية.
شهادة الشيخ راغب حرب
كان الشيخ راغب حرب رفيق درب السيد عباس الموسوي في النجف الأشرف ،وكانت تجمعه به مجموعة كبيرة من المواصفات المشتركة ،وقد كان التواصل قائما بينهما قبل الإجتياح الإسرائيلي ،وآخر اللقاءات كان قبيل الإجتياح وبالتحديد في شهر نيسان / أبريل العام 1982. ثم حال الإجتياح بينهما ولكن ليعمل كل منهما في حقله لمواجهة العدو الإسرائيلي ،فكل منهما كان يعيش في محيط لا يشابه الآخر أمنيا وسياسيا.
وفي السادس عشر من شهر شباط / فبراير العام 1984. تم أغتيال الشيخ راغب حرب من قبل عملاء الموساد الإسرائيلي ووجهت إسرائيل بذلك ضربة كبيرة إلى الحالة الإسلامية التي كان الشيخ حرب أحد أبرز رموزها.
وفي ذكرى أسبوع راغب حرب قرر السيد عباس الموسوي أن يذهب إلى هناك للمشاركة في الذكرى.
وقد نصحه من حوله وحذره من خوض هذه المغامرة الخطيرة ،إلا أنه كان قد عقد العزم وأتخذ القرار وطلب ممن يرغب من الأخوة الإلتحاق به.
وفي اليوم الموعود إجتمع هؤلاء في الطريق إلى جبشيت ،وعندما وصلوا إلى حاجز باتر حال بينهم وبين الوصول إلى المقصد ولكن بعد أن واجه السيد المجاهد جلاوزة العدو الإسرائيلي مسجلاً نقطة قوة في حياته وحياة الأمة الإسلامية.
فقد قرر عناصر الحاجز مضايقة هؤلاء الوافدين ليجبروهم على الرجوع، وعندما بدأوا بالمضايقة تصدي لهم السيد بشجاعة فكانت النتيجة إن أنهمر الرصاص على مقربة منه وأصيبت بعض السيارات بهذا الرصاص وحينها تقدم السيد عباس الموسوي في إتجاه الجندي الصهيوني الذي كان يطلق النار والذي أصيب بالذهول عندما رأى السيد يتقدم باتجاهه، فكان يتراجع إلى الوراء وهو يرمي برصاصه إلى الأمام حيث يقف السيد الذي قال له بكل صلابة: أطلق النار على صدري ،وليس على الأرض إن كنت رجلاً.
ولكي يخرج الجنود من هذا المأزق الذي أوقعوا فيه أنفسهم تظاهروا بأنهم يقبلون بعبور أعضاء الوفد إلى مقصدهم ،ولكن بشرط أن لا يكون هذا الرجل بينهم مشيرين إلى السيد عباس الموسوي . وطبعا لم يوافق أعضاء الوفد المسموح لهم على هذا العرض ،بل آثروا الرجوع بأكملهم ولكن بعد أن سجلوا نقطة انتصار على ذلك العدو الجبان.
مشاركته في الهيئة القيادية لحزب الله _
لم يغب السيد عباس الموسوي عن أي هيئة قيادية لحزب الله منذ تأسيسه، بل كان على الدوام أحد أعضاء الشورى الأساسيين و يشارك في صنع القرارات ،وفي تنفيذها. وبالإضافة إلى ذلك عهد إليه بملف الثقافة والإعلام وبقي فترة طويلة أيضا معنيا بملف العلماء ،ولا سيما في المرحلة التي نتحدث عنها وقد أثمرت جهوده التي بذلها في مختلف الميادين مجموعة من الأنشطة ،بعضها يمكن تدوينه وتأريخه و كما هو الحال في إصداره لجريدة العهد حيث كان هو المنفذ لتهيئة وإعداد إنطلاقتها الأولى ..إلى مطبوعات أخرى يحتاجها أعداد الفرد المجاهد.
مرحلة الإندحار الإسرائيلي الأول عام 1985. _
و كان حديث السيد عباس الموسوي عن إنسحاب إسرائيلي مثار تعجب عند البعض ولكنها الحقيقة التي أدركوها عيانا فيما بعد ..وهو إنما كان يتكلم إنطلاقا من واقع لامسه ،ولطالما تحدث ليس عن إنسحاب إسرائيلي من جنوب لبنان فحسب، وإنما تحدث عن الإزالة الكاملة لهذا الجسم الخبيث من جسد الأمة الإسلامية.
ومن هذا المنطلق لم يكن الإنسحاب الإسرائيلي الأول نهاية المطاف عند السيد عباس الموسوي ، وما كان مكتفيا وبالأحتفال بنشوة الإنتصار .وهو أعطى للمقاومة ما تستحقه من الثناء، ولكنه لم يغفل عن قدرة ذلك العدو في إرباك الساحة الداخلية عند غفلة أبنائها. ولقد كان يكرر هذه المسألة إلى نهاية حياته حين خطب في جبشيت آخر خطبة له، وهو في ذلك يريد من الجميع أن يكونوا على حذر.
ترك الحوزة العلمية _
و في خضم هذه الأحداث المتسارعة التي حصلت العام 1985. و كان السيد عباس الموسوي لا يزال مع كل أنشغالاته يحمل هم الحوزة العلمية في بعلبك ،والتي رعاها حق الرعاية يوما بيوم ،ولم يكن أحد يتصور أنه سوف يأتي اليوم الذي يمكن له أن يتخلى فيه عن هذا الصرح العلمي بشكل نهائي، ولكن ما جرى لم يترك له المجال للتفكير و إذ أصبح السيد عباس الموسوي على تواصل مع كل خصوصيات المجاهدين، ولم يكن بالإمكان بعد أن يجمع بين هذا وذاك. فكان لا بد من إتخاذ القرار الصعب. وقد أخبر السيد عباس الموسوي الخاصةَ من أخوانه بهذا الأمر، ومن ثم أُبلغ طلاب الحوزة الذين تلقوا هذا الخبر بصدمة. صحيح أن السيد عباس الموسوي في الفترة الأخيرة كان كثير التغيب عن الحوزة، ولكن بنظرهم كانت بركته حاضرة على أي حال.
وبقي السيد الموسوي يتواصل مع الأساتذة، وظل في موقع المشرف على شؤونها، وإن لم يتسن له في الفترات الأخيرة أن يتواصل معها كما كان يفعل من قبل.
في جبل عامل _
خرجت إلى العلن أول تشكيلة لحزب الله بعد التحرير الأول في أواخر العام 1985. وبدأت مهمتها الصعبة في ذلك الوقت.
وفي تركة الآونة أستقر السيد الموسوي وزوجه في قرية طير دبّا في منزل أحد الأخوة العاملين لعدة أشهر ،وتمكن من خلالها من وضع المرتكزات الأساسية للعمل المقاوم على الرغم من وجود عقبات ،من أهمها الحرب التي سميت آنذاك حرب المخيمات والتي كادت تأخذ في طريقها كل الإنجازات التي تحققت لولا العناية الإلهية، ولقد بذل السيد عباس جهودا مضنية في سبيل إنهاء هذه الحرب. يقول الموسوي :لقد دافعت عن الشعب الفلسطيني ،وبصدري أحتضنت أطفالهم في الرشيدية ،ومنعنا عنهم المؤامرة ،وطالبنا في تلك المرحلة بإبعاد العدوان عنهم
و مرت عدة أشهر على السيد عباس الموسوي وهو في طير دبّا، ثمّ إنتقل إلى صور ، وجعل منها مقرا ومنطلقا لعمله المتواصل.
هناك أصبح السيد عباس على علاقة مباشرة بأدق تفاصيل العمل الجهادي المقاوم ،و كان موضوع المقاومة يحتاج إلى مجموعة من الأعمال الشاقة. وكان هذا الهم الذي حمله السيد الموسوي يحتم عليه القيام بمجموعة من التحركات اليومية لمتابعة الأوضاع العادية والطارئة للمقاومة.
و يسجل مرافقوه ومن عاشوا معه تلك الفترة الجهادية الدقيقة، أن ساعات نومه لم تكن تتعدى أربع ساعات في اليوم ليس أكثر.و كان هذا الوضع يرهق المرافقين له، على الرغم من أنهم قد ينامون في الوقت الذي يكون هو مستغرقا فيه في عمله المتواصل، مع أن وضعه الصحي لم يكن على ما يرام، فقد كان دائماً يشكو من آلام في معدته، بالإضافة إلى حالة تعب وإرهاق يحاول أن يخفيها.. ولكن الذين هم من خاصته لا تخفى عليهم، ولقد نصح كثيرا بضرورة أن يخلد للراحة، فكان يبتسم ويقول إن شاء الله إذا سنحت الفرصة لذلك.
وقد إستطاع إخوة السيد عباس أن يستفيدوا من أفكاره التي كانت ترتكز على مواجهة العدو الإسرائيلي بشتى السبل وبشكل مباشر، من دون نسيان توجيه ضربات خاطفة وسريعة لجماعة لحد، من شأنها أن تحطّ معنوياتهم وتحد من شأنهم.
وكما أن الواقع العسكري يحتاج إلى هذه العناية فإن الوضع السياسي يومها لم يكن ملائماً بشكل تام للعمل المقاوم، حيث أن إلهاء المقاومة والمقاومين عن توجههم الأول والأساس ضد العدو، كان هو الفعل الذي تريده "إسرائيل" لأنه يحفظها ويحميها من المقاومين.
عملية الأسيرين _
لقد كانت باكورة العمل النوعي للمقاومة بعد تولي السيد عباس الموسوي مهمته الجديدة هي التخطيط لعملية الأسيرين، والتي حصلت في منتصف شهر شباط / فبراير العام 1986. وأعقبها إجتياح إسرائيلي لجزء من الأرض التي كانت قد تحررت قبل سنة، وقد أستمر هذا الإجتياح لمدة ستة أيام، إلا أن المجاهدين الذين كانوا للعدو بالمرصاد صدّوا الإجتياح وأرغموه على التراجع، وأحبطوا ما كان يرمي له ،فلم يستطيع أن يفعل شيئا بعد هذه العملية. ولقد بقي السيد عباس الموسوي مع المجاهدين في بلدة صريفا عندما وصلت قوات الإحتلال الإسرائيلي إلى مشارفها، من أجل الإشراف على تصدي المجاهدين لتوغّل العدو الإسرائيلي . ونتج عن العملية إحدى أكبر عمليات التبادل التي حصلت مع العدو. والتي حررت عددا كبيرا من المجاهدين ،كما تمكنت من تحرير عدد كبير من أجساد الشباب الذين سقطوا ومن بينهم قائد عملية الأسيرين الحاج سمير مطوط _ جواد .
أنتخابه أميناً عام لحزب الله _
أنتُخب السيد عباس الموسوي في مايو / أيار العام 1991. أمينا عاما لحزب الله خلفاً للامين العام الاول الشيخ صبحي الطفيلي ، مفتتحا مرحلة جديدة من مسيرة الحزب هي خدمة الناس ،إلى جانب إستمرار عمل المقاومة وعبارته الشهيرة "سنخدمكم بأشفار العيون "كانت محفزا لسعي كل المؤسسات العاملة إلى أن تكون على تماس مع قضايا الناس، وكان هذا يمشي جنبا إلى جنب مع عمل المقاومة تنفيذا لقوله أيضاً سنقاوم الجوع والحرمان كما نقاوم الاحتلال .
وكان من أهم إنجازات السيد عباس الموسوي في مرحلة تولّيه للأمانة العامة هي المصالحة بين حزب الله وحركة أمل.
لقد كان هناك أولوية عند السيد عباس الموسوي وهو عمل المقاومة، ولكن الوضع الداخلي كان يحتاج إلى تضميد الجراح. خصوصا أن الحرب الأهلية كانت قد إنتهت ،ولم تكن نتائجها وآثارها قد زالت، لذا كان لا بد من لملمة ذلك الوضع الجديد .ومن جهة أخرى كان السيد عباس الموسوي يحاول أن تنفتح هذه المقاومة بجمهورها العريض على كل القوى الأخرى ،بأستثناء القوى السياسية التي لها علاقة مع الكيان الصهيوني.
وبدأ حزب الله أيضا بالعمل وفق منهجية جديدة موسومة بشخصية السيد عباس وبفهمه لطريقة العمل الإسلامي المنفتح ،و لذا ترى أن الحزب الذي كان مجهولا من قبل أكثرية القوى الأخرى ،و تعرّف عليه هؤلاء عن قرب من خلال بداية هذه المرحلة الجديدة، وأستطاعوا أن يدركوا بأن هناك فئة من الناس لا تقاتل إسرائيل وحسب وإنما تملك وعيا سياسيا وتملك مفهوما إنسانيا لا يوجد عند الآخرين ،و كما أن الكلمات التي عبر من خلالها السيد عباس الموسوي عن الناس، وعن شرائح المجتمع، وعن ضرورة حمل لواء المحرومين، دفع به إلى التجوال في أكثر من مكان، وفي مرات متعددة، ليكون بين الناس فيطلع على مطالبهم عن كثب، وهو الأمر الذي لفت كثيرا و من الأوساط الشعبية إلى نموذج متميز عن غيره.
وقد كان الغطاء الشرعي المتمثّل في ولاية السيد علي الخامنئي مصدر قوة بنظر السيد الموسوي ،سواء عمل في المقاومة أو في العمل السياسي والتنموي والإصلاحي، فهي الوسيلة الأساسية التي من خلالها إستطاع أن يوصل الأمة إلى أهدافها.
الاغتيال _ في يوم 16 من شهر شباط / فبراير
أستهدفت مروحيات العدو الإسرائيلي موكب السيد عباس الموسوي بصواريخ موجهة إلكترونيا عن بعد فقتل السيد عباس الموسوي وزوجه وأبنه البالغ من العمر ست سنوات .
قتل العدو الصهيوني امين عام حزب الله السيد عباس الموسوي ، فإنتخب السيد حسن نصر الله خلفاً له في شباط / فبرير 1992
محمد المشهداني _ الشراع