مآزق السقوف السياسية واستراتيجيا الحرب؟؟! / كتب: علي يوسف
الشراع 2 تشرين الثاني 2024
بعد انتخاب الشيخ نعيم قاسم امينا عاما لحزب الله، يجب ألا يُسمح باستمرار الغياب السياسي المعبر عن الميدان ،الذي شهدناه بعد اغتيال سيد المقاومة على طريق القدس و على طريق تحرير فلسطين و الاقليم من العدوان الوجودي للكيان الصهيوني ..
ولعله بات من الواجب بعض المصارحة ،ليس بهدف ابراز الثغرات التي يصل بعضها الى حدود الكوارث الوطنية، وانما دفاعا عن التضحيات الكبرى الاسطورية ،التي يقدمها ابطال المقاومة في الميدان ،والتضحيات التي تقدمها بيئة المقاومة على طريق النصر الأكيد ….
وفي هذا السياق لنرى العناصر الاساسية للمشهد والمآزق السياسية لهذه الحرب والآفاق الممكنة :
١- ينفذ العدو مجازر اجرامية في حرب تدمير وشعارات ابادة مدعوما طبعا من اميركا ،صاحبة الاسبقية في الأنموذج الصهيوني للاحتلال الاغتصابي للارض وللبشر ،وصاحبة الاسبقية في الاجرام التدميري الابادي بضرب مدينتين يابانيتين بالاسلحة النووية …. و هومدعوم ايضا من غرب بات تابعا لا يملك قراره ،ومن دول تسمى عربية كونها ناطقة باللغة العربية تقدم افضل نماذج الانصياع والتبعية والذل للمعلم الاميركي، مضافا اليها التطبيع المذل ايضا مع الكيان الصهيوني ارضاءا للكيان وللمعلم الاكبر ..!!!
٢- تتميز هذه الحرب بمآزق سياسية دولية واقليمية وقطرية ،ناتجة عن الإنفصام الكبير بين اسبابها وبين السقوف والشعارات السياسية التي تخوضها اطرافها تحتها ،وبين الحركة السياسية الساقطة فكريا واخلاقيا، والتي تجري تحت مسميات مبادرات للحلول او مشاريع حلول …
فعلى الرغم من ان هذه الحرب هي جزء من حرب عالمية تخوضها الولايات المتحدة الاميركية ،مجزأة اقليميا تجنبا للحرب النووية والتي تحاول من خلالها ضرب صعود محور المقاومة واتجاهه شرقا ،وذلك بهدف السيطرة الكاملة على الاقليم تمهيدا للانتقال الى الحرب الافريقية عبر مصر والسودان لاستعادة السيطرة على القارة الافريقية ،التي تتجه دولها شرقا ايضا …
وعلى الرغم من ان طوفان الاقصى جاء استباقا لنجاح استكمال خطة التطبيع ،وبهدف وقف هذه الخطة التي تهدف الى القضاء النهائي على القضية الفلسطينية ،التي تشكل القضية المركزية لمحور المقاومة ،والتي تقوم عليها اسس بنيانه وخطط تطوره واتجاهاتها ..
على الرغم من كل ذلك ،اتت السقوف السياسية لهذه الحرب لتعبر عن حدود دنيا لا تلامس الشكل التدميري التصفوي الابادي ،الذي اخذته و لا تلامس الاسباب الحقيقية ولا الاهداف الموضوعة لهذه الحرب ..!!
فالهدف المعلن الصهيوني المتمثل ب "تحرير " الاسرى والقضاء على تهديد حماس ،لا يتلاءم مع ولا يبرر تدمير كل غزة وابادة الشعب وقتل الاطفال والنساء والمدنيين عمدا.. وتدمير المباني والمستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة …!!!!!
و مطالب وقف العدوان والانسحاب الصهيوني ،من غزة وتحرير الاسرى وتبييض السجون ووقف الحصار لا تتناسب مع حجم ونوع عملية طوفان الاقصى واهدافها ومفاعيلها الاستراتيجية ،التي زلزلت الكيان امنيا وسياسيا وهي بكل الاحوال باتت ادنى بكثير من نتائج مفاعيل العدوان الصهيوني ..
وان كانت "اولوية " وقف المعاناة الانسانية مبررة شكلا، الا انه لا يمكن خفض السقف السياسي لحرب استراتيجية الى السقف الانساني، على الرغم من اهميته والا لتحولت شعارات التضحية والصبر الى شعارات كلامية، و تحولت قدرة القوي على الاذية مبررا للتنازل عن الحقوق ،وبحيث لا يعود هناك معنى لأي نضال ويصبح الانهزام والخضوع مبررا ….
أضف الى ذلك ان السقف السياسي لشعار المساندة، حتى وقف العدوان من ضمن وحدة الساحات ،لم يعط للمساندة المعنى الاستراتيجي التي تستحق في الحرب الاستراتيجيةبحيث تحول وكأن جبهات المساندة تدفع ثمنا لمصلحة الفلسطينيين، مما ابعد البعد الوطني وبعد الامن القومي الاستراتيجي عن معركة المساندة ،وحولها وكأنها خدمة للغير بمضامين انسانية او دينية.. ؟!
٣-ان المأزق الاستراتيجي لهذه الحرب، هي ان وقفها بات رهنا ب:
— انهيار طرف من طرفيها بما يخلق واقعا جديدا يتكون من مهزوم ومنتصر ،وسيكون لذلك في حال حصوله تداعيات ليس الآن مجال شرحها وتحديد احتمالات مسارها …
— البحث في الوصول الى تسوية اقليمية، كون الحلول الجزئية باتت مستحيلة .. الا ان التسوية الاقليمية تستوجب اخد شرطين غير متوافرين حاليا :
الاول مؤتمر دولي واضح التوازنات ،وهو امر غير محقق حاليا كوننا في مرحلة صراع دولي بل وحرب عالمية .. ولا يمكن الوصول الى حل اقليمي في ظل صراع دولي ….
والثاني هو توافق في الاقليم على مشروع امن اقليمي ،ومشروع اقتصاد اقليمي وهذا امر غير محقق حاليا، كون دول الاقليم مختلفة الانتماءات والمرجعيات ومنقسمة في الانتماء المحوري الى حد الصراع الذي يمكن ان ينفجر في اي وقت ،بناء للمصالح المتناقضة ولتطور الجبهات وافق هذا التطور …
كل ذلك يؤكد ان عملية طوفان الاقصى كانت اعلان الدخول في الحرب الاقليمية حتى لا يؤخذ الاقليم تسللا وبالنقاط ،وان الاسراع في اعلان حروب المساندة كانت نتيجة فهم عميق لنوع ومحتوى واهداف هذه الحرب، و استجابة سريعة للانضمام الى الحرب الاقليمية لمنع انتصار اقليمي للمشروع الاميركي الصهيوني الغربي ،عبر حرب جزئية في غزة والضفة الغربية ..
ومن هنا يمكن فهم الشعارات التي كان اطلقها سيد المقاومة السيد نصرالله وهي :
أ- عدم تحديد اهداف سياسية في هذه المرحلة من معركة المواجهة ..
ب- ترك الكلمة للميدان و الإكتفاء مرحليا بشرح التطورات السياسية التي يفرزها الميدان ….
ج- ممنوع هزيمة غزة او الضفة او اي جبهة من جبهات المساندة جبهات المقاومة …
د-ان هذه الحرب سنربحها بالنقاط ردا على محاولات العدو للانتصار فيها بالنقاط …
وانطلاقا من كل ذلك يمكن ادراك ان هذه الحرب مستمرة، ومصيرها مرهون بأن تو صلها تطورات الميدان إما الى :
-انهيار جيش الكيان الصهيوني نتيجة عجزه عن الانتصار واتساع حجم خسائره الى حد كبير، مع ما سيفرز ذلك من تداعيات يتم تحديد خطوات التعاطي معها لاحقا في ضوء افرازات الميدان …
- او ان تؤدي تطورات الميدان الى بروز مشروع اقليمي لتحرير كامل فلسطين يضم معظم دول الاقليم ،ولبناء قطب اقليمي متشابك على انقاض انهيار المشروع الاميركي الصهيوني الغربي ….
ويجب القول ان مرحلة مفصلية بهذه الاهمية، وعلى ابواب التحولات الكبرى ،لم تعد تحتمل التعاطي السياسي الداخلي على أسوأ الاسس البنيوية اللبنانية التي ارساها اتفاق سايكس بيكو ..من محاصصة "تعايشيّة" او "خلافية"لا تقتصر على ما يسمى بناء الدولة ومؤسساتها، بل تتعداها الى الامن القومي امنيا واقتصاديا وثقافيا .. ومن شعارات رومانسية ذات ابعاد تبعيّة قائمة على استجداء السيادة والامن والمساعدات والمكرمات ..
ولعل اسوأها شعار الوقوف وراء الدولة ،في بلد لا يحتمل ادنى مقومات الدولة وتشكل السلطة فيه مختبرا لإمكان تأمين استقرار المحاصصة وليس موقعا لوضع السياسات الوطنية …
الحرب الآن لا تحتمل تمادي السلطة وقوى سياسية في تقديم الولاءات والتبعية المفوترة على حساب التضحيات الكبرى .. ولا تحتمل التغطية على هؤلاء بحجة الوحدة الوطنية الوهمية ،و لأن الميدان هوالقرار الفصل .. ويجب التنبه الى ان تمادي هذه السلطة وبعض القوى السياسية في تقديم الولاءات على حساب التضحيات ،قد يخلق حالة من التوتر و الاستفزاز توصل البلد الى ما لا تحمد عقباه ….؟؟!!!!