لندن وطهران والمعايير المزدوجة! بقلم السيد صادق الموسوي
لندن وطهران والمعايير المزدوجة!
بقلم السيد صادق الموسوي
الشراع 4 كانون اول 2022
سارت في لندن وعدد من المدن البريطانية طوال عدة أيام تظاهرات شعبية سلمية ضد الأزمة الإقتصادية الخانقة في البلاد،
وبسبب الغلاء الفاحش في أسعار السلع الأساسية للمواطنين،
وعجز بعض الفئات الشعبية عن تأمين حاجاتهم الأساسية،
ما دفع البعض منهم إلى الإستفادة من الطعام المخصص للكلاب كي يسدّ جوعه،
وبدأت أيضاً موجة هجرة واسعة من بريطانيا إلى الولايات المتحدة ودول أوروبية وخاصة من جانب الأطباء بسبب سوء الأحوال الإقتصادية وبحثاً عن العيش الرغيد، لكن كان قرار رئيس الوزراء البريطاني هو حضّ الشرطة البريطانية على التصدي بكل عنف للمتظاهرين في شوارع المدن المختلفة وقام بصورة علانية بمساندة الشرطة في مواجهتها الجماهير المتظاهرة سلمياً للمطالبة بتحسين وضعها الإقتصادي.
واللافت أن المتظاهرين في مختلف المدن البريطانية لم يتعرضوا لأي من المؤسسات الحكومية، ولم يهاجموا أيّاً من مراكز الشرطة أو الجيش، ولم يقوموا بتحطيم الممتلكات العامة والخاصة، لكن موقف رئيس الحكومة البريطانية جاء صارماً حيث لم يتهاون مع المتظاهرين السلميين بل دعى الشرطة إلى مواجهة المتظاهرين وقمعهم بالقوة، وذلك بدعوى ضرورة الإلتزام بالقانون ووجوب الحفاظ على السلم الأهلي.
ولم يقم أحد في هذا العالم بإدانة استعمال الشرطة البريطانية القوة في مواجهة المتظاهرين السلميين، ولم تصدر أية قرارات أوروبية أو أمريكية مؤيدة للمطالبات الشعبية البريطانية، ولم تنعقد اجتماعات عاجلة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية لإدانة التعرض للمتظاهرين السلميين، ولم يتحرك مجلس الأمن الدولي لمساندة المطالب المشروعة للمواطنين البريطانيين، بل عمّ السكوت أيضاً جميع وسائل الإعلام وقامت بنقل أنباء وصور التظاهرات والمواجهات من دون تعليق وتحليل، بل كانت في كثير من الأحيان تميل إلى جانب تصدي الشرطة للمتظاهرين بالقوة، وصمتت أيضاً المؤسسات الأوروبية والأمريكية والدولية كلها واعتبرت الموضوع أمراً داخلياً بريطانياً بحتاً.
لكن في إيران يختلف الأمر كلياً،
حيث يقوم المتظاهرون بحرق المصارف ونهب ودائع الناس فيها، ومهاجمة المقرات للشرطة والجيش وكذلك محطات الوقود، وإطلاق النار على الشاحنات التي تحمل المشتقات النفطية إلى المناطق الباردة جداً والقرى النائية في فصل الشتاء القارس، بل والمسارعة إلى قتل كل من يعارض من المواطنين تصرفاتهم المشينة تلك وسحلهم في الشوارع، بل والقيام بحرق أماكن العبادة والمصحف الشريف، وأخيراً طرح شعارات انفصالية بصورة علانية من جانب مجموعات قومية وشيوعية ويسارية على الرغم من أن كل هذه التصرفات موثقة بالصوت والصورة وتبثها قنوات التلفزة العالمية ومواقع التواصل الإجتماعي، إلاّ أن الدول الغربية تدعو يومياً إلى نصرة المتظاهرين، وتتحرك المنظمات الغربية والدولية تباعاً لدعم ما تسميه " التحركات الشعبية "، بل وتقوم بعض القنوات الفضائية بتعليم المتظاهرين وبكل وقاحة كيفية صنع واستعمال قنابل المولوتوف الحارقة والحضّ على استعمال السلاح، والإعتداء على المواطنين العزل حيثما يكونون، بل والدعوة إلى قتل النساء والأطفال عمداً ثم اتهام السلطات بذلك بهدف تهييج الرأي العام ضد النظام.
ويقوم بعض المحرضين وعلى الشاشات التي تبث من بلاد الغرب بتبرير التصرفات الوحشية تلك والقول بأنها من ضرورات الإنتفاضة الشعبية، لكن وعلى الرغم من كل هذه الجرائم التي ترتكبها العصابات المنظمة ،والتي تبثّ صورها القنوات الفضائية المعادية من دون خجل ،إلاّ أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا... تفتح ذراعيها للمعارضين للنظام الإيراني، بل وتسهل لهم تحركاتهم، وتدعم مختلف وسائل الإعلام في تلك الدول التحركات المناهضة بكل إمكاناتها، بل ويعمل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب للتأثير على الرأي العام في تلك البلاد ودفعه إلى التعاطف مع التحركات المناهضة في إيران، وتصوير تلك الأعمال الإجرامية أنها ثورة شعبية من أجل نيل الحرية.
إن غزو الجيش الأمريكي وحلفائه لأفغانستان في العام ٢٠٠١ كان بدعوى ملاحقة القاعدة بعد تحميلها مسؤولية تفجيرات نيويورك في ١١ أيلول من العام نفسه ،وبهدف القضاء على حركة طالبان التي كانت تحتضن أسامة بن لادن وبالنتيجة تحرير أفغانستان، وبعد عشرين عاماً ماذا حصل يا ترى، هل انتهت القاعدة هناك، وهل تمّ القضاء على حركة طالبان، ؟
وهل حصل الأفغانيون على الحرية التي تذرع بها الأمريكيون لغزو البلاد ؟!
ألم يقرر الجيش الأمريكي في ليلة واحدة ترك أفغانستان وتسليمها إلى طالبان، بل وترك أنواع الأسلحة المتطورة لتقع بالمجان في أيدي طالبان، ولم ترحم طائرات النقل العسكرية الأمريكية حتى المتعاونين معها المخلصين لها، بل وقذفت المتعلقين بعجلات طائرات النقل وهي في السماء ليصلوا إلى الأرض أشلاء، ولم يحصل أي تغيير في قناعات طالبان ولا في ممارساتها، ولا أثر للحرية في أفغانستان في ظل حكم طالبان، ولا حق للمرأة في التعليم والعمل، لكن وعلى الرغم من ذلك كله لا تقوم قيامة اميركا والمؤسسات الدولية، ولا تتوالى قرارات الإدانة الغربية، ولا تشجيع للأفغانيين المنتشرين بالملايين في كافة أقطار العالم لينظّموا التظاهرات والمسيرات الحاشدة ضد حكومة طالبان.
وفي العراق كان الغزو الأمريكي والغربي عام ٢٠٠٣ بحجة القضاء على أسلحة الدمار الشامل والتخلص من نظام صدام حسين لكن هل حصلوا على شيء من تلك الأسلحة التي كان يخيفون العالم منها،؟
وهل ذهب نظام صدام وتحققت الحرية المطلوبة، أم أن الفساد أصبح مستشرياً في كل مؤسسات الدولة العراقية التي أسسها الأمريكيون؟
والسرقات بالمليارات من أموال الشعب العراقي المسكين تتم تحت أعين الأمريكيين ،بل وبتشجيع منهم لتخرج من العراق وتودع بأسماء أشخاص في مصارف الدول الغربية وفي الولايات المتحدة، لتشكل هذة الأموال رصيداً لدى تلك المصارف ،وفي الوقت نفسه تبقى رهينة لإرادة السلطات هناك، حيث يمكنها بكل سهولة حجزها ساعة تشاء بذريعة واهية بل ومصادرتها بمختلف الإدعاءات والمزاعم، لكن الثابت في الأمر أن النفط العراقي يتحكم به الأمريكي بالكامل سواء في ميزان الصادرات أو في السعر أو طريقة تسديد الثمن، وما على المسؤولين العراقيين سوى القبول والموافقة على ما يُمليه السفير الأمريكي في بغداد، وفي حال تردد أحدهم في التجاوب مع الإملاءات الأمريكية فإن التظاهرات الحاشدة المناهضة له تنطلق بسرعة تحت شعارات برّاقة وتحاصر المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية، ويسقط القتلى برصاص قوات المارينز إنطلاقاً من السفارة الأمريكية القائمة في تلك المنطقة، ويضطر في نهاية المطاف المسؤول العراقي إلى الإستقالة، أو أن الطائرات العمودية الأمريكية تقوم بنقل عناصر تنظيم داعش إلى مختلف المناطق وتقوم المخابرات الأمريكية بتسليحهم وتمويلهم وتسهيل تحركاتهم ليبسطوا سلطهم ويفرضوا وجودهم ويرتكبوا أبشع الجرائم ويهددوا العاصمة بغداد، فتكون النتيجة سقوط الحكومة التي انهت الوجود العسكري الأمريكي، ويكون القبول بعودة القوات الأمريكية للإمساك بمقاليد الأمور في العراق وبطلب رسمي من الحكومة العراقية هذه المرة.
وفي ليبيا
التي تمت مهاجمتها عام ٢٠٠١ تحت شعار التحرر من نظام معمر القذافي فإننا نرى الواقع هناك يتخبط، والبلاد تنقسم، والقوى السياسية لا يمكنها الإتفاق على صيغة للحكم، والجميع يطلب رضا الوسيط الدولي، وهو يتلاعب بهم جميعاً، فيما النفط الليبي يتم نهبه وتصديره بثمن بخس وذلك عبر التواطؤ مع المجموعات المسلحة المهيمنة على أبار النفط والموانئ هناك.