بيروت | Clouds 28.7 c

فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للبلاد والعباد/ بقلم الشيخ أسامة السيد

 

فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للبلاد والعباد/ بقلم الشيخ أسامة السيد

الشراع 9 ايار2024

 

الحمد لله وكفى وسلام على الذين اصطفى.    

قال الله تعالى:{كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر وتؤمنون بالله} سورة آل عمران.

وقال تعالى أيضًا:{ولتكن منكم أمةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} سورة آل عمران.

كثيرًا ما يُسمع من بعض الناس إذا ما رأوا إنسانًا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحذِّر من الشر وأهله يقولون: لماذا تتكلم عن الناس؟ ولماذا تُساهم في تفرقة الأمة ونحن الآن بحاجةٍ إلى توحيد الصف؟ أو دعك من هذا الكلام أو ليس الوقت مناسبًا لما تقول الآن، ونحو ذلك من العبارات التي تُفصح عن جهل قائلها العميق، وذلك أن ثمة فرقًا بين النصيحةِ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكروالتحذير ممن يغش الناس في دينهم ودنياهم والخوضِ في الناس بما حرَّمه الله من نحو الغيبة والنميمة والبُهتان. وترى في مقابل ذلك الواحد من هؤلاء الغوغاءوما أكثرهم إذا ما أخطأ إنسانٌ معه في أمرٍ دنيويٍ من قضايا العمل أو المال أو تفوَّق عليه في التجارة أو كسب ودِّ امرأةٍ يُبالغ في التحذير منه والتنفير من التعاطي معه، فكيف يُسوِّغُ من كان هذا حاله ذلك لنفسه ويرى في مقابل ذلك التحذير من أهل الضلال والفتنة تفرقةً للصف؟! وهل يدلُّ مثل هذا إلا على جهلٍ شديدٍ يجعل صاحبه لا يفهم معنى الحكمة أو كبرٍ طاغٍ يحمل صاحبه على العناد. ولهؤلاء نقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملٌ عظيمٌ جدًا بل هو فرضٌ بضوابط حدَّدها الشرع الشريف ولا يخفى على كل ذي لبٍ ما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من إسهامٍ كبيرٍ في نهضة المجتمع وبناء الوطن لأن الأساس الذي تبنى عليه الأوطان وتترقَّى به الأمم والشعوب هو الحق، وليس للباطل أساسٌ ثابتٌ يقوم عليه وإن زخرفه أهله. وبالتالي فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عاملٌ من عوامل القوة لنصرة الحق وقمع الباطل، وإذا ما سكت أهل الحق في ناحيةٍ ما قوي أهل الباطل في تلك الناحية وإذا ما قوي أهل الباطل عمَّ الفساد وانتشر الشر.

تساؤلٌ ومطلبٌ

ونحن نرى كثيرًا من أهل الأهواء يُكفِّرون من سواهم تكفيرًا عشوائيًا لا سيما أدعياء السلفية زورًا فكيف تقوم وحدة صفٍ مع من يحكم بكفرك فيُبيح دمك ويستحل انتهاك عرضك كما أفتى بذلك محمد بن عبد الوهاب كما نقل ذلك عنه مفتي مكة الشيخ أحمد زيني دحلان في كتابه "الدرر السنية"؟ وكيف تقوم وحدة صفٍ مع من يرى عقيدتك ضلالًا بينما يرى موافقة اليهود القائلين باستقرار الله فوق العرش إيمانًا كما في لتوراة المحرَّفة" وكما في "مجموع فتاوى ابن عثيمين" وغيره؟ وكيف تقوم وحدةُ صفٍ مع من يُحرِّم قتال الصهاينة الغاصبين لفلسطين ويُفتي بجواز الصلح الدائم مع اليهود المغتصبين بلا قيدٍ أو شرطٍ كما أفتى بذلك ابن بازٍ ونشرت فتواه جريدة نداء الوطن اللبنانية العدد 644 وجريدة الديار اللبنانية العدد 2276 بتاريخ الخميس 22/12/1994 م ؟ولقد فرح وقتها وزير خارجية اليهود شمعون بيريز جدًا بهذه الفتوى وطالب العرب والمسلمين بأن يحذوا حذوه. وكيف تقوم وحدة صفٍ مع من يبُثُّ سهام الضلال والانحراف بين العوامِّ فيُلَبِّس على البسطاء وينفُث سُمومه في قلوبهم فتخالط تلك السُموم أبدانهم فتهلكهم وتهوي بهم ريح الفتنة في مكانٍ سحيق؟!وما معنى وحدة الصف مع جماعاتٍ ترى صوابك الذي هو صوابٌ حقًّا كفرًا وسداد رأيك الذي هو سدادٌ حقًّا جهلًا؟ وهم فاسدون في أنفسهم مفسدون في أهلهم ومجتمعهم ووطنهم وما ذكرناه إنما هو كنقطةٍ في مستنقع القذارة الذي يسكرون فيه.

بكل بساطةٍ نقول: معنى ذلك أنك تمكن عدوك الداخلي الذي هو مِعولُ هدمٍ بيد العدو الخارجي من حيث يدري أو لا يدري من رقبتك ليذبحك متى شاء، وتلقي بزمام القيادة إليه ليسوق الناس إلى مستنقعات الردى، ومن كان يرى هذا وحدةَصفٍ جامعٍ للأمة فهو أعمى البصيرة ويريد أن يتعايش الذئب والحمل في حظيرةٍ واحدة.  

وإذا ما استفحل الخطر إلى هذا القدر الفظيع فإن الواقع الذي نشهده يتطلب منا جميعًا بذل الجهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكلنا مطالبون اليوم بحماية أهلنا ومجتمعاتنا وبلادنا وأوطاننا من العقائد الفاسدة التي يسعى الملحدون وأزلامهم وأمثالهم تحت عناوين شتَّى وأسماء مختلفةٍ في إجبار الناس على اعتناقها ولو بالإرهاب البغيض. وإزاء ذلك كله فإن المسؤولية كبيرة جدًا وإذا ما كان الواقع يشهد كثيرًا من الفتن والساحة تشهد كثيرًا من المنكرات فإن الحكمة تقتضي الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر فأكثر صونًا للبلاد وحفظًا للعباد، وقد دعانا الشرع الشريف إلى ذلك بقدر الوُسع فعن أبي سعيدٍ الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم. فمن لم يستطع أن ينكر بيده فبالكلمة الطيبة ومن لم يستطع أن ينكر بلسانه فليكره ذلك بقلبه فإن المنكر قبيح، ومن عقَل اقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى الترمذي في وصف النبي صلى الله عليه وسلم عن هند (اسم صحابي) بن أبي هالة قال:"ولا تُغضبه الدنيا ولا ما كان لها فإذا تُعديَ الحق لم يقم لغضبه شىءٌ حتى ينتصر له" ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغضب لغرضٍ دنيويٍ ولا لشىءٍ له تعلُّقٌ بالدنيا ولكن إذا تجاوز أحدٌ الحق لم يدفع غضبَه شىءٌ حتى ينتصر للحق وهذا من شدة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بتعهد مصلحة الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  

ومن أجرى الله الخير على يده فصلَحَ وأصلحَ فذاك غاية المرام، ففي كتاب "الزهد والرقائق" لعبد الله بن المبارك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبلٍ حين أرسله إلى اليمن ليُعلم الناس: "لئن يهدي الله بك رَجُلًا واحدًا خيرٌ لك من الدنيا وما فيها".

والحمد لله أولًا وآخرًا.