بيروت | Clouds 28.7 c

انطاكية عاصمة لواء اسكندرون – هاتاي الذي أصبح تركيا حسب اتفاقية العام 1938 التركية الفرنسية / عبد الهادي محيسن

 

انطاكية عاصمة لواء اسكندرون هاتاي الذي أصبح تركيا حسب اتفاقية العام 1938 التركية الفرنسية / عبد الهادي محيسن

الشراع 28 تشرين ثاني 2022

تركنا مدينة غازي عنتاب صباح يوم الاثنين متوجهين الى انطاكية التي تبعد 200 كم عنها سلكنا الطريق المشترك لمدينة أضنة لمدة 100كم ثم افترقنا عنه باتجاه الغرب لتبدأالجبال بالاخضرار نتيجة اقترابنا من ساحل البحر فكثرت المزروعات والأشجار المثمرة والحرشية على الجبال التي سنخترقها باتجاه انطاكية .

كانت القرى التي مررنا بها متوسطة الحال من الناحية العمرانية والاقتصادية كوننا دخلنا حدود لواء اسكندرون الجغرافية لنصل بعد ساعتين الى انطاكية حيث قصدنا فندق ميوزيوم هوتيل (فندق المتحف ) والذي يحوي بين جدرانه وفي أسفله آثارا بيزنطية رومانية تعود الى 2300 سنة من التاريخ .

تبدأ القصة عندما قررت عائلة (أسفورأوغلو) تأسيس فندق جديد في مدينة انطاكية القديمة فكانت الاكتشافات الأولية ذات أهمية لدرجة أن لجنة حماية الآثار سمحت بحفر 39 بئرا على اليد فبدأت الأرض تكشف عن كنوزها ثم توسعت الحفريات لتشمل 17132مترا مربعا وقد فاقت الآثار المكتشفة كافة التوقعات .

بدأ البحث عن تصميم انشاء هيكل يحافظ على القطع الأثرية وانشاء فندق فخم عليها حيث الأرضيات تحت الفندق مشغولة بالفسيفساء بصور لأشخاص أو لوحات كبيرة هندسية فسيفسائية على سطح الغرف الكامل وبدأت عملية تشييد المبنى وتم بناءه بالحديد (20 ألف طن) من الفولاذ الهيكلي وهو ما يعادل 4 أربع أضعاف برج ايفل .

وتم وضع 66 عامودا مع وجود الكنوز التي لا تقدر بثمن وبعد 6 ملايين ساعة عمل و3 ثلاثة آلاف يوم أصبح الفندق جاهزا مع الحفاظ على موقع أثري قديم في منتهى الأهمية من العصر الثالث قبل الميلاد حيث تم الكشف عن 30 ثلاثين ألف قطعة أثرية وأكبر فسيفساء أرضية في العالم من حمامات رومانية وقاعة رقص كبيرة وخمس غرف لتناول الطعام على مستوى عالمي .

استلمنا الغرف وأخذنا قسطا من الراحة ثم توجهنا نحو السوق القديم للمدينة حيث انطلقنا من جانب نهر العاصي الذي يقسم المدينة الى بلدة جديدة وبلدة قديمة ثم دخلنا الأسواق الداخلية للمدينة مشيا على الأقدام لنشاهد السوق القديمة بمحلاتها والبيوت التي تعلوها وآثارها ومطاعمها الأثرية التي تختلط بالأزقة والطرقات الداخلية لبيوت سكنية حولت الى مرافق سياحية من مقاهي ومطاعم ، قصدنا جامع (أولي)أي الجامع الكبير ودخلناه وفوجئنا بكونه على شكل مستطيل وقد يكون كنيسة أو معبد وثني سابق .

تقع مدينة انطاكية على الضفة اليسرى لنهر العاصي وعدد سكانها 383 ألفا حسب احصاء 2020 ويعمل معظم سكانها في الزراعة والتجارة والصناعة وتتمتع انطاكية بحياة تجارية وثقافية مفعمة بالحيوية والنشاط وهي تقع في أقصى الجنوب التركي لمحافظ هاتاي ومحافظة الاسكندرون السورية سابقا ولها قيمة تاريخية غاية في الأهمية كما تحظى باهتمام كبير لدى بعض الطوائف المسيحية ، بالاضافة الى قيمتها السياحية نظرا لما تتمتع به هذه المدينة من جمال طبيعي مميز .

تبعد انطاكية عن البحر 30كم وترتفع 67 مترا وتبعد عن مدينة مرسين 280 كم وتشتهر بالعديد من المعالم السياحية الجاذبة للسياح ومنها المسجد الكبير ومسجد حبيب النجار ومقبرة الشيخ أحمد مسيري ودير القديس سيمون وكنيسة انطاكية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية وقلعة انطاكية ومتحف انطاكية للآثار وقلعة بكراس وأجمل 6 مناطق سياحية على نهر العاصي الذي ينبع من أعالي سهل البقاع اللبناني ويبلغ طوله571كم منها 46 في لبنان و470 في سوريا و50 في تركيا ويصب في البحر المتوسط عند خليج السويدية .

والمتحف الأثري في انطاكية يعرف بمجموعة واسعة من الفسيفساء الرومانية والبيزنطية تعود الى العصر الهلنستي والعصر الروماني .. أما مسجد حبيب النجار وسط مدينة انطاكية الذي زرناه هو أول مسجد بني في انطاكية ويعود الى العام 638 م حيث بناه الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح اثر فتح المسلمين لإنطاكية .

ويحوي مقام الرجل المؤمن الذي ورد ذكره في القرآن فكان أول من آمن بالمرسلين مضحيا بحياته في سبيل ذلك ويتميز المسجد ببنائه الفريد وفنون العمارة التي تعود الى القرون الوسطى وأما حمام السقا فيعود بناءه التاريخي بين الأزقة في السوق الطويل .

بعد أن شاهدنا الداون تاون للبلدة القديمة تنزهنا لمدة ساعة على شاطيء نهر العاصي ومن أمام واجهات المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم المواجه للنهر ويبلغ عرض النهر 100 م وهو عميق وغزير الماء رغم أننا في موسم الشحائح في شهر تشرين الأول ورغم أنه يمر بسد الرستن السوري ويغذيه ويسقي سهول حمص وحماة وسهل الغاب السوري ويدخل لواء اسكندرون ليسقي بما طوله 50 كم من الأراضي .

وأخير تناولنا طعام الغداء في داخل السوق القديم بين البيوت الأثرية التي تحولت الى مرافق سياحية حيث اخترنامطعما جميلا على الإنترنت وهو عبارة عن منزل شديد الشبه بالبيوت الدمشقية القديمة مع حديقة تتوسطها بركة ماء ومن حوله اصطفت الغرف الجميلة وطلبنا الكثير من اللحوم والمشاوي والمقبلات ولم يتجاوز الكلفة الخمسين دولارا لأربعة اشخاص .

قصدنا أعالي المدينة في الجبال المحيطة بها لنشاهد مقاهي الشلالات ونعود الى الفندق مساء أما التوزيع السكان لإنطاكية فهو 35% علوية 45%سنية 12% مسيحية وأثنيا 45%عرب و35% أتراك والباقي أرمن وسريان وقد ضمت المدينة مع اللواء الى تركيا نتيجة لمؤامرة فرنسية تركية بعد استفتاء شكلي عام 1938.

عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث .