بيروت | Clouds 28.7 c

انقلاب الزعيم حسني الزعيم: وموقفه من رجال الدين وزعماء الأحياء/ بقلم عبد الهادي محيسن

 

انقلاب الزعيم حسني الزعيم: وموقفه من رجال الدين وزعماء الأحياء/ بقلم عبد الهادي محيسن

الشراع 5 ايلول 2022

في اليوم العاشر من قيام حسني الزعيم بانقلابه العسكري وفي يوم 10نيسان 1949 وصل الى مكتب سكريتارية رئاسة الأركان العامة رسالة مغفلة مكتوب عليها "مستعجل وسري جدا" أرسلها المقدم ابراهيم الحسيني رئيس المكتب الثاني وقائد الشرطة العسكرية .

كانت الرسالة مثيرة جدا وخلاصتها أن أكثر من مائة من تجار وزعماء الأحياء ذكرت الرسالة أسماء أكثرهم ، عقدوا إجتماعا في جامع دنكز بحي الميدان بدمشق وناقشوا مشروع القانون المدني وقانون إلغاء الأوقاف الذرية وقوانين أخرى كان الزعيم أعلن قبل يومين أنه كلف الوزير أسعد كوراني بتحضيرها .

هاجم بعض الخطباء الزعيم " الملحد "  وقالوا إن القانون المدني لا يتفق مع الإسلام وأنه يلغي قانون الملة العثماني ... وتبارى الخطباء بالهجوم على الإنقلاب العلماني وبعدها وقف أحد رجال الدين الأفاضل وقال ياجماعة دعونا لا نندفع بالعاطفة وأنا أعرف حسني الزعيم وأعرف أخاه الشيخ صلاح الزعيم الرجل التقي وقد يكون بعض رجال الحاشية قد ضللوه وخدعوه وأنا أقترح أن نؤلف وفدا ونذهب لمقابلته وإقناعه بتغيير رأيه .

فوافق الجميع على هذا الإقتراح وانتخبوا 25 منهم على أن يتصلوا بسكرتير الزعيم نذير فنصة الذي هو عديله أيضا ليأخذوا موعدا لمقابلة الزعيم ...وصلت الرسالة الى الزعيم وقرأها فضحك كثيرا وقال حددوا موعدا لهم بعد الغد الساعة 11 صباحا ، وفعلا عند الظهر اتصل الشيخ حبنكة وهو رجل فاضل ومتدين وخطيب جريء وأبلغته موعد مقابلة الزعيم .

 

طلب الزعيم من سكرتيره أن يطلب له المقدم ابراهيم الحسيني قائلا له إسمع يا إبراهيم بعد غد الساعة 11 وعشر دقائق اتصل بي واسمع مني ولا تجاوبني سوى بنعم ... استغرب المقدم ابراهيم رئيس المكتب الثاني الموضوع فاتصل بنذير قنصة سكرتير الزعيم مستوضحا فذكر له ماحصل فقال له إسمع يانذير.. الزعيم يسمع منك فاذهب إليه مساء في منزله وأبلغه بشكل لبق أن لا يتحرش بهؤلاء الزعماء والمشايخ .

وأن يستقبلهم بشكل لائق فلا يجب أن ندخل معهم بمشاكل إنهم أقوياء جدا ولهم شعبية ونحن بحاجة إليهم  والزعيم متدين ووالده كذلك وشقيقه الشيخ صلاح أيضا ، ولا نريد مشاكل يا أخ نذير ، في المساء حسب عادتي تناولت مع الزعيم طعام العشاء وعرضت وجهة نظر المقدم إبراهيم الحسيني وتأييدي لما قال فضحك طويلا وقال سترى غدا فأنا ابن دمشق وأعرف أهلها وأعرف هؤلاء المشايخ وزعماء الأحياء أيضا .

 

قلت للزعيم إياك أن تهينهم أو تسيء إستقبالهم والله أنا أترك هذا المنصب وأذهب الى بيتي فضحك وقال أنت من أهل حلب وليس من أهل الشام وسترى ، وفي الموعد المحدد وقبل 7 دقائق حضر ما يقرب من العشرين شيخا وزعيما فرحب بهم سكرتير الزعيم بحرارة وبقوا واقفين وفي الساعة 11 تماما فتح الباب فكان الزعيم واضعا " المونوكل " أي زجاجة واحدة بعينه على الطريقة الإنكليزية وبيده عصا الماريشالية التي يحملها كبار الضباط عادة وبيده اليسرى كفوف بيضاء وبلباسه العسكري وأوسمته .

 

دخل أعضاء الوفد فبدأ الزعيم يرحب بهم بحرارة ويذكر أسماءهم وداعب بعضهم بعبارات لطيفة جدا ، وفي الساعةالحادية عشرة وعشر دقاق رن جرس التلفون فرفع سكرتير الزعيم السماعة وكان المقدم إبراهيم الحسيني على الخط فقلت المقدم ابراهيم الحسيني رئيس المخابرات وقائد الشرطة العامة يريد أن يكلمك .

 

 

قال دعه ينتظر على الخط ....

 

وبعد أن صافح الجميع ورحببهم أخذ السماعة وقال نعم مقدم إبراهيم ..

 

ماذا .... ماذا أنا لا أسمح بمثل هذه الأمور ... إخرجه من الزنزانة واعدمهفورا في ساحة سجن المزة ، كان يحمل مسدسا أو موسى لا فرق عندي إطلق عليه النار فورا أنا لا أسمح ..أن يعترضني أحد وضعت دمي على كفي أريد أن أصلح أريد أن أطبق القوانين لا أقبل بأي أمر من هذا النوع إطلاقا ... إفهمها .

 

فهم السكرتير التمثيلية فنظرالى وجوه المشايخ فوجدها قد اصفرت .. وكل واحد منهم ينظر الى رفيقه ...

" فشعرت بأنني سأنفجر من الضحك ، تمالكت نفسي فأخرجت منديلي وأدرت وجهي الى الحائط لأكتم ضحكتي" .

 

بعد هذه المكالمة أرجع الزعيم سماعة التلفون بعصبية وقال .. قبضوا على شاب معه مسدس ... أمرت بإعدامه فورا أنا سأربي هذا الشعب الذي علمه شكري القوتلي الإستخفاف بالدولة وبالقوانين .. ما كان عهد القوتلي عهد هيبة بل كان عهد إستغلال وفوضى ..

 

 

ثم أضاف بصوت جهوري موجها كلامه لأعضاء الوفد : تفضلوا بماذا تأمرون ؟

 

لم يتكلم أحد وكأن على رؤوسهم الطير ...

وكل واحد ينظر الى الآخر وبعد دقيقة جمود قال أحدهم جئنا لتهنئتك والله الموفق والسلام عليكم واندفع نحو الباب بدون أن يصافحه وتبعه بقية الوفد هاربا وكان حريقا وقع في الغرفه والشاطر الذي يخرج قبل الآخر .

 

قال الشيخ حبنكة موشوشا أعانك الله يانذير إنه مجنون ، كيف يعدم شخص بدون محاكمة فقد يكون هذا المسدس الذي وجد معه للدفاع عن النفس ...

 

دخلت على الزعيم فوجدته مستلقيا على كرسيه ورجليه على الطاولة ويضحك ويضحك قائلا هيك شعب بدو هيك رئيس مثلي .

عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث .