بيروت | Clouds 28.7 c

أمين معلوف يكتب: المواجهة بين العالم الاسلامي والحضارة الغربية ..حتمية

 

أمين معلوف يكتب:
:المواجهة بين العالم الاسلامي والحضارة الغربية ..حتمية.


أمين عام الاكاديمية الفرنسية

الشراع 1 تشرين اول 2023

 

لا شك أن العالم العربي الإسلامي قد تعثر وتراجع في بعض المجالات. لقد شهد الغرب التقدم، وهو ثمرة تطور أوروبا الغربية وأمريكا، فيما استغرق العالم العربي -الإسلامي بعض الوقت لكي يدرك أن هذا كان تطوراً لا رجعة فيه.

 

في هذه المواجهة الحتمية بين الكتلتين الحضاريتين العظيمتين، وهما المسيحية والعالم الإسلامي، هناك إحداهما التي أصبحت مركز الحضارة الوحيدة ذات الحضور العالمي، والأخرى التي باتت مهجورة تقريباً.

 

فكل ما كان تقدماً وحداثة جاء من المنافس التاريخي. من الصعب للغاية قبول هذا.

هناك مقاومة.

إنها مأساة لم نخرج منها بعد.
 الاستعمار عزز الشعور بالفشل، ثم تحولت بعض الدول العربية بعد ذلك إلى النموذج الاشتراكي او الشيوعي. طرح سياسي حديث علماني مقبول، لكن جميع النخب التي تحمل رؤية علمانية حداثية للمجتمع، جرفتها قوة متبقية منذ 30 عاماً، وهي المهيمنة اليوم، وهي شكل من أشكال الإسلاموية القومية.
في الهوية المتعددة، لا شيء يُحذف، كل شيء يُضاف، ولا يمكن أن تقتصر الهوية على طائفة واحدة أو انتماء طائفي واحد. فعندما يكف الشخص عن تعريف نفسه بانتماء واحد، فإنه يتجه نحو الآخر ،وعندها لا يستطيع أن يضع نفسه بين أوروبا والعالم العربي إلا في منطق التسامح والسلام.
العالم في حد ذاته عبارة عن فسيفساء عملاقة من الشعوب والثقافات. والحقيقة، أن تأكيد اختلاف الفرد في معظم الأحيان هو توكيد اختلاف المجموعة التي يتماثل معها المرء ضد مجموعة أخرى. ومع ذلك، فإن التعبير عن الخصوصية الفردية للفرد أقل سهولة بكثير، في مواجهة المعايير التقليدية.
ان نظام المحاصصة الدينية في لبنان نظام كان من المفترض أن يكون مؤقتاً، لكنه أصبح الآن حاجزاً بين المواطن والدولة.  مما كرس الشعور بالانتماء إلى مجتمع ديني، إلى شعب، إلى مسار تاريخي، حل محل الشعور بالانتماء إلى بلد ما. وظهرت الأحزاب والميليشيات التي أشعلت الحروب الأهلية.
ان التعايش بين أشخاص من أصول شديدة التنوع والثقافات الناتجة عنه ، يشكل فرصاً حقيقية للتقدم. هل الأقليات قابلة للذوبان في المجتمعات التي ترحب بها؟ بالنسبة لي الجواب دقيق ويتعلق الأمر كله بالمنظور. إن المجتمع الذي يعني "نحن ندرك وجودك واختلافك، وسنرى المكان الذي يمكنك أن تشغله" هو أمر ضروري. ولكن بين التمييز الإيجابي الذي لا يلتزم به، وبين المراوغة، هناك حل وسط يجب التوصل إليه.
أنا من المؤلفين الذين لا يحبون الحديث عن أنفسهم أو عن وطنهم. لدي قدر معين من التواضع، ولا أفعل ذلك أبداً بسرور. وإذا فعلت ذلك، فسيتعين عليّ إما أن أتجنب الحساسيات أو أن أصبح داعية للحرب.  لذا ألجأ إلى العصور البعيدة. وأفضّل بناء عوالم خيالية، لأنني غير راضٍ عن العالم الذي أعيش فيه.   أرغب في البقاء ضمن حدود الواقعية التاريخية، لكنني انحرف كثيراً عن التاريخ. كتاب مثل "ليون الإفريقي" فيه 15% تاريخ و85% خيال. متعتي في الكتابة هي بناء عوالم أخرى.
أنا شغوف بإفريقيا، وبشكل أكثر تحديداً بإثيوبيا والساحل السواحلي. كما أنا مهتم بالعصور، بالحضارات التي ينتمي إليها هؤلاء الناس وأريد أن أنقل شيئاً اكتسبته. ببساطة لأنني ولدت في لبنان، إنها معرفة حميمة، علاقة حميمة مع الثقافات، مع الحضارات التي اعتدنا أن نراها من الخارج. كما أعترف بافتقاري إلى المعرفة بالعالم العربي وخصوصًا بالمغرب العربي، وهو ما اكتشفته عند وصولي إلى فرنسا.  اما الشرق الأوسط، فهو على عكس الأفكار المسبقة، هو عالم مجزأ للغاية.  تحتل تركيا مكانة مهمة في أعمالي. وفي جميع كتبي، ثمة ما يتعلق بإسطنبول.
أحتفظ من فترة عملي الصحفي بالرغبة في أن أكون متفهماً للقارئ. هناك شيء واحد أبقيته بالتأكيد في نشاطي وهو الرغبة في مخاطبة الجمهور دائماً. وبعد قضاء مدة خمسة عشر عاماً تقريباً، فإنني أهتم بأن تكون كتاباتي واضحة وقادرة للوصول إلى القارئ.
يستمر التاريخ في تشكيل الحاضر. إنه يخدم الأيديولوجيات ولذلك يجب تفسيره بعناية. التاريخ كائن يسهل التلاعب به. التاريخ كتلة من الأحداث التي لا شكل لها والتي نعطي لها معنى، ويمكن للجميع أن يجدوا في هذه الكتلة التي لا تقاس ما يعكس ما يريدون قوله، ولهذا إذا كنت صادقاً، أود أن أقول إنني أخذت من التاريخ ما يساعدني على قول ذلك. أي أن أقول ما أريد أن أقول.
أنا لا أستسلم للحنين. بالطبع، هو موجود، بل هو وقود أدبي. لكن الكاتب يعلم جيداً أن الأمر لا يتعلق إلا بلبنان الطفولة المتخيل، ولبنان الذي لم اره يوماً يبرز، بل على العكس من ذلك، تراجع على مدى الثلاثين عاماً الماضية.  لا أنظر إلى الوراء. إنه إجراء احترازي للبقاء على قيد الحياة. طريق الجذور مرادف لـ "الدفن في الأرض الموحلة". 
أدرك جيداً، ان المنفي في فرنسا لن يندمج بشكل كامل أبداً، وأنا أعيش هذا الوضع جيداً. لقد تغيرت، ولم يعد يهمني أين أعيش طالما أنه يسمح لي بالكتابة. آسف لأن أوروبا تعيد تشكيل العالم في كثير من الأحيان. الإنسانية بحاجة إلى حدث إعجازي. 

 

  • ولد أمين معلوف، الكاتب والصحافي اللبناني المنحدر من عائلة موزعة بين البرازيل والولايات المتحدة وكوبا، في بيروت عام 1949. قرر الفرار من الحرب الأهلية اللبنانية عام 1976 إلى فرنسا. وهناك أصدر العديد من الأعمال الروائية التي ترجمت إلى أكثر من أربعين لغة. وقد أثار كتابه "الهويات القاتلة" الذي صدر عام 1998 اهتماماً كبيراً لتناوله مسألة وضع المهاجرين في عصر العولمة.

    انتخب عام 2011 عضواً في الأكاديمية الفرنسية، وفي 28 من أيلول/ سبتمبر الجاري أنتخب أميناً عاماً دائماً لهذه المؤسسة العريقة التي أُسست في 1635 في عهد الملك لويس الثالث عشر بهدف تقعيد وتطوير اللغة الفرنسية، وقد اصبح رئيساًلها 

    الشراع 

     لها.