بيروت | Clouds 28.7 c

النسق الديني والله عند العرب ويهوه عند اليهود اليهويين/ عبد الهادي محيسن

 

النسق الديني والله عند العرب ويهوه عند اليهود اليهويين/ عبد الهادي محيسن

الشراع 29 نيسان 2024

 

يعرف النسق الديني على أنه صيغة منظومية لمعرفة الألوهة بغية تفسير معضلة الوجود في العالم ومغزى هذا الوجود وغايته ، انتصارا للبقاء البشري ضد الموت الذي يشترطه عمل قوانين الطبيعة وتوكيدا للخلود الإنساني في العالم الإلهي الذي هو حياة كلية مطلقة .

يتأسس نمط المعرفة الدينية العربية بنسقيه : التوحيدي الإسلامي \والتوحيدي التثليثي المسيحي ، على ما فرضته سيرورة الحياة البشرية في الطبيعة والكون من معاناة أصيلة لمعضلة الوجود تلك ، ومنظومة القيم الروحية التي شكلت إنسانيتها جوهر التحضر العربي ... حيث كل صيغ الوجود البشري العربي وعلائقه المتشابكة تحيل دائما الى الاحتكام للقيم التي تضمنها قانون الخلق الإلهي بدءاً بالعدالة والمساواة أمام الألوهة ، وفيما رسمته من أقدار لأدق تفصيلات الكينونة ولأعم عموميات خطوط استمرارها .

إن هذا التلخيص المبتسر والمقصر عن الإحاطة بمجموع ما تقدمم من متابعة لطابع الحضارة العربية المستمرة في مجالها الحيوي الواحد خلال عدة آلاف من السنين إنما نقدمه هنا كي نتلمس الفروقات بين النمط الاعتقادي العربي بنسقيه بما فيه من قيم إنسانية راسخة وبين النسق اليهودي اليهووي الذي جرى استخدامه قديما وحديثا ضد موجوداتنا وتاريخنا وميراثنا الحضاري أبشع استخدام وما يزال ..

إن فكرة الألوهة لدى العرب قامت منذ البدء على نوع من الاستقراء المنطقي النسبي لظواهر الحياة المترابطة من الوجود الفردي المخصوص الى كلية وجود الكون المخلوق ، إن أول تعارض نجده بين فكرة " الله " عند العرب وربوبية " يهوه "عند اليهود اليهويين هو أن هذا الإله الأخير تبدأ طقوسه إثر اختياره من قبل اليهود كضامن لعقد حلف قبلي ! .

فهو إذاً ليس معبودا في الأصل بسبب الإيمان بكلية قدرته الخالقة ، وإنما هو قد استخدم بدئيا من قبل العشائر التي " اختارته كضامن " من أجل تنفيذ  غاية دنيوية بسيطة ومحددة هي اقتحام أرض معينة لإيجاد ملاذ حيوي فيها يقي العشائر اليهودية المتحالفة شر الهلاك جوعا في صحراء قاحلة هي سيناء ، وفي شروط انهيار عالمي عام لم يبق معه لتلك العشائر إلا هذا الخيار الوحيد .

إن فرقا معرفيا كبيرا يتحدد بين واحدية يهوه كرب مختار ، وبين وحدانية الله وتعدد أسمائه الحسنى كعلة لخلق الكون ترتبط بها منظومة القيم الإنسانية الشمولية ، ولقد قام اليهود تاريخيا بالخلط المتعمد بين واحدية يهوه وبين وحدانية الله ، إن استحقاق الخلود حسب الذهنية العربية (أي الخلاص بالألوهة) لا يأتي عن طريق إقامة الطقوس فحسب ، بل إقامة الطقوس هي وسيلة للتذكير بقواعد السلوك الإنساني في العلاقات البشرية المتبادلة تحديدا .

غير أن كهنة اليهود الذين تضررت مصالحهم من عدم إقامة طقوس يهوه وهي في تفصيلاتها التوراتية لا تتضمن أي بعد من أبعاد الضمان المعبدي السائد في البيئات العربية وليست غير مظاهر شكلانية لطقوس المعابد العربية اقتُبستعنها وجرى حشوها بعراضات القوة والفخفخة من قبل أولئك الكهنة اليهود الذين بدأووا حربهم الخفية والمعلنة على تاركي طقوس يهوه مذكرين دائما بأفضال يهوه في إدخالهم الى الأرض التي وعدوا أنفسهم بها عند عقد الحلف العشائري بينهم ، ومفسرين كل هزيمة في معركة أومشاحنة وكل حادث يحدث لأحد اليهويين أيا كان سببه على أنه انتقام من يهوه الغاضب على ترك جماعته له بعد كل ما فعله لأجلهم .

كانت العادة في الشرق العربي أن يربط كل حدث وكل شيء بأمر الله وإرادته وهذا يدخل في صلب بنيان النمط الاعتقادي الراسخ ذاته ، وكانت الحروب والانتصارات والهزائم تربط مباشرة بالأرباب ( كفيوض قدرة الألوهة كي يبرئ العربي القديم ذاته ووجدانه من مغبة تلك الحروب ) ونتائجها وحواصلها التي قد تكون مفجعة بالنسبة الى مختلف أشكال الحياة ، تبرئة تامة أمام الألوهة .

ولهذا كانت روح التسامح مع المهزومين هي القاعدة عند العرب ، وكانت الرحمة دائما ميزة مرافقة للقوة عند العربي وليس أدل من كره العربي للحرب من تحيته التي هي منذ البدء وحتى الآن : السلام عليكم ! ، ولقد التقط كهنة يهوه فكرة الربط تلك دون معرفة لأبعادها ، وقد أخذوا منها ما يناسب تعزيز مصالحهم فحسب ! وحتى يستطيعوا منافسة كهنوت المعابد العربية .

وهكذا اكتمل " يهوه " في صيغة رب دموي منتقم نقّاق دائم الغضب لا تعرف الرحمة الى قلبه سبيلا إلا نحو من يؤدي طقوسه ويقدم له التقديمات في معبده تحديدا من ذهب وفضة وذبائح وطعام وشراب حيث فصّله الكهنة تمام على مقاس مصالحهم ... والى كل ما سبق لقد وعد يهوه البطاركة اليهود الأوائل بالأرض وهي تتسع كل مرة حسب مزاج الكتبة مقابل أن يقيموا هم ونسلهم الطقوس ليهوه وحده مع تنفيذ وصاياه .

وأهم هذه الوصايا : متى أتى بك الرب إلهك الى الأرض التي أنت داخل إليها لتتملكها ولتطرد شعوبا كثيرة من أمامك : الحثيين والأموريين والكنعانيين واليبوسيين هؤلاء شعوب أكثر وأعظم منك دفعهم الرب إلهك أمامك لتضربهم فلا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عليهم " تثنية 7\1 والتحريم يعني إبادة كل ذي حياة لدى الخصم حتى البهائم والطير ، أما لماذا يدمغ يهوه إله اليهود شعوب الأرض كلها بالرجس والنجاسة فلأنها تتعبد أي تقدم النذور والقرابين لأربابآخرين فإذن هو " رب غيور" .

عبد الهادي محيسن

.. كاتب وباحث