بيروت | Clouds 28.7 c

عبد الحليم حافظ والحنين اليه والى عصره / بقلم حسن صبرا

 

عبد الحليم حافظ
والحنين اليه والى عصره
بقلم حسن صبرا

الشراع 30 اذار 2024

 

لا تنفصل ذكرى عبد الحليم حافظ الذي رحل في 30 مارس / آذار عام 1977 , عن ثوابت في عمري وفي عقلي وفي عاطفتي ، واكاد أتوحد فيها شخصياً مع طفولتي وشبابي ونشأتي السياسية وانتماء لن ينقطع عن ناصريتي إلى ان ينقطع النفس .
اول مرة سمعت باسمه حين كان جارنا " علي نوي " يغني عشانك يا قمر وقد غناها عبد الحليم من الحان عبد الوهاب في فيلم " ايام وليالي " مع سمراء الشاشة ايمان 
   كان علي اخنفاً اي ان صوته يخرج من انفه ، فكان يردد عشانك يا قمن اطلعلك القمن ما دام هواك قمن …
سألت علي من يغني هذه الاغنية ؟ فاجابني انه عبد الحليم حافظ .
تصورت عبد الحليم شاباً يرتدي ثوباً يشبه ثوب المحامين الذي كنت أراه في السينما .. وكانت السينما هي شاشتي الفضية للتعرف على أمور كثيرة اولها الافلام العربية ( هي الافلام العربية وليست المصرية ، لأن المقابل هي الافلام الاجنبية ، هذا اولاً ، ثم لأنها السينما العربية الوحيدة قبل ان تدخل بلاد عربية أخرى مجال السينما ، فالسينما العربية هي السينما المصرية فقط ) 
في السينما لم يفتني مشاهدة كل أفلام عبد الحليم ، وقد شاهدت كل واحد منها عشرات المرات، ( واسمحوا لي هنا ان اكتب انني ذهبت مع صديقي د كمال ابو ظهر إلى البرازيل مرتين للقاء رنى قليلات ، وكانت رحلة السفر بطيران الامارات تستغرق 14 ساحة من دبي مباشرة  إلى سان باولو ، وكانت تسليتي الأساسية انني شاهدت فيلم " فتى أحلامي " لعبد الحليم إثنا عشر مرة ، بمعدل ثلاث مرات في الرحلة ذهاباً وإيابا..
وانا ما زلت حتى الآن احفظ اسماء عبد الحليم في كل فيلم من اول علي في فيلم أيامنا الحلوة، مع فاتن حمامة وعمر الشريف واحمد رمزي إلى  اسمه عادل في فيلم الي فوق الشجرة مع نادية لطفي وميرفت امين وعماد حمدي ..
وعند مشاهدتي اي فيلم لحليم ، فإنني استرجع احدى مراحل طفولتي ، في الزمان وفي المكان ، وفي اي دار عرض شاهدت الفيلم ، ومن كان معي ، او مع من كنت في السينما ، وفي كثير من الاحيان كانت والدتي تصطحبني وشقيقي الأكبر علي إلى سينما عايدة في الزيدانية ، مكافأة لنا على مساعدتها في الغسيل فكر كل سبت ..وأجمل ذكرياتي في مشاهدة فيلم لحليم .
يتصاعد حنيني حين شملت طفولتنا احداث السياسة التي كان فيها عبد  الحليم ، هو المعبر الغنائي عن ثورة جمال عبد الناصر الذي ما زلت اعشقه ، وكأنه قمرا أنار وينير وسيظل ينير ظلمة الليل إلى الأبد !!
عشقنا الاثنين ناصر وعبد الحليم وهو يغني لبطلنا : "يا جمال يا حبيب الملايين" ، "واحنا الشعب احنا الشعب اخترناك من قلب الشعب، "وهو يغني" قلنا حنبني ودحنا بنينا السد العالي" ، ومع كل نمو فينا ولنا كان عبد الحليم مع صلاح جاهين وكمال الطويل ، يرسمون طريقنا القومي والثوري تعبيراً عن نهج ومشروع جمال عبد الناصر ، وصولاً إلى " صورة صورة صورة " "وعلى راس بستان لشتراكية ، واقفين بنهندس علمية ، امة ابطال علما وعمال ومعانا جمال "
إلى أغنيته يا اهلاً بالمعارك ، وبلدي يا بلدي ، وعدى النهار .
صار عبد الحليم شريك القلب والوجدان والحنين ..إلى عصر جمال عبد الناصر ومعاركه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضد الاستعمار والصهيونية، وكل من عادى جمال من  الأنظمة والشخصيات والأحزاب العربية ..
لم أقابل عبد  الحليم ابداً، ولكني كلما شاهدت له فيلماً ،او سمعت منه اغنية ،اعتبرت انه جالساً معي في المنزل، او رفيقاً لي في السيارة .. وهكذا جمال عبد الناصر في كل صورة وفي كل خطاب ، وعندما اتحدث إلى ابنته د هدى جمال عبد الناصر اشعر برقي ذاتي   ، ويخالجني شعور ان جمال يستمع الي وانا أهاتفها … فتخيلوا مستوى الكلام في حضرةجمال القائد والمعلم .
عندما رحل جمال في 28/9/1970, بكيت كالاطفال ، وعندما رحل عبد الحليم في 30/3/1977.. شعرت ان عصراً ينطوي ونحن نجهل قادم الاحداث .. وعندما شاهدت شقيقتي الحاجة شاهينة ( رحمها الله ) تلبس السواد حداداً على عبد الحليم ، وشاهدت صوراً عن حالات قتل انفس من فتيات وسيدات ، واحداهن رمت نفسها من على شرفة منزلها في القاهرة حزناً … وجدت نفسي واحداً من ملايين يعشقون عبد الحليم 
واختم بالكتابة؛ انني كنت مسؤول نشرة القومي العربي الناطقة باسم الاتحاد الاشتراكي العربي ، نشرت مقالاً مختصراً عن رحيل عبد الحليم ، فإذا بقيادات في الاتحاد توجه لي نقداً بسبب كتابة مقال فني في النشرة الحزبية ، فكان ردي المباشر وبغضب : انتم لم تفهموا دور عبد الحليم في الترويج للفكر الذي اطلقه جمال ، ولو انتظرتم الف سنة لن تعبروا عن مشروع عبد الناصر بأكثر من نقطةبحر هادر بأغنيات عبد الحليم ..
ألا تلاحظون ان الغناء والأناشيد الوطنية،  صارت بلا روح ولا طعم ولا ذوق ،بغياب اداء عبد الحليم وتعبيره عن عصر جمال عبد الناصر ؟
الشراع