بيروت | Clouds 28.7 c

من عروبة بركات الى محمد جونة: هل استوعبنا الدروس؟ بقلم: محمد خليفة

مرت جريمة اغتيال المعارض السوري محمد جونة في هامبورغ بصمت غير مبرر, من المعارضة عموماً, ومن الجالية السورية في المانيا, وهي أكبر جالية في اوروبا.

ولو قارنا هذه الجريمة بجريمة اغتيال عروبة بركات وابنتها حلا قبل 15 شهراً في اسطنبول لرأينا فرقاً كبيراً, لصالح الأولى التي أحدثت ردود أفعال قوية وواسعة. ولكن العنصر المشترك بينهما أن التنفيذ تم بطريقة وحشية متشابهة, وبأيدي جناة سوريين قريبين من المجني عليهم. وهذا ما يدل دلالة قاطعة على حرفية ومهنية عالية للمدبرين والمنفذين لا تتوفر للأفراد العاديين, بل تتوفر لاجهزة استخبارات محترفة.

بعد قتل المناضلة الشهيدة عروبة قلنا أن ثمة مؤشرات على أن المرحلة القادمة ستشهد سلسلة اغتيالات تترجم شعور النظام بالقوة والانتصار. والآن نجدد هذا التحذير, لأن النظام يشعر بغرور الانتصار, وفائض القوة الذي يسول له الانتقام من المعارضين والثوار, وخصوصاً الذين كان لهم دور ملموس في العمل السياسي والثوري والاغاثي.

 وهناك معلومات جديدة ومتواترة من دول عديدة عن مخططات لإغتيال معارضين وناشطين سوريين في أوروبا بالذات, نظراً للدور المميز للسوريين المعارضين في تركيا واوروبا تحديداً في النشاط ضد نظام الاسد ولدعم صمود الثورة والشعب السوري. 

ومهما كانت الأسباب فالنظام السوري ذو سجل تاريخي حافل بهذا النمط من السلوك الوحشي, وقد قتل عشرات من خصومه في كل أصقاع الأرض, من البرازيل ((أديب الشيشكلي)) الى باريس ((صلاح البيطار)) وانتهاء بلبنان ((كمال جنبلاط وعاصم الجندي وماهر الكيالي ورفيق الحريري وحسن خالد وشبلي العيسمي..إلخ )).

لذلك فاتهام النظام بقتل الشهيد محمد جونة منطقي وطبيعي, ويأتي في سياق وظروف مساعدة. ومن قتل مليون سوري لن يتردد بقتل واحد هنا أو واحدة هناك. ومن كان سجله العالمي مليئاً بجرائم القتل والخطف والنسف والاغتيال لن يكترث بإضافة بضعة معارضين الى سجله الحافل, كالبحر الذي لا يغص بساقية أو نهر.

والجدير بالذكر أن دولاً ومنظمات عديدة تحدثت مراراً عن تسريب استخبارات الأسد لعشرات الشبيحة والعملاء والمخبرين بين موجات اللاجئين الفارين من جحيم بلادهم الى ملاذات آمنة في أوروبا.

وعليه فلا مجال ولا مبرر لإضاعة الوقت والجهد باتهام أحد آخر بقتل جونة, لأن الرجل كان ناشطاً سياسياً محترماً معروفاً في كل الأوساط السورية والالمانية, وكان رئيساً لاتحاد السوريين في المهجر الذي قام بدور بارز جداً في تقديم الدعم المادي والانساني للسوريين في الداخل وفي تركيا ومخيمات النزوح واللجوء.

وقد نقل صديقه أحمد العمر عنه أنه تعرض لتهديدات كثيرة من قبل سوريين ولبنانيين موالين لحزب الله.  

الجريمة إذن سياسية, وليست جنائية, والمتهم الأول فيها نظام الاسد لأنه صاحب المصلحة الأول, ولأنه الأقدر على تنفيذ جريمة وحشية بالطريقة التي ارتكبت بها جريمة قتل الشهيد محمد جونة وشبيهتها جريمة اغتيال عروبة, وكلاهما كان حقل نشاطه يتراوح بين الإغاثي والسياسي!

منذ جريمة اغتيال عروبة وابنتها كان على المعارضة أن تنتبه, وكذلك كان على الدول المستضيفة للمعارضين واللاجئين أن تتخذ الاحتياطات اللازمة, وأن تراقب الموالين للنظام, لا سيما أن هؤلاء في دول كثيرة كانت لهم نشاطات علنية وسوابق إجرامية ومن السهل على الشرطة والاستخبارات تتبعهم واخضاعهم للرقابة بشكل دائم.

المعارضون السوريون أثبتوا غفلتهم وبلاهتهم في مناسبات كثيرة, وأثبتوا للأسف أنهم لم يتعلموا من تجاربهم التي مروا بها طوال ثماني سنوات عجاف.

ولكن المهمة نفسها ما زالت مطلوبة وملقاة على عاتقنا, وما زال علينا التحرك بشكل جماعي للتضامن مع كل ضحية أو شهيد من المعارضين تطاله أيدي الاسد واجهزته وشبيحته وكأنه شقيق أو قريب أو صديق حميم, وكأولياء دم له, وذلك بمتابعة قضيته عن طريق الحقوقيين والسياسيين حتى تشعر سلطات الدول التي تقع الجريمة فيها بضغط السوريين وثقلهم لكي تتعامل مع الجريمة بشكل جاد، ومتابعة خطوطها, وملاحقة الجناة, وكشف شبكات الاستخبارات السورية والايرانية التي تساعده .

 وعلينا أن نحتج على تقصير السلطات الأمنية في هذه الدول, وأن نطالبها بإتخاذ إجراءات أكثر فعالية وردعاً لعملاء الأسد وحلفائهم، وحماية الناشطين والمعارضين السوريين لكي لا تتكرر هذه العمليات, ومطالبة السلطات دائماً بالتعامل معها كجرائم ارعابية لا جنائية.

هذه التحركات ستعطي حتماً نتائج ايجابية, وتحد من عدد القتلى, وتحد من حركة الشبكات الاستخبارية المعادية, وخصوصاً اذا كانت تحركاتنا منظمة ومنسقة مع منظمات حقوقية سورية وأوروبية, وتتسم بالمتابعة والاستمرارية.

ما فات قد فات, وعلينا أن نتعلم من هذه التجارب والحوادث وأن ننظم صفوفنا ونستعد لمواجهة أعدائنا لأن معركتنا مع الأسد وأجهزته وعملائه وحلفائه معركة طويلة داخل البلد وخارجه.

قضية المرحوم الشهيد محمد جونة ما زالت حية والتحقيق في بدايته, وعلى الجالية السورية الكبيرة في المانيا أن تستثمرها وتوظفها بالاحتجاجات والتظاهرات, للضغط على السلطات الالمانية لتأخذ الجريمة بجدية واهتمام, والتعامل معها كقضية ارعابية, ومتابعة التحقيقات, لكشف شبكات وعملاء الاستخبارات السورية.

محمد خليفة

الوسوم