بيروت | Clouds 28.7 c

أول مبادرة عربية شعبية لحل الأزمة الليبية / بقلم محمد خليفة - بني غازي

  • *ترحيب غير مشروط من القوات المسلحة والبرلمان
  • *بني غازي انتصرت على الارعاب وتحولت أكثر المدن الليبية أمناً
  • *الجيش يدعم بناء دولة مدنية وديموقراطية ولا يرغب في السلطة

منذ أسسنا المؤتمر الشعبي العربي في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2017 الذي شارك فيه حوالى  600شخصية سياسية عربية من الاقطار كافة, يمثلون عشرات المنظمات والأحزاب المستقلة عقدنا العزم أن يكون نشاطنا فعالاً متصلاً بالواقع, لا نشاطاً سياسياً وفكرياً نخبوياً محصوراً في الغرف والقاعات المغلقة. وتأسيساً على هذا المنهج اتجهت الأنظار الى العمل المباشر البناء في الوطن العربي, ومحاولة إشعال شمعة هنا وشمعة هناك بدلاً من لعن الظلام.

وخلال العام الماضي عقدت الأمانة العامة للمؤتمر دورتين ناقشت فيهما البدء بالتحرك الجاد, واستقر الرأي على طرح مبادرة عربية شعبية غير مرتبطة بأي جهة عربية رسمية لحل الأزمة الليبية, والتقريب بين وجهات نظر أطرافها. ورحب أعضاء المؤتمر الليبيون ((مكتب ليبيا)) بالمبادرة, وأكدوا أن الأجواء مهيأة للتجاوب معها, لا سيما أن الليبيين عموماً يتساءلون عن سبب غياب أشقائهم العرب شبه الكامل, بما فيهم جامعة الدول العربية, بينما تتنافس الدول الأخرى ((ايطاليا وفرنسا واميركا وروسيا وتركيا وايران واسرائيل)) لحجز مواقع لها على الأرض الليبية, أو فرض أجنداتها ومخططاتها, وغالبيتها مخططات تآمرية تحيي مشاريع الدول الاستعمارية قبل الاستقلال عام 1951, والتي تصل الى حد السعي لتقسيم ليبيا دويلات وإمارات صغيرة ليسهل السيطرة عليها ونهب ثرواتها.

على هذا الاساس قررنا في الأمانة العامة ((40 عضواً من جميع الدول العربية)) صياغة مبادرة قومية تدرس أسباب فشل المحاولات السابقة لحل الأزمة واستمرار التمزق الجهوي والسياسي بين الاطراف المحلية وعرضها على هذه الاطراف ومتابعتها باللقاءات المباشرة, وتقديم اقتراحات عملية على ضوء الحوار والاتصالات مع كل الاطراف, أولاً بأول. كما قررنا تشكيل لجنة مختصة لتنفيذ قرار الأمانة العامة ومتابعة المبادرة حتى تحقق نتائجها وجدواها, يرأسها أحمد شلابي ((جزائري)) ومقررها د . محمد مضمون ((مغربي)) وتضم شخصيات تونسية وعربية.

وجاءت الخطوة الأولى بعقد الدورة الثالثة للأمانة العامة الثالثة في بني غازي ((22 – 23 كانون الثاني/يناير)) والاتصال مع الطرف الذي يدير المدينة التي يعتبرها الجميع العاصمة الثانية لليبيا, وهي القوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر, حيث عقدنا لقاءً مطولاً مع نائب المشير الفريق عبدالرزاق الناطوري دار فيه حوار ودي صريح وشفاف. كما التقينا بممثلي الادارة المدنية والمجتمعية في المدينة ((الحكومة المؤقتة)), وبفاعليات شعبية متعددة, وعقدنا لقاء مطولاً مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الليبي الموحد يوسف العنوتي لبحث بعض جوانب ومفاصل الأزمة وتطوراتها, وسبل معالجتها, لا سيما ان المجلس منتخب وشرعي ويضم نواباً ممثلين لكل الشعب الليبي, وما زال موحداً لم ينقسم ولا يطعن أحد بشرعيته, ومعترفاً به من كل الاطراف, وشاركنا في ندوة أكاديمية وعلمية نظمتها حركة المستقبل الليبية بالتعاون مع المؤتمر الشعبي العربي أشرف عليها الدكتور عبد الهادي الحويج, تحدث فيها عشرة أكاديميين ومثقفين ليبيين وعرب, تناولوا جوانب من الأزمة وانعكاساتها على الأمن القومي العربي.

لقيت الخطوة الاولى من المبادرة تجاوباً وترحيباً من كافة الأطراف والفاعليات التي التقيناها وأبدوا استعدادهم لتلبية كل ما نطلبه لتسهيل مبادرتنا وحركتنا وانجاحها, وخصوصاً القيادة العليا للقوات المسلحة والبرلمان. وتعهدنا بأن تقوم لجنة المبادرة بزيارة الأطراف الأخرى في طرابلس, وكل المكونات التي يتطلب المسعى الاتصال والالتقاء بها في كافة المدن والمناطق ومن كافة الفئات بلا استثناء.

الجدير بالذكر أن بني غازي وقعت في أيدي الجماعات الاسلاموية المتطرفة طوال أربع سنوات, وخاصة ما يسمى ((أنصار الشريعة)) وهي فصيل يتبنى الفكر السلفي التكفيري وتتألف من جهاديين متعددي الجنسيات, وقامت باغتيال وقتل وإعدام آلاف المواطنين الذين يرفضون فكرهم وسلطتهم, وتركز اجرامهم على رجال الشرطة والجيش السابقين, حتى أنهم ذبحوا بعض العسكريين ولعبوا كرة القدم برؤوسهم  ودمروا المنشآت المدنية والبنية التحتية وسرقوا كل ما يمكن سرقته وبيعه. وامتد حكمهم الى طبرق مدينة السلام التي تقع على مقربة من الحدود المصرية.

وذكرت فاعليات المدينة أن إسقاط بني غازي والمناطق الشرقية من ليبيا بدأ في عام 2013 بمقاتلين مسلحين اسلامويين عبروا الحدود من مصر ((في عهد الرئيس محمد مرسي)). وقال كل من التقينا بهم من المسؤولين الحاليين ومن المواطنين أن قادة الزحف الذي جاء من مصر كان على رأسهم مقاتلون ومدربون كبار من حركة حماس الفلسطينية, وقادة معروفون بإنتمائهم للقاعدة من اليمن والشام وتونس.. إلخ . وكانوا يسمون بني غازي ((بيت مال المسلمين)) نظرا لثرواتها الضخمة ورغبة المتطرفين بالسيطرة عليها لتمويل حروبهم في شمال ووسط افريقيا.

وخلال هذه السنوات لم يكن في ليبيا جيش ولا شرطة بسبب التخريب والتفتيت الذي أصاب أجهزة النظام السابق. وأكد أحد كبار ضباط القوات المسلحة الحاليين أن الجيش الليبي السابق كان يملك في مستودعاته, ((21 مليون بندقية))  نهبت غالبيتها الساحقة بعد أن قصفت طائرات حلف ((الناتو)) مخازن الجيش ودمرتها فنهبتها الجماعات المسلحة, وعندما استباح المتطرفون المدينة وبدأوا بتدميرها استنجد المواطنون ببقايا الجيش السابق وطالبوا المشير حفتر بالعمل لإنقاذ بني غازي مدينة عمر المختار, فاستجاب عدد من الجنود والقادة لا يزيد عددهم على مائتين, وبدأوا بإعادة تجميع العسكريين السابقين ودعوتهم للالتحاق بالمؤسسة الجديدة, كما بدأوا بتدريب جنود جدد وإعادة بناء الجيش من الصفر, وحصلوا على أسلحة وذخائر من بعض الدول الشقيقة وخصوصاً مصر بعد خلع مرسي, ثم بدأ بالقتال لتحرير بني غازي وكافة مناطق شرق ليبيا, واستمر القتال أربع سنوات, ودارت رحاه على مساحة واسعة تمتد مئات الكيلومترات. وقال أحد الضباط ((إن المتطرفين توقعوا أن نهاجمهم داخل بني غازي فقاموا بالتخطيط لمعركة فيها تعتمد على تدميرها واستعمال السكان دروعاً بشرية لهم كما يفعلون في سورية واليمن والعراق, ولكننا رفضنا ان نهاجمهم في بني غازي لكي لا نعطي مبرراً لقتل المواطنين وتدمير المدينة, بل قمنا بالهجوم على مواقعهم الحصينة جداً في جبال طبرق, حيث اضطروا للقتال بأسلحة فردية خفيفة بدل الأسلحة الثقيلة التي بحوزتهم في المدن. ونجحت الخطة العبقرية والجريئة, فانتصرنا عليهم في النهاية ((2017)) رغم امكاناتهم الكبيرة وأساليبهم القتالية الوحشية, ورغم الحصار المفروض على تزويدنا بالسلاح بقرار من مجلس الأمن الدولي من دون سبب منذ عام 2008)).

بني غازي اليوم مدينة آمنة, ومفتوحة, والحياة فيها تعود الى سيرتها الطبيعية, ولم يبق للجهاديين المتشددين أثر في عموم شرق ليبيا, وأصبحت بني غازي وطبرق وما بينهما ((500 كم)) أكثر أمناً واستقراراً من بقية المدن بما فيها طرابلس الغرب.

واتهم أبناء المدينة بعض الدول العربية والاسلامية بتمويل وتسليح ودعم المتشددين بالسلاح, وعرضوا علينا مقاطع مصورة تظهر قوافل الارعابيين التي تصور أسلحتهم وسياراتهم الحديثة التي يستعملونها, وقالوا إن هذه الأسلحة والسيارات زودتهم بها تركيا وقطر بشكل رئيسي, وأن حكومة مرسي في مصر كانت ضالعة في الخطة للسيطرة على ليبيا.

وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب أن ما يعرقل حل الأزمة الليبية هو غياب الارادة الدولية, ورغبة الدول الطامعة بإستمرار الصراع حتى تتمكن كل دولة منها من فرض رؤيتها ونفوذها وشروطها على ليبيا.

وأكد الفريق الناطوري أن جنوب ليبيا يخضع حالياً لإحتلال من العصابات الإجرامية التي تتاجر بالسلاح والمخدرات والبشر, وتجني ملايين الدولارات منها. وقال إن القتال لتحرير الجنوب سيبدأ قريباً جداً. كما أكد أن الاسرائيليين والاتراك متواجدون في ليبيا وخصوصاً في الغرب والجنوب, ويحاولون استمالة الليبيين كل لغرضه وغايته, وقال ((ليبيا عربية وشعبها يؤمن بالقومية العربية ولن يسمح بأي مؤامرة تنال من هويتها او تؤثر على جيرانها العرب)), وتوعد بإعادة بناء ((ليبيا ديموقراطية ومدنية وعصرية)) وقال إن الجيش الليبي سيكون اداة قوية في يد السلطة ولن يشارك في الحكم ولا يطمح لأداء دور سياسي ولكنه يريد أن يكون جيشاً محترفاً وقوياً ليدافع عن ليبيا التي تتميز بمساحتها الواسعة الأمر الذي يتطلب جيشاً قوياً يحمي حدودها.

((وللحديث بقية)).

 

   

   

 

الوسوم