بيروت | Clouds 28.7 c

هجوم أميركي ديبلوماسي على الشرق الأوسط هل يصلح بومبيو وبولتون ما أفسده ترامب..؟ السياسة الأميركية تخيف الحلفاء وتطمئن الأعداء! بقلم: محمد خليفة

يبدأ العام الجديد بهجوم ديبلوماسي أميركي مكثف على الشرق الأوسط, يشارك فيه أربعة من كبار المسؤولين في وقت واحد, هم: وزير الخارجية مايك بومبيو, ومستشار الأمن القومي جون بولتون, ورئيس أركان الجيوش الاميركية الجنرال جوزيف دونفورد, والمبعوث الخاص الى سورية جيمس جيفري.

والجدير بالذكر أن جولة وزير الخارجية الحالية تستمر ثمانية أيام, وتشمل ثماني عواصم عربية هي القاهرة والرياض وعمان وأبو ظبي والدوحة والكويت ومسقط والمنامة . ويعتقد أنها ستشمل بغداد أيضا دون الإعلان عنها مسبقاً, لأسباب أمنية.

وأما المسؤولون الثلاثة الآخرون فيزورون العاصمتين الاسرائيلية والتركية تل أبيب وانقرا.

وحسب المعلومات التي وضعتها وزارة الخارجية على موقعها الرسمي فالجولتان المتزامنتان والمسؤولون الأربعة لهم اهداف واحدة, تتركز على بحث ملفات المنطقة الساخنة, وهي:

-الترتيبات الأمنية في الشرق الاوسط بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب العسكري من سورية.

-الوجود الاميركي الاستراتيجي الدائم في الشرق الأوسط.

-طمأنة الحلفاء من آثاره, وخصوصاً اسرائيل.

-المواجهة مع التهديدات الايرانية في عموم المنطقة.

-الحرب على الإرعاب في المنطقة.

-متابعة معالجة الملفات المختلف عليها مع تركيا.

-طمأنة الأكراد وحمايتهم من الهجوم التركي على شرق الفرات.

-بحث الملف اليمني وتطوراته.

-متابعة الجهود لرأب الصدع في علاقات دول مجلس التعاون الخليجي ((قطر والشقيقات الثلاث)).

-العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج.

-التعاون الاقتصادي والامني والسياسي بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.

ورغم كثرة القضايا والملفات التي يبحثها المسؤولون الأربعة في الدول العشر أو الإحدى عشرة فإن الموضوع الرئيسي الذي يتصدر المحادثات مع الدول العشر أو الإحدى عشرة هو محاولة احتواء الآثار السلبية التي أحدثها قرار الرئيس ترامب بسحب القوات الاميركية من شمال سورية, ولا سيما بالنسبة لإسرائيل التي تتصدى للتمدد الايراني في المنطقة, وتشن حرباً غير معلنة على الوجود الايراني في سورية, وحزب الله في لبنان.

وكانت اسرائيل قد اعتبرت قرار ترامب الذي اتخذه فجأة في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي خطوة غير مناسبة لها نتائج خطيرة على أمنها, لأنها تتركها في مواجهة ايران وروسيا معاً, خصوصاً أن موسكو أخذت في الشهور الأخيرة لا تتساهل مع الضربات الاسرائيلية في سورية.

وقد أحدث قرار ترامب ردود أفعال سلبية على مستوى المنطقة لا تقتصر على اسرائيل, فقد اعتبره الأكراد الذين تعتبرهم واشنطن حليفاً وثيقاً في الحرب على الارعاب وتعاونت معهم طوال خمس سنوات في سورية ضد ((داعش))، طعنة في ظهورهم وخيانة لهم, وتركهم مكشوفين أمام تهديدات تركيا بشن حرب ضدهم على طول الحدود السورية - التركية.

وألقى القرار المذكور أيضاً ظلالاً كثيفة من الشك على السياسة الاميركية في المنطقة, لأن الانسحاب في هذا الوقت بالذات في نظر الدول العربية وفي نظر المحللين والمراقبين حتى داخل أميركا يفيد ايران وروسيا ونظام الاسد, وينال من صدقية المواجهة مع ايران والسياسة التي أعلنها ترامب ووزير خارجيته بومبيو منذ شهر أيار/ مايو الماضي, والرامية للضغط على ايران بكل الوسائل, وإجبارها على تغيير سياستها العدوانية في المنطقة, وسحب قواتها وميلشياتها من سورية.

شكوك وغموض

جولة المسؤولين الأربعة جزء من محاولة الإدارة الاميركية معالجة الآثار السلبية للقرار المذكور, وتوكيد الإنسحاب من سورية لا يعني الإنسحاب السياسي والاستراتيجي من الشرق الأوسط، بدليل ان الرئيس ترامب زار قاعدة عسكرية في العراق في عيد الميلاد, وعزز الوجود العسكري في العراق, من خلال إنشاء أربع قواعد عسكرية جديدة في العراق, اثنتان منها في كردستان العراق على مشارف الحدود الايرانية.

 ويلاحظ المراقبون أن قرار الانسحاب نفسه شابه غموض, وأنه تعرض لتأويلات وتفسيرات متباينة, إذ صدرت تصريحات أميركية أشارت الى بقاء قوات أميركية في قاعدة التنف في الصحراء السورية قرب الحدود مع العراق والمعبر البري الذي انشأته ايران لربط سورية بالعراق ولبنان. وشمل التباين معنى الانسحاب فوراً, إذ قال مسؤولون أميركيون أنه لا وجود لمواعيد محددة, كما أن جون بولتون علقه على شرط ضمان أمن الاكراد, وأعلن من اسرائيل إن أميركا لن تتخلى عن مسؤولياتها تجاه حلفائها, واشار بالتحديد لإسرائيل والأكراد, وقال ((إن انسحابنا من سورية ((مشروط)) بضمان تركيا لأمن الأكراد في سورية)). وحذر تركيا من ارتكاب ((مذابح)) بحق الاكراد , وهي عبارة تذكر بمذابح الاتراك للأرمن قبل مائة سنة , وكان لهذه العبارة ردود افعال غاضبة من الأتراك , إذ صرح الناطق الرسمي بإسم الرئاسة التركية ابراهيم كالن ((هذا كلام غير معقول, نحن نقاتل الإرعاب ولا نقاتل الأكراد, فهم أهلنا وجزء منا)). هذه التصريحات تعني أن العلاقات الثنائية ما زالت تعاني من الاضطرابات ولم تستقر بعد الخطوات التي اتخذها ترامب لإرضاء اردوغان بإعلانه سحب قواته من سورية وتركها له (!)

والمغزى الابعد لكل هذه المواقف هو أن المواقف والسياسات الأميركية في المنطقة استفزت الأصدقاء والحلفاء كافة, وأثارت شكوكاً قوية لديهم بجدية وثبات واستمرارية التعهدات بالدفاع عنهم. ولم يتردد الاكراد والعرب, بل وحتى الاسرائيليون في اتهام الولايات المتحدة في عهد اوباما ثم عهد ترامب بالتخلي عن المنطقة للروس والايرانيين, وهذا ما أضر بهيبة وسمعة الولايات المتحدة. ويعتقد أن هذه المسألة بالذات ستكون على رأس جدول محادثات بومبيو في العواصم العربية التي سيزورها، وخصوصاً الرياض والقاهرة وعمان وأبو ظبي, لا سيما وأن هذا المواقف المتناقضة تتزامن مع سعي الولايات المتحدة والمجموعة العربية ذاتها لاقامة حلف عسكري مشترك ((ناتو عربي)) يفترض أن يرى النور خلال شهر كانون الثاني/يناير الجاري.

السياسة الاميركية في الشرق الأوسط تتخبط وتتراجع وتخسر كل حلفائها من اسرائيل الى تركيا, ومن السعودية الى مصر, وانتهاء بالاكراد والمعارضة السورية, الذين باتوا يعتبرون أنفسهم يتامى الشرق الأوسط نتيجة تخلي اميركا عن وعودها وعهودها لهم. وفي الايام الأخيرة كشفت مجلة ((فورين بوليسي)) أن قرار الانسحاب العسكري من سورية لم يكن مفاجئاً ولا منفرداً اتخذه ترامب وحده كما قيل, بل قرار أعد سلفاً وأبلغ لوزارة الخارجية منذ شهور وطلبت الادارة منها الاستعداد له, وأخفي قصداً عن أقرب الحلفاء الى اللحظة الأخيرة, وبدون تشاور معهم, وبدون دراسته من كل الجوانب من أجهزة الدولة المعنية به, ولا من الكونغرس!

جولة بومبيو وبولتون في الدول العشر ليست سهلة والمحادثات مع جميع الحلفاء صعبة ومعقدة وعلى المسؤولين الأربعة إعادة الثقة بسياسة بلادهم للاسرائيليين والعرب والاتراك والاكراد, والتوكيد لكل طرف منهم على قوة الالتزامات الاميركية، وخصوصاً الدفاع عنهم في مواجهة التهديدات الايرانية, وهذا هو مغزى مشاركة رئيس أركان القوات الاميركية الجنرال دونفورد  ومغزى تقديم مزيد من الأسلحة الى المقاتلين الاكراد. ولكن الاكراد استوعبوا الدرس وهم الآن يحاولون إحياء العلاقات الاستراتيجية مع روسيا التي أكدت لدول وشعوب المنطقة أنها لا تفرط بحلفائها حتى ولو كانوا بسوء بشار الاسد!

في القاهرة سيلقي بومبيو خطاباً يراد له أن يكون رسالة اميركية الى الدول العربية يجدد الالتزام بثوابت العلاقات الاميركية - العربية رغم الخلافات والتغيرات الكثيرة. فهل سيهدىء الخطاب الديبلوماسي الذي لا بد أن يكون منمقاً وجميلاً مخاوف وشكوك العرب؟ ألا يذكر ذلك بخطاب اوباما في جامعة القاهرة عام 2009 الذي حفل بكلام تصالحي جميل ثم ترجمته سياسة اوباما الى سياسة خرقاء وخيانة فاضحة..؟!        

الوسوم