بيروت | Clouds 28.7 c

الشيفرة الغامضة بين تركيا وهيئة تحرير الشام : لماذا سكتت انقرا على ذبح حلفائها في سورية..؟!الهيئة وسعت امارتها عبر ثلاث محافظات في 4 أيام! بقلم : محمد خليفة

في ثلاث مناسبات متلاحقة خلال الشهور الأربعة الأخيرة ظهرت تركيا لاعباً دولياً كبيراً على الساحة السورية قادراً على مجاراة, أو منافسة اللاعبين الكبيرين أميركا وروسيا.

المرة الأولى في اتفاق 17 ايلول/سبتمبر 2018 مع روسيا حول وضع ادلب, حيث بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان قادراً على فرض شروطه على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يريد شن حرب شاملة للقضاء على ((هيئة تحرير الشام ((جبهة النصرة / القاعدة)) وإعادة المحافظة الى سلطة الأسد, واستطاع بدعم غربي تجنيب ادلب سيناريوهات حلب والغوطة ودرعا, ولكنه تعهد بالتخلص من ((الهيئة)) بدون حرب تسبب موجة تهجير مليونية جديدة الى بلاده واوروبا.. وتعهد لبوتين بإنجاز المهمة في موعد أقصاه نهاية العام المنصرم.

والثانية في قمة اسطنبول الرباعية التي دعا لها أردوغان رؤساء روسيا وفرنسا والمانيا لبحث المسألة السورية ( 27 تشرين الأول/ اكتوبر 2018 ) والتي وفرت دعماً أوروبياً لموقف اردوغان من ادلب بمواجهة بوتين.

والثالثة حين اتصل الرئيس دونالد ترامب بنظيره التركي قبل عشرة أيام من نهاية العام المنصرم ليخبره: ((قررت سحب قواتنا من سورية وتركها لك.. تفضل خذها , نحن قمنا بما علينا))! فقد أوحى هذا القرار بتراجع اميركا أمام الموقف التركي في الشمال السوري .

غير أن المشهد الآن في الشمال السوري يوحي بأن النجاحات السابقة كانت خلبية وعرضية أكثر منها واقعية وراسخة. بل يوحي بأن تركيا بدأت تتعثر وتغرق في الوحول السورية, وأن الأطراف الثلاثة, روسيا واميركا وأوروبا لن تتساهل مع تركيا إذا لم تفِ بالتزاماتها.

فتركيا لم تتمكن من الوفاء بأهم عنصر في التزاماتها مع الروس والأوربيين والأميركيين, وهو إنهاء وجود ((هيئة تحرير الشام)) في ادلب تجنباً للحل العسكري قبل نهاية العام مع أنها أدخلت الى سورية قوات نظامية ضخمة, وحشدت على الحدود مثلها وجهزت 50 ألف مقاتل من المعارضة السورية للمعركة المنتظرة.

 ما حدث هو العكس تماماً, ففي اليوم الأول من السنة الجديدة بادرت الهيئة الى شن هجوم واسع وساحق على عدة فصائل سورية من قوات ((الجبهة الوطنية للتحرير)) التي جهزتها تركيا لتكون ذراعها الضاربة , والتي قالت المصادر الرسمية أنها ستكون بمثابة جيش يصل تعداد الى70 ألف مقاتل مدربين جيداً على أيدي الاتراك.

لم يستغرق الهجوم المباغت سوى أربعة أيام, وانتهى بانتصار ساحق  للهيئة, وهزيمة صارخة لفصائل من أقوى وأكبر الفصائل ((حركة الزنكي, وحركة أحرار الشام, وألوية صقور الشام)) وإجبارها على الاستسلام والانسحاب الى الشمال كما يحدث عندما يهاجم الروس مواقع المعارضة. وخسرت الفصائل أكثر من مائة قتيل وأكثر من هذا العدد جرحى, وأعدمت الهيئة أربعين مقاتلاً دفعة, من الاسرى المنتمين للفصيلين المعاديين لها, ولولا وساطة ((فيلق الشام)) لكانت الهيئة سحقت ما بقي من الفصيلين الآخرين ((القريبين من الاخوان)).

 وأسفرت الحملة أيضاً عن توسع نطاق سيطرة الهيئة الى مناطق واسعة من ريف ادلب وحلب الغربي, وأظهرتها كقوة عسكرية كبيرة, تمتلك أسلحة نوعية وحديثة، لا تمتلكها بقية الفصائل, بما فيها الدبابات والمدرعات والمدفعية, ولها جاهزية عالية وخبرة قتالية, وتفوق في التخطيط والرصد وجمع المعلومات.

وما تزال عوامل التوتر والصراع كامنة بين الهيئة والفصيلين, ومن الصعب تحاشي جولات قتال جديدة في المستقبل القريب. إذ تتطلع الهيئة لتوسيع رقعة سيطرتها الى مدينتي أريحا ومعرة النعمان الكبيرتين والاستراتيجيتين, والى جزء من ريف حماة الشمالي وصولاً الى جنوب شرق حلب.

هذا التطور العسكري الكبير فاجأ الجميع لأنه جاء بعكس التوقعات التي انتظرت تحرك تركيا منذ شهور لتصفية ((الهيئة)) أو على الأقل تفكيكها وتقليص رقعتها, تمهيداً لإنشاء منطقة منزوعة السلاح, وفاء بالتزاماتها مع الأطراف الدولية, لأن الهيئة مدرجة على لوائح الامم المتحدة  منظمة إرعابية, وقرر مجلس الأمن الامن القضاء عليها وعلى ((داعش)) .

فما تفسير هذا التناقض؟ وهل يعقل أن تشن الهيئة هجوماً بهذا المدى دون مباركة تركية..؟ وكيف تحصل على أسلحتها..؟ والأهم من كل ذلك لماذا لم تتدخل القوات التركية دفاعاً عن القوات الحليفة لها..؟  

تركيا والهيئة: أعداء أم حلفاء؟

التفسيرات محصورة بين احتمالين فقط: أحدهما وهو الأهون, أن تركيا محرجة بين طرفين تربطها بهما علاقات وثيقة, فوقفت على الحياد, وتركتهما يحسمان الصراع بينهما, واكتفت بدور الوساطة الذي قام به فيلق الشام وهو طرف موال لها, وجاء حكمه لصالح الهيئة!

والتفسير الثاني, أن ما جرى كان بضوء أخضر تركي, لأن أنقرا تريد تعزيز قوة الهيئة لمواجهة الأكراد أو الاميركيين اذا تفاقمت الخلافات معهم. ويرى أصحاب هذا الرأي في نتائج المعركة دليلاً على أن تركيا هي المستفيدة منها, فتهجير الزنكيين الى عفرين يزودها بمزيد من المقاتلين السوريين, ويعزز سيطرة الهيئة على مناطق واسعة تمتد بين ثلاث محافظات.   

 ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن علاقة تركيا بالهيئة عميقة وراسخة, منذ بداية ظهورها أواخر 2011, وهي التي رعتها وعززتها, اضافة لفصائل أخرى متحالفة معها كالحزب الاسلامي التركستاني الذي ينتشر في غرب ادلب, ويتعاون معها ومع الهيئة. وهم يرون  أن تركيا لم تكن جادة ابداً في التخلص من الهيئة, وحين تصدت لمنع الروس من اجتياح ادلب بحجة الخوف من تدفق اللاجئين, كانت في الواقع تدافع عن ربيبتها الهيئة, لأنها ورقة قوية صالحة للاستعمال في مواجهة الاكراد، وأميركا.

الخلافات الظاهرية بين تركيا التي تعترف بأن النصرة ارعابية, والهيئة التي تعتبر الجيش التركي علمانياً وكافراً كالدولة التركية نفسها, لا تصل الى درجة العداء, ولا تمنع تحالف المصلحة والضرورة بين طرفين يحتاج كل منهما للآخر لمواجهة أعداء مشتركين أكبر وأخطر كالاكراد والأميركان والروس.

 إمارة ادلب الاسلامية التي اقامها تنظيم القاعدة بإسم الهيئة حالياً أو النصرة سابقاً، تحكم ثلاثة ملايين سوري, وتجبي الضرائب منهم, وتطبق شريعتها الطالبانية, وغالبية قادتها من المتطرفين الأجانب الذين لا يستطيعون العودة الى بلدانهم, وليس لهم بديل عن إمارتهم الحالية, ومستعدون للدفاع حتى النفس الأخير عنها, وترى تركيا فيها قوة ضاربة مثالية توازي قوة ((الميلشيات الكردية في الشمال)), وهي لذلك وفي سبيل مصالحها تتجاهل خطر هؤلاء المتطرفين وتجاوزاتهم التي فاقت تجاوزات النظام الأسدي همجية. حتى كفر السكان بها وبتركيا, وعبروا عن رفضهم وعدائهم لهما في الفترة الأخيرة، وخرجت تظاهرات حاشدة ضدها. وحمل أهالي معرة النعمان السلاح في وجهها منذ 2017.

 ويتهم أحد ضباط ما يسمى الجبهة الوطنية للتحرير تركيا بخداعهم, وبيعهم للهيئة بعد أن وعدتهم بالدعم والحماية.

  ويقول ناشط مدني بارز أن أبناء مدينة ادلب كتبوا على الجدران عبارات معادية ((للهيئة)) تطالب بطردها, فردت بحملات اعتقالات واغتيالات وقمع للمواطنين بحجج واهية, وعندما اشتكوا للأتراك باعتبارهم الضامنين للمدينة, ردوا بأن البديل عودة النظام وتدمير الروس للمدينة وتهجير مليوني مواطن على الأقل, وطالبوا بالتريث والصبر!

ويعتقد الناشطون السوريون في ادلب أن علاقة الهيئة العضوية بها أصبحت مفضوحة, مما سيفقدها صدقيتها, بين السوريين نهائياً, ولن يلبثوا أن يفقدوا صدقيتهم الدولية أيضاً, وما أحرزوه قبل فترة من نجاحات وضعتهم في مصاف اللاعبين الكبار.  

 محمد خليفة

 

الوسوم