بيروت | Clouds 28.7 c

البحث عن  تسوية لما تبقى من ولاية عون

  • *الكل ضد باسيل وباسيل ضد الكل لسعيه الى الثلث المعطل في الحكومة الجديدة
  • *ما سقط من تفاهم مار مخايل تطبيقاته المحلية وليس الاستراتيجية
  • *العقدة الأعمق خارجية وتتعلق بالعقوبات الاميركية على ايران وحزب الله
  • *ترجيحات بأن لا تبصر الحكومة النور قبل ظهور ما ستصل إليه العقوبات الاميركية
  • *العقدة السنية في لبنان متصلة بعقدة إسناد الداخلية للحشد الشعبي في العراق
  • *العامل السوري عاد ليؤدي دوراً في تغذية الانقسامات اللبنانية

انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، تصاحب مع معادلة حكم لعهده سميت ((التسوية الرئاسية))، وقوامها نوع من ((الترويكا)) الرئاسية التي سرعان ما انقلب عليها تحالف نادر الحريري والوزير جبران باسيل لتصبح تسوية ثنائية. وأكثر من مرة جرت محاولة لترميم التسوية الرئاسية عبر إصلاح ذات البين مرة بين الرئيس الحريري والرئيس نبيه بري ومرة أخرى بين باسيل وبري. وخلال أزمة غياب الرئيس الحريري في السعودية، جرى تضميد جراح التسوية الرئاسية، وانطلقت من جديد بإتجاه عقد انتخابات نيابية يليها تشكيل حكومة تجسد بصمة ما يريد الرئيس عون تحقيقه في حكومة العهد الأولى كما وصفها رئيس الجمهورية, التي تعبر عن المرحلة الثانية من التسوية الرئاسية.

وضمن ظروف تعثر تشكيل الحكومة العتيدة التي هي في الوقت ذاته حكومة العهد الأولى وحكومة المرحلة الثانية من التسوية الرئاسية، صار واضحاً ان هذين المعنيين لمعادلة الحكم في عهد الرئيس عون قد سقطا. فلا حكومة العهد الأولى نجحت كعنوان لإستقطاب تأييد القوى السياسية المؤتلفة في تركيبة الحكومة، بدليل ان مسار تشكيل حكومة العهد الاولى أدى الى سقوط تحالف تفاهم معراب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وإلى تشويش التطبيقات المحلية ((وليس الاستراتيجية حتى الآن)) لتفاهم مار مخايل..  بين التيار وحزب الله وبمقابل ذلك برزت تفاهمات جديدة ضد العهد أبرزها تفاهم بكركي بين سمير جعجع وسليمان فرنجية.

والاتهامات عديدة وكثيرة على هذا الصعيد لا سيما ضد الوزير جبران باسيل, الذي يكاد ينطبق عليه المثل القائل ان الكل ضد باسيل وباسيل ضد الكل, لا سيما مع إصراره الدؤوب على الحصول على ما يسمى الثلث الضامن او المعطل في الحكومة الجديدة, بعد ان ظهر ذلك بوضوح من خلال ما آلت اليه أحوال المبادرة الرئاسية من تعثر بسبب إصرار وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال على ضم الوزير الممثل للقاء التشاوري الى تكتله النيابي والوزاري.

ضمن هذا الواقع من الفرز السياسي لأطراف التسوية الرئاسية بات واضحاً ان هذه التسوية سقطت أقله بالشكل ولم يبق من مضمونها الا عدم الاعتراف الداخلي بسقوطها. وعليه فإن محافل سياسية اقليمية ودولية مهتمة بمتابعة مستقبل الوضع السياسي في لبنان، تطرح علامة استفهام حول ما اذا كان بالإمكان إعادة ترميم التسوية الرئاسية لكي يتم الاستظلال الداخلي اللبناني بها خلال الفترة المتبقية من العهد الرئاسي العوني.

وتقول هذه المحافل ان إمكانية إعادة انتاج هذه التسوية التي بدأت لبنانياً ومن ثم دعمتها لاحقاً  باريس والقاهرة، تتوقف على معرفة كيف ستتبلور الأحداث الساخنة في كل من سورية والعراق واليمن، بمعنى الى أي اتجاهات سوف تذهب هذه الازمات، فهل ستشهد انفراجات إقليمية ما يؤدي الى انعكاسات ايجابية في لبنان وذلك من نوع إعادة احياء التسوية الرئاسية فيه.. أم انها ستذهب بإتجاه اشتداد الصراع الاقليمي مما يؤدي الى خلق تعقيدات تودي بالتسوية الرئاسية.

وترى هذه المحافل ان العقد الداخلية التي تعيق تشكيل الحكومة في لبنان ليست إلا القشرة الخارجية التي تغطي العقد الأعمق، والمتمثلة بعقدتين أساسيتين  عقدة العقوبات الاميركية على ايران وحزب الله. وهذه العقدة تسهم بشكل خفي بتعثر تشكيل الحكومة، حيث ان الحزب لا يمكنه رسم شكل تموضعه الداخلي في المعادلة السياسية الداخلية إلا بعد معرفة حجم التشدد الاميركي لجهة فرض العقوبات عليه. ومن هنا ترجح محافل داخلية وخارجية ان لا تبصر الحكومة النور قبل انجلاء هذه النقطة، ما يعني بقاء الحكومة العتيدة في سجن حزب الله حتى الربع الأول من العام القادم وهو موعد ظهور العمق الذي ستصل اليه العقوبات الاميركية ضد الحزب.

العقدة الثانية تتمثل بإرتباط مساري تشكيل الحكومة في كل من العراق ولبنان. خصوصاً وان هاتين الساحتين تشهدان الصراع ذاته بين ايران واميركا، وليست إيران ولا الحزب بوارد حسم موقفهما من شكل حكومة لبنان قبل معرفة شكل الحكومة في العراق. ومثلما ان حكومة لبنان تقف حالياً أمام حاجز توزير الوزير السني التابع لحزب الله فإن حكومة العراق تقف حالياً أمام حاجز توزير وزير الحشد الشعبي في وزارة الداخلية. ولا يتوقع مراقبون ان تتشكل الحكومة العتيدة في لبنان إلا بعد جلاء مشهد مصير حجم تمثيل الحشد الشعبي في الحكومة العراقية.

وخلاصة القول في هذا المجال ان أصعب ما تواجهه عملية تشكيل الحكومة العتيدة، هي انها تتم من دون تسوية داخلية قائمة تحميها، وأيضاً من دون وجود معادلة داخلية تساعد على ولادة للحكومة العتيدة داخل رحم الفراغ السياسي الداخلي والخارجي.

ويتوقع ان يبرز هذا الواقع أكثر خلال النصف الأول من العام الجديد، حيث سيواجه الواقع السياسي اللبناني تحدي انعقاد مؤتمر القمة الاقتصادية العربية في بيروت. والسؤال الذي يواجه العهد حالياً يتعلق بموضوع  دعوة لبنان لـ بشار الاسد لحضور القمة، خصوصاً بعد تعديلات حصلت على الموقف العربي من دمشق وبدأت بزيارة الرئيس السوداني عمر البشير الى العاصمة السورية وتتابعت مع اعادة فتح سفارة دولة الامارات العربية المتحدة فيها ويتوقع ان تستكمل بخطوات من النوع نفسه من قبل دول عربية أخرى؟؟

ضمن الظروف الحالية فإن لبنان ليس لديه قدرة سياسية ولا إرادة وطنية موحدة للإجابة عن هذا السؤال. فالإنقسام في لبنان عامودي حول هذه النقطة، فهناك جهات تطالب بدعوة الأسد، مقابل جهات أخرى تطالب بعدم دعوته. ولا شك ان مناسبة انعقاد قمة بيروت الاقتصادية العربية، ستزيد من التعقيدات الاقليمية المسؤولة عن عدم تشكيل الحكومة، وستظهر هذه المناسبة بشكل جلي ان العامل السوري عاد مجدداً ليؤدي دوراً في تغذية الانقسامات اللبنانية.

وفي معلومات خاصة بـ((الشراع)) فإن لبنان قد يتجه خلال العام الجديد الى واحد من ثلاثة سيناريوهات:

الأول: النجاح في ترميم التسوية الرئاسية التي على رأس اهدافها النأي بالنفس، ولكن حصول هذا السيناريو غير ممكن قبل  تأكد حزب الله من ان  العقوبات الاميركية ضده لن تتجاوز الحد الذي كانت عليه العقوبات الممارسة ضده من قبل  في الاعوام السابقة.

السيناريو الثاني هو فشل ترميم التسوية الرئاسية وذهاب لبنان لمعادلة تسوية جديدة يستظل بها العهد في المرحلة المتبقية من حكمه. والنجاح في إنتاج تسوية بديلة جديدة للتسوية الرئاسية، شرطه الأساس حصول انفراجات واسعة على صعيد أزمات عديدة وخصوصاً في سورية واليمن.

السيناريو الثالث الدخول في فراغ سياسي وفي عملية ترقيع وتقطيع للوقت الضائع الذي ستمر به المنطقة جراء استمرار ستاتيكو الصراع . وحينها قد يتم انتاج ((حكومة ترقيع الوقت الاقليمي الضائع))، ولكن مثل هذه الحكومة لن يكون بمقدورها سوى الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والاقتصادي الهش، رغم تعاظم حالة التراجع الاقتصادي الى حدود حافة الهاوية  مع استمرار الأزمات المعيشية والسياسية والاقتصادية.

حيال هذه التعقيدات هل يقوم الرئيس عون بملحق لمبادرته وفقاً لما عبر نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي, انقاذاً لما بقي من عهده.

ليس واضحاً بعد ما سيقوم به عون على هذا الصعيد, علماً إنه وفق أكثر من زائر شديد الغضب إزاء ما حصل وقد عبر عن ذلك ولو ضمناً من خلال كلامه في بكركي عن تقاليد جديدة يتم فرضها حالياًَ في عملية تشكيل الحكومة. ولعل الأيام الأولى من العام الجديد يمكن ان تؤشر الى ما سيتخذه من إجراءات رغم ان ما هو أمامه محدود ومشروط وبالغ التعقيد.

 

 

الوسوم