بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ - رسالة مفتوحة من حسن صبرا الى الأمير محمد بن سلمان: لا تراهنوا على ترامب أو بوتين حاولوا التفاهم مع ايران / كتب: حسن صبرا

من هنا نبدأ - رسالة مفتوحة من حسن صبرا الى الأمير محمد بن سلمان:

 لا تراهنوا على ترامب أو بوتين حاولوا التفاهم مع ايران

مجلة الشراع 4 كانون الثاني 2019 العدد 1882

 

سمو الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.

تحية العروبة وبعد،

يشهد الله انني أكتب هذه الرسالة موجهة اليك من موقع المحبة، لذا هي تحمل روح النصح مع تسليمي المسبق بأمرين:

الأمر الأول: انك قد لا تأخذ بها.. وهذا حقك..

الأمر الثاني: انني قد أكون مخطئاً في بعض من روحها وحتى نصوصها.. لكنه حقي ان أقول النصيحة بما أعتقده.

سمو الأمير،

أنا من المعجبين بشجاعتك وروح الشباب في قراراتك، والاقدام والمبادرة في سياستك ولا يمكن إلا لأعمى البصيرة ان يتجاهل الدعم الشبابي السعودي لخطواتك التي أقدمت عليها في الداخل السعودي، كما لا يمكن لأي مخلص إلا ان يلفتك الى ان عدداً من قراراتك الخارجية لم تكن موفقة، بل وارتدت آثارها عليك شخصياً.

وأنا اعتبر ان ما وضعته نصب عينيك كأهداف طموحة للتحقيق هي خلاصة طموح طال أجيالاً سعودية باتت تعرف العالم بعد ان أتيح لها الابتعاث الى الخارج الذي بلغ ذروته في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز.. كذلك استجابة لحقوق ملايين السعوديين الذين جعلهم الاتصال بالدنيا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام وملايين الزوار سنوياً للحج والعمرة والاحتكاك مع العالم خلال زياراتهم لبلدانه.. يعلمون الكثير مما يجب ان يكون في بلدهم وها أنت تحاول.

لقد قدمت نفسك يا سمو الأمير كمحارب للفساد والأمر ليس قراراً واحداً او عابراً او يقتصر على أفراد بل هو سيادة ثقافة الشفافية والنـزاهة، من أعلى المستويات الى أدناها، والمسألة دائماً تبدأ من الأعلى والحاكم في كل مجتمعات الدنيا هو النموذج والمثل والقدوة.

هذه المقدمة الطويلة نوعاً ما طالت الداخل وصولاً الى الخارج ودائماً مع الحرص عليك وعلى المملكة وما تمثل وترمز اليه.

اعتمدت يا سمو الأمير معادلة كان الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز اعتمدها سابقاً في لبنان تقوم على ان يشتري هو بشار الأسد ليبعده عن ايران ليحمي لبنان وما نجحت هذه المعادلة مع هذا الهمجي وسموكم تعلمون لماذا وكيف فشلت.

معادلتكم الآن تقوم على شراء دونالد ترامب لمجابهة ايران ومشروعها للسيطرة على عدد من العواصم العربية.. ومن أجل هذه المعادلة أخذتم في دربكم قطر وحاصرتموها وخضتم وما زلتم حرباً مفتوحة في اليمن، وصدقتم عمر البشير انه معكم، واطمأننتم الى رجب طيب أردوغان فحاول ابتزازكم في جريمة قتل جمال الخاشقجي وما زلتم حائرين في كيفية التعامل مع عبدالفتاح السيسي وهو صديق بوتين وداعم لبشار وهو خصم قطر وأردوغان.

القضية كلها ايران يا سمو الأمير.

هي لها مشروعها الذي يواجهكم.. وأنتم من دون مشروع.. حتى الآن هي تصرف الجهد والمال والعلاقات والفكر والثقافة وتعتمد المذهبية للانتشار وتشكيل حقائق على الأرض وتسعى بحرص لا حدود له على كسب كل عدو او خصم وتفي بوعودها لكل من عمل ويعمل او يريد ان يعمل معها.. وأنتم تدخلون المواجهة من دون أي مشروع، وتكتفون من كل ما سبق بالرهان على ان أميركا ترامب ستقف معكم وستخلصكم من ايران.. ومن أجل هذا تتخلون عن أصدقائكم ولا تجيدون كسب خصم او حتى لا تحاولون.

تعالوا الى الأهم.

ايران هي صاحبة المشروع الذي يقض مضاجعكم (لاحظوا انه لا يقض مضاجع أحد من العرب معكم إلا عبد ربه منصور هادي.. وما عدا ذلك هم ليسوا على خلاف مع أحد من المحيط الى الخارج، خارج ما ذكرنا).. واسألوا ابن زايد ماذا تفعل ايران داخل امارة دبي؟ ولماذا أعاد افتتاح سفارته في حضن بشار؟

ايران ليست على خصومة مع مصر، ولا مصر ضدها، والجزائر صديقة لها، وتونس يدعو رئيسها لإعادة العلاقات مع صديق ايران بشار وأكثر من نصف اليمن تحت سيطرة ايران، وعُمان صديقة لايران، والكويت تريد تجنب أي نزاع في المنطقة، والأردن حريص على علاقات متوازنة معها. نابعة من مصالحه كدولة ونظام وحسابات.. وماذا ذهب  البشير يفعل عند بشار؟ ولماذا فتح محمد بن زايد سفارة لبلاده عند بشار؟

كثيرون اعتبروا ان ((صديقك)) ابن زايد لم يفعل هذا من رأسه بل فعله نيابة عنك او بموافقتك.. وهم يراقبون كيف ان ابن زايد استقبل وفداً صهيونياً في ابو ظبي.

هل حملت وتحمل يا سمو الأمير وحدك عبء مجابهة المشروع الايراني اعتماداً على دونالد ترامب؟

لقد سمعت من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مكتبه في الرياض وبحضورك شخصياً انه سيقاتل الفرس لو هاجموا المملكة ضارباً بكفه الأيمن على رقبته..

قال الأمير ((يومها)) سلمان هذا وكان موقناً ان العرب سيكونون كلهم معه.. هل هذا هو حال العرب اليوم.. معك؟

سموك تعلم ان حال العرب لا يسر عدواً ولا حبيباً وانك لا تستطيع الاعتماد عليه.. ولا كذلك حال المسلمين..

لقد ذهبت يا سمو الأمير الى اليمن لتدافع بحق عن حدود المملكة وعاصمتها وأهلها، وكنت تعتمد على الدول العربية والاسلامية الكبرى كي تساندك وهي تركيا ومصر والجزائر وأندونيسيا والباكستان ونيجيريا.. وسموك أدرى بما فعلته معك.. جميعاً.

سمو الأمير

والرهان عى أميركا ترامب – الذي ذهبت اليه بعد ان خذلتك الدول إياها - ما يزال قائماً، نرجوك ألا تعتمد على أميركا بالمطلق.. وأكرر دائماً ما قاله الرئيس حسني مبارك عنها: المتغطي بالأميركان عريان.. وانظر آخر ((انجازات)) ترامب: تخلى عن الأكراد في سورية، سلمهم لبشار وقبلها سلمت أميركا العراق لايران، وأهدت تركيا الى روسيا وها هو ترامب يهدد اوروبا كلها بأن عليها ان تدفع الجزية له لحمايتها، ألم يقل ان أنظمة الخليج العربي لا تستطيع البقاء 24 ساعة من دون أميركا؟

  • -ألم يعرض عليكم صفقة القرن بتصفية قضية فلسطين مقابل ان يقف معكم في مجابهة ايران؟
  • -ألم يطلب منكم 450 مليار دولار مقابل ان يحمي المملكة؟
  • -ألم يحملكم مجلس الشيوخ  الاميركي مسؤولية جريمة قتل جمال الخاشقجي؟
  • -هل تستطيع أي دولة خليجية عربية ان تتجرأ عليكم من دون حماية اميركية لها؟
  • -مئات الأسئلة أطرحها لإظهار ان اميركا الصديقة هي أصدق مع مصالحها.. ولعلكم تعلمون ان المصلحة الأولى لأميركا في المنطقة هي اسرائيل والمصلحة الطموحة هي الصداقة مع ايران، ولو قبلت ايران هذه الصداقة مع اميركا لما حصل ما يحصل في المنطقة منذ نحو 40 سنة..

سمو الامير 

الى أين أريد الوصول برسالتي؟ بيت القصيد هو:

أما وقد جربتم وعشتم كل هذا مع اميركا ومن أجل مجابهة ايران، فلماذا لا تحاولون مع ايران الصداقة او عدم الاعتداء، طبعاً أسبق هذا بالطلب من ايران ان تبادر هي أيضاً الى حسن النية معكم في جميع الجبهات او العواصم العربية بدءاً من اليمن، الى العراق وسورية الى لبنان..

لقد عاشت المملكة في عصر الملك عبدالله بن عبدالعزيز هدنة سلام حقيقي مع ايران، خصوصاً في عهد الرئيس علي أكبر هاشمي رافسنجاني، وتفضل خادم الحرمين الشريفين الراحل بالتخلي عن قرارات مؤتمر القمة الاسلامية التي تحدد عدد حجيج كل دولة نسبة لعدد سكانها، وأعطى رافسنجاني حق إرسال العدد الذي يريد من الحجاج الايرانيين.

وشتان  بين موسم حج عام 1987 الذي انتهى بصدام دموي مع الحجاج الايرانيين الذين خرقوا قوانين الحج في ذلك الموسم، وبين المواسم التي كان فيها حجاج ايران معززين مكرمين بالتوافق بين عبدالله بن عبدالعزيز وهاشمي رافسنجاني..

لذا

نقترح عليكم البحث عن وسيلة حقيقية للتوافق مع ايران بدلاً من الحرب عليها بالوكالة.. أي ان تعتمدوا على ترامب كي يحارب ايران بدلاً عنكم.. وترامب لن يحارب ايران، بل هو يسعى للصلح معها.. وهو يستجديها كي تجري مفاوضات معه على ملفها النووي.

سمو الأمير.

راهن دونالد ترامب على انهيار الاقتصاد الايراني.

راهن دونالد ترامب على ثورة شعبية ضد النظام الايراني.

راهن دونالد ترامب على جمع أوروبا وروسيا وتركيا والصين لمحاصرة ايران.

هل ترى يا سمو الأمير ان رهاناً واحداً من هذه الرهانات تحقق؟

طبعاً.. لا

ليس من عاقل يتصور ان دونالد ترامب بعد فشل هذه الرهانات سيلجأ الى القوة لمحاربة ايران عسكرياً ومباشرة.. او بواسطة اسرائيل.. حتى اذا حارب ترامب ايران، فـ بمال سعودي، وعبر أراضي دول الخليج العربي، أي ان الدمار سيبدأ وينتهي في المملكة ودول الخليج العربي، ويمكن في أي لحظة ان يتفاهم ترامب مع ايران.. وعلى حسابكم.

سمو الأمير.

يجمع العراق بين النفوذين الاميركي والايراني..

ولعلك تعرف ان في العراق نفوذاً ايرانياً يزداد تغلغلاً ونفوذاً اميركياً يتقهقر يوماً بعد يوم.

ايران استمالت الكثيرين من الشيعة اليها حتى فرضت من حزب الدعوة رئيساً للوزراء (ابراهيم الأفغاني، ونوري المالكي وحيدر العبادي، قبل ان تقبل ايران بصديق الغرب عادل عبدالمهدي رئيساً للوزراء).

ايران لا تستطيع منافسة المرجع الشيعي السيد علي السيستاني في ادارة شؤون العراق، ولولا فتواه بالتجنيد الشيعي لمجابهة احتلال ((داعش)) للموصل لما تشكل ما يسمى الحشد الشعبي الذي أصبح جزءاً من الجيش العراقي.. لم تستطع اميركا طرد المالكي من رئاسة الوزراء، ولا نجحت ايران في ابقائه في منصبه.. وحده السيستاني أمر بإخراجه من الرئاسة فصار ماضياً.

ايرن اجتاحت العراق عبر جماعاتها، لأن العرب وتحديداً المملكة السعودية تخلت عن أصدقائها في العراق.. وكان يمكن لأصدقاء المملكة العراقيين ان يشكلوا جسر حوار مع ايران في بلدهم او ان تتوازن مصالح المملكة مع مصالح ايران فيتم فرض التعاون لا الحرب، لكن المملكة هي التي تخلت عن أصدقائها فصاروا كالأيتام على موائد اللئام.. وهذا ليس ذنبهم.

سمو الأمير.

من داخل المملكة وفي ثقافة الكثيرين ومن تراثهم نشأت الحركات الظلامية التي مثلتها عبر الزمان جماعة الاخوان، من فتاوى ابن تيمية الى كتابات سيد قطب.. ومن ثقافة هذين الاثنين نشأت ((طالبان)) و((النصرة)) ثم ((داعش)) وهؤلاء ما اكتفوا بتكفير الشيعة.. بل انهم يكفرون كل انسان لا يسير على منوالهم ولا يلتزم فتاواهم..

وهم كفروا أعظم من مرّ في تاريخ العرب والمسلمين منذ عهد الخلفاء الراشدين.. جمال عبدالناصر.. والتزم عمك الملك فيصل فتاواهم بمحاربة جمال واستنـزافه في اليمن.. اليمن يا سمو الأمير دفاعاً عن الاماميين الزيديين الذين يحاربونكم الآن في اليمن ويقصفون الرياض والطائف ومكة بصواريخ ايرانية يرسلها الحوثيون.. حلفاؤكم السابقون.. حين كان فيصل بن عبدالعزيز يدعم الاماميين الزيديين نكاية بجمال عبدالناصر.

سمو الأمير

وأنتم تسعون الى تحديث المملكة وقوانينها وإجراءات عصرنة البلد فإن ظلاميي الوهابية وابن تيمية هم خصومكم الحقيقيون في الداخل السعودي وفي الخارج أيضاً.. تماماً كما هم جماعة الشيرازيين وأبرزهم زعيمهم محمد صادق الشيرازي كما السيد علم الهدى.. هم ظلاميو ايران غير المرئيين.

كثيرون في الخارج يظنون ان السلطة الايرانية هي مصدر الظلامية في المنطقة.. ولكنهم لا يعلمون ان في ايران من يعتبر ان السيد علي خامنئي ليس شيعياً بما فيه الكفاية..

الظلاميون الايرانيون يشتمون الصحابة وأم المؤمنين عائشة ويدافع السيد خامنئي عن الصحابة ويمنع التطاول عليهم او شتمهم.. ولا أحد يرد عليه من هؤلاء حتى وصلوا الى لبنان.

السيد خامنئي أصدر فتوى ضد التطبير.. فكفّره ظلاميو ايران مثلما كفّر الشيرازيون المرجع العربي السيد محمد حسين فضل الله في لبنان لأنه أنكر ما يردده متطرفو الشيعة عن ان امير المؤمنين عمر بن الخطاب دفع باب منـزل الامام علي بن ابي طالب على بطن السيدة فاطمة فأجهضت بولدهما محسن!!

ختاماً،

يا سمو الأمير محمد بن سلمان.

وأنتم تسعون جدياً لإخماد الحرب في اليمن.. لا يمكن ان تفكروا بإشعالها مع ايران.. ولو بالوكالة.. لذا ليس أمامكم سوى الصلح معها انطلاقاً من الحقائق التالية:

1-لا يمكن ان تصالحوا اسرائيل وأن تحاربوا ايران.

2-لا يمكن ان تقطفوا نفوذاً سريعاً وشاملاً في بلاد العرب التي تخليتم أنتم عنها، وتركتموها مشاعة أمام النفوذ الايراني.

3-هناك نفوذ ايراني في العراق وسورية واليمن ولبنان..

-أصدقاء ايران او اتباعها في العراق أصبحوا جزءاً من السلطة وصلوا اليها عبر الدستور وما عاد ممكناً اخراجهم، خصوصاً انهم الشيعة (والأكراد من اتباع الاتحاد الوطني الكردستاني..) جزء من النسيج الشعبي العراقي.

-أصدقاء ايران او اتباعها في اليمن هم جزء من الشعب اليمني وهم جزء من تركيبة السلطة التي انقلبوا عليها.. حتى اذا عادوا اليها كانوا شرعيين وفق مستخرجات الاتفاق على اليمن الذين عملوا بإسم دول مجلس التعاون الخليجي العربي..

-أصدقاء ايران في لبنان يملكون القرار السياسي الأول في لبنان، وحزب الله ركن أساسي في التركيبة السياسية لأن جمهوره جزء رئيسي من المعادلة الشعبية ((شيعياً)) ومن التركيبة السياسية (تفاهم شباط/ فبراير مع ميشال عون) ومن التركيبة الأمنية والعسكرية كجيش شيعي يضم عشرات الآلاف من المقاتلين وأضخم مجموعة من الصواريخ.

-تابع ايران في سورية بشار الأسد تتسابق دول الخليج العربي لإرضائه.. ربما تحت وهم آخر تعيشه هذه الدول بأن بوتين سيحمي بشار ويلزم ايران بالخروج من سورية.

انه وهم الاعتماد على بوتين.. يضاف الى وهم الاعتماد على ترامب..

يا سمو الأمير.

نرجوكم ان تلاحظوا كيف راهنتم سابقاً على أردوغان وعلى السيسي والآن تراهنون على ترامب وبوتين.. ما رأيكم ان تدرسوا جدياً إمكانية التفاهم مع ايران..؟

حسن صبرا

 

 

 

 

 

 

الوسوم