بيروت | Clouds 28.7 c

الغراوي.. لا يصلح لدور ((قميص عثمان))/ بقلم: رشيد الخيون

أصبحت البصرة على صوت رصاص مزّق جسد الشَّيخ وسام سبهان الغراوي ((16/11/2018))، صاحب العِمامة البيضاء الذي اختار أن يكون مواظباً في ساحات الاحتجاج، ولأنه صاحب عِمامة ولا حزب ولا ميليشيا له، يكون أمره عند العَمائم المسلحة أكثر خطراً، على الخط الذي يُشار إليه بالخط الولائي. جرت العادة أن يذاع اسم المغدور أو المغدورة، وبعد أيام تظهر وزارة الدَّاخلية ببيان يتوعد القتلة، ليطمئن الجمهور أنهم لن يفلتوا مِن العدالة، لكن العدالة غلست عن قتل أكثر من عشرين امرأة جماعياً بحجة الدفاع عن الفضيلة، والميليشيا التي نفذت أصبحت جزءاً من الحكومة! فهل سيُكترث لاغتيالات فردية؟!
تكاثرت الاغتيالات بفئة محددة من المواطنين، نشطاء في الاحتجاجات، ونساء يعملن في مجال التجميل، وشباب اُتهموا بالتمرد في أزيائهم وثقافتهم، ومِن بينهم المثليون، وبائعو المشروبات، والمتهمات بشرفهنَّ. مرَّت ببغداد والبصرة والموصل موجة قتل الحلاقين والأطباء والصحافيين والصحافيات وأساتذة الجامعة وضباط وطيارين من الجيش السابق واللاحق وغيرهم، وحتى هذه اللحظة لم يُعلن اسم قاتل رسمياً، لأنه ينتمي إلى جماعة مسلحة، صار لها ضلع في السُّلطة، وأعضاء في البرلمان ووزراء، وقادة متنفذون.
صار الكاتب والباحث كامل شياع ((اغتيل 2008)) رمزاً للاغتيال تحذيراً من الثقافة، حتى وصل حال الثقافة العراقية أن يجسر على شغلها ضابط شرطة ومؤذن مسجد وعضو في ميليشيا. فشياع لم يُقتل لشخصه إنما لدوره، فلو بحثت في سلوكه لم تجد عداوة في ضميره لأي إنسان، تحمل الوزير الذي قصده بالأذى لأنه ضابط شرطة وهو مثقف، والوزارة وزارة الأخير، وتحمل تهور الواعظ لأنه الوزير في زمن الوعاظ.
اغتيل هادي المهدي ((2011)) وصار رمزاً للاغتيال بسبب الاحتجاج، ولم يكن القتل برصاص الشرطة ولا الجيش إنما بالقوى الظهيرة غير المرئية، قُتل الشاب ((كرار نوشي))، وغدا رمزاً للشباب المتمرد على سريان التخلف، تمرد بما لا يخدش حياء أحد، فكرار فنان أراد عزل نفسه عمَّا يحيطه بالمظهر. اغتيلت سعاد العلي فصارت رمزاً للناشطات المدنيات، ولمن يُطالب بحياة مناسبة لأهل البصرة. اغتيلت ((تارة فارس))، فما زالت، هي وقتيلات معها، رمزاً لمحاولة إعادة بغداد لأسلوب حياتها، فأكثر العواصم تشدداً لم تفرغ من محل تجميل، لكنها اتهمت بفعل موبقة كاذبة، مثلما اتهمت العلي بالعمالة.
إذا قتلوا ((شياع)) لأنه منافس القتلة بمشروعه الثَّقافي، و((نوشي)) لأنه أثار تحفظهم بملابسه، و((فارس)) لأنها تُشيع ثقافة التجميل التي تتعارض مع وسطهم، وسعاد العلي بالعمالة، مثلما يدعون، لكن ما هي التهمة التي أٌلصقت برجل يعتمر عمائمهم، ملتزم بثياب قادة الجماعات، ولا يدعو إلى ((إفساد))، فما هي التهمة التي قُتل بها الشَّيخ الغراوي، وما هي تهمة محامي المتظاهرين المغيبين؟! وما هو سبب قتل آخرين، ومنهم ما زال مغيباً؟! مَن له حق إصدار الحُكم وتنفيذه، والدولة بسلطتها، جهازها القضائي وأمنها وشرطتها وجيشها، تبدو مأسورة إلى تلك الجماعات، والتي ما زالت لا تُعامل معاملة العصابات!
يقول إياد جمال الدِّين، عاش ودرس بحوزات إيران، ويعرف لغة القوم وأسلوبهم الثَّوري: ((إنّ سلسلة الاغتيالات التي تعصف بالعراق هذه الأيّام، هي تكرار لسلسلة الاغتيالات التي شهدتها طهران عام 1997، لمواجهة الغزو الثقافي الأميركي في إيران. وقف محمد خاتمي ضد سلسلة الاغتيالات، كلّ الذين اغتالوهم في طهران شباب صغار لا أهمية لهم، باستثناء ((داريوش)) فروهر الذي كان قتله هو السبب الرئيس لكشف جرائم الاغتيالات تلك، لكن مَن يكشف سلسلة الاغتيالات في العراق المنكوب مَن النظام الديني الأيديولوجي)) ((من صفحته على الفايسبوك)).
أقول قد نفهم اغتيال المختلفين في الثقافة والملبس، ولنقل ممَن اتهموا بالثقافة الغربية التي تتعارض مع ما هو مرسوم للشعب العراقي من ثقافة حتى لا ينطبق عليها مفهوم الخُرافة، لكن اغتيال الشَّيخ الغراوي، أمضى وأعمق، ففتوى قتله التي نفذت به مضاعفة. كان الرجل صاحب عِمامة وليس راعي حزب وميليشيا، خشيةَ أن صوته سيُضاعف أصوات المحتجين
هكذا أصبح التَّدين لا يُقاس بالعبادة، إنما بالمواقف السياسية، يقول أبو نُخيلة السعدي ((قُتل145هـ)) في ما يعبر عمَّا قصدناه: ((لما رأيتُ الدِّين ديناً يُؤْفكُ/وأَمست القُبةُ لا تستمسكُ/يُفتقُ مِن أعراضها ويُهتكُ/ سرتُ من البابِ فطار الدَكدكُ)) (الجاحظ، كتاب الحيوان)، والدّكدكُ ((ما تكبسَ واستوى مِن الرَّمل))
علينا التَّذكير بنتائج خطب ومواعظ العمائم مِن أصحاب الفضائيات، فهم قتلة بخطبهم، طالما حشدوا بها ضد المدنيين، والشَّيخ الغراوي كان في المقدمة، بعد أن رأى ((الدِّين ديناً يؤفكُ))! صار القتل مواسمَ، وهذا موسم صيد مدنيي البصرة! دماء تسيل، ولا محطة عالمية وإقليمية ذكرت القتيل، لا من ((الإخوانية)) ولا مِن الولائية، ولا الغرب ولا الشَّرق! وكأن دمه لا يستحق خبراً، ولو في حاشية من حواشي الفضائيات، لم يُرفع قميصه المدمى على سارية، لأنه لا يصلح للعب دور ((قميص عثمان)).

 

 

الوسوم