بيروت | Clouds 28.7 c

بوتين مهتم بلبنان لحماية جيشه في سورية / كتب حسن صبرا

ليس استعداد روسيا لبيع أسلحة للجيش اللبناني (بيعاً وليس أبداً هبة روسية مزعومة) سوى أحد المظاهر المعلنة لاهتمام موسكو بلبنان في هذه المرحلة..

فلاديمير بوتين قرر ان تبقى بلاده في سورية عشرات السنين، وهذا ما تدل عليه الاتفاقات التي سحب اليها تابعه على حكم سورية بشار الأسد وألزمه التوقيع عليها بسبب حاجة بشار للطيران الروسي، لإبقائه على رأس السلطة.

روسيا عسكرياً بحرياً وجوياً وبرياً ومستشارين وموظفين وعائلاتهم بآلاف الروس.. بحاجة هي أيضاً لحماية عشرات الآلاف من هؤلاء في سورية.. ممن استدرجهم بوتين واستفزهم وقتل الآلاف منهم سوريين تحديداً، من شباب الثورة وأطفالها، فتياتها وعجّزها، أطبائها وممرضيها، وهو المسؤول الأول عن إيغال عامله بشار في تعذيب عشرات آلاف السوريين المخطوفين الى أقبيته وإرسالهم الى الموت مشوهين من ((فنون)) تعذيب جلاوزته لأبطالها.. والصور الموثقة خير دليل على ذلك.. وما منع العالم ومؤسساته عن إدانة بشار ومحاسبته على هذه الجرائم سوى بوتين.

بوتين خائف؟

مجرم الحرب يجب ان يخاف فجرائمه هي التي تلاحقه بضحاياها وهم بعشرات الآلاف، صحيح ان هذا الرجل لا يملك قلباً داخل صدره، ولا ضميراً له يؤنبه او يوخزه، لكن عقله يشرح له كيف يمكن للضحية ان تنتقم، وعقل بوتين ومعلوماته تحتفظ بما فعله أنور السادات في مصر بالاتحاد السوفياتي، بعد ان فرض عليه معاهدة صداقة وتعاون عام 1971، ليطرد خبراء هذا الاتحاد ومستشاريهم بعد سنة واحدة فقط عام 1972.. وبوتين الذي يتدلل الآن في مصر بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية اثر انطلاقتها من مطار شرم الشيخ عام 2014.. يملك ذاكرة جيدة بما فعله السادات ببلده سابقاً.. وهل يخفى عنه حالة الكذب والتكاذب والانكار التي يعيشها بشار الأسد. حتى يطمئن الى ان بشار لن ينقلب عليه، عندما يجد عرضاً لبقائه حاكماً أفضل من عرض بوتين؟

بوتين يريد حماية نفسه وبلده بالمحيط السوري في لبنان وفي الأردن، وفي العراق.. وطبعاً في الكيان الصهيوني.. وفي تركيا.

اسرائيل

نبدأ من فلسطين حيث الخدمات السياسية والأمنية متبادلة بين مجرم الحرب بوتين ومجرم العصر نتنياهو، والاثنان متفقان في سورية على سورية وإيران، وسيتنبه حزب الله (وصحونه اللاقطة تتابع دبة النملة) الى مخاطر الحرب الروسية – الضمنية – على الوجود الايراني في سورية، ومن ضمنه حزب الله.. وغيره.. روسيا تسهل لإسرائيل عملها في سورية، وإسرائيل تشكل حماية حقيقية لروسيا في هذا البلد من دون ان ننسى ان في اسرائيل مليون روسي كان أبرزهم حتى الأمس القريب وزير الدفاع افيغدور ليبرمان (استقال مؤخراً).

تركيا

غير ان أعمق حلفاء روسيا استراتيجياً في هذه المرحلة هي تركيا – أردوغان ومنذ حادثة إسقاط الطائرة الروسية في سماء الحدود التركية – السورية وتداعياتها والتحول التركي في التعامل مع الثورة السورية مستمر وإخلاء حلب من ثوارها لتسليمها الى الشرطة الروسية، واتفاقيات اخلاء محيط دمشق من ثوارها وأيضاً لتسليمها لجيش بوتين، والتنسيق الكامل قائم بين موسكو وأنقرة بما يلائم وضع بوتين داخل سورية.

نأتي الى لبنان

البلد الثالث الذي يهتم به بوتين بعد فلسطين المحتلة (اسرائيل) وتركيا هو لبنان، وهو يعرف طبيعة النسيج الاجتماعي – الاقتصادي – الخدماتي – الأمني بين لبنان وسورية، ودَعَك من حلم حاكم سورية وشعوره بأن لبنان هو تابعها الصغير وان هناك شعباً واحداً في بلدين..

لبنان حقيقة واقعة، وعلى الرغم من الحرب التي استمرت 30 سنة، وما زالت آثارها في أسوأ مظاهرها في سلوكيات وفساد حكامه، واستتباع قطعان الأغنام من شعبه، فإنه محفوظ الكيان بقوة الدعم الغربي وفي معظمه مسيحي بمن فيه الروس والأميركان وطبعاً الأوروبيون.

أما سورية فهي مهددة بألا تعود كما كانت منذ تأسست الدولة السورية (مع الدولة اللبنانية تقريباً).

لذا

يحرص الروسي على دور له في لبنان تتوسع فيه دائرة حماية الوجود الروسي في سورية، وأمام موسكو عدة عوامل مساعدة يمكن ان تجعل مهمته في لبنان أسهل من أي مكان او بلد آخر.

وهذه العوامل هي:

  1. حالة ضعف حقيقية في التركيبة الاجتماعية اللبنانية، وتضارب القناعات والانتماءات التي حكمت اللبنانيين طيلة عهود بين الوطنية الضعيفة والقومية العربية المتراوحة بين الذروة في عصر جمال عبدالناصر، وبين الذبح العلني في مرحلة سيطرة احتلال آل الأسد لبنان (1976 – 2005).. وكانت الطائفية ثم المذهبية هي الأقوى دائماً تخبو لفترة ثم تعود أقوى وهي الآن في ذروة قوتها.
  2. انطلاقاً من هذا يفهم الروسي ان المذهبية الاسلامية الآن هي في ذروة انقساماتها بين شيعية سياسية تدور في فلك ايران وسنية سياسية تدور في فلك السعودية.. في ظل بيات شتوي مصري طال أجله ولا يبدو في الأفق أي صحو له.

أما المذهبية المسيحية، فهي متجانسة في ظل الحضور الغربي الاميركي – الأوروبي في مؤسساتها، خصوصاً مع حرص أميركا دائماً على الجيش اللبناني الذي تكرست قيادته لأحد مذاهب المسيحيين الموارنة.

لكن الميكافيلية الاميركية في تعاملها السياسي مع أي أمر في هذا الكون تفسح المجال لفراغ مصلحي عند المسيحيين الأرثوذكس الذين ظلوا ملحقين بالمارونية السياسية كما كل المسيحيين في لبنان وقد أتتهم فرصة العمر بالاحتلال الروسي الارثوذكسي لسورية، وحاجة صاحبه بوتين لحمايته.. ولبنان هو أخطر ساحات التأثير على هذه الحماية ايجاباً.. وسلباً.

  1. وستكون روسيا بسبب الميكافيلية الاميركية، وانحسار الدور الفرنسي، الفاتيكاني – الالماني عن الطوائف، خصوصاً المذهبية المسيحية، ومغازلة السنة منذ اندلاع الحريرية السياسية وإنكماش الدور العربي، وانحصاره في دور للمملكة العربية السعودية، يتراوح بين التردد والضعف، بين الإقدام وعدم الاهتمام.. كل هذا سيعطي لروسيا دوراً كبيراً في لبنان مع وجود العوامل التالية:
  • الرصيد النخبوي اليساري الذي ما زال يحن الى مكانة ودعم الاتحاد السوفياتي السابق، والذي يحتفل بمحاولات بوتين لاسترجاعه ولو على خازوق كما يقال.
  • شعور زعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط بالتخلي العربي عنه وضعف طائفته داخلياً، والكراهية المتأصلة في أنفس من تبقى من آل الأسد له شخصياً، ومحاولة هذه الكراهية اختراق جسد الدروز بمخبرين وعصابات لا هم لها إلا العمل على إضعاف جنبلاط.. وليس له معين بعد الله إلا بوتين العنيد والجموح.

قبل كل هذا وبعده الطائفة الأرثوذكسية العربية.. صحيح ان عمادها الأصلي هو في مصر التي تتوجه كنيستها نحو كنيسة أديس أبابا وليس كنيسة موسكو، لكن ارثوذكس مصر هم الأغلبية الأرثوذكسية العربية، يليهم أرثوذكس المشرق العربي وعمادهم بعد أرثوذكس سورية أرثوذكس لبنان، وهم حصلوا دستورياً على منصبين شرفيين رفيعين هما نائب رئيس مجلس النواب، ونائب رئيس مجلس الوزراء..

أرثوذكس العرب منتشرون في دول الطوق حول سورية وهم لبنان – العراق – الأردن فضلاً عن ارثوذكس تركيا وأرثوذكس مصر.. أما الأهم فهم ارثوذكس فلسطين الذين وجدوا في أرثوذكس روسيا الذين هاجروا الى فلسطين على انهم يهود هرباً من الاتحاد السوفياتي عصبية من مذهبهم..

هؤلاء.. يشكلون ركناً أساسياً من أركان حماية الاحتلال الروسي لسورية.. هل عرفتم الآن أسباب اهتمام روسيا المتصاعد بلبنان؟

 

 

 

 

الوسوم