بيروت | Clouds 28.7 c

القطوع الذي تجاوزه لبنان في الجاهلية: طبول حرب اسرائيلية  ام فتن متنقلة؟ / كتب: زين حمود

  • *ما جرى في الجاهلية عرض ((ستاتيكو)) الاستقرار لهزات قاسية
  • *نصائح حزب الله والتعقل الداخلي أفضى الى لجم اندفاعات خطيرة نحو الفوضى
  • *ما جرى صناعة لبنانية لوقف التدهور بصرف النظر عما اذا كان التصعيد مدبراً خارجياًَ او داخلياً
  • *أسباب عديدة وراء موقف الحزب بالتهدئة أبرزها طبول الحرب الاسرائيلية والعقوبات
  • *حادثة الجاهلية كادت تتحول الى حادثة تشبه حادثة قتل معروف سعد في العام 1975
  • *من بين ما جرى استهداف القوى الأمنية ودورها في حماية الأمن والاستقرار
  • *تعذر الاتفاق على دوحة جديدة في ظل احتدام الصراعات خارجياً

لم يكن مفاجئاً ما شهدته البلاد على مدى الأيام القليلة الماضية من تصعيد في المواقف كاد يتطور الى ما لا تحمد عقباه في بلدة الجاهلية الشوفية, بعد الاستخدام ولو الجزئي لسياسة اللعب على حافة الهاوية وبعد اتساع الخشية من ان تتحول رصاصة الـ((ام 16)) التي قتلت محمد ابو ذياب الى رصاصة شبيهة بتلك التي قتلت عام 1975 معروف سعد ووضعت لبنان في مهب حرب استمرت لمدة 15 عاماً.

ما حصل لم يكن مفاجئاً في ظل التأزم الحاصل وانسداد الأفق أمام الاتفاق على تشكيل الحكومة، وما لم  يتوقف عنده البعض لا سيما في السلطة والقوى السياسية ان ((الستاتيكو)) السابق الذي حمى لبنان ولو نسبياً تعرض لهزة كبيرة, وبدا ان لبنان دخل في مرحلة جديدة على المستويات كافة, ليس فقط نتيجة الانتخابات النيابية التي ولدت أكثرية وأقلية جديدتين, بل وأيضاً نتيجة الضبابية السائدة في المنطقة بطولها وعرضها وإخفاق الرهانات او الآمال بإمكان حصول تغييرات معينة بعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة بشأن أكثر من ملف وقضية بدءاً من العلاقة الاميركية - الروسية التي تعذر في لقاء العشرين قبل أيام في الارجنتين متابعتها ولو بتفاهمات ظرفية بلقاء قمة بين الرئيسين الاميركي والروسي مروراً بولوج العلاقة الاميركية - الايرانية بنفق جديد من التدهور والتعقيدات من دون إغفال الصراع المتصاعد بين طهران وأطراف عربية ولا سيما السعودية, وصولاً الى تزايد احتمالات الحرب بعد الضربات الاسرائيلية  الاخيرة ((الموجعة)) للايرانيين في سورية وفق آخر المعلومات الواردة لـ((الشراع)). في وقت يبدو فيه ان الأولوية لدى الاسرائيليين ورئيس حكومتهم  بنيامين نتنياهو الذي سيلتقي وزير خارجية اميركا في بروكسيل هي التهويل بشن حرب وقرع طبولها.

وفي ظل عدم توافر ما يمكن تسميته يالطا جديدة او كبيرة بين الاميركيين والروس, وعدم توافر يالطا إقليمية تستظل بالأولى,لم يعد بإمكان معادلة اتفاق الدوحة التي أمنت الاستقرار ولو النسبي للبنان خلال السنوات الماضية ان تؤمن استمرار ((الستاتيكو)) المشار اليه والذي كان يضمن أقله ربط النزاع بين الاطراف اللبنانية او ادارة الخلافات بين هذه الاطراف بطريقة لا تلغي أحداً وفي الوقت نفسه تأتي بأقل الاضرار الممكنة على البلد.

وصارت هذه المعادلة, أي معادلة الدوحة بحاجة الى روافد دعم وتزخيم, بعد ان ثبت في أعقاب عامين من عهد الرئيس ميشال عون ان التسوية الرئاسية التي أدت الى انتخابه رئيساً وتكليف الرئيس سعد الحريري ترؤس الحكومة غير كافية بدليل انها لم تنجح حتى الآن باستيلاد حكومة رغم انقضاء سبعة أشهر على إجراء الانتخابات الرئاسية.

ولهذا السبب فإن التفاصيل في حوادث عديدة مثل حادثة الجاهلية او غيرها على أهميتها ليست هي المعيار في هذا الصدد بصرف النظر عن أخطاء ارتكبت على هذا الصعيد او ذاك او حملات ليس لها مبررات لمطلقيها, ذلك ان مناخ التوتير والتسخين في البلاد هو الهدف سواء جرى ذلك في هذه البلدة او تلك المدينة, مع هذا الفريق او ذاك, وبما يعكسه من أجواء للاستمرار في  التأخير في تشكيل الحكومة ان لم نقل التعطيل.

وقد قيل الكثير عن شتائم وئام وهاب ضد الرئيس سعد الحريري ووالده الشهيد الرئيس رفيق الحريري، وتماديه في ضرب عرض الحائط بكل الضوابط الاخلاقية والانسانية والوطنية وتجاوز الأصول، خصوصاً لجهة الحفاظ على الكرامات.

وقيل الكثير أيضاً عن تهور الجهة التي أعطت الأمر بإرسال قوة ((المعلومات)) الى بلدة الجاهلية وعدم التعاطي مع الأمر ببعد نظر ومن زاوية شاملة تقدم العام على الخاص.

وقيل الكثير أيضاً وأيضاً على ضفتي السجال الدائر والمختلف عما كان يحصل من سجالات في مراحل سابقة كونه يكشر عن أنياب المس بالاستقرار والسلم الأهلي, واستثارة فتن كل الدعاية للترويج لها والسقوط في براثنها جاهزة وأكثر من اللزوم اليوم ربما في ظل الاحتدام المذهبي السائد في المنطقة وتحول المصائر في عدد من الدول الى لعبة أمم بمعزل عن السيادة فيها او النظم التي يفترض ان ترعى قرارها وتحمي شعبها وتعزز استقلالها.

بحادثة الجاهلية او غيرها, من الواضح ان البلاد دخلت مرحلة جديدة بصرف النظر عن المسؤوليات في ذلك التي يحمّل كل طرف الآخر عنها, علماً ان الجميع مسؤول عن ذلك من دون استثناء وخصوصاً الذين يتولون الحديث عن الدستور والقوانين وإعادة بناء الدولة, وهي الدولة التي تحتاج اليوم الى الدخول الى غرفة العناية الفائقة حتى لا نقول اننا صرنا أمام إقتراب مرحلة تقبل العزاء بها.

ومن الواضح ان مسألة هيبة الدولة تتجاوز مسألة ابلاغ او جلب وئام وهاب لتطاوله على الرئيس المكلف، خصوصاً بعد ان بدا ان ما جرى حتى الآن لم يصب إلا في خانة خدمة وهاب الطامح  الى زعامة مستولدة من التصعيد.كما ان مسألة الكرامات التي أثيرت بقوة، خصوصاً كرامة الطوائف تحولت بشكل واضح الى سلعة للاستخدام والاستغلال والأهم للمس بصورة الدولة ومؤسساتها، خصوصاً الأمنية التي تتولى حفظ الأمن وملاحقة المخلين بالاستقرار ووقفهم.

لكن مهما قيل على هذا الصعيد, فإن الواضح ان كل سجال سواء من هذه الجهة او تلك انما يزيد الأمر تسعيراً وتعقيداً وانقساماً, ولا يخدم  بطريقة مباشرة او غير مباشرة سوى المطبخ او المطابخ المتآمرة التي تريد نسف ((الستاتيكو)) القائم والذي يتحول اليوم الى حاجة في ظل انعدام امكانية التوصل الى حل في منطقة مشتعلة وعالم متصارع.

هل يعني كل ما سبق ان ما أصاب ((ستاتيكو)) الاستقرار من هزات قوية ادى الى انهياره ووقف العمل بإتجاه الذهاب الى الفوضى والفتن الكبرى والحرب الداخلية؟

الاتهامات الموجهة لحزب الله كثيرة بالوقوف وراء ما جرى ويجري, وهي اتهامات يتم تلوينها من خلال الآراء والمواقف المتداولة في هذا السياق, بين من يعتبر ان ما جرى في الجاهلية هو عملية مشابهة لما عرف سابقاً بالقمصان السود او ((بروفة)) لأحداث مشابهة لأحداث السابع من أيار / مايو2008. وان كل ما يحصل هو نتيجة لأمر عمليات صدر في خطاب أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله الأخير والذي هاجم فيه جنبلاط وكذلك سمير جعجع مشدداً على ضرورة توزير سني من بين  نواب اللقاء التشاوري الستة.

الكلام بالطبع في هذا المجال يطول, وكذلك الردود عليه, وصار لكثرة تكراره على الضفتين مستهلكاً وتحول الى كليشيهات جاهزة غب الطلب للاستخدام من دون التوقف ملياً أمام ما حصل والوقائع المستقاة منه وهي عديدة وأهمها:

أولاًَ: ان حزب الله هو الذي تولى لجم الاندفاعات في الاتجاهين نحو المزيد من التصعيد, وبدا الأكثر حرصاً على استمرار ((الستاتيكو)) القائم تحت عنوان ((النصائح))  التي قال معاون أمينه العام السياسي حسين خليل الى الجميع بعدم السير في ما كان كل طرف ينوي الاقدام عليه.

ومرد ذلك بالطبع يعود الى عدة أسباب لعل أبرزها رفض شيوع الفوضى والفتن المتنقلة, وعدم تحويل لبنان الى ساحة يعرف جيداً أنه سيكون المستهدف الأول فيها لا سيما في ظل قرع طبول الحرب من قبل حكومة بنيامين نتنياهو بذريعة البحث عن انفاق لـ حزب الله على الحدود وفي ظل تصاعد وتيرة فرض العقوبات عليه من قبل الولايات المتحدة كجزء من الحملة التي تخوضها في ايران.

ثانياً: التعقل الذي مورس من قبل أكثر من جهة من أجل تدارك الموقف سواء من قبل الذين كانوا قد انخرطوا في ما جرى تحت عنوان مواجهة ((الحالة الشاذة)) او تنفيذ قرارات السلطة القضائية وما الى هنالك, إلا ان الأمر كان حجر الأساس فيه هو موقف حزب الله الذي تصدى للمحاولات المدبرة او غير البريئة للانزلاق الى ما ينسف ((الستاتيكو)) القائم.

ثالثاً: بروز ارادة لبنانية جامعة تؤكد رفض الانجرار وراء الغرائز الفئوية ورغم الاصطفافات الحادة التي برزت وهذه الارادة تجسدت في أكثر من قطاع ولا سيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.

ومن خلال ذلك, فإن مقولة صنع في لبنان يصح اطلاقها على ما جرى, سواء كان ما سبقها من تعكير للأجواء صناعة محض لبنانية او مدفوعة من الخارج.

ولعل الأمل ان يستمر العمل بهذه المقولة من أجل ولادة الحكومة العتيدة لأن مثل هذه الولادة تضمن استمرار ((الستاتيكو)) المشار اليه حتى إشعار آخر على الأقل.

زين حمود

 

 

 

 

 

الوسوم