بيروت | Clouds 28.7 c

الاقتداء بالنبي في حسن معاملة الزوج / بقلم الشيخ أسامة السيد

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعينٍ واجعلنا للمتقين إماما أولئك يُجْزَونَ الغُرْفةَ بما صبروا ويُلَقَّون فيها تحيةً وسلاما)) سورة الفرقان.

وعن أم المؤمنين عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم ((خيرُكُم خيرُكم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) رواه البيهقي وغيره.

ولقد بعث اللهُ تعالى سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين فهدى به الأمة وكَشَف الغُمَّة وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، وقد حثَّ نبينا العظيم عليه الصلاة والسلام على كل خيرٍ ورغَّبنا بكل فضيلةٍ ولا شك أن هديه الشريف أحسن الهدي وأن أدبه أعلى الأدب، ولا أدب فوق أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن رامَ مكارمَ الأخلاق فلينظرها في سيرة هذا النبي الأعظم، كيف لا وقد مدحه ربه فقال: ((وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم)) سورة القلم، وقال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البيهقي عن أبي هريرة ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).

وحيث أضحى كثيرٌ من الناس في هذا الزمان يظلمون النساء ويمنعونهن حقوقهن تحت دعاوى واهيةٍ وذرائع ساقطةٍ تُخالف تعاليمَ الدين الحنيف الذي حفظ الحقوق وأوضح السُبل بأحكامٍ راقية يسعد من عمل بها في الدارين، فإن ذلك يقتضي النُصح بالدعوة للثبات على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علَّم الأمة بحاله ومقاله، وأكّد اعتناء الرجل بأهله كما في الحديث المذكور أعلاه.

من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

ولفظةُ الأهل في أصل اللغة تشمل الزوج وأهل البيت والأقارب. كما قاله الفيومي في ((المصباح المنير)). والمقصودُ في الحديثِ الزوج بدلالة الحديث الآخر الذي رواه أحمد والترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أكمَلُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا وخيركم خيرُكم لنسائهم))، وفي رواية: ((وألطفُهم بأهله)). وقد كان نبينا الأعظم صلوات الله وسلامه عليه أحسنَ الناس وخيرَهم لأزواجه. فقد كان من خلقه الشريف أن يدور على نسائه إذا أصبح فيسلم عليهن مع أنه أحقُ أن يُؤتى إليه للسلام عليه، فقد جاء في صحيح مسلمٍ في حديثٍ طويل عن أنسٍ قال: ((فجعل (أي النبي صلى الله عليه وسلم) يتتبع حُجَر (بيوتَ) نسائه يُسلِّم عليهن)). وعن أم المؤمنين عائشة قالت: ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يُجاهد في سبيل الله)) رواه مسلم.

وجديرٌ بنا أن نتأمل هذا الحديثَ الشريف الدالَّ على عظمة أخلاق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فهي أسمى الأخلاق وأجلّها، وحبذا أن نقتبس منها ما نُهذِّب به أنفسنا ونُصلح به ما استطعنا من أحوال المجتمع فما أحوجنا لهذا. ثم إليكم زيادةً على ذلك ما رواه أحمد عن عروة قال: ((سأل رجلٌ عائشةَ هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملُ في بيته شيئًا؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَخصِفُ نَعْلَهُ ويَخِيطُ ثوبه ويعملُ في بيته كما يعمل أحدُكم في بيته)).

وحيث عُلم هذا فإن الفلاح في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فينبغي للمؤمن أن يُحسن معاملة أهل بيته لا سيما زوجه، فإنه لا يخفى ما للزوج المؤمنة من دورٍ بالغ الأهمية في الحياة وما تتحمَّله من أعباءٍ وتقُوم به من أمورٍ عظيمةٍ لا يسع المنصف من البعول إلا أن يُقابلها بالوفاء والعِرفان بالجميل، فإن من كمال شكر الله تعالى أن تشكر الناس الذين يُسدُون لك المعروف فقد روى البخاري في ((الأدب المفرد)) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَشكُرُ اللهَ من لا يشكُرُ الناس))، قال الملا علي القاري في ((شرح مسند أبي حنيفة)) في كلامه على هذا الحديث: ((لأن إحسانَهم (أي إحسان الناس بعضهم لبعضٍ) أيضًا من جُملة إنعامه سبحانه حيث أجراه على أيديهم وقد ورد: من أحسن إليه أحدٌ معروفًا فقال لفاعله جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء)).

وعاشروهن بالمعروف

وكثيرًا ما تُحسنُ الزوج إلى بعلها وأولادها من حيث تعهدها لمطعمه ومشربه ولأولاده بمثل ذلك، مع اهتمامها بشأن البيت وما تبذله من الجهد من نفسها لتوفر لبعلها وأبنائها الراحة ولا يقتصر دورها على هذا فحسب، بل لطالما كانت المرأة الفاضلة مثالاً للعطاء والصبر. ومن كان هذا شأنها من النساء فجديرٌ أن تُقَابل بالاحترام والتقدير لا بالاحتقار والمهانة وذلك أننا نرى كثيرًا من الرجال يُسيئون معاملة أزواجهم من غير مُراعاةٍ لأحكام الشرع في هذا الخُصوص ولهؤلاء نقول:

ليست البطولة أن تظلم امرأتك ولا أن تعيش معها فظًا غليظًا ولا أن تعاملها معاملة المتسلط المغرور بنفسه الذي لا يرعى لها حقًا ولا يعرف لها فضلاً، ولا أن تضربها لأن الطعام لم يُعجبك أو لأنها قصَّرت في غسل ملابسك وترتيبها، بل خيرٌ لك أن تصبر عليها إذا ضَجِرَتْ ولا تسء بها الظن بغير سببٍ معتبر، فقد روى مسلمٌ وأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَفْرِك (يُبغض) مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر)). وخير لك أن تُنفق عليها باعتدالٍ من غير إسرافٍ ولا تقتيرٍ وتُحسن لها الكلام ولا تكسر قلبهَا بالكلام الغليظ ولا تتعرض لها بالأذى، وأن تتلطَّف بها إذا حملتْ وإذا وضَعتْ ولا تُظهر لها الحزن إن ولدت أنثى كحال بعض الجهلة الذين يشتمون نساءهم أو يضربونهن لهذا السبب، وقد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يطلق زوجه إن ولدت له أنثى، وحريٌ بمن كان هذا حاله أن يتقي الله فربنا تعالى يقول في سورة آل عمران:((هو الذي يُصوركم في الأرحام كيف يشآء)) الآية. ويقول أيضًا: ((يهب لمن يشآء إناثًا ويهب لمن يشآء الذكور أو يزوجهم ذُكرانًا وإناثًا ويجعلُ من يشآء عقيمًا إنه عليمٌ قدير)) سورة الشُورى.

وينبغي للبعل أيضًا أن لا يُفشي سرها وأن يُشعرها بالاهتمام ولا يُرهقها بسوء خُلُقه ولا ينهرها إن تأخرت في إعداد الطعام أو الشراب أو بعض أعمال المنزل، فقد روى ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) أن الصحابي الجليل أبا الدرداء تزوج امرأة فقال لها: ((إذا غضبتُ ترَضَّيني وإذا غضبتِ ترضَّيتُك فمتى لم يكن هكذا ما أسرع ما نفترق)) معناه اصبري عليَّ وأصبر عليك عند الغضب.

 وحيث عُلم هذا فنقول: ليست المرأة سلعةً تجارية تُباع وتُشرى وليست آلة يستعملها الرجل لقضاء حاجاته وقد قال الفقهاء في تعريف الزواج: (( النكاح شرعًا يُطلقُ على عقدٍ يتضمن إباحة وطءٍ)) ولم يقولوا: ((عقدٌ يُبيح اضطهاد المرأة وتجريدها من حقوقها الخاصة)) ولذلك ينبغي أن يعاشرها البعل بحُسن السيرة فقد قال ربنا تعالى في سورة النساء: ((وعاشروهن بالمعروف)) وجاء في ((تفسير الطبري)) في شرحه على هذه الآية: ((خالقُوا أيها الرجال نساءكم وصاحبوهن بالمعروف، يعني بما أُمرتم به من المصاحبة وذلك إمساكهن بأداء حُقوقهن التي فرَض الله جلَّ ثناؤه لهن عليكم إليهن)).

وقد أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم التوصية بالأزواج فقد أخرج الترمذي عن عمرو بن الأحوص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا واستوصوا بالنساء خيرا)) وفي مسند أحمد عن أبي حُرَّة الرِقَاشي عن عمه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فاتقوا الله في النساء)) وقد عَقَد الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه ((صيد الخاطر)) فصلاً سمَّاه ((فصل الإحسان إلى الزوج عمل الرجال)) أي هو عملٌ جيد يراعيه الرجل الأبيُّ ولا يتكبَّر عنه بدعوى أنه رجلٌ فإن الإحسان والتواضع للزوج شهامةٌ ومروءةٌ وليس ضعفَ شخصيةٍ كما يزعم الجهلة.

طريق السعادة

وإذا ما عُلم هذا فليُصدع به في وجه كل من يزعم أن الإسلام يضطهد الزوج ويقيدها بقيود الاستبداد والتعسف، فإنه لا يقول ذلك إلا الجاهل أو المعاند. ومن أراد الوقوف على حقائق الأمور فلينظر في القرآن والحديث ونصوص العلماء ليُدرك سماحة الإسلام والطريقة الحسنة التي حضَّ عليها هذا الدين العظيم في التعامل مع الأزواج، وليُعلم أن أكثر الخصومات والمشاكسات التي تُفضي إلى خراب البيوت وطلاق الأزواج وضياع الأُسر وتفكك الأسر كثيرًا ما تكون بسبب عدم رعاية حق الزوج وترك صُحبتها بالمعروف، فكم يثور بعض الرجال فيظلمون أزواجهم بسبب شيءٍ ليس فرضًا على الزوج فعله، بل لربما غضب بعض الرجال على أزواجهم لتركهن فعل أمرٍ هو في حكم الشرع واجبٌ على الرجل فعله ولا يدري الرجل ذلك، ولو تعلّم هذا الرجل ما له وما عليه وطبّق ذلك على نفسه وأهله لسعدت دنياه وأخراه، وشاركته بإذن الله زوجه هذه السعادة ببركة العلم والعمل، فإن العلم الديني هو الأساس الذي يَصلُح به الناس، فبه يعرف كل واحدٍ من الزوجين حدَّه فيقف عنده وتهنأ بذلك الزوج في كنف بعلها فيفرح كلٌ منهما بصاحبه ويكون كلُ واحدٍ منهما قرة عينٍ للآخر.

 وربنا تعالى يقول: ((والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرةَ أعين)) وفي معنى هذه الآية قال أبو السعود الحنفي في ((تفسيره)): ((بتوفيقهم لطاعته وحيازة الفضل فإن المؤمن إذا ساعده أهله في طاعة الله عزَّ وجل وشاركوه فيها يُسرُّ بهم قلبُه وتقرُّ عينه لما يُشاهده من مُشايعتهم له في مناهج الدين وتوقُع لُحوقهم به في الجنة)).

والحمد لله أولاً وآخراً.     

الوسوم