بيروت | Clouds 28.7 c

الوضع الاقتصادي في لبنان أزمة سيولة كبيرة والسياسات المتبعة مليئة بالأخطاء / تحقيق: هلا بلوط

  • *محلل اقتصادي متابع:
  • - الاضطراب السياسي سيقابله نتائج سلبية اقتصادياً
  • - المشهد الحالي ينذر بانعكاسات سيئة على الاقتصاد
  • *الخبير الاقتصادي والمالي ايلي يشوعي لـ ((الشراع)):
  • - علامات استفهام كبيرة حول مصير 33 مليار دولار!؟
  • - سياساتنا المالية مليئة بالعيوب والعورات وشهدت الكثير من الهدر وعمّت ثقافة المحاصصة
  • - المصرف المركزي أغرق المصارف بالفوائد المجنونة فأعمتهم وضحوا بأموال الناس دون أي ضمانة، على حساب سلامة ودائع الناس
  • - تم استخدام الاحتياط الالزامي، 33 مليار دولار لدعم الفوائد على القروض السكنية ولمنافع السياسيين وخدمتهم من أجل الاستمرار في هذا الموقع
  • - فريق الاوركسترا لدينا، لا يريد إقفال أي ملف كي لا تغلق حنفية المال

عندما يصبح النمو الاقتصادي ضرورة ملحة وسط تدهور الوضع السياسي، يكون الاصلاح في عداد المستحيلات، وهذا ما نشاهده على الساحة اللبنانية. تضارب سياسي أدى الى تدهور اقتصادي، وفساد وصفقات وسمسرات ومحسوبيات على حساب الوضع المالي العام ومن ثم على حساب المواطن الذي لا حول له ولا قوة.

ومن يربط التدهور الاقتصادي الحاصل بالوضع السياسي، يقول ان سلطتنا السياسية غير مستعدة للمواجهة، وان مسؤولينا وعن قصد لم يضعوا استراتيجية تغير هذا الواقع ((لأن حاميها حراميها))، وان سلطتنا السياسية وضعت نفسها ووضعتنا تحت الضغوط، وان دل هذا الوضع على شيء، إنما يدل على سوء ادارة الأزمات لدى مسؤولينا والقائمين على أمرنا، لغايات في نفس يعقوب، ناهيك عن الانقسام في الصف الوطني الداخلي ذاته، والذي سيؤدي الى خسارتنا جميعاً في نهاية المطاف في كافة النواحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

لم تعد أفكار المسؤولين في الدولة اللبنانية ومحاولاتهم البدائية للتكيف مع هذا الوضع الكارثي على الصعيدين السياسي والاقتصادي، على قدر المسؤولية تجاه الوضع الراهن، وتبدو واضحة انها تصدر منهم بطريقة ((رفع عتب))، تجاه هذا الوضع الذي يمكن وصفه بأسوأ ما يمكن ان تصل اليه أي دولة في العالم، والتي باتت في طريقها الى حافة الهاوية، وسط تساؤلات عن نهاية هذا التخوف، والخشية من أن تدخل هذه الأزمة السياسية والاقتصادية مراحل أكثر تفاقماً، ولا سيما الموقف الاقتصادي الأصعب للغاية.

ويقول محللون اقتصاديون لـ ((الشراع))، ان استمرار حالة عدم اليقين السياسي في لبنان، سيدفع مؤشرات الاقتصاد اللبناني الى التدهور وفقدان الثقة في مناخ الاستثمار في البلد، ويتابع محلل اقتصادي متابع للوضع في لبنان، ان ما نعانيه من اضطراب سياسي، سيكون له نتائج سلبية خطيرة على الاقتصاد، حيث ان استمرار حالة عدم اليقين السياسي الحالية، سيدفع نحو تدهور مؤشرات الاقتصاد أكثر مما هي عليه الآن، والضغط على العملة المحلية، التي ربما تتراجع قيمتها بشكل أكبر، كما اننا نفتقر لاجراءات انقاذ الدولة من التدهور الاقتصادي، وتحقيق التوافق السياسي في المجتمع. ويربط المحلل المتابع بين التحسن الاقتصادي وبين الاستقرار السياسي والأمني، ويقول ان المشهد الحالي ينذر بانعكاسات سيئة على الاقتصاد، ولا بد من الوصول الى صيغة توافقية بين كل فئات المجتمع للخروج من المأزق العام الذي يواجهنا، ويضيف، لم تكن العملة اللبنانية بعيدة عن التدهور، لأنها ليست مجرد بديل نقدي للمعاملات التجارية والاقتصادية، وانما هي في غالب الأحوال، انعكاس أمني لأوضاع اقتصادية وسياسية وتاريخية يعيشها المجتمع، فعلى معادنها وأوراقها يتم تسجيل لحظات تاريخية مهمة، وتخليد شخصيات ومعالم لها أثرها الكبير في تاريخ الوطن. ويبقى لنا تساؤلات عدة، ما هي أسباب التخوف من تراجع قيمة العملة اللبنانية، وما هي اجراءات الحفاظ عليها؟ وهل فعلاً يرتبط ذلك بأوضاع المجتمع السياسية والسلوكية والانتاجية والاستهلاكية وكذلك النظم الاقتصادية التي يتبعها.

للاضاءة أكثر على هذا الموضوع، التقت ((الشراع)) الخبير الاقتصادي والمالي ايلي يشوعي، والذي رأى ان مسألة تأليف الحكومة او عدمه غير مرتبطة اطلاقاً بالوضع الاقتصادي المتردي، واننا نعاني من أزمة سيولة كبيرة في البلد، وان ما وصلنا اليه في الوضع المالي والانتاجي والتدبيري هو تراكمات لأخطاء فادحة منذ عام 1992 ولغاية يومنا هذا.

وحول مدى ارتباط الأزمة الاقتصادية في لبنان، وتأثير عدم تأليف حكومة بها، يقول يشوعي:

 

  • لا علاقة لعدم وجود حكومة بالوضع الاقتصادي، لأنه متراكم نتيجة الوضع المالي والانتاجي والاقتصادي والتدبيري والاجتماعي، كلها تراكمات لأخطاء فادحة للسياسات الرئيسية في البلد منذ عام 1992 ولغاية وقتنا الحاضر.

#تراكم ماذا؟

  • في موضوع النقد والسيولة وعرض النقد الاقتصادي وتوفير السيولة للقطاعات المنتجة، وتشجيع الاستثمار المنتج، وخلق فرص عمل، وتدبير حجم الاقتصاد، منذ عام 1992 ونحن نشهد محاربة لكل هذه المواضيع.

#كيف ذلك؟

  • كانت هذه المواضيع تحارب بطريقة وكأنه يتم اطلاق النار عليها، وتم اعتماد سياسات ان كان بالنقد أي البنك المركزي، او حتى بالموضوع المالي او الانفاق المالي، نرى سياسات مليئة بالأخطاء والعيوب والعورات، خصوصاً انها شهدت الكثير من الهدر، وبدأت ثقافة المحاصصة منذ ذلك الحين. هذه التراكمات هي أننا بدأنا أولاً بتقوية سعر الليرة من ألف و800 ليرة للدولار، الى ألف و500 ليرة ثم تم تثبيت هذا السعر، واستعملت الفوائد كوسيلة لهذا التثبيت، وعولجت مسألة النقد بمعزل عن الاقتصاد، وهذا ليس من طبيعة دور السياسات النقدية وأهدافها، التي لا تعالج النقد بمعزل عن الاقتصاد، انما تسعى جاهدة بواسطة توفير النقد لهذا الاقتصاد والرساميل ان ينمو ويوفر فرص عمل، ويكبر حجمه من أجل ان يخلق ثقة في نفوس الناس والمتعاملين، وهذه الثقة هي التي تعطي الاستقرار الحقيقي للنقد.

#ولكن هذا ما لم يحصل؟

  • بالضبط، هذا ما لم يحصل، وهذا هو الخطأ الفادح في هذه السياسة.

#وفي الموازنات؟

  • الموازنات كانت تركيبتها لا تحمل طابع الاستثمار، أي الطابع المنتج، بل كانت كلها استثمارات ريعية، وكلها فوائد على الدين، مرتفعة وعلى الدولة ان تدفعها، وكانت تستدين بكثافة لتمويل مشاريع اعادة الاعمار والى ما هناك، بالاضافة الى أجور الموظفين. كلها عجوزات وهدر، الى ان وصل الوضع اليوم لدين يصل مع متأخراته الى مئة مليار دولار، وهذه كلها أموال الناس، يعني ودائع المصارف، وقام أصحاب المصارف هذه، وبواسطة المصرف المركزي ومغرياته المقدمة لهم من فوائد مجنونة وإثراء في الفعل غير طبيعي لهؤلاء، وضحوا بأموال الناس وهم يعلمون ان هذه المبالغ لا تذهب لدولة تسهر فعلاً على مصالح الناس، او انها قادرة على تسديد هذا الدين، ورغم ذلك ولأن الارباح والفوائد التي قدمها الوسيط الذي هو البنك المركزي مغرية، فقد أعمتهم وضحوا بأموال الناس وهم المؤتمنون على سلامة هذه الودائع، ولم يأخذوا أي ضمانة من الدولة، حتى أنهم لم يأخذوا ضمانة جزء على الواردات النفطية والغازية للبنان في المستقبل، لم يأخذوا إلا الفوائد التي أعمتهم وأثرتهم.

وهذا كله على حساب سلامة ودائع الناس، والقطاع المنتج، الذي لم يعد لديه سيولة كافية ليستمر ولتمويل انتاجه واستثماراته الخاصة، التي هي وحدها تبني الدول وتؤمن المستقبل للأجيال. هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية هذا البنك المركزي الذي يملك أعلى نسبة للاحتياط الالزامي في العالم ويبلغ 33 مليار دولار، وهي أموال الناس ايضاً، ذهب واستعملها ليدعم الفوائد على القروض السكنية، وأيضاً للمنافع، وخصوصاً وان هذا الوسيط كان في خدمة السياسيين، ومن أجل ان يستمر في هذا الموقع كان عليه ان يؤمن لهم الأمول من المصارف عن طريق إغرائها بالأرباح غير الطبيعية. اذاً هذا الاحتياط الالزامي، وتوقف البنك المركزي، فجأة عن دعم القروض السكنية، يجعلني أرسم علامات استفهام حول مصير الـ 33 ملياراً، وأرى اننا في ضبابية تامة بخصوص مصير أموال الناس، لأنه وعند كل استحقاق، هذه الخزينة لا تدفع شيئاً، بل على العكس تماماً، هي تقوم بأعمال مقايضة، او swap، وهذه كلمة كبيرة، او الهندسات المالية وهي كلمة كبيرة جداً أيضاً، وهي علم قائم بذاته، هم يركبون كلمات كبيرة على أعمال صغيرة، هذه كلمات علمية واسعة المدى بمضامينها لتغطية أشياء سخيفة ومؤذية جداً، لأنها باختصار عبارة عن سحب أموال الناس وتجييرها للسياسيين كي يتصرفوا بها على هواهم. كل هذه التراكمات أوصلتنا اليوم الى اختناق، بالاضافة الى اختناق القطاع الخاص وسقوط الشركات الكبيرة نسبياً مقارنة مع حجم الاقتصاد اللبناني، نعم سقوطها في خسائر وحتى اقفالها وإفلاسها، هذه كلها كانت قد أخذت قروضاً هالكة، وأصبح اليوم المصرف، يقول لمن يريد سحب ودائعه، لدي أرض في المنطقة الفلانية خذها. ما هذا الكلام، فالمودع لم يترك لدى المصرف أرضاً بل استأمنه على ماله، ثم يعرض المصرف عليه سندات دين للدولة، او سندات خزينة او شهادات إيداع، للأسف، لدينا أزمة سيولة في البلد، ليس فقط داخل القطاع الخاص، وانما داخل القطاع الرسمي العام وداخل القطاع المصرفي.

#نفهم من حضرتك، ان مستقبل الوضع الاقتصادي والمالي قاتم في لبنان؟

  • بل، اذا أردنا كسر هذه الحلقة، نجد ان القطاع الخاص الداخلي اللبناني، لا يملك المال كي نستطيع خصخصة الكهرباء، ولا أحد من المسؤولين يوافق على أي حل ان كان من ناحية الكهرباء او النفط، لأن ما يهمهم هو ان تبقى كل هذه الملفات عالقة ليُستنـزف بواسطتها ما تبقى من خيرات في لبنان.

#اذاً لا علاقة بربط موضوع تأليف الحكومة بالوضع الاقتصادي في لبنان؟

  • قطعاً لا، لا علاقة بموضوع التأليف الحكومي بالوضع المتردي اقتصادياً، والله يساعد الرئيس كشخص، لأنه لا يريد ان تحصل كل هذه الأمور. وهنا أتكلم عنه كشخص، أما فريق الأوركسترا الموجود لدينا، فهم لا يريدون اقفال أي ملف، لأن عملية الانهاء لملف ما، يعني ان ((الحنفية)) قد أقفلت، وأنا كنت أقول لهم، قولوا كلمتين فقط: ((كفى، واكتفينا))، ورأيت انهم لا يقولون كفى ولا يقولون اكتفينا، ونبشرهم أنهم لن يروا في المقابل إلا بركاناً متفجراً، ونحن ضحايا، شعب مسكين ومغلوب على أمره، نزلوا الى الشارع فنزلنا ايضاً، أفلتوا زعرانهم وأجهضوا هذه الحركة كلها. وسأقول كلمة أنا مقتنع بها تماماً، لا يمكن محاربتهم لا بسلطة ولا بمال، فهما موجودان لديهم، والمحاربة تكون إما بالفكر وإما بأزمة كبرى تقضي عليهم، والاحتمال الثاني هو الأرجح.

أخيراً، نقف عند ما قاله مدير مؤسسة مصرفية كبيرة لـ ((الشراع))، انه غالباً ما ينمو الاقتصاد نتيجة تحسن كمي ونوعي في عوامل نموه، وهذه العوامل تتمثل في أربعة عناصر: اولاً الاستقرار السياسي والأمني والسلم المجتمعي، ثانياً، اليد العاملة، ثالثاً رأس المال ورابعاً التنظيم. بمعنى هل يمتلك لبنان أياً من هذه الروافد للنهوض باقتصاده.

وهل نصل قريباً الى صيغة واستقرار سياسي مقبول يتحول بنا الى طوق نجاة يدفع بالاقتصاد اللبناني للأمام؟ أم يبقى الخلاف السياسي جرحاً غائراً يستنـزف موارد الدولة ويثقل كاهلها بمزيد من الأعباء والمشكلات؟ سؤال ستجيب عنه المرحلة القادمة.

 

 

الوسوم