بيروت | Clouds 28.7 c

حصاد دي ميستورا الفاسد / بقلم: محمد خليفة

أم على قلوب أقفالها ..؟!

حصاد دي ميستورا الفاسد / بقلم: محمد خليفة

 

استقالة ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي الى سورية التي أعلن عنها الاسبوع الماضي, والتي ستدخل حيز التنفيذ في نهاية الشهر المقبل, لم تأتِ في وقتها, بل جاءت متأخرة ثلاث سنوات!

 كان يجب عليه إتخاذ الخطوة منذ نهاية عام 2015, أو مطلع 2016 رداً على الحرب الروسية على الشعب السوري, وارتكابها عشرات جرائم الابادة وضد الانسانية. كان عليه الإعلان للعالم أن خيار القوة الروسي يقطع طريق الحل السياسي, ويحبط دور الامم المتحدة, ويجعل مهمته بلا معنى. بدل ذلك واصل  مهمته بواقعية سطحية, وقام بتكويعة تدريجية نحو موسكو, عكست استسلامه المتزايد للإرادة الروسية, تعبيراً عن قناعته بأنها باتت الطرف الأقوى على الأرض السورية. ثم عزز تكويعته بزيادة التنسيق مع ايران, وهو الذي بدأ مهمته بضمها الى الاطراف المشتركة في مساعي الحل, مضفياً شرعية على دورها الاجرامي, بعد أن استوعب مدى قوة هذا الدور في اثناء مهمته السابقة في العراق بعد الغزو الأميركي.

الواقع أن تجربة كل من المبعوثين الأسبقين في الملف السوري, كوفي عنان, ثم الاخضر الابراهيمي أظهرت منذ وقت مبكر أن المهمة المسندة لهما ((مستحيلة)), في ظل الشروط الموضوعية التي تحيط بالأزمة. وهو ما استنتجه الاثنان، ودفعهما للاستقالة لكي لا يعطيا انطباعاً خاطئاً للعالم أو أملاً كاذباً للشعب السوري بوجود ((عملية سلام)) تتحقق, ولذلك كان على دي ميستورا أن يبدأ مهمته من النقطة التي وصل اليها السلفان, لا أن يكرر تجريب المجرب, وكان عليه مصارحة مجلس الامن الدولي ووضعه أمام مسؤولياته.

بدل ذلك قام دي ميستورا بتغيير منهجية عمله من مهمة ذات طبيعة سياسية طوارئية مستعجلة, هدفها تطبيق وثيقة ((جنيف1)) عبر مفاوضات جادة ومتلاحقة لوقف الصراع في أسرع وقت, الى ما يشبه الوظيفة الاكاديمية في ورشة أبحاث اجتماعية لا تعنى بالوقت, بقدر ما تعنى بتطبيق رؤية أو فلسفة جديدة تنبع من ثقافة غربية, مؤداها أن جوهر الأزمة وجذرها لا يكمنان في وحشية نظام الأسد الفاشي, ولا في فساد واهتراء أجهزته ومؤسساته, بل يكمنان في تخلف المجتمع السوري نفسه, ومكوناته التاريخية وبعده عن الحداثة والديموقراطية, وخصوصاً حقوق المرأة ومساهمتها في الحياة السياسية, ولعله استنتج أن غياب ممثلي ((المجتمع المدني)) من مسيرة الحل مسؤولة عن فشل ((جنيف 2)) (!)  وعليه فإن العجوز العبقري استنتج أنه لا بد من العمل بعقلية وآليات أكاديمية بطيئة, لمعالجة الاشكاليات الاجتماعية والسياسية, دفعة واحدة، ومن جذورها, فاخترع فكرة إشراك الفئات المجتمعية المغيبة – برأيه - عن مسيرة الحل, فنسج شبكة علاقات عامة مع مجموعات نسائية وشبابية وناشطين مستقلين موازية لعلاقاته مع جماعات المعارضة السياسية والدول الفاعلة. وبدأ جولات حوار وورشات عمل بعيدة كل البعد عن الواقع المؤلم, وتستغرق سنوات.

 هكذا دخلت عملية البحث المستعجل عن الحل السياسي للحرب المستعرة في متاهة لا نهاية لها ولا أفق ولا ضوابط.

 وقد شجع الروس صديقهم العجوز على المضي في متاهته, وزودوه بقائمة أسماء لناشطين وناشطات من الصنف الذي يساعده على معالجة المجتمع لا معالجة النظام. ثم طالبوه بدمج ((معارضة)) موسكو والقاهرة الى فريق المعارضة الاصلية على قدم المساواة , فوافق أيضاً, وهو ما أسعد نظام الأسد ووافق هواه ومخططاته طالما لم تعد ورشات دي مستورا تهدد عنقه!

لم يهتم كثيرا بالهولوكست الروسي - الايراني في حلب والذي أدى لتدميرها واسقاطها في قبضة النظام على اشلاء عشرات ألوف القتلى وأنقاض مليون مهجر من حلب وحدها. ثم بارك مسار آستانة, ودعم مناطق خفض التصعيد التي أقامها المحور الروسي – الايراني – التركي الذي ركز جهوده على الخوض في مسائل ثانوية وانسانية وتنفيذية تخدم الاستراتيجية الروسية حصراً, وعلى رأسها الالتفاف على مسار جنيف الذي يمثل طريق الامم المتحدة للسلام.

بطبيعة الحال كان لغياب اميركا والدول الغربية عن المسرح خلال 2016 – 2017 أثر مباشر في تعزيز وتكريس الانحراف الخطير الذي طرأ على مسيرة العمل الاممي والدولي, وانحياز دي ميستورا للآلاعيب الروسية عبر آستانة وسوتشي, الامر الذي ساهم في اختلال المعايير والتوازنات الدولية.

على ضوء ذلك يمكن القول إن دي ميستورا يتحمل مسؤولية شخصية في تمييع دور الامم المتحدة وتمييع مفهوم الحل السياسي الذي انتظره السوريون. ولا بد أن تكون استقالته مناسبة لإعادة تقييم دور الامم المتحدة في الازمة السورية, طوال ثماني سنوات بالنظر الى أن عدداً كبيراً من مسؤوليها الآخرين خالفوا واجباتهم القانونية والاخلاقية، وخانوا مسؤولياتهم الانسانية والسياسية, وتورطوا في جرائم النظام السوري ضد شعبه حتى غدا دور الامم المتحدة في سورية مخزياً وموضع شكوك ومساءلة.

لا نعلم بالضبط كيف يجري التفاهم بين سكرتارية الامم المتحدة والدول الكبرى عند اختيار المبعوثين الأمميين, ولكن التجربة والمتابعة تؤكدان أن ((المبعوث)) لا يمثل الأمم المتحدة فقط, ولكنه يمثل أيضاً المجموعة الدولية التي ينتمي لها, فقد كان عنان يمثل عند اختياره الارادة الدولية التي كانت منحازة ومتعاطفة مع ثورة الشعب السوري, ثم خلفه الابراهيمي ممثلاً لإرادة المجموعة العربية والدول الصديقة للشعب السوري في حينه لكنها اصطدمت كسابقتها بإرادة موسكو المنحازة للنظام القاتل. واختير دي ميستورا ليمثل ارادة المجموعة الاوروبية التي اتسمت مواقفها بالضعف والشلل والانقسام والرضوخ للضغوط الروسية.

استقالة دي مستورا جاءت بضغط أو بطلب مباشر من واشنطن التي بدأت تستعيد حضورها في سورية وتمارس دورها الفاعل في مواجهة المحور الثلاثي. ونعتقد أن المبعوث الاممي القادم سيكون مختلفاً وقريباً من الموقف الاميركي والغربي المتحرك والساعي لإخراج إيران وميليشياتها وإخراج الأسد من السلطة، عبر العودة الى مسار جنيف بصورة أكثر جدية وفعالية والتزاماً بقرار 2254 الأممي ووثيقة ((جنيف1)).

  ولكن الى أي مدى ستنجح بعد أن غابت ثلاث سنوات..؟؟

هذا هو السؤال.

 

الوسوم