بيروت | Clouds 28.7 c

وثائق تنشر لأوّل مرّة بعد عشرين عاماً على رحيل السندريلا سعاد حسني / بقلم نداء عودة

مجلة الشراع 22 حزيران 2021

 

مساء الحادي والعشرين من حزيران عام 2001 إستفاق العالم العربي على خبر رحيل تراجيدي لنجمة مثلت حلماً للملايين,، تلك المرأة التي شكّلت اسطورة في السينما العربية على مدار عقود، جاء مشهد قتلها لنفسها بسقوطها من شقة في احد الابراج السكنية  بعاصمة الضباب لندن صادماً للجمهور الذي كان حفظ في ذاكرته سعاد حسني النجمة الجَموحة للحياة والتي تضجّ فرحاً وغناءً وموسيقى واداءً تمثيلياً مبدعاً، وفجأة عرفَ هذا الجمهور كم تخفي سعاد بداخلها كإمرأة من إنكسارات عزّزت في نفسها صراعاً مع محيطها ومجتمعها أقلّ ما كانت نتائجهُ، معاناتها مع الإكتئاب الحاد او كما جاء تصنيفه العلمي Manic depression اي الهوَس الإكتئابي.

ولم يتعبني البحث عن أسباب تلك المعاناة، فقد كانت حسني مُستغلة كإمرأة ومُستغلة كنجمة وهي ضحية مجتمع يستعبِد المرأة ويتباهى بذلك، قصدت أن أتعرّف في بدايات هذه القضية على صديقتها التي عاشت معها أحزانها وإحتضنتها في ازمتها الأخيرة ناديا يسري، تأكد لي انّ إنتحارها كان بمثابة مشهد   النهاية التراجيدية التي أرادت إعلانها كما صرخة خلاص على مرأى من العالم...  قال الكاتب محمود السعدني في الموضوع حينذاك عن سعاد انها "تأخّرت في قرار إنتحارها" فلماذا قال السعدني ذلك؟

كانت تراود سعاد حسني تلك الميول الإنتحارية منذ زمن، أقلّه انها أعلنت عن رغبتها في السقوط من أعلى مجمّع التحرير بالقاهرة في سبعينيات القرن الماضي حين كانت في اوج مجدها الفني، تلك الرغبة في الخلاص من حياتها أعلنتها سعاد و لصديق  لها  كان طلب الزواج بها وهو عالم آثار مصري قال ذللك في حوار مسجّل على إحدى القنوات الفضائية،  فكيف بنا ان نتصوّر وضعها الفني والنفسي الذي تدحرجَ في نهاية التسعينات،  حيث بدأت تشعر بالضعف الصحّي وفشل فيلمها "الدرجة الثالثة" عام 1988 شكّل لها إنكساراً نفسياً، ثم أدركت خفوت وهجهها كأسطورة سينمائية بعد فيلم "الراعي والنساء" عام 1991 فإبتعدت عن الأضواء أملاً بالعلاج وإستعادة صورة السندريلا التي كانت، ولعلّ أعداء الكار والمُتشفّين وجدوا في ذلك فرصة للشائعات لإستدراجها حتى تطل، وسعاد لم تكن تريد أن تطلّ على الناس إلا وهي في صورة السندريللا الراسخة في أذهانهم، من هنا كان قرار السفر إلى لندن للعلاج على نفقة الحكومة المصرية استمرّ اربع سنوات، ثمّ ومع الوزارة الجديدة شُكلت لجنة للنظر في وضع الذين يتعالجون في الخارج وعلاجهم متوفر في مصر، فقررت عودتهم لأن الميزانية لا تحتمل، هنا تحوّل وضع سعاد المادي إلى صعب جداً. وبدأت تُمارس الضغوط عليها حتى تعود إلى مصر وفي كل مرة كانت تلطم على وجهها لأن "ارجعي" بالنسبة لها تعني واجهي المجتمع المصري، هذا المجتمع الذي عاشت فيه ملكة وسندريللا، لقد تغيرت سعاد وسمنت، حتى أن كثيرين ممن رأوها في لندن لم يعرفوها،منهم الفنان محرّم فؤاد والكاتب محمود السعدني الذي قابلها مصادفة في مصعد احد الأبنية وكان يزور احد الشخصيات المصرية الرسمية فشرحت له وضعها بسبب توقّف الإنفاق على علاجها،    وأمام إلحاح عائلتها وزوجها ماهر عواد على عودتها فكان ذلك يسبّب لها تراجعاً نفسياً عند كل إتصال هاتفي. على عكس ذلك روّجت العائلة وكثيرين إنّ سعاد كانت قرّرت العودة لكن  "القاتل" لم يمهلها، كما قالت الكاذبة إعتماد خورشيد أنها ارسلت إبنها لإصطحاب الراحلة إلى المطار في يوم 21 حزيران وتفاجأ إبنها بالبوليس في واقعة الحادثة، لكن رواية خورشيد المُختلقة ظهرت حين تبيّن ان جواز سفر سعاد حسني كان مُنتهي الصلاحية...

ومع كلّ هذه الضغوط، رفضت سعاد حسني عروضاً عربية  تتكفل علاجها منها عرض الرئيس الليبي آنذاك معمر القذافي،وساعدها طليقها المخرج علي بدرخان بأن إشترى حقوقها من فيلم "الراعي والنساء" وكانت تقوم بتسجيل قصائد صديقها الشاعر الراحل صلاح جاهين لصالح الإذاعة البريطانية بمبلغ يساندها في العيش، كما أن فنانة وسيدة أصيلة هي فيفي عبدو مدّت سعاد بالمساعدة وهو أمر تكتّمت عبدو عنه تماماً، كما أبلغت سعاد صديقتها ناديا يسري قرارها بالإنتقال للعيش معها بعد أن أصبحت سعاد عاجزة عن دفع إيجار شقّتها، وعلى الرغم من ضيقها المادي ظلّت سعاد هي المُعيل الوحيد لعائلتها في مصر، فغير شقيقتها كوثر ، وعدا عن اختها المطربة نجاة الصغيرة وأخيها عزالدين من والدها السوري الأصل الخطاط حسني البابا، فهناك إخوتها من امها ويبلغ تعداد الإخوة جميعاً ١٧.

"لم تكن سعاد تملك شيئاً ذي قيمة، ولا حتى خاتماً من الفضّة" تقول صديقتها ناديا التي تدرك كما يدرك كل من عايش الفنانة الراحلة انها أنفقت كلّ ما جنته في حياتها على عائلتها، وما زاد وضعها النفسي سوءً، كان، مقالات مُحبطة نشرت في الصحف اقل ما يمكن وصفها بالمسمومة، وتحت عنوان "انقذوا سعاد حسني" رُوجَ بأن سعاد تأكل من النفايات وتتسوّل في شوارع لندن الأمر الذي أصاب سعاد حسني بإنهيار كبير، أمّا الإنهيار الصادِم فأصاب سعاد حين بعثت، بثقة منها،، لعائلتها صورة لها من لندن يبدو فيها التغيّر الكبير في شكلها، تفاجأت سعاد

بالصورة منشورة وهي للعائلة حصرا وليست للنشر،ما يعني ان احد افراد العائلة باعها للإعلام وهو أمر ساهم مجدداً في إنهيارها النفسي، وشخصياً تفاجاتُ بالصورة منشورة في الصفحة الأولى لجريدة الشرق الأوسط.

هذه الظروف المحيطة ساهمت في كسر سعاد حسني الإنسانة والنجمة ووصولها للإنتحار، وبعد مضيّ عشرين عاماً على رحيلها  التراجيدي، لازالت المتاجرة بموتها قائمة إمّا بإختلاق مذكرات لها من إبتداع بعض الصحافيين بهدف الظهور الإعلامي ومحاولة الإنتفاع المادي، وإما من أختها غير الشقيقة جانجاه عبد المنعم التي فبركت مؤخراً كتاباً حول "مقتل" اختها يقوم مضمونه على الإختلاقات والفبركة ومنها ان للسياسي المصري صفوت الشريف دور في قتلها لانه كان مسؤولاً عن تعاون فنانات كثيرات مع الدولة لتقديم خدمات للأمن القومي..

وجلّ ما يمكن وصفه حول روايات قتل حسني أنها سيناريوهات بوليسية  غير متجانسة منطقياً، وبعيدة عن أي مستمسك.

لقد جزم القضاء البريطاني ان الراحلة سعاد حسني قضت إنتحاراً، وبيّنت تحقيقات البوليس البريطاني التي نكشف بعضها  اليوم، ومنها شهادة الطبيب الشرعي البريطاني حول انه لا أحد دفع الراحلة بالقوة للسقوط من الشرفة ولم يكن هناك أي عراك مسبق، كشفت التحقيقات أيضاً عن عدم صحة كثير من الشائعات التي تمّ بثّها حول وفاة الراحلة للدفع بإتجاه كونها لم تضع حدّاً لحياتها وإنما قتلت من المخابرات المصرية وبأمر من صفوت الشريف وقد زعم البعض ان سعاد كانت تكتب مذكراتها وهذا لم يحصل أبداً وكلّ ما نشر من أخبار عن مذكرات سعاد حسني هو مُختلق، فسعاد لم تفكر مطلقاً بكتابة مذكراتها وللحديث صلة.

نداء عودة

الوسوم