بيروت | Clouds 28.7 c

تعطيل تأليف الحكومة، خيار داخلي، أم قرار اقليمي؟ بقلم: القاضي الشيخ خلدون عريمط رئيس المركز الاسلامي للدراسات والاعلام

تعطيل تأليف الحكومة، خيار داخلي، أم قرار اقليمي؟ بقلم: القاضي الشيخ خلدون عريمط

رئيس المركز الاسلامي للدراسات والاعلام

 

يعاني المجتمع اللبناني ومنذ سنوات عديدة من انقسام حاد بين خيارين، الخيار الأوّل، هو بناء الدولة ومؤسّساتها وبسط سلطتها على كامل الأرض اللبنانيّة، وحصر السلاح على أنواعه بيد الدولة ومؤسّساتها، وبناء ثقافة المواطنة ليعيش لبنان بأمن وسلام بتعاونه مع أشقائه العرب، ومع اجماعهم في أي صراع اقليمي أو دولي.

والخيار الثاني، أن يكون لبنان ساحة ملتهبة للصراعات الاقليميّة وجزءاً لا يتجزّأ من المشروع الصفوي الفارسي الّعامل بشدة واصرار من خلال اذرعه العسكرية المذهبية على اختراق النسيج الوطني لبعض البلدان العربيّة تحت شعار، مقاومة العدو الصهيوني ومحاربة نفوذ الشيطان الأكبر ((أميركا)).

ومن المحزن والمؤلم أنّ اللبنانييّن وأكثريّة قياداتهم الملطّخة أيادي بعضهم بالدماء لم يأخذوا العبر من الحروب العبثيّة الّتي دمّرت لبنان و مؤسّساته على مدى خمسة عشر عاماً بين 1975 و1990م لحساب مصالح وتطلعات اقليمية وأحياناً دولية، ومن أجل ذلك وخوفاً من تجربة الماضي المريرة، تعيش الساحة اللبنانيّة في هذه الأيّام في حالة قلق وإحباط ويرافق هذا وذاك أزمات اقتصاديّة واجتماعيّة وبطالة تشير الى بوادر جوع وآلام ودموع هي الوسائل الباقية الّتي تعبّر عن  آلام المواطنين في كل المناطق اللبنانيّة، هذا بعد أن توسّم الناس خيراً بالتسوية السياسيّة الرئاسية ببعدها العربي عام 2016 الّتي جازف بتبعاتها ومخاطرها الرئيس سعد الحريري بهدف اخراج لبنان من جاذبيّة المشروع الفارسي ليحسم خياره باتجاه بناء الدولة ومؤسّساتها، غير أنّ كل الدلائل تشير أنّ ((خيار الحقل غير خيار البيدر)).

فإعلان((النيات)) الّذي  أطلقته  القوّات اللبنانيّة مع التيار الوطني الحر من معراب واحتضنه واستكمله الرئيس سعد الحريري وبعض الفرقاء اللبنانيّين على مضض، لم يكسر الانقسام العامودي بين خيار سيادة لبنان وعروبته، وخيار المشروع الصفوي الفارسي ويأتي في هذا الاطار مشروع تعطيل تأليف الحكومة الذي  يؤكد العديد من المصادر النيابية وكل المتابعين التساؤل المشروع هل تعطيل تأليف الحكومة، هو خيار داخلي يقوده التيّار الوطني الحر لمحاولة الانقلاب على وثيقة اتفاق الطائف بايجاد أعراف تتنافى مع الدستور ومع صلاحيّات ومهام الرئيس المكلّف بعيداً عن صيغة الغالب والمغلوب او شبهة حكومة حزب الله ؟ أم هو قرار اقليمي ايراني يصاغ تحت طاولة ورقة ((تفاهم مار مخايل)) عام 2006  بين حزب الله و التيّار الوطني ببعده الاستراتيجي لخدمة المشروع الصفوي الفارسي والمتفقين سراً و علناً مع المشروع الّذي يصر على الحاق لبنان ليكون ورقة على طاولة الصراعات أو المفاوضات الأميركيّة الايرانيّة في الوقت القريب أو البعيد.

فاللبنانيون لم يعد يعنيهم هذه التعبئة المذهبيّة والطائفيّة التي يقودها حلفاء النفوذ الايراني لتحقيق مكسب بزيادة مقعد وزاري هنا  أو موقع نيابي هناك فالبطالة ليس لها مذهب أو طائفة أو منطقة، و الغلاء ليس له لون، وأقساط المدارس وأزمات المياه والكهرباء وخطورة النفايات وهجرة المستثمرين لا تخص منطقة دون أخرى.

فلبنان بحاجة لرجال دولة يعملون في خدمة المواطنين، وهو حكماً لن يحتاج الى زعامات تريد الوطن وأهله في خدمتها وخدمة تحالفاتها الاقليميّة والدوليّة على حساب الوطن ومصالحه.

ألا يكفي أربعة أشهر أو أكثر بقليل ليتنازل الجميع عن بعض مصالحهم لخدمة الوطن و المواطنين؟ ألم يشعر بعد العاملون  على تعطيل تأليف الحكومة بآلام النّاس وصرخات أطفالهم بعد أن كادت البطالة  أن تصل الى أربعين بالمئة، والعجز المالي المتزايد والّذي فاق قدرة هذا الوطن المعذّب وأبنائه الصّابرين على السرّاء و الضرّاء.

متى يستيقظ الضمير الوطني لدى المعرقلين ويرفع الصوت في مواجهة أي تدخّل خارجي والانتفاضة في مواجهة كل المشاريع الغريبة عن مصلحة لبنان وسيادته وحريّته واستقلاله وعروبته.

المواطن يريد حكومة فاعلة، حكومة تخدم اللبنانيّين جميعاً وتعمل لأن يكون لبنان أوّلاً في كلّ مواقفها، وعندها حكماً سيقف التعطيل وستؤلّف الحكومة بهمّة الرئيس المكلّف بوقت قصير، عندما يدرك الجميع بأنهم للوطن و ليسوا عبئاً عليه كما هو حال بعضهم.

هل يدرك من يعرقلون تأليف الحكومة بأنّ لبنان لا يمكن أن يبنى على مقاس احلامهم ومصالحهم الشخصيّة؟ وهل يعلمون أنّ الكيديّة السياسيّة وتعطيل تأليف الحكومة وقبلها تعطيل انتخابات رئيس الجمهوريّة لا يمكن أن يؤدّي الى بناء وطن محصّن من الأمراض المذهبيّة والطائفيّة؟

لبنان بلد تكتّلات طائفيّة ومذهبيّة، والقليل منها تكتّلات وطنيّة عابرة للطوائف والمناطق وفيه خطوط حمراء لا يمكن اختراقها، فمن العبث التلاعب والتشاطر أو العمل على محاصرة هذا المكوّن أو ذاك، ولتكن الحكومة ورئيسها ووزراؤها  هم وزراء الوطن لا وزراء طوائف والرئيس رئيساً لكل اللبنانييّن بدون تمييز وحينها يشعر الجميع بأنّنا نعيش لبناء مستقبل أفضل ،تمهيداً  لبناء الدولة القويّة والعادلة بكل مؤسّساتها.

فهل يستيقظ الضمير الوطني ويحسم خياره اللبناني للاسراع بتسهيل مهمّة الرئيس المكلّف سعد الحريري الّذي له الحق وحده بتشكيل الحكومة الّتي يريدها متجانسة ومتضامنة لإخراج لبنان من النفق المظلم الّذي يعيشه والّذي يسعى البعض فيه الى ربطه مع محاور تتناقض مع مصالحنا الوطنيّة وعلاقاتنا العربيّة الّتي كانت على الدوام وما زالت عاملة على محو أثار كل عدوان اسرائيلي على كل منطقة في لبنان.

 

الوسوم