بيروت | Clouds 28.7 c

الفيلسوف الفرنسي فولتيير والتوراة ماذا يقول عن الديانة اليهودية / بقلم عبد الهادي محيسن

مجلة الشراع 21 آذار 2021

 

يقول فولتيير: ثمة سؤال يطرح بصدد كل سرد تاريخي: ما هي درجة صحته؟..

إن قسما بأكمله من العهد القديم (التوراة) يُعتبر بأنه حُرر بيد موسى نفسه، فإذا صحّ ذلك أصبحت قيمته الوثائقية عظيمة جداًّ، فهل هذا صحيح؟

إن فولتيير يجيب بالنفي لأن موسى لا يتحدث عن نفسه الا بصيغة الغائب وهذا على الأقل قرينة على عدم صحته ثم ان المؤلف يصرح بأنه يكتب من وراء نهر الأردن.. ولكن موسى لم يعبر نهر الأردن طيلة حياته .

كانت المفاجأة العظمى أن موسى يروي قصة وفاته بشتى ظروفها وتفاصيلها النهائية!!..

فكيف يكون موسى قد كتب التوراة؟...

وهنا يدعونا فولتيير الى إجراء تحقيق بسائر نصوص التوراة، فإذا كان الله هو الذي نزّل التوراة فلا بد أنه شديد الجهل، وكأنه لا يعرف شيئا عن الفيزياء..

ألا يبين ان النور كان أولا وبعدئذ كانت الشمس !!؟

ألا يؤكد أن الفلك يتكون وسط المياه خلافا لكل نتائج العلوم...؟

 إضافة الى أنه جاهل بالجغرافيا فما القول أن جنات عدن يخرج منها نهر عظيم يتفرع الى أربعة أنهر دجلة والفرات..الخ ويجري رابعها في بلاد الحبشة! وبالتالي يقصد نهر النيل الذي يبعد منبعه ألف فرسخ عن مصب نهر الفرات..

إن هذا الإله الأخلاقي الى أبعد حد، كيف نتصور أنه يوحي الى أنبيائه بأحمق الأفكار وأدنسها وأفجها...

كيف نعلل أمره الى حزقيال أن يوثق نفسه ويبقى مضجعا تسعين يوما على الجانب الأيسر وأربعين يوما على الجانب الأيمن وأن يأكل خبزه مغطسا ببرازه؟!

وكيف نعلل أحد أنبيائه بأن يعقب طفلا من مومس؟

وأن يضاجع إمرأة متزوجة وسبق لها ارتكاب الخيانة؟

وكيف نتقبل أن إبراهيم أبو الأنبياء أن أظهر زوجته الجميلة سارة بأنها أخته.. ليقع ملوك مصر الفراعنة في شباكها ويقدموا لها الهدايا فهل أقبح من الذي يبيع زوجته؟

وكيف نتقبل رعاية الله للمكر الفاضح فقد حلت بركته على يعقوب الذي خان أباه إسحق وسرق اغنام حماه وكيف يقبل الله قتل سليمان الطوباوي الذي كانت له سبعماية إمرأة وثلاثماية خليلة الذي قتل أخاه لا لشيء إلا لأنه طلب منه إمرأة واحدة...

 فيا إله ابراهيم ويا إله اسحق ويا إله يعقوب هل شملت كل ذلك برعايتك؟

وكم في التوراة من تأكيدات غير جديرة بالتصديق.. فما القول بملائكة يقعون في شباك هوى بنات حواء..

وينجبون منهن جيلا من العمالقة؟

 وما القول بالشلالات المنهمرة من السماء والحيوانات الآتية شرق آسيا وأفريقيا والأصقاع الجنوبية محبوسة في صندوق كبير ومعها مؤونتها من ماء وطعام لمدة عام؟

وما القول ببرج بابل الشهير الذي كان يرتفع حتى الزُهرة وحتى القمر والقول بقصة موسى كلها وحكاية العجل الذهبي الذي حوّل الى رماد وسط الصحراء وبيوشع الذي أوقف الشمس الساكنة وبشمشون وشعره وقوته.. يا لها من روايات مضحكة..

يقول فولتيير..

 اذا تفحصنا تاريخ الشعب اليهودي، فهو لا يُظهر هذا الشعب في وجه برّاق فهو طورا يكتب له الظفر وعندها يصبح شرسا يفتك بالمغلوبين ويبطش بالرجال والنساء والأطفال بنشوة جنونية، وطورا يُكتب له الخذلان وعندها يستحق الأسى والرثاء وهو في أغلال العبودية المؤلمة في مصر وفي آشور وفينيقيا.. فهل هذا هو الشعب العظيم؟

كلا إنه شعب وضيع وسافل لقد كان في البدء مجموعة من قبائل الساميين الرحل واستقر أخيرا في أرض فقيرة جافة قاحلة وليس في ذلك ما يدل عن اصطفاء إلهي..

تستند المعتقدات في مجموعها الى أن الله اختار الشعب اليهودي وفضله على العالمين فهل يتحلى الشعب اليهودي بشمائل  الشعب المختار..

 إن تاريخ الشعب اليهودي لا يظهر هذا الشعب في وجه براق..

تقول التوراة أن اليهود ألأولين كانو طائفة من الساميين الرحل منفية في الصحراء الممتدة بين مصر وسوريا القديمة وأن ملك مصر أماسيس طرد من بلاده قبيلة من الأشخاص المصابين بالجذام فارتدت نحو الصحراء وخلال غيبته غزى هؤلاء أرض مصر وأعملت فيها النهب وبعد عودته القى أماسيس القبض على هؤلاء وقطع أنوفهم وآذانهم ثم نفاهم الى صحراء سيناء وهم أجداد الشعب اليهودي.. فنعم الشعب الذي يصطفيه الله لحمل رسالته.

ويخلص فولتيير الى القول:

 كلا إن التوراة لا توحي بأنها كتاب مقدس أملاه الله، بل توحي بأنها كتاب وضعه سكير جاهل في مكان من أمكنة السوء ...

 عبد الهادي محيسن ....كاتب وباحث

الوسوم