بيروت | Clouds 28.7 c

الصمت أجمل كلام/ بقلم: المحامي ملحم مارون كرم

الصمت أجمل كلام/ بقلم: المحامي ملحم مارون كرم

 

في خضم ما جرى، في الآونة الاخيرة، لا بل وما يزال يجري، يومياً وعلى مدار الساعة، من أحداث ومخاطر تهدد الكيان اللبناني، في حاضره ومستقبله، وأكثر، في وجوده، لا بد من قول كلمة حق، كلمة الحقيقة الجارحة ولكن على الاقل الصحيحة.

اننا نحن، دولة وشعباً، من أوصلنا البلد الى الحالة التي وصل اليها، أو بالحري الى الحالة التي سوف يصل اليها، بالتأكيد، اذا ما استمر الوضع على منواله، واستمررنا في الطريقة - البائسة والخاطئة- التي نتعاطى بها مع ذلك الوضع.

نتباهى بكل ما هو مستورد، بدءاً من حبة الفاكهة، مروراً بالألبسة وانتهاء  بالسيارات الفخمة الباهظة الثمن التي هي من تصنيع الخارج.

نتباهى بتسجيل أولادنا في الجامعات الخاصة لأن شهاداتها سوف تأتي كذلك من الخارج. لكن الأخطر من ذلك كله، أننا نتباهى بتدخلات هذا الخارج في الداخل اللبناني البحت، الذي يسيره هذا الخارج وفقاً لمصالحه ومكاسبه وحسب، دون الالتفات أو الالتفاف الى أو حول المصالح اللبنانية التي اليوم أصبحت، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة الى تكاتف كل مواطن وكل جهد يبذله هذا المواطن، مع جهود الدولة اللبنانية، في محاولة لإعادة اعمار ما تهدم والابقاء على ما تبقى.

فالمواطن يمكنه مساعدة نفسه، ومساعدة الدولة، حتى في أبسط الأمور وأقلها تعقيداً أو مدى. بدءاً من المحافظة على نظافة الشارع، كما ان المواطن نفسه يحافظ على نظافة ثيابه ومنزله، يمكن لهذا المواطن وبهذه الطريقة أن يعطي المثل والأمثولة لغيره من فتيان وفتيات الجيل الصاعد، بهدف اعداد الاجيال الصالحة والمميزة في أخلاقها ومواطنيتها.

نعم، نحن، دولة وأفراداً، من أوصلنا البلد الى هذه الحالة المزرية المبكية والمؤلمة، التي أصبحت، عبر اختراع كلمة ((لبننة)) نموذجاً لكل ما هو الفساد والفوضى وعدم الرؤية المستقبلية الجيدة، على مختلف الصعد، السياسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، الى ما هنالك من جوانب عملية وعلمية موضوعية تدخل وتتداخل في خلق الحياة الانسانية، بشكل عام، والحياة داخل المنظومة الاجتماعية الوطنية، داخل دولة محددة، وبالتحديد بلدنا الحبيب لبنان، في شكل خاص.

ان اللوم على المواطن الذي اعتاد على الفساد والفوضى، في تعاطيه مع نفسه ومع الآخرين، في مختلف القطاعات وفي مختلف ميادين الحياة اليومية العادية، بدءاً من الطريقة التي يسير فيها، اما في سيارته واما سيراً على الاقدام، مروراً بالطريقة التي يعمل فيها ويتعاطى تالياً مع رب عمله، وصولاً الى تعاطيه مع أفراد عائلته، وهنا التعاطي الأكثر خطورة وأبعاداً، لأنه من العائلة الصغرى ينشأ وينمو ويكبر المجتمع بأكمله، وهو العائلة الكبرى لكل فرد منا، سواء شئنا أم أبينا، ولا ولن نستطيع أن نأبى.

لكن اللوم أيضاً على الدولة، في مختلف درجات وفئات مراكزها ومجالاتها ووظائفها، في أولاً عدم تسيير شؤون البلاد وشجونها، على النحو الأمثل، وان لم نستطع ذلك، فعلى الأقل على النحو الافضل، وثانياً، في المحاولة اليومية لمعظم سياسيينا في اقحام البلاد ومستقبلها وكيانها ووجودها، بمصالح الخارج وحسب، حيث تعقد الصفقات اليومية على حساب المواطن والوطن، بأكمله.

فالقيم قد تغيرت، ومعها المبادىء التي، في الوقت الذي كانت فيها مثلى ومثالية، لم تعد فيه الآن سوى موضة قديمة يخجل منها أكثرية الأهل، في تربية أولادهم، بحيث، أصبحت هذه المبادىء ((التي ولحسن الحظ ما يزال البعض يفتخر بها ويفاخر)) عادات قديمة، يجب أن لا تستمر لأن الحياة تطورت وتغيرت تلك هي ذريعة هؤلاء الذين يرفضون تلك القيم ويعلمون أولادهم رفضها منذ صغرهم.

ازاء كل ذلك، فلنقف متفرجين، دون أن نقف مكتوفي الأيدي، لأن الاقلية منا التي ما زالت تؤمن بالحق والمبادىء والمثل العليا، يمكنها تغيير الكثير الكثير، وعلى أي حال، فللتاريخ  عينان وأذنان وفم واحد، سوف ينطق بالحقيقة يوماً، وللتاريخ أيضا ذاكرة تتذكر ولا تنسى، رغم أنها يمكنها أن تتناسى، بحيث لا يبقى لنا سوى جمال وجميل ما كتبنا، لأن في الصمت، في أوقات كثيرة، أجمل الكلام.

 

المحامي ملحم مارون كرم

الوسوم