بيروت | Clouds 28.7 c

مفهوم التكافل الاجتماعي ومفهوم الحرية في الاسلام /  بقلم عبد الهادي محيسن

مجلة الشراع 31 كانون الثاني 2021

لا يقتصر مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام على مد يد العون للفقراء والمرضى والجهلة بل يتجاوز ذلك الى العمل الجماعي المشترك لبناء مجتمع سليم متكافل متضامن، لقد فرض الإسلام نفقات معينة على الموسرين لأقربائهم المحتاجين من أبناء وآباء وإخوة وأعمام وسائر ذوي الأرحام وتشمل المأكل والملبس والمسكن والتعليم والتزويج وتقديم النفقة لمن يقوم بخدمة العاجز منهم وتمريضه.

ولا ننسى أن الأوقاف الخيرية العامة تقدم الكثير، مثل  الإنفاق على الفنادق للمسافرين والرباطات للمجاهدين، وما يعطى من قرض حسن للتجار المعسرين وما يعطى من معونة للعميان والمقعدين ولإيواء اليتامى واللقطاء ولتزويج العزاب، ومن المعروف أن وقف المرج الأخضر في دمشق كان وقفا للحيوانات العاجزة لتظل ترعى حتى تموت .

بل كان هناك وقف في دمشق يسمى جران الماء لسقاية الكلاب، وأطرف من ذلك وقف نقطة الحليب الذي أوقفه صلاح الدين الأيوبي في قلعة دمشق لإمداد الأمهات بالحليب والسكر لتغذية أطفالهن ، فكان في أحد أبواب القلعة ميزاب يسيل منه الحليب وميزاب آخر يسيل منه ماء مذاب بالسكر ، ويفهم مما تقدم أن ذلك العمل أسمى ما فيه هو الروح الغيرية التي تخلق بين أبناء المجتمع جوا من الحرارة الإنسانية والدفء الاجتماعي والرعاية المتبادلة .

ويتخذ مفهوم التضامن الإجتماعي في التراث أشكالا كثيرة ، منها جعل كثير من أنواع الملكية حقا للدولة فيما سمي بالركاز وهو ما ركز في الأرض من ثروات معدنية وخلافها كذلك يتجلى التكافل الإجتماعي ما يسمى بأرض الحمى التي اعتبرت ضربا من الوقف العام على نحو ما فعل عمر بن الخطاب حين اعتبر أراضي السواد في العراق فيئا عاما لمصلحة الأمة كلها ويصدق ذلك أيضا على الغنائم وقسمتها .

إن البعد الإنساني لبمدأ التكافل الاجتماعي أهم من بعده الإقتصادي ، فالبعد الإنساني يجب أن يكون حاضرا في الذهن عند توليد أي صيغة مؤسسة للتكافل الاجتماعي بحيث لا يفقد هذا التكافل بعده الأساسي معنى التعاضد والتآزر تطبيقا لقول الرسول الكريم " مثل المؤمنين في  توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .

أما عن مفهوم الحرية في الإسلام،

  فالتراث الإسلامي وازن بين مفهوم الحرية الفردية والحقوق الفردية من جانب وبين الحرية الاجتماعية او الديمقراطية الاجتماعية غير أن الإسلام يؤكد مبدأ الحرية الفردية والديموقراطية الفردية بمعنى أنه لا يقبل باخضاع الناس لعبودية جديدة بإسم تحررهم من العبودية الإقتصادية .

إن تحرير الناس من الإستغلال الإقتصادي والاجتماعي مبدأ واضح ألح عليه الإسلام ، غير أنه في الوقت نفسه نادى بقوة وعمق بحرية الإنسان الشخصية بأبعادها المختلفة : حرية الرأي والعقيدة والعمل والتفكير والتعبير وسوى ذلك ، مما يتضمنه مفهوم الديمقراطية السياسية اليوم والأمثلة على ذلك  كثيرة ...لقد جعل الدين الإسلامي العدوان على حياة الفرد عدوانا على حياة كل إنسان وفي القرآن الكريم أن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا .

وأكد الاسلام حرية الفكر وحق كل فرد في النقد والإرشاد وكلنا يعلم قصة المرأة التي خاطبت عمر بن الخطاب يوم تحدث عن المهور وعدم المغالاة فيها ورد عمر بقولته الشهيرة:

أصابت إمرأة وأخطأ عمر وقول الآية الكريمة "لا يضار كاتب و شهيد " التي تحمل في معناها الواسع لتشمل حرية التعبير ومن أقوال رسول الله الرائعة " اذا لم يبق في الأمة من يقول للظالم ياظالم فقد تودع منها " وهناك العديد من الأمثلة التي تشهد إنتشار حرية الرأي والفكر .

ويلخص ذلك كله في قول عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا .. وألم يرجع الرسول عن رأيه ويأخذ برأي أصحابه في أمر الحرب .... كذلك ضمن الإسلام حرية العقيدة كقوله تعالى " لا إكراه في الدين " وقوله " ادعو الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " ....وهناك أمثلة كثيرة تدل على حرية الرأي والحرية الفكرية في الإسلام .

عبد الهادي محيسن .. كاتب وباحث  

الوسوم