بيروت | Clouds 28.7 c

السيد صادق الموسوي يكتب عن القرض الحسن

مجلة الشراع 11 كانون الثاني 2021

 

تضمن خطاب سماحة السيد حسن نصر الله حديثاً عن " صندوق القرض الحسن " في لبنان وتاريخه وكيفية ترخيص عمله قانونياً.

ولأنني كنت صاحب الفكرة الأساسية، والمتابع لها حتى مرحلة أخذ الرخصة القانونية من الدولة اللبنانية، وكذلك شراء أول مبنى لصندوق القرض الحسن في " منطقة حارة حريك " وتجهيزه وحتى طباعة الدفاتر وفتح الأبواب امام المراجعين، فقد وجدت من الضروري بيان الحقيقة الكاملة كي يعرف الجميع تفاصيل العملية منذ بدايتها...

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وعلى الرغم من انشغال المسؤولين فيها بالوضع الداخلي بسبب حركات التمرد التي بدأت بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية في كافة المناطق الإيرانية وخاصة في محافظتي كردستان الحدودية وخوزستان النفطية، وحتى خروج مدينة تبريز مركز محافظة آذربايجان ذي الغالبية التركية وبعض المدن الكبرى الأخرى عن السيطرة المركزية، وأيضاً محاولات المنافقين ( منظمة مجاهدي خلق ) سرقة الإنجازات الثورية، وكذلك التحضيرات الجارية على قدم وساق لعمليات الإستفتاء على نظام الجمهورية الإسلامية، ومن بعده التحضيرات لإجراء أول انتخابات شعبية، ثم الإستفتاء على الدستور الإيراني، وأمور مصيرية أخرى، في خضم هذا الوضع وانشغالات جميع القيادات بدءاً من الإمام الخميني الراحل شخصياً...

 استطعت إقناع كبار المسؤولين بالإلتفات إلى الساحة اللبنانية والإهتمام به خاصة بالشيعة الذين لم يكن لهم سند من أية جهة خارجية من قبل!

 فالمسيحيون اللبنانيون كانوا تاريخياً مدعومين من الغرب عموماً ومن فرنسا بشكل خاص حتى أسموها بـ " الأم الحنون "، وهم لا يزالون يقيمون " صلاة " سنوية على نية فرنسا في الصرح البطريركي في بكركي ويترأس " القداس الإلهي " البطريرك الماروني نفسه..

 آما الطائفة السنية الكريمة فإنها كانت ولا تزال موضع رعاية ودعم دائمين من دول الخليج عموماً ومن المملكة العربية السعودية خصوصاً، ومن قبل ذلك كانت مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تهتم بأمرها بصورة كاملة..

وبقيت الطائفة الشيعية بين الطوائف الكبرى في لبنان من دون أية مساندة ودعم، حيث كان شاه إيران الدولة ذات الأكثرية الشيعية عضواً في المنظومة الأمريكية ـ الصهيونية وكانت علاقاته الوطيدة مع كميل شمعون وبيار الجميل وامثالهما، وكان يتهم الشيعة وخاصة منهم أهل جبل عامل بأنهم من الشيوعيين الملحدين ومساندين للمنظمات الفلسطينية المعادية لحليفه الكيان الصهيوني، ولذلك فإنه لم يُعر اهتماماً أبداً بالشيعة وهذا ما ساهم في توزع الشباب في الأحزاب المختلفة اللبنانية والفلسطينية نتيجة عدم وجود وعاء يستوعبهم وكانوا وقوداً لها في كافة الحروب الداخلية، وذلك قبل تأسيس " حركة المحرومين " ومن بعد ذلك تسميتها بـ " حركة أمل ".

إنني لما عاصرت تلك المرحلة العصيبة، وشاهدت بأم عيني تألم الشيعة من ناحية الوضع الإقتصادي، ما اضطر كثيراً منهم إلى ترك الوطن مرغمين والبحث عن لقمة العيش الحلال في اقاصي الأرض في ظروف قاسية جداً، وفي الوقت نفسه كان الشيعة في أزمة حقيقية أمام غيرهم من الطوائف، حيث لم يتمكنوا من إعلان الإنفصال عن امتدادهم الطبيعي في إيران بسبب التلاحم التاريخي بين الشيعة في البلدين ودور كبار علماء جبل عامل والبقاع في النهضة العلمية والثقافية في ايران في القرون الماضية، وفي الوقت نفسه  كانوا لا يستطيعون تأييد الدولة الإيرانية كون شاه إيران محمد رضا بهلوي هو عميل فاقد الإرادة للولايات المتحدة الأمريكية وحليف قوي للكيان الصهيوني، إذ كان العلم الصهيوني على سارية السفارة الإسرائيلية يرفرف في العاصمة الإيرانية قبل سنوات من انعقاد معاهدة كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني، وكانت زيارات قادة الكيان الصهيوني تتم بصورة متكررة وعلنية إلى طهران، حيث يتم استقبالهم بحفاوة من قبل مسؤولي نظام الشاه ويحولون في مختلف المناطق حيث يشاؤون وفي حماية جهاز المخابرات الإيراني " السافاك ".

وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه، ولأني كنت من السائرين في مسيرتها منذ اليوم الأول لوصول الإمام الخميني إلى مدينة النجف الأشرف عام 1964 وفي مقدمة العاملين بكل جد لأجل إيصال صوت الثورة إلى العالم عبر التواصل مع مختلف وسائل الإعلام في لبنان وذلك منذ اليوم الأول لوصولي إلى لبنان في العام 1970، حيث كان لبنان مركز النشاط الإعلامي العربي المركزي في المنطقة يومئذٍ، وأيضاً من خلال اللقاء مع العديد من النخب الثقافية واصحاب السماحة العلماء المسلمين سنة وشيعة...

وبسبب كل ذلك وللثقة الكبيرة بي من قبل الإمام الخميني شخصياً والمعرفة الشخصية من قبل كبار قيادات الثورة،

استطعت إقناع اعضاء مجلس قيادة الثورة الإسلامية في إيران بضرورة التعويض عن الفترة الماضية التي امتدت لمئات السنين ومساندة لبنان والطائفة الشيعة فيه بصورة خاصة، وهذا ما دفع المرحوم سماحة الشيخ هاشمي رفسنجاني ممثلاً مجلس قيادة الثورة إلى تكليفي شخصياً مع اثنين من أصدقائي السادة العلماء الإيرانيين للسفر إلى لبنان وتقييم احتياجات الساحة اللبنانية، وبعد عودتنا وتقديم تقرير عن الزيارة واللقاءات خلالها تقرر تخصيص مبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية أي ما كان يعادل حوالي 5 ملايين دولار تقريباً، وتم تكليفي مجدداً مع إخوة آخرين إيرانيين للقدوم وصرف المساعدة المخصصة من أجل رفع الحرمان في مختلف المناطق اللبنانية إضافة إلى تشكيل لجان أخرى للتنسيق في مجال الإعلام في الساحة اللبنانية.

لقد حاولنا أولاً إقامة مشروع على نهر الليطاني للإستفادة من مياهه للشفة والري في عدد من قرى الجنوب، وقمنا بالتباحث مع مسؤولي المشروع الأخضر، وبعد عقد اجتماعات متعددة وتقديمهم العرض تم التراجع عن الخطوة بتدخلات صهيونية وتهديدات صريحة حسب تأكيدات المسؤولين في المشروع في حينه، لكننا لم نتوقف عن جهودنا وقمنا بخطوات بديلة، وبادرنا إلى حفر آبار إرتوازية في بعض قرى الجنوب ( معروب وياطر )، وأيضا تم الإتصال بالمرحوم سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والمرحوم سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية حسن خالد والمرحوم سماحة السيد محمد حسين فضل الله، وبعد اجتماعات عديدة اتفقنا جميعاً على تأسيس جمعية خيرية برأسمال 5 ملايين ليرة لبنانية مقدماً من مجلس قيادة الثورة الإسلامية في إيران لتقديم المساعدات المالية للمحتاجين بأسلوب القرض الحسن ومن دون فوائد، تطبيقاً لقوله تعالى: ( من ذا الذي يُقرض الله قرضاً فيضاعفه له وله أجر كريم ).

لقد قمت أنا شخصياً بمتابعة القضية حتى تمكنت من الإستحصال على رخصة قانونية من رئيس الوزراء وزير الداخلية يومذاك الرئيس شفيق الوزان بتاريخ 26 شباط 1981 بعد تذليل عقبات متعددة دستورية وقانونية، وهذا الإنجاز لم يكن يتصور حصوله احد من أصحاب السماحة المذكورين أعلاه.

وبناءً على ذلك،

 تشكلت لجنة لإدارة المؤسسة مني ومن ممثلي السادة الآنفي الذكر والسيدة رباب الصدر شرف الدين، وكان قد تمّ من قبل شراء شقة بالطابق الثاني في بناية " الحلباوي " على الشارع الرئيسي في "حارة حريك" في الضاحية الجنوبية بمبلغ ثمانين ألف ليرة لبنانية، ثم قمنا بتجهيز المكان بالكامل، وبعد أخذ موافقة " بنك صادرات " المركزي في طهران استطعنا نقل المحتويات الضرورية من فرع " بنك صادرات " المغلق في مدينة " بحمدون " إلى مركز " صندوق القرض الحسن " في " حارة حريك ".

وبدأ العمل فعلياً منذ ذلك التاريخ بمبدأ القرض الحسن في لبنان، وكان المسؤول المباشر في حينه الأخ العزيز الحاج حسين الشامي، ثم بعد ذلك تم توسيع رقعة هذه السنة الإسلامية الحسنة وتم فتح فروع لصندوق القرض الحسن في مناطق متعددة، والعمل جارٍ بحمد الله لخدمة المستضعفين ونسأل الله القبول.

وللتوضيح فقط كتبتُ هذا البيان.

السيد صادق الموسوي

الوسوم