بيروت | Clouds 28.7 c

ثورة سورية شعبية عارمة لإسقاط "الإئتلاف" وقيادته :هل أراد الحريري التمهيد للمشاركة في انتخابات "بشار" القادمة ؟! / بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 23 تشرين الثاني 2020

لو جرى استفتاء حر ونزيه اليوم لمعرفة رأي السوريين بقادة النظام والمعارضة الرسمية ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وملحقاته ، كهيئة التفاوض ، لأظهرت النتائج تقاربا كبيرا بين بشار الأسد ونصر الحريري ، فكلاهما مكروه ومرفوض بنفس الدرجة تقريبا !

نتيجة صادمة لكنها واقعية في ضوء حالة الغضب والاستهجان العارمين التي عمت الشارع السوري المعادي للنظام منذ نهاية الاسبوع الماضي ( 20/11) بسبب القرار الذي أصدرته رئاسة (الائتلاف) بإنشاء ( المفوضية العليا للانتخابات ) وهو قرار تكتنفه التباسات عديدة ، من حيث التوقيت ، وأغراضه الحقيقية ، نظرا لعدم وجود أي استحقاق انتخابي في المدى المنظور سوى تمثيلية الانتخابات الرئاسية التي يتهيأ لها بشار الأسد في ربيع العام المقبل لتجديد شرعيته المفقودة في ظل الاحتلالات المتعددة . مما أضفى مزيدا من الشك والريبة على دوافع القرار ، لا سيما أنه يتزامن مع إيقاع المباحثات التي تجري في جنيف بين وفدين للنظام وهيئة التفاوض المعارضة في إطار (اللجنة الدستورية ) التي خرجت من رحم مؤتمر سوتشي الذي رعته روسيا لمساعدة النظام على استعادة شرعيته بأقل قدر من التنازلات الثانوية ، والهاء ذئاب المعارضة بقليل من العظام .

 ومن المعروف أن القطاع العريض من السوريين المناهضين لنظام الأسد في المناطق الخارجة عن سلطته ، والمهجرين في الخارج باتوا ينظرون بارتياب شديد ، وحساسية مفرطة الى الدور الذي يضطلع به (الائتلاف) حاليا في كل هذه السياقات المضللة والعقيمة ، وباتوا يتهمون قادته بالضلوع في مؤامرة دولية كبرى تنفذها ( دول الانتداب الثلاثي ) لتصفية الثورة نهائيا ، وإعادة الشرعية الزائفة لبشار الأسد .

 ويغذي قرار الائتلاف المريب ذاته الشعور بالارتياب ، إذ حدد الغاية من (المفوضية) التي أنشاها بأنها (تمكين قوى الثورة والمعارضة السورية من خلال ممثلها الشرعي من المنافسة في أي انتخابات مستقبلية ، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو محلية) .

 وفي فقرة أخرى نوه القرار الى ( تهيئة الشارع لخوض غمار الاستحقاق الانتخابي ) مثلما اشاروا  الى ( تعزيز مبدأ المشاركة الفاعلة من خلال الترشح والانتخاب ، وإيجاد آليات من أجل مشاركة واسعة من السوريين في الداخل والخارج ) .

لذلك كان من الطبيعي أن يحدث القرار منذ اللحظات الأولى لتسريبه ونشره في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام المعارضة ردود أفعال غير مسبوقة على امتداد سنوات الثورة التسع تتسم بالغضب والألم والاستنكار ، ولا تشبهها سوى انتفاضة عام 2011 ، فكأن الثورة تولد من جديد ، مع فارق أنها اليوم ضد قيادة المعارضة ، بينما كانت الأولى ضد قيادة الدولة ، وفارق أن الانتفاضة اليوم تجري على وسائل الاتصال الافتراضية بدلا من الشوارع ، بسبب تشتت السوريين وتجيرهم القسري في مشارق الارض ومغاربها ، فضلا عن انتشار الكورونا في كل مكان .

 خلال ساعات بعد صدور القرار تداعى السوريون ، وكأن أمرا علويا صدر للجميع ، فانعقدت لقاءات كثيرة عبر برامج الاتصال الافتراضية لمناقشة القرار المريب وخلفياته وأغراضه ، شارك فيها رجال قانون ، ومثقفون ، وسياسيون ، واعلاميون ، وناشطون من كافة الاتجاهات والتيارات ، ومن كل المستويات . وقد أجمعت آراء هؤلاء على ادانة ورفض ما أقدم عليه الائتلاف ، ورأوا فيه دليلا دامغا اضافيا على دور مشبوه للائتلاف ، يقوم به لحساب الدول المهيمنة عليه والممولة له . وتداعى هؤلاء المعارضون للتحرك فورا لإسقاط شرعية الائتلاف ، ومحاسبة قادته ، وإنشاء هيئات بديلة تمثل الثورة والشعب السوري والمعارضة المستقلة والنزيهة ، تحمل القضية السورية الى العالم .

الجدير بالذكر أن عددا من أبرز أعضاء الائتلاف السابقين الذين انسحبوا منه في الاعوام الاخيرة احتجاجا على انحرافاته وخروجه عن الخط الثوري وفساده ، أمثال برهان غليون ، وهيثم المالح ، وميشيل كيلو ، وجورج صبرا ، وسهير الأتاسي ، شاركوا في حملة الاستنكار عليه ، وشككوا بنوايا قادته الحاليين ، وعلى رأسهم رئيس الائتلاف د . نصر الحريري ونظيره رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة اللذين نالا القسط الأكبر من الاتهامات والشتائم ، فضلا عن شخصياته الرئيسية التي لم تتغير منذ تأسيسه عام 2012 مثل أحمد رمضان ونذير الحكيم وخالد خوجة وهادي البحرا وياسر الفرحان ، وغالبيتهم من جماعة (الاخوان) المتهمة بتخريب الثورة وحرفها والسيطرة على قرارها .

ومع أن رئاسة الائتلاف حاولت امتصاص النقمة واستيعابها ، واعترفت بأنها ربما أخطأت في اصدار القرار دون تمهيد مسبق له وشرحه للرأي العام ، وأبدت الاستعداد لمراجعته ، إلا أنها لم تتراجع عنه حتى الساعة. وكعادتها اتهم الائتلافيون قوى "معادية" بالتحريض بنية سيئة ، وبشخصنة القرار .. إلخ ، بيد أن الأزمة انتقلت أصداؤها من الشارع ، الى صفوف الائتلاف . إذ قال بعض أعضاء (الهيئة السياسية) التي تعد بمثابة القيادة الموسعة ومطبخ القرارات إنهم لم يعرفوا بالقرار ، ولم يطلعوا عليه إلا بعد اعلانه ، مما يعني أنه لم يناقش في قيادة الائتلاف حسب الأصول الديمقراطية ، وأن الحريري وقلة من مسؤولي الائتلاف يقفون خلف اصداره بهذه الطريقة غير النزيهة . وذكر بعض هؤلاء لنا أن هناك مزيدا من الأعضاء الذين يفكرون في مواجهة نصر الحريري ، أو الاستقالة من الائتلاف احتجاجا عليه ، وانحيازا لصفوف القاعدة الشعبية . وذكر لنا مصدر مطلع أن كثيرين من الأعضاء يطالبون الحريري بسرعة سحب القرار والغائه والاعتذار عنه ، تهدئة لغضب القاعدة الشعبية التي رفعت مطالبها الآن الى الدعوة لعقد مؤتمر وطني جامع وحاشد خلال الأيام القليلة القادمة ، لاتخاذ خطوات عملية ، على رأسها إسقاط شرعية الائتلاف بكامل اعضائه ، أو على الأقل رئيسه ، وبعض اعضائه المتورطين ، وفتح ملفات فسادهم وانحرافاتهم السياسة بشكل علني .

الجدير بالذكر إنها ليست المرة الأولى التي يتعرض نصر الحريري وأقرانه من قادة مؤسسات المعارضة الثلاث الرئيسية : الائتلاف ، وهيئة التفاوض ، والحكومة المؤقتة لهذه الهجمة الشعبية العارمة  . ففي أواخر العام الماضي 2019 خرجت تظاهرة حاشدة في ادلب حيث يعيش خمسة ملايين ونصف سوري ترفع صور بشار الأسد ونصر الحريري معا ، وقام بعض المتظاهرين بوطء الصور بأقدامهم ، أو إحراقها ، أو لطمها بالأحذية ! وكانت المناسبة في حينها أن نصر الحريري الذي كان رئيسا لهيئة التفاوض قد أطلق تصريحات مريبة ومستفزة حول عمل اللجنة الدستورية ، بعد زيارة له الى موسكو ، ولقائه بوزير خارجيتها لافروف .

وتكرر المشهد في الربيع الماضي 2020 عندما تبادل مع صديقه وحليفه أنس العبدة رئاسة الائتلاف وهيئة التفاوض فانتقل الحريري لرئاسة الائئتلاف ، وانتقل العبدة من رئاسة الائتلاف الى رئاسة الهيئة ، بطريقة مسرحية على اثر انتخابات ديكورية ذكرت السوريين بمشهد تبادل رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة في روسيا بين بوتين ومدفيديف قبل خمس سنوات ! من يومها ، غسل السوريون أيديهم من الاثنين ، وأسقطوهما من حساباتهم ، وأصبحا في القائمة السورية السوداء التي تضم كبار الخونة والعملاء !

وللحديث عن خلفيات أزمة الائتلاف .. بقية

الوسوم