بيروت | Clouds 28.7 c

سيناريوهات محدودة أمام الملالي بقلم/ محمد خليفة

أم على قلوب أقفالها .. ؟!

سيناريوهات محدودة أمام الملالي بقلم/ محمد خليفة

 

الأميركيون الآن لا يمزحون, والهدف النهائي لسياسة العقوبات الاقتصادية على ايران هو اسقاط نظامها الرجعي الذي غدا ((شيطان  العالم الاكبر)) بسبب سياسته العدوانية والارعابية في كل مكان. ولا معنى واقعياً لنفي مستشار الأمن القومي جون بولتون أو غيره من المسؤولين لهذا الهدف المخفي.. أو غير المخفي!

وأما قولهم إنهم لا يريدون اسقاط النظام, وهدفهم يقتصر على اجباره على تغيير سلوكه هو مجرد تصريح ديبلوماسي لأن شرطهم تعجيزي, كمن يقول للشيطان آمن!

الدليل على النية ((الجنائية)) للولايات المتحدة نلمسه واضحاً في كون العقوبات التي بدأت بتطبيقها الثلاثاء الماضي متدرجة ومتصاعدة حتى تكون كما وصفها وزير الخارجية بومبيو الأشد في التاريخ، أي أنها عملية خنق فعلية, وفي كونها جزءاً من ((استراتيجية )) كاملة لتركيعه والقضاء عليه, تتضمن مساراً استراتيجياً أمنياً ومساراً سياسياً, لعزل ايران, وملاحقة اخطبوطها عبر العالم, وتجريم أدواتها وعملائها, وخاصة حزب الله اللبناني.

 وفوق ذلك تبقى الخيارات العسكرية المباشرة جاهزة لدعم العقوبات وسياسة العزل، خصوصاً إذا حاولت المؤسسة العسكرية الايرانية سلوك طريق المجابهة والمغامرة , وهو احتمال وارد إذا شعر جنرالات الحرس الثوري بالاختناق والهزيمة وخسارة امتيازاتهم المالية والسلطوية. وكان البنتاغون قد أعلن في أيار/ مايو الماضي في بيان رسمي ((سنتخذ كل الاجراءات والخطوات اللازمة لكبح السلوك الايراني)) وهو تلويح صريح باللجوء للقوة لا تنقصه الجدية والعملياتية, ولا يمكن فصله عن الحرب التي شنتها اسرائيل على الوجود الايراني في سورية في الفترة نفسها وتصاعدت حتى وصلت الى إعلان التعبئة العامة لقواتها مع بدء تطبيق الحزمة الاولى من العقوبات, والتهديدات الاميركية المباشرة إذا ارتكبت ايران حماقة كبرى من نوع التعرض للملاحة الدولية عبر مضيق هرمز أو باب المندب.

لا ينبغي لأحد الشك في جدية السياسة الاميركية في مجابهة النظام الايراني, ولا ينبغي لأحد الشك أيضاً بأن هذه الاجراءات الخانقة سوف تؤدي حتماً لإسقاط النظام الذي نشأ عام 1979, ويمكن المقارنة بين مشاهد الشارع الايراني في ذلك الوقت, ومشاهد الانتفاضة العارمة والمتزايدة في الشارع الايراني منذ نهاية العام الفائت لتوقع النتيجة نفسها. في المرتين أثبت الايرانيون قوتهم في وجه حكامهم الأكاسرة, فنظام الشاه لم يكن أقل قوة من نظام خامنئي, ومع ذلك سقط سقوطاً مدوياً, وتفكك,  وهرب الشاه, ولم يجد من يستقبله في العالم غير أنور السادات الذي استضافه في قبر!

 والفرق الآن أن قادة ايران الحاليين قد لا يجدون من يمنحهم قصراً أو قبراً بعد أن دمروا علاقاتهم مع العالم كله, من الأقربين الى الأبعدين باستثناء كوريا الشمالية وروسيا والصين.

النظام الايراني يدخل مرحلة اختبار صعبة جداً, وخياراته محدودة, ولا نعتقد أنه سيستسلم, فهؤلاء الملالي وجنرالاتهم يعرفون مصيرهم حتى ولو استسلموا ورضخوا, وذلك بسبب سجل سوابقهم  وجرائمهم الكثيرة في الداخل والخارج, ومن النادر أن تجد بلداً واحداً في القارات الخمس لا يطلب القصاص منهم, لأنهم وزعوا ارعابهم على الجميع من الارجنتين الى استراليا, ومن النمسا الى نيجيريا.

وأكثر السيناريوهات احتمالاً هو تفاقم وتصاعد ثورة الشعوب في المجسم الايراني المتعدد القوميات, ولا سيما الفرس, تحت تأثير العقوبات والغضب, وتراكم المشاكل , وإفلاس النظام وعجزه عن معالجة أزماته المعقدة والتحديات التي يواجهها لا مع أميركا وحدها, بل مع الغالبية الدولية, بما فيها الدول الاسلامية والعربية التي يفترض أن تكون حامية له لولا سلوكه الأخرق وجرائمه ضد أقرب جيرانه. وهذا السيناريو قد يدفع تحالف المؤسستين الدينية والعسكرية للهرب من الاستحقاقات في الداخل الى الخارج, ويشعل حرباً في الخليج, أو مع اسرائيل عبر سورية ولبنان, وهي إذا وقعت لن تكون أقل من مغامرة جنونية وانتحارية له, خصوصاً وأنه لا يملك ما يكفي من الاموال لخوض حرب شاملة وطويلة  مع اميركا واسرائيل والسعودية.. إلخ .

لقد طبقت اميركا سلاح العقوبات سابقاً على نظام صدام ففتكت به وحطمته قبل أن تغزو العراق عسكرياً, وطبقته على كوريا الشمالية حتى أنهكته وصار شعبها يتضور جوعاً ويتسول المعونات الغذائية, كما طبقته على كوبا حتى حولتها جزيرة متخلفة في كل جوانب حياتها يهرب شعبها منها بالجملة طلباً للرفاهية والرغد, وسبق أن طبقته على ايران ذاتها, فعانت منه معاناة قاسية, وما زالت آثاره باقية حتى اللحظة.

مع نظام العقوبات الجديد وهو اقسى كثيراً من كل المرات والحالات السابقة يمكن القول إن مصير الشعب الايراني لن يكون أفضل حالاً من تلك الأمثلة والتجارب بل أسوأ كثيراً , لأن نظام العقوبات الحالي أشمل وأقوى. وأرجح الظن أنه سيكون عامل تفجير وتحريض للشعوب الايرانية , ويضع النظام بين نارين في الداخل والخارج, ولا يجد خيارات متعددة لأنه نظام بلا شركاء ولا حلفاء ولا أصدقاء، وجميع علاقاته محصورة بين روسيا والصين والهند. ويقدر الخبراء والمحللون أن الجميع سيتخلون عنه وينسحبون من علاقاتهم الاقتصادية معه وبخاصة الدول الاوروبية , ولن يبقى معه غير روسيا.. لا لتدعمه, بل لكي تستغل أزمته  وتستثمرها لصالحها. فمن لا خير فيه  لشعبه وجيرانه, لا خير فيه للآخرين.

لقد وقع هذا النظام العدواني في شر أعماله, وحاصر نفسه قبل أن تحاصره الولايات المتحدة, وبدد ثروات ايران الطائلة في مشاريع امبراطورية مستمدة من أساطير التاريخ , ومبنية على الخرافات, ولذلك فهي أقرب الى الأوهام منها الى الواقع.

يمكنكم منذ الآن البدء بالعد التنازلي لنهاية نظام الملالي!

 

الوسوم