بيروت | Clouds 28.7 c

التقمّص في باريس / بقلم المهندس محمود الاحمدية

              التقمّص في باريس / بقلم المهندس محمود الاحمدية

                               

شريط من الذكريات أعادني ثلاثين عاماً إلى الوراء.. بحكم عملي كمهندس مبيعات في شركة كندية لبنانية.. وكان سكني في مدينة الحلم عروس جنوب فرنسا والريڤييرا الفرنسية مدينة نيس.. وصديق العمر الساكن في باريس الدكتور أسعد عبد الباقي كان وما زال الركن الدافئ المحب المؤمن الذي تسعد بلقائه.. وعند زيارتي إلى باريس التقيت به في ((الشانزليزيه)) وفاجأني بالقول: يا الله محمود شو حظك كبير شوف هالفيلم اللي داوخ باريس وزوارها وسواحها وهو بعنوان: التقمّص! أو La Reincarnation بالفرنسية.. فذهبنا سوياً لحضوره وهو يشاهده للمرة الثانية. والقصة تتكلم عن جريمة تحصل في إنكلترا وتصبح بين الأوراق المنسية في ملفات اسكوتلنديارد.. دون معرفة القاتل..

في أحد الأيام وعندما أصبح الطفل طوني في عامه الخامس بدأ بلفظ كلمة: ماري.. ماري.. ماري بلكنة إنكليزية وهو المولود فرنسياً في مدينة ليل الفرنسية.. ويرافق هذا الصراخ البكاء الدائم.. ويعود للأسطوانة والكلمة نفسها: ماري.. ماري.. وأصبح يضيف إليها كلمة: ولنغتون.. ولنغتون.. ولغنتون بلهجة إنكليزية وبكاء دائم.. فانقلبت حياة أهله مع بكائه إلى جحيم يومي.. وكانت تمر فترات وهو يبتسم قائلاً: آه.. متى أذهب إلى ولنغتون بطريقة تلقائية ويعود البكاء من جديد.. ولم يترك أهله طبيباً في المدينة إلا وزاروه وكان تشخيص الأطباء أنه ليس هناك أي مرض أي مشاكل صحيّة.. واحتار الجميع الأهل الأصدقاء الأطباء..

إلا طبيب فرنسي واحد سكن في شبابه في لبنان فطرح على أهل الطفل أن هناك نظرية عند بني معروف هي ((التقمّص)) والطفل يردّد كلمتين: ماري.. ولنغتون.. وهذه المدينة في إنكلترا.. اذهبوا إلى إنكلترا برفقته وفتشوا عن ماري وهو أكيد سيكون الدليل لإيصالكم إليها.. واحتار الأهل بسماع هذا الكلام وقرروا السفر برفقة طفلهم إلى مدينة ليڤربول الأقرب لبلدة ولنغتون.. ووصلوا المطار.. وأخذوا تاكسي وكانت المفاجأة الصاعقة عندما دلّهم الطفل بتعليماته للسائق على الطريق المؤدي إلى بيت ماري.. وكانت المفاجأة الثانية عندما وصلوا إلى بيته القديم في جيله السابق.. ودقّوا الباب فأطلت امرأة خمسينية مستفسرة متعجبة ماذا تريدون؟؟ فإذا بالطفل يقفز ويضمّ ماري الخمسينية قائلاً: أهكذا تقتليني.. لا أنسى كيف قتلتيني على ضفة النهر.. وكانت المفاجأة الأضخم وحتى لا أطيل عندما فتح اسكتلنديارد للمرة الأولى الأوراق العتيقة الخاصة بجريمة قتل ويليام بيلي اسمه في الجيل السابق والتي كانت خافية على اسكتلنديارد، وأقرت ماري بأنها قتلت بعلها على ضفة نهر البلدة واستطاعت أن تتخلص من جريمتها بإخفائها وبطريقة إعجازية لم تترك مجالاً للشك بها... فإذا بها تنهار أمام حديث هذا الطفل..

 وما زالت هذه القصة محيّرة لكل من سمعها بين فرنسا وانكلترا.. وما زالت هذه الحادثة وبسبب التقمّص تكتشف جريمة.. وانتهى الفيلم والطفل يعود إلى فرنسا مع أهله راضياً مرضياً مرتاحاً وتفاجأنا وبخط ضخم مكتوب على الشاشة قبل كلمة النهاية: هذه القصة ليست من صنع الخيال ولكنها حقيقية ونترك لخيال المشاهد كل المساحات!!

وأضاءت الصالة وكنت ترى الجميع مدووخون باستثناء إثنين: أنا والدكتور أسعد!! لأن هذه القصة تحدث في كل بيت من بيوتنا.. وتعطينا المقدرة على عدم الخوف من الموت واعتبارنا أن هذا الجسد ليس إلا قميصاً والروح تنتقل إلى جيل جديد وعالم جديد كلّ مرة.. والموت لعبة عادية في حياتنا ولن أزيد..!!.

 

المهندس محمود الأحمدية

رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين

في بيروت

الوسوم