بيروت | Clouds 28.7 c

رسالة إلى النساء /  بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 9 تموز 2020

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى: {ولا تتمنَّوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعضٍ للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شىءٍ عليما} سورة النساء.

لقد خلق الله تعالى البشر وجعل سكناهم الأرض ففيها معاشهم وإلى باطنها مآلهم وأرسل الأنبياء فأوضحوا للناس السبيل وبيّنوا طريق الخير وطريق الشر وبلَّغوا ما أمرهم الله بتبليغه ليهلك من هلك عن بينةٍ ويحيا من حيَّ عن بينة، وقد خصَّ عزَّ وجل بعض الناس بخصائص ليست للبعض الآخر وفضَّل بعضَ عباده على بعض وزاد بعضَهم في الجسم والقوة، فخلق القوي والضعيف والشديد والسقيم وخلق الزوجين الذكر والأنثى، قال سبحانه في سورة آل عمران:{وليس الذكر كالأنثى} فللرجال وظائف لا تتأتى من النساء وللنساء كذلك وظائف لا تتأتى من الرجال، فعلى كلٍ منهما أن يعرف ما أُنيط به من المسئوليات للقيام بما كلَّفه الله به على الوجه الصحيح. وقد نهى تعالى المرأة أن تتمنى لو كانت كالرجل في الآية أعلاه، قال الطبري في "تفسيره": "وذُكر أن ذلك نزل في نساءٍ تمنين منازل الرجال وأن يكون لهنَّ ما لهم فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة وأمرهم أن يسألوه من فضله".

عمل الرجل والمرأة

 وفي الآية معنىً عظيم وهو أن المرأة تُثاب على الأعمال الصالحة وتأثم على ما تقترف من الحرام فهي إنسانٌ مكلف كالرجل فينبغي أن تقف عند حد الشرع وتُراعي الأحكام المتعلقة بها، وهذا المعنى دل عليه هذا الجزء من الآية:{للرجال نصيبٌ مما اكتسبوا وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن} كما بيَّنه ابن الجوزي في "زاد المسير" فالعاقل إذًا لا يتعدى حدود الشريعة ولا يؤخذ بالتمني ولا يقضي العمر بالتشهي لأنه علم أن التفضيل إنما هو من الله، والله أعلم بأحوال العباد وأعلم بما في القلوب من أصحاب القلوب وقد قال تعالى في سورة الملك:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} فلا مانع أن تتفوق المرأة على الرجل بكثرة طاعتها وتقواها، وأن تكون مرضيةً عند الله أكثر من كثيرٍ من الرجال فإن الله تعالى يقول:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} سورة الحُجرات، فالأتقى هو الأفضل سواءٌ كان ذكرًا أم أنثى.

ومن هنا فإننا ندعو النساء إلى النظر فيما يحتجن إليه من أمور الدين وذلك بطلب العلم لمعرفة ما لا بد من تعلُّمه بالنسبة إليهن خلافًا لما نرى عليه أكثرَ النساء اليوم حيث انصرفن إلى ما لا خير فيه، فترى اهتمام المرأة منهن في الثياب والسهرات والتفنن بترتيب أثاث البيت وزخرفة الجدران وغير ذلك مما يُسمى بالكماليات وقد ابتعدن جدًا عن التفقُّه في الدين، ولا شك أن تفشي هذا الخطر في مجتمع الإناث يؤثر جدًا على انتشاره في مجتمع الذكور لأنه ينعكس على المربية وعلى الحاضنة وعلى الأستاذة وعلى الأم التي تنعقد عليها الآمال في إعداد الأجيال وتثقيف الأبناء.

والحقيقة أن النظرة للحياة الاجتماعية عند شريحة كبيرة من النساء للأسف هي في غير محلها وهي نابعةٌ من التأثر بعوامل التشويش وذلك أن عددًا كبيرًا من النساء تأثرن بما يُلقى عليهن من أفكار غير صحيحة أو بما تروجه وسائل الإعلام من دعاياتٍ لثقافاتٍ مزعومة.

أهمية دور المرأة

ولأجل ما يمثله دور المرأة من الأهمية وما ينبغي أن نوليه للنساء من الرعاية المطلوبة وتشجيعًا لهن للانصراف إلى معالي الأمور بدل حصرهن أنفسهن بين قضبان المغريات الوافدة من بلادٍ شتى والدخيلة على مجتمعنا الإسلامي بذريعة التَّحرر، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بتعليم النساء ما يحتجن إليه فكان من شأنه أنه يخصُّ النساء ببعض مجالسه لوعظهن وإرشادهن، وكنَّ أحيانًا يحضرن مع الرجال ويسألن فيما يهمهن من أمور الدين. وقد روى البخاري من طريق أبي سعيدٍ الخُدري قال: "قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غَلَبَنا عليك الرجال (أي استفادوا منك وكان لهم حظ من ذلك أكثر منا لملازمتهم لك وضعفنا عن مزاحمتهم) فاجعل لنا يومًا من نفسك. فوعدهُن يومًا لقينَه فيه فوعظهنَّ وأمرهن".  

وروى مسلمٌ عن ابن عباسٍ قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلَّى (أي صلَّى والمراد صلاة العيد) قبل الخُطبة (أي قبل خطبة العيد وهكذا السنة فيه) قال: ثم خطب فرأى أنه لم يُسمِع النساء فأتاهن فذكَّرهُنَّ ووعظهن". وفي الحديث استحباب وعظ النساء وتعليمهن وإرشادهن لما ينبغي ولو كنَّ في حضرة الرجال.

ونتساءل ماذا تعرف أكثر نساء اليوم عن أحكام دينهن؟! ولا يعني هذا التساؤل أن أكثر الرجال قد عرفوا ما يحتاجونه من أمور الدين، ولكن حيث إن المقال متعلقٌ بشؤون النساء كان لا بد من توجيه نصيحةٍ إليهن لينصرفن إلى الاعتناء فيما أعرض أغلبهن عنه من التمكُّن في فهم ما دعاهن الشرع إليه ليكنَّ على علمٍ وبرهانٍ، ولا ينبغي أن يغفلن عن ذلك بدعاوى واهية. فكم من أحكامٍ متعلقةٍ بالنساء جهلها معظمهن؟ وكم من مسائل أهلك الجهلُ بها نساءً ونساءً؟ وهذا من أخطر المخاطر التي تُحدق بمجتمعنا وأمتنا فإن المرأة تحتاج إلى العلم أكثر من حاجتها إلى الطعام والشراب، بل إن بعض المسائل يُبنى الحكمُ فيها على حسب حال المرأة وبعض الأمور لا تُعلم في بعض الأحوال إلا من جهتها لأنها تتعلق بها، وليس خافيًا ما ينتاب المرأة من صفاتٍ ليست للرجال فاقتضى ذلك منها الاهتمام لدراسة ما يعنيها من نحو مسائل الحيض والنفاس والاستحاضة والسفر وعدة الوفاة والطلاق والإحداد وغير ذلك مما يختصُّ بهن، وليس طلب المرأة لهذه العلوم تخلُّفًا ولا تأخُّرًا وهل يقول عاقلٌ بأن طلب العلم تخلُّفٌ أو تأخر؟! بل هو عملٌ صالحٌ يحبه اللهُ ورسولُه وسيرٌ على خطى نساء السلف الصالحات تعرف به المرأة أحوالها وتستعين بذلك على طاعة ربها فتُصلح من شأنها وتبلغ رضا ربها ولا مانع بعد ذلك أن تفوق كثيرًا من الرجال.

والحمد لله أولًا وآخرا..              

       

 

الوسوم