بيروت | Clouds 28.7 c

صيف بغداد الساخن.. وخريف طهران الأسخن: / بقلم محمد خليفة

 

صيف بغداد الساخن.. وخريف طهران الأسخن: / بقلم محمد خليفة

 

*ايران تسببت بإشعال الانتفاضة فأحرقت أصابعها !

*قاسم سليماني أدخل 3000 عنصر من الباسيج للعراق 

*ايران منعت العراق من بناء محطات كهرباء .

*((الحشد)) يقمع العراقيين بأوامر ايرانية والحكومة عاجزة

*ثورة شيعية حقيقية ضد الاحتلال الايراني 

*الثورة وصلت بغداد وهي ضد كل النظام الذي نشأ بعد الغزوين

 

بقلم: محمد خليفة 

 

للاسبوع الثالث على التوالي تستمر الانتفاضة الاحتجاجية في العراق بالتنامي والاتساع عبر المحافظات، وتتحول تدريجياً ((ثورة شعبية)) تهدد النظام السياسي القائم منذ 2003, وتثير مخاوف السلطة, كما ينقل احسان الشمري مستشار حيدر العبادي رئيس حكومة تصريف الاعمال ((إن المخاوف تنتاب المسؤولين الكبار لأن الانتفاضة باتت تهدد مصالح البلاد العليا)).

والمعروف أن الانتفاضة انطلقت عفوياً في البصرة بداية الشهر الحالي تموز/يوليو بسبب انقطاع الكهرباء وشح مياه الشرب وضعف الخدمات, وخصوصاً الصحية, وانتشرت بسرعة عبر كافة مدن ومحافظات الجنوب والوسط: النجف, ذي قار, الديوانية, ميسان, المثنى, ووصلت بغداد يوم الجمعة ((20 تموز- يوليو). وبلغت ذروتها في اتحاد جميع التظاهرات في مدن الجنوب والوسط بقيادة العاصمة يوم الأحد 22  تموز/يوليو, رغم جهود الحكومة الاستباقية الأمنية والسياسية والاعلامية لمحاصرتها في الجنوب ومنع وصولها للعاصمة. وتشير المعلومات  إلى أن المتظاهرين يخططون للاعتصام الطويل في ساحة التحرير في بغداد, على طريقة الاعتصام الذي شهده ميدان التحرير في القاهرة في ثورة 2011.

 وأخذ المراقبون على السلطة إفراطها في استعمال العنف, وأكد مصطفى السعدون رئيس المرصد العراقي لحقوق الانسان في مؤتمر صحافي يوم الاحد الماضي 22 تموز/ يوليو في بغداد, من خلال تدابير قمعية متصاعدة العنف منذ اليوم الأول أهمها:  

*حشد قوات الامن والجيش بكثافة في الشوارع.

*اطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين, مما أدى لمقتل أكثر من عشرين شخصاً - حتى الآن - وجرح أكثر من مائة. 

*اعتقال وخطف مئات المتظاهرين. وقد أفرج عن 336, ولكن المئات ما زالوا معتقلين. وممارسة القمع المنظم, بواسطة قنابل غاز وهراوات وخراطيم مياه. 

*ملاحقة المحتجين وخطفهم من منازلهم من أجهزة السلطة, وتشكيلات سرية مجهولة وغير رسمية، تتبع الاحزاب وقوات الحشد الشعبي.

*دخول آلاف العناصر من قوات الباسيج الايرانية للمشاركة في قمع المحتجين واخماد الانتفاضة. 

*قطع ((الانترنت)) الذي أدى لفرض تعتيم كامل على ما ترتكبه الاجهزة الامنية, وأعاق اتصالات الناشطين, واطلاع الرأي العام على قمع السلطة.

*منع الصحافة ووسائل الاعلام من تغطية التظاهرات.  

* تشويه صورة المنتفضين واتهامهم بالتآمر وتنفيذ أجندة لـ((حزب البعث)) ودول أجنبية.

ويؤكد الناشطون أنه لولا هذه الاجراءات القمعية لاتسعت الانتفاضة أكثر, ولكن وصولها الى بغداد يوم الجمعة والاحد الماضيين دليل على قوتها وتجذرها واستمرارها.

 ومن الملاحظ أن الانتفاضة وجدت تأييداً واسعاً من كافة الاوساط والتيارات الشعبية, والمكونات الطائفية حتى في المناطق التي لم تشهد تظاهرات, كالانبار حيث العشائر السنية, والشمال الكردي. وأصدر مجلس شيوخ عشائر الانبار بياناً وقعه أربعون منهم أعلن التضامن مع الانتفاضة, ودعا لاستمرارها حتى تستجيب السلطة لمطالبها. وكشف البيان من ناحية أخرى لعبة من ألاعيب السلطة وهي دفع أبناء المكون السني في الجيش والأمن للجنوب للتصدي للمتظاهرين بهدف اتهامهم بقمع الجماهير الشيعية لصبغ ما يجري بصبغة  طائفية, والاساءة لكلا الطرفين, وابعاد التهمة عن السلطة, وفي مقدمهم حيدر العبادي الذي اتهمه المراقبون بإزدواجية المواقف, إذ أعلن تفهمه للانتفاضة وزعم حمايتها من المندسين, ومن ناحية ثانية أعطى أوامره بإطلاق النار. ولذلك طالبه الناشطون الحقوقيون بإحالة المسؤولين عن القتل والخطف والاعتقال الى القضاء.   

والجدير بالذكر أن الانتفاضة انفجرت لأسباب إجتماعية ومعيشية, ثم أخذت منحى سياسياً, بتوجيه الاتهامات الى ايران والأحزاب والقوى العراقية الموالية لها بالمسؤولية عن الهيمنة على العراق ونهب ثرواته, وتقسيمه طائفياً ونشر الفساد وخلق الازمات عمداً.

 وبذلك غدت الانتفاضة ((ثورة وطنية)) عارمة على النظام السياسي الذي نشأ بعد الغزو المزدوج الاميركي - الايراني عام 2003. وباتت تشكل تحدياً قوياً لمؤسسات النظام, برئاساته الثلاث, وإدارته العليا , وأحزابه ومرجعياته الدينية , ورموزه , وقواه الاقتصادية والمالية . 

وبطبيعة الحال تطرح هذه الانتفاضة أو الثورة أسئلة كثيرة عن جذورها وأسبابها, ومطالب المحتجين, وعن دور ايران في انفجار الشارع, ودورها في قمعها الجماهير لإخماد الثورة التي تستهدف أركان هيمنتها التي أوجدتها طوال خمس عشرة سنة.

  

الجنوب: مرجل الثروة والثورة

 

من المعروف أن جنوب العراق هو خزانه الاقتصادي, إذ يعوم على بحر من البترول يمثل 90% من صادراته  للخارج. إلا أن المفارقة أن الجنوب الغني هو الأكثر فقراً في العراق, مما جعله على الدوام مرجلاً للغضب,  يغلي ويثور دورياً, فيلقي حممه بين فترة وأخرى, فمنه انفجرت ثورة 1920 على الاحتلال الانكليزي, وفيه انفجرت ثورة 1991 التي امتدت بسرعة لغالبية المدن, نتيجة تدخل الأجهزة الايرانية, وجماعاتها العراقية.

 وفي الجنوب درجة عالية من التجانس السكاني القبلي العربي والمذهبي, فغالبية سكانه عشائر عربية شيعية. وفيه تقع المدن ذات الهوية الدينية المهمة, كالنجف ومراقد الأئمة والمراجع. فهو مهد وموطن الشيعة الاول في العالم. وفيه ضريح الامام علي رضي الله عنه, وفيه أقام عاصمته السياسية, وفيه استشهد الامام الحسين عليه السلام, وبرز الائمة الاثنا عشر. 

عانى الجنوب على مر العهود من الفقر المدقع, ولكن ما عاناه بعد 2003 يفوق السابق, بسبب الغياب شبه الكلي للخدمات والتنمية, والرعاية الصحية, والحرمان من الكهرباء الذي تعتمد عليها الحياة المعاصرة. كما يعاني من شح المياه الصالحة للشرب والزراعة. ومن الطبيعي أن تتفاقم المعاناة في شهور الصيف بسبب ارتفاع حرارة الجو, لأكثر من خمسين درجة. ودأبت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 على احتواء الغضب بالكذب على السكان, والتعهد بمعالجة المشاكل المؤثرة, وأن يكون العام الحالي آخر عهود المعاناة. ولكن ما جرى هذا العام هدد بهلاك السكان وهلاك حقولهم وماشيتهم, نتيجة انقطاع المياه والكهرباء معاً. 

وأوضحت دوائر رسمية أن شح المياه تأثر بعاملين خارجيين: 

*قطع تركيا تدفق مياه الفرات في الربيع الماضي لتملأ سد اليسو بالمياه. 

*قطع ايران مياه نهري الزاب الصغير وسيروان اللذين ينبعان من أراضيها ويدخلان العراق من الشمال ثم يصبان في دجلة, قبل أن يلتقي دجلة والفرات في شط العرب في الجنوب. 

هذا القطع المزدوج سبب نقصاً فادحاً في مياه الفرات ودجلة, بلغ في الفرات وحده أكثر من 60% من مستواه الطبيعي. وصار العراقيون في بعض المناطق يقطعون النهر سيراً على الأقدام بسبب جفاف مياهه. مما أحدث كارثة بيئية حقيقية انعكست على الزراعة والسكان والحيوانات. وذكر فادي الشمري من قيادة تيار الحكمة أن العراق في العام 2018 وحده خسر نصف مليون فدان بسبب شح المياه فتصحرت بالكامل. ولم تهتم حكومات العراق, وظلت تسوف وتهدىء الناس بالوعود, بينما الغضب يغلي. ويلقي بعض  المحتجين باللائمة على مجلس الحكم المحلي الذي تسيطر عليه الاحزاب الطائفية الفاسدة, والتي لا تهتم إلا بنهب المال والتسابق على مزايا السلطة, دون اكتراث بمعاناة الشعب, حتى تحولت هذه المجالس ((مافيات)) منظمة, حسب وصف احسان الشمري مستشار رئيس الحكومة.     

أما بالنسبة للكهرباء فالعراق - حسب بيانات وزارة الكهرباء في/ آب اغسطس 2017 - ينتج 15,7 ألف ميغاواط من حاجته البالغة 23 الف ميغاواط سنوياً, لذلك سعى عام 2005 لبناء محطات انتاج الطاقة, ولكن ايران التي تحتاج للمال بسبب العقوبات عليها أمرت جماعاتها بشراء الكهرباء منها بدل انتاجه. وأبرمت اتفاقاً لتزويد العراق بـ 1500 - 2000 ميغاواط سنوياً. ولكنها استعملته وسيلة ضغط وابتزاز سياسي, فتقطع الكهرباء بدون سبب, كلما حدث خلاف سياسي. وقد فعلت ذلك عدة مرات, كان آخرها صيف عام 2016، وسبب انفجاراً شعبياً, ثم تكرر في حزيران/ يونيو الماضي بحجة أن العراق تأخر بتسديد ثمن الكهرباء. ولكن المختصين أكدوا أن السبب سياسي يتعلق بنتائج الانتخابات, وفوز جماعات غير موالية, وفشل طهران في إقناعهم بإعادة انتاج حكومة موالية لها, من حزب الدعوة والحشد الشعبي. وكشف تقرير أعدته قناة ((سكاي نيوز)) العربية بعنوان ((كهرباء ايران.. سيف مسلط على رقاب العراقيين)) أن وزير الكهرباء العراقي زار طهران وحاول معالجة المشكلة مع وزير الطاقة الايراني رضا أردكانيان, ولكن هذا رفض إعادة التيار متذرعاً بحاجة ايران لمزيد من كهربائه, بينما هي تنتج فائضاً كبيراً من الكهرباء!

وتوضح الدوائر الرسمية أن العراق دفع لإيران خلال 12  سنة حوالى 43 مليار دولار ثمناً للكهرباء, وهذا المبلغ الكبير يكفي لبناء محطات تسد حاجة البلاد بمستوى المانيا وأميركا, ولذلك عرقلت مساعي العراقيين لبناء محطات حديثة عدة مرات.

 

العراق بين انتفاضتين:

 

يقول محللون عراقيون إن ايران خططت لإثارة الشارع العراقي بقطع الكهرباء في ذروة الحر للضغط على البرلمان والحكومة الجديدين, ولكنها لم تتوقع أن يتطور غضب الشارع لثورة عارمة عليها وعلى جماعاتها. وقال بعضهم إن الانتفاضة انفجرت بسبب تراكم الأزمات من الكهرباء والماء الى البطالة والفقر وقلة الخدمات وتفشي الفساد, ولكنهم رفضوا مقولة أن الانتفاضة بدأت معيشية ثم تحولت سياسية بفعل مندسين موالين لنظام صدام, ورأوا فيها إهانة للناس, لأن الانتفاضة  منذ البداية كانت وطنية شاملة, استهدفت ايران والاحزاب والجماعات الموالية لها, والنظام الذي أوجدته خلال خمس عشرة سنة, لأن الجماهير تعلم أن ايران عاثت فساداً في العراق, وخصوصاً في جنوبه, حيث سرقت الماء والنفط والارض والأموال, وحولت العراق سوقاً لبضائعها ومستعمرة لها, وهي لم تبن مصنعاً أو منشأة فيه. وما زال اتباعها في العراق يفضلون مصالحها على مصالح شعبهم, وهم يستعدون مع حكام طهران لتحويل بلادهم متنفساً لإيران في مواجهتها القادمة مع الولايات المتحدة, وخصوصاً عندما تطبق العقوبات.

 ولذلك توجه المتظاهرون فوراً الى شارع الخميني في البصرة وأحرقوا صور خميني وخامنئي وهاجموا مقار أحد عشر حزباً في ثلاث مدن, ورفعوا شعار (ا(لعراق ليس ولاية ايرانية)) وشعار ((الشعب يريد إسقاط الاحزاب)). وأجرى  مثقف شيعي جنوبي يدعى علاء كرم الله مقارنة بين انتفاضة 1991 وانتفاضة 2018 فقال إن الأولى كانت طائفية حركتها أيادٍ ايران, ولم يكن في الجنوب فقر وعطش وبطالة, ورفعت شعار ((ماكو ولي إلا علي)) و ((نريد حاكم جعفري)) بتحريض الجماعات الموالية لملالي قم. أما الانتفاضة الحالية فهي وطنية معادية لإيران. ورأت أن شيعة العراق لمسوا مخططات إيران التخريبية, وتكون لديهم وعي جديد بالهوية الوطنية,  ووعي بتوجهات ايران العدائية, ولذلك هتفوا ((لا جعفري ولا حكيم.. رجعولنا واوينا القديم))! أي لا نريد هؤلاء القادة الطائفيين, نريد العودة الى عهد صدام!

وتابع الكاتب قائلاً: هذا الشعار كالشعار القديم ((ليت جور بني مروان عاد لنا، وليت عدل بني العباس في النار))!. 

الانتفاضة إذن ليست مطلبية من أجل الخبز والماء والكهرباء, مع أهمية هذه العناصر, ولكنها أعمق وأبعد, هي ثورة وطنية بامتياز تعكس نضجاً ووعياً جديداً منـزهاً عن الطائفية التي سعت ايران لتعميقها وتكريسها في المجتمع العراقي, لتجعل الشيعة جنداً لها ومطية لأهدافها في العراق وبقية البلدان العربية. وهناك في الصحف والمواقع العراقية حالياً تيار من المقالات تعكس عودة الوعي الشيعي الوطني الرافض للتبعية لايران, ويعبر عن الاعتزاز بالهوية العراقية, وبالمرجعية العربية للشيعة, ويطالب شيعة إيران بإتباع المراجع العراقيين العرب بدل العكس! 

تكمن قوة الانتفاضة في عاملين, سلميتها واعتمادها أساساً على جيل جديد من الشباب, غالبيته في سن العشرين. ويرى الكاتب السابق أن أكبر المفارقات في الثورتين, أن ثوار اليوم ثاروا على قادة ما سمي بالانتفاضة الشعبانية 1991الذين حكموا العراق بعد الغزو, وظهر فسادهم وولاؤهم الأعمى لإيران على حساب مصالح شعبهم وحساب الانتماء العربي. 

والجدير بالملاحظة أن هتافات المحتجين ذكرت أسماء قادتهم الموالين لايران بلا استثناء المالكي والعبادي والحكيم والجعفري, وكذلك مقتدى الصدر, وقادة الحشد. وكما كان هؤلاء يسخرون من البعثيين بتسميتهم بالقومجية, أطلق المحتجون الآن على جميع هؤلاء القادة ((الدعوجية)) نسبة لحزب الدعوة الذي يعتبر أكثر القوى موالاة لايران, والذي أمسك بالسلطة معظم المرحلة بعد 2003, والأكثر ضلوعاً في الفساد والاستبداد والاقصاء, وفتح البلاد للايرانيين والأميركان, وتكريس نظام المحاصصة.

ومن البداية حدد المحتجون مطالبهم بما يلي: 

1- مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين بحزم وعلناً.

2 - تأمين مياه الشرب والري فوراً.

3 - توفير الطاقة بواسطة شركات حكومية لا خاصة ولا أجنبية.

4 - تنمية الجنوب وتوفير فرص عمل, وتخصيص نسبة محددة من موارد النفط لتنمية الجنوب.

5 - العناية بالقطاع الصحي بشكل خاص والنقل والبلديات والخدمات.

6 - حل مجالس المحافظات الجنوبية ومحاسبة المسؤولين على نهبهم للمال العام.

7 - انهاء نظام المحاصصة الطائفية في العراق واعتماد معيار الوطنية والكفاءة في مؤسسات الدولة.     

8 - الافراج عن المعتقلين بتهم كيدية.

9 - تحميل مسؤولية ما آلت اليه البلاد للمؤسسات الثلاث العليا الرئاسة والبرلمان والحكومة. والتحقيق في سلوك الحكومات السابقة واعدام المتورطين في الفساد واعتبارهم متضامنين في ما جرى.

10 - اتهام البرلمان بالعجز عن القيام بواجبه الرقابي , وعدم جدوى الانتخابات لغياب النزاهة .

هذه المطالب وحدت الشارع العراقي وغذت الاحتجاجات ووسعتها, وتنذر بتوسعها أكثر للغرب. ولكنها في المقابل وحدت جماعات السلطة كافة, فتضامنت ضدها:

 - فممثل المرجع الشيعي علي السيستاني احمد الصافي في خطبة الجمعة الثانية تحاشى قول كلمة واحدة مع أو ضد الانتفاضة !.

- ومقتدى الصدر الذي كان يستعجل تأليف الحكومة طالب بوقف المشاورات حتى تلبي حكومة العبادي مطالب الشارع.

- ورئيس الجمهورية دعا لاجتماع موسع لرؤساء الكتل المشاركة في السلطة, صدر عنه بيان مائع يطلب التهدئة ويعد بحل المشاكل, دون أن يتعهد بشيء, وخصوصاً محاسبة المسؤولين عن جرائم القتل والاعتقال خارج القانون، وعن الفساد, مما أعطى رسالة سلبية مفادها أن النظام يواصل سياسة التهرب, ولن يستجيب لمطالب الشارع, مما دعا أهل بغداد للانضمام للثورة. ولاحظ المراقبون أن العبادي تفوق على الآخرين بالكذب. فبينما تعهد بحماية المتظاهرين, أعطى أوامره للأمن بإطلاق الرصاص, ووعد قوات الحشد, بأن يمنع تمدد الاحتجاجات للمدن الأخرى.

 

التدخل الايراني العسكري:

 

النظام الايراني الذي تميد الأرض تحت أقدامه في الداخل وفي الدول التي تمدد فيها لا يحتمل زلزالاً كالانتفاضة العراقية وهو الذي تعامل مع العراق كمزرعة نفوذ آمنة, وموقع استراتيجي في توسعه الاقليمي. فتصرف بسرعة بعد انفجار الغضب فأمر قوات الحشد بالتصدي للمتظاهرين, ثم أرسل قوات ((الباسيج)) التي تخصصت بقمع المدنيين في إيران وسورية.

بداية أمرت ايران قوات الحشد بقمع المحتجين, فاندست بين المحتجين وارتدت ملابس مدنية وتلثمت. وأكدت مصادر الشرطة أن الحشد اعتقل وخطف مئات المتظاهرين, واستعمل السلاح لردعهم , تحت نظر الشرطة والجيش. وقال ناشطون أن الحشد اعتقل مئات المحتجين ونقلهم الى معتقلات سرية قرب الموصل.

وذكر موقع ((صوت العراق)) أن الاستخبارات حذرت العبادي من هذا السلوك, فاجتمع بنائب رئيس هيئة الحشد أبو مهدي المهندس وطالبه بالتوقف, ولكن المهندس نقل له قلق الحشد وايران من تناميها على ((الجميع)), فتعهد العبادي باستخدام القوة لحصرها في الجنوب ومنع وصولها للعاصمة, وأمر الجيش والامن بالتصدي للمتظاهرين.

وتؤكد هذه المعلومات أن قوات الحشد لا تخضع للحكومة مباشرة, وأن ايران هي التي تحركها.

وبعد انضمام بغداد للانتفاضة يوم الجمعة 22 تموز/ يوليو استنتجت جماعات ايران أن الحكومة عاجزة عن التصدي للانتفاضة, ولذلك بدأت ايران بالتدخل العسكري. وكشف ((صوت العراق)) نقلاً عن مراسل لموقع قريش في تقرير نشر يوم السبت الماضي جاء فيه:

 ((فيما تأكد لمراسل قريش في البصرة اليوم، عبور ما يقرب من ثلاثة آلاف عنصر مسلح من قوات ((الباسيج)) عبر معبر الشلامجة الحدودي، وتمركزوا في ضواحي البصرة والمعسكرات القديمة للجيش العراقي السابق. وبحسب مصادر في ايران فإنّ اللواء غلام حسين غيب برور مسؤول الباسيج اجتمع مرات مع قاسم سليماني قائد فيلق القدس، بعد اندلاع انتفاضة جنوب العراق، وجرى الاتفاق بينهما على ارسال قوات ((الباسيج)) الايرانية. وذكرت مصادر عراقية في الشرطة المحلية طلبت عدم الاشارة لاسمها أن قوات ((الباسيج)) ترتدي ملابس ((قوات سوات)) العراقية, وقسم منها اتجه لمدن السماوة والناصرية والديوانية. وبحسب المصدر فعناصر ((الباسيج)) المتدفقة الى البصرة ذات خبرة مكتسبة من تجارب التصدي والقمع للاضطرابات التي صاحبت الانتخابات العراقية).

ويرى محللون أن ايران بدأت تخسر العراق الذي كانت تظنه أضمن مواقع نفوذها بسبب ولاء غالبيته الشيعية لها, ولكن الانتفاضة التي أشعلتها بنفسها أظهرت تحولاً جذرياً في اتجاهات الرأي العام الشيعي العراقي وتحوله ثورة وطنية تقتلع نفوذها فيه, وتقضي على النظام الذي أقامته ورهنته لارادتها، وأنشأت جيوشاً لها فيه لحماية مصالحها, والتدخل في الدول العربية, وخصوصاً سورية حيث يقاتل ((الباسيج)) والحشد معاً ضد الشعب السوري, لتثبيت الاسد الموالي لطهران.

 وخطورة ما يجري الآن في العراق أنه يهدد ((الهلال الشيعي)) برمته , لا سيما أنه يتزامن مع الانتفاضات المتلاحقة داخل ايران, ومع هزائمها العسكرية والسياسية في سورية وأصبحت تهدد مشاريع سيطرتها الدائمة. ويتزامن مع هزائم مشابهة في اليمن, وحالة انكفاء لحزب الله في لبنان, ومع تصاعد التهديدات الاميركية والاسرائيلية لإيران نفسها. 

إيران مهددة بخسارة كل ما حققته خلال ثلاثة عقود!.

      

 

الوسوم