بيروت | Clouds 28.7 c

كتاب فؤاد مطر الجديد ((عسكر سورية.. وأحزابها))/ بقلم محمد خليفة

كتاب فؤاد مطر الجديد ((عسكر سورية.. وأحزابها))

بقلم محمد خليفة

مجلة الشراع 13 آذار 2020 العدد 1942

 

  • *هكذا بدأ تأسيس الاستبداد والفساد وصراع المحاور على سورية
  • *يوثق الانقلابات العسكرية الأولى في سورية والوطن العربي والمنطقة
  • *النخب المدنية ليست بريئة من تأسيس الاستبداد

تكرم الزميل الكبير فؤاد مطر وأهداني مجموعة من مؤلفاته القيمة, فبدأت أولاً بقراءة أحدثها, كتابه ((عسكر سورية.. وأحزابها)) الصادر في ت1/ اكتوبر 2019 الماضي عن ((الدار العربية للعلوم - ناشرون)) بالتعاون مع ((دار الناشر العربي الدولي / غلوبال) .

الكتاب ممتع لأنه مكتوب بلغة صحافية سلسة وصافية, لا تعقيد ولا ركاكة فيها, تميز دائماً أسلوب المؤلف الكاتب المتمرس فؤاد مطر.

 والكتاب توثيقي, يعتمد على مصادر لا يرقى الشك الى نزاهتها, بما فيها وثائق الدولة اللبنانية, وأرشيف الرئيس بشارة الخوري, ومذكرات خالد العظم رئيس الوزراء في عهد الرئيس شكري القوتللي بعد الاستقلال مباشرة, ويباركها الزميل رياض نجيب الريس نجل الصحافي نجيب ناشر صحيفة ((القبس)), وأحد رواد الصحافة السورية في عصرها الذهبي. وهو بذلك كتاب يضم مادة علمية لا محيد للمؤرخين عنها, فضلاً عن الباحثين الذين سيتناولون تاريخ سورية في بواكير الاستقلال.

 وهي كما نعلم مرحلة ذات أهمية فائقة جداً, لأنها أسست للأسف نهجاً سيعمر طويلاً, وتركت آثارها على ما تلاها من أنظمة ومراحل متعاقبة مستمرة لليوم, وربما تستمر لمراحل قادمة, إن لم تنجح ثورة 2011 الشعبية المتواصلة في اجتثاث واجتزاز جذور وبذور هيمنة العسكر الشاملة على سورية, ووضع حد لهيمنتها على منظوماتها ومؤسساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تضخمت وتورمت بمرور الزمن, وبسبب وحشية حافظ الأسد وعائلته وجنرالات طائفته, فأوصلتها الى أن تكون نموذجاً صارخاً لـ((الدولة المتوحشة)) كما سماها ميشيل سورا.

يوثق الكتاب لأول انقلاب عسكري في تاريخ سورية والوطن العربي، دبره ونفذه الزعيم حسني الزعيم في 30/ 3/ 1949. ولكن الانقلاب سقط بعد 127 يوماً بانقلاب مضاد قاده اللواء سامي الحناوي يوم 14 آب/ اغسطس 1949, بدأ يإعدام  الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي ولكنه لم يستمر سوى 128 يوماً, وانتهى يوم 20 ك1 / ديسمبر من العام ذاته بانقلاب ثالث دبره ونفذه العقيد أديب الشيشكلي.  

هذه الانقلابات الثلاثة دشنت عصر الانظمة العسكرية, وكرست الاستبداد, وداست على براعم التجارب الديموقراطية, وساقت سورية والمنطقة الى عهود متتالية من الاضطرابات, والصراعات الدموية بين النخب المدنية والنخب العسكرية للسيطرة على الحكم والسلطة. إذ بعدها بقليل وقع انقلاب 23 تموز/ يوليو 1952 في مصر ((الذي تحول ثورة تقدمية شعبية)), ثم انقلابات العراق ((الثورية)) 1958, و1963 و 1968, وانقلاب اليمن 1962, وانقلابات السودان 1964 و1969, و1989, وانقلاب الجزائر,1965, وانقلاب ليبيا الثوري أيضاً 1969, وكادت أن تمتد الى لبنان بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي خطط لها انطون سعادة زعيم الحزب القومي السوري وانتهت بإعدامه بعد أن سلمه عسكر سورية. ثم امتدت الانقلابات الى ايران وتركيا واليونان وقبرص.

لقد أصبحت الانقلابات السورية (غواية) متأصلة حسب تعبير فؤاد مطر ,تغري كثيرين من الضباط المغامرين والطامحين للسلطة .  

يوثق الكتاب أيضاً لإنقسام الدول العربية بشكل مبكر لمحورين متصارعين, محور مصري - سعودي, ومحور هاشمي أردني - عراقي يسعى لإقامة الهلال الخصيب, وكان الاثنان يتنافسان على جذب سورية ولبنان لكل منهما.

كما يوثق لبدايات الفساد المالي في مؤسسات السلطة, وخصوصاً الجيش. ويبدو أن انقلاب حسني الزعيم جاء خوفاً من محاسبته على فضيحة فساد كشفها الرئيسان القوتلي والعظم في مشتريات مواد الغذاء والأسلحة. وعندما انقلب الحناوي على الزعيم كانت تهمته الرئيسية  فساده المالي, وتوزيع المناصب على أقربائه وأصدقائه. ويشير الكتاب الى ضلوع الدول الأجنبية والاقليمية أحياناً في تدبير الانقلابات العسكرية أحياناً لأغراض نفعية وفساد مالي, أو لولاءات ((حنظلية)) كما ينعتها المؤلف.

ومن ناحية أخرى يقدم الكتاب إشارات محدودة ((ليتها اتسعت وتعمقت)) عن مساوىء وعيوب التجربة الديموقراطية السورية, وحكم النخب المدنية التي جرى ((أسطرتها)) لاحقاً وإحاطتها بهالات من المثالية, حتى باتت لا تذكر إلا مقرونة بالحنين كرد فعل جاهز على طغيان العهود العسكرية بعد انقلاب البعث 1963, بينما كانت تلك الشخصيات بالمنظور الواقعي أقل من ذلك كثيراً. إذ كشف خالد العظم جانباً مستوراً من مناقب الرئيس شكرى القوتللي الذي يعتبر أباً للاستقلال السوري, وأباً للديموقراطية , فهو كما قال عنه صديقه العظم يميل للتسلط أيضاً, ويسعى بشكل منهجي للتخلص من كل وزير أو مسؤول يخالفه الرأي أو ينتقده, ما يعني أن ثقافة الاستبداد والتسلط كانت مشتركة بين النخب المدنية والعسكرية كافة. ولذلك لا بد من مراجعة تاريخنا الحديث والمعاصر, وتأصيل الاستبداد بمنهجية علمية ونظرة أكثر موضوعية وانصافاً. وأتفق مع الزميل رياض نجيب الريس في قوله إن تلك المرحلة من تاريخ سورية لم تدرس كما يجب وبالقدر المطلوب, ولذلك فهي مهمة ما تزال تتحدى الباحثين, ومسؤولية علمية ملقاة على عاتق السوريين, ولا شك أن الزميل الكبير فؤاد مطر يشجعنا مشكوراً على القيام بها, ويبدأ الخطوة الأولى بكتابه المهم الجدير بالمطالعة.

 

الوسوم