بيروت | Clouds 28.7 c

قضاة على طريق القداسة اللبنانية/ بقلم الشيخ محمد علي الحاج العاملي

قضاة على طريق القداسة اللبنانية

بقلم الشيخ محمد علي الحاج العاملي

مجلة الشراع 6 اذار 2020 العدد 1941
 

لطالما نحاول إصلاح الفساد في مؤسسات الدولة من الزاوية الخطأ، فأسهل شيء تحميل كامل المسؤولية للسلطة السياسية، وأسهل من ذلك توجيه الاتهامات للأحزاب التي شاركت في الحرب الأهلية،  ولا ما يزعج إذا ما اعتبرنا أن كل الساسة الذين تعاقبوا على السلطتين التنفيذية والتشريعية هم الذين يتحملون مسؤولية خلل النظام وفساده!
لكن إذا أردنا أن نقارب الأمور بشكل موضوعي، فلا مناص من البدء بالبحث عن دور القضاء، وطرق عمله بشفافية وعدالة ومناقبية، هو المدخل الرئيسي لإصلاح بنية النظام.. بعيداً عن الانتقاد وتحميل المسؤوليات، في خطابات سياسية، وكثيراً ما تكون للتشفي أو تندرج ضمن التنافس السياسي.. أو تستغل في هذا الإطار.
مشكلتنا الجوهرية في لبنان عدم وجود قضاء فاعل، يقوم بدوره في محاسبة مرتكبي الجرائم الكبرى،  بل إنه يتلهى بصغار المجرمين، وصغار اللصوص، وأما كبار القتلة والمجرمين فهم في مراكز السلطة!
ومدخل التغيير المنشود من بوابة القضاء العادل، الذي يعطي الحقوق لأصحابها، ما يهيىء الأرضية لانتاج طبقة سياسية تحت سقف القانون، طبقة ملتزمة بقضايا الشعب والوطن، إذ ذاك يمكن ان تبدأ الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل لإصلاح الدولة ومؤسساتها.
وللإنصاف فإن في السلطة القضائية اللبنانية ثلة من القضاة الذين يعطون الأمل بمستقبل واعد، على الرغم من وجود قضاة يؤدون دوراً سلبياً نتيجة ارتباطهم بالقوى السياسية وانصياعهم الكامل لهذه القوى.
وكي لا نبقى نتحدث بالعموميات، وتشجيعاً للقضاة الذين يتحلون بالمناقبية الرفيعة، ولأننا نريد بلورة السلطة القضائية التي تستحق أن تتصدر الجسم القضائي، وأن تكون القدوة لمن سيتقلد منصب القضاء لاحقاً، ولأن الثورة الشعبية اللبنانية الهادفة للإصلاح يجب أن تعتمد على جملة قضاة نزيهين وأصحاب ضمائر حية، لكل ذلك نسمي بعض القضاة النزيهين والمعروفين بالاستقامة، والذين خبرناهم وكانوا على قدر كبير من الرصانة والإحترام، ومنهم:
القاضي جون القزي الذي أخذ قرارات جريئة، وقد كلفته تهميشه في الجسم القضائي..  وهو فضّل ان يطبق قناعاته، ويقوم بواجباته المهنية والاخلاقية على ان يتعامل بشكل حَرْفي من دون دراسة الظروف والأبعاد الإنسانية لكل قضية.
والقاضي محمد سامي عبد الله، ابن بيت عريق في القضاء، قريب من الناس، ويستمع لشؤونهم، ناهيك عن كونه أستاذاً جامعياً، ولديه أبحاث ودراسات منشورة. وكان والده من عمالقة القانون أيضاً.
وأما القاضي الياس مخيبر فإنه يمارس مهام القضاء بكل شفافية وعلم ومصداقية، لا ينصاع لأحد، يقوم بدوره على أكمل وجه، وهو سليل أسرة قانونية، يشكل وجوده في القضاء إضافة وقيمة.
كما أن القاضي جوزف موسى التامر هو شخص واعد، صادق شفاف ورزين، يؤمل منه خيراً، وصاحب كفاءة قانونية مميزة، متابع للمستجدات، ولديه رؤية وطنية مدنية حقوقية لافتة. يمثل نموذجاً للقاضي الذي يطمح به ثوار لبنان وأحراره.
في حين أن القاضية نازك الخطيب تتعاطى بجرأة وحزم في مجال إعطاء الحقوق، وهي تتابع قضايا أسرية ونسوية، مضافاً لكونها صاحبة شخصية قوية، وقد أخذت جملة قرارات ذات أهمية تنم عن شجاعة ورؤية.
كذلك فإن القاضي ربيع الحسامي يتمتع بذهنية وقادة، أهم ما فيه أنه يستمع للناس، وهذه ميزة بغاية الأهمية في القضاة. فحق المتخاصمين توضيح الحيثيات، التي متى ما اتضحت فقد اقترب القاضي من فهم الحقيقة وإدراكها.
والقاضي فؤاد حليم مراد، يتميز بإنسانيته واحترامه للناس، واستيعابه  لأزمات المواطنين، يسعى لإحقاق الحق، ومنع الظلم، جدير بموقعه.
وأما القاضي نورالدين صادق، فهو يعمل بضمير، وبطريقة علمية أكاديمية، ولا يخضع لأي ضغط سياسي، وهمه الحكم بالعدل بين الناس.
القاضي حمزة شرف الدين عانى نتيجة جرأته، حتى أحيل للتفتيش كونه تحدى الضغوطات السياسية، ولم يثبت عليه شيء، متواضع، يستمع للمتخاصمين، جريء، نشط على المستوى القضائي بغية تطوير مهامه.
هذه عينة من القضاة النزيهين، الذين لم يتلوثوا بالرشى، ويتحلون بأخلاق عالية ومناقبية رفيعة، يؤمل أن يزداد عددهم، كي نتمكن من النهوض بالوطن، من بوابة القضاء العادل.
وطبعاً ان أساس فساد السلطة القضائية يعود لأداء السلطة السياسية لكون القضاء ما زال بيد السلطة السياسية، وهنا تبرز أهمية المطالبة بالفصل التام بين السلطات، فلن يتمكن القضاء من أداء دور وازن في العملية الإصلاحية طالما أنه بيد السياسيين، أو طالما بقي للساسة طريق على القضاة، ولذا نجد أن من يتمكن من الوصول للقضاء يكون مدعوماً من جهات نافذة!
وان كان هناك استثناءات، لكنها تبقى محدودة التأثير، فمثلاً في الوقت الذي كان القاضي سعيد ميرزا مدعي عام التمييز في لبنان فقد رسبت ابنته في امتحانات القضاء! وهو ما يسجل للقاضي ميرزا الذي كان يتحلى بالذكاء والمتابعة والحضور، ولكن يبقى حالة نادرة، فتدخل أصحاب المواقع والنفوذ لتعيين أبنائهم وأقاربهم والمحسوبين عليهم في السلك القضائي هو حالة عامة.
واليوم، مع ثورة لبنان الواعدة، كل رهاننا على تصدي القضاة لواجباتهم، مع تقديرنا لخطورة الموقف، ولكن مع مرور بعض الوقت ستتكشف الكثير من الحقائق، وستتناسل أزمات الطبقة الحاكمة، وهنا المأمول من هذه الثلة من القضاة الشرفاء القيام بدورهم الوطني التاريخي.
وليعلم الجميع، بأن انتخاب الدكتور ملحم خلف نقيباً للمحامين، من بين صفوف الثوار، والذي كان وما زال ينادي بضرورة فصل السلطة القضائية عن السلطة السياسية، هو بارقة أمل، كما ينم عن طبيعة المستقبل القريب الذي سيشهده لبنان - الأمل، القادم.

بقلم محمد علي الحاج العاملي

الوسوم