بيروت | Clouds 28.7 c

المواطن اللبناني مقيم مغترب في آن/ الدكتورة سلوى شكري كرم

المواطن اللبناني مقيم مغترب في آن

الدكتورة سلوى شكري كرم

دكتوراه دولة في علم الاجتماع

مجلة الشراع 21 شباط 2020 العدد 1939

 

يمر بلدنا، في الآونة الاخيرة، بأوضاع جداً صعبة، وأكثر، مأساوية. واذ أردنا أن نتعمق أكثر في الوضع الداخلي اللبناني، وما الذي تسبب في الكارثية التي وصل اليها مختلف قطاعات ومقومات الوطن، نجد أن للأزمة الحالية تراكمات وأسباباً عدة، أول تلك الأسباب هو اقحام لبنان في سياسات الشرق والغرب، في آن، ولما لذلك الاقحام من تداعيات ونتائج، وخيمة، قد لا ندرك خطورتها إلا بعد أن يكون الوضع قد انفجر، حيث ينهار الهيكل على كل من فيه، وبعدها لا يعود في استطاعتنا فعل أي شيء.

لا يمكن اقحام لبنان في سياسات دول المنطقة، ولا كذلك تلك المتبعة اقليمياً أو دولياً. ذلك لان كل مجتمع وله ميزاته وخصائصه وتاريخه ومكوناته وأيضاً تطلعاته ومستقبله. طبعاً لا يجب أن يفهم من كلامنا هذا أنه يجب قوقعة الداخل اللبناني وجعله في دوامة لا يمكنه الخروج منها، وإلا لحكمنا على وطننا وعلى حياتنا بالعدم والجمود وعدم التقدم. ذلك أنه يجب على المجتمعات أن تتعلم من بعضها البعض،  عبر إدخال العادات الجيدة والمفيدة في عاداتنا وربما طرق عيشنا.

فالمعروف عن دول الغرب بأنها دول متقدمة في بعض عاداتها وبعض طرق عيشها، سواء لناحية النظام الذي فيها، من أصغر الأمور الى أهمها شأناً، الى مختلف الأساليب الحياتية التي تطال شتى ميادين الحياة، من اجتماعية الى تربوية الى اقتصادية الى مالية، الى ما هنالك من أساليب واختراعات جعلت ولا تزال تجعل منها دولاً متقدمة، تسير نحو الافضل عبر تلبية حاجات شعوبها وحقوقهم.

ان ما نعيبه على بعض سياسيينا هو اقحام لبنان في جميع تطلعات سياسات الشرق والغرب، على حد سواء، وما ترمز اليه تلك التطلعات وما تصبو اليه من تحقيق مآرب وأهداف، في بلدنا الغالي الذي لم يعد يحتوي أو يقدر على تنفيذ تلك الأهداف والمطامع، عن طريق جعل الدول تقرر حول أصغر الامور اللبنانية وأقلها شأناً، حتى أن السياسيين اللبنانيين، وبمعنى أصح، الأحزاب التي ينتمي اليها هؤلاء، لم يعد في مقدورها تقرير أو اقرار أي شيء من العودة الى المرجعية الأعلى التي يجب عليهم العودة اليها لمعرفة المنحى أي القرار الذي يجب اتخاذه حول الأمر المطروح.

لا نعيب على بلدنا أن يأخذ من الشرق ومن الغرب ما هو مفيد وجيد لا بل ربما ما يمكن أن يكون ضرورياً، حتى، لكن ما نعيب على بعض سياسيينا هو تمرير المصالح الغريبة وغير اللبنانية، في الدرجة الاولى ودائماً، على حساب المصلحة اللبنانية الصرف، لدرجة أن تلك الاخيرة أمست مهملة يتغاضى عنها بعض سياسيينا، من أجل تنفيذ المآرب والاطماع الاجنبية. صحيح أن لبنان لا يستطيع أن يعيش منعزلاً عن باقي دول العالم، ولكن يجب، فوراً، اذا أمكن ذلك، ورويداً وتدريجياً، اخراج لبنان من الدوامة الاقليمية والدولية التي جعلناه يتخبط فيها، عبر قيام وحدة وتوحيد الصوت والصف والقرار والارادة، منعاً لأي تدخل في الشأن اللبناني البحت، الذي يجب ألا يكون الا لبنانياً، بمعنى أنه يجب أن يكون مراعياً للمصلحة اللبنانية، تاركين للقانون الدولي والمراسيم والقرارات والقوانين ان تحدد وتقرر وترعى مجال تدخل سياسات الدول في سياستنا.

يشعر المواطن اللبناني وكأنه مغترب، حتى في وطنه الأم، وهذا الشعور بالغربة يتفاقم وسيبقى يتفاقم، للأسف، يوماً بعد يوم، اذا ما بقي الوضع على ما هو عليه، وهنا نقصد تصرفات وتطلعات وأهداف بعض رجال السياسة في لبنان، لأن هذا المواطن لا يجد عملاً، في وقت تنافسه عليه العمالة الأجنبية، من مختلف الجنسيات، العربية أو غيرها، ولأن هذا المواطن لا يشعر بأن الدولة اللبنانية تحميه وتقوم بتحصيل حقوقه ضد المعتدين، وعندها يجد نفسه مضطراً الى اللجوء الى الحزب الذي ينتمي اليه وهنا يتدخل رئيس الحزب أو من يكلفه هذا الأخير.

يشعر المواطن اللبناني نفسه غريباً ومغترباً على أرضه لأن كل السلع، وحتى الضرورية منها لاستمرار حياته اليومية، يجد نفسه ملزماً على شرائها بالعملة الأجنبية، وليس بالليرة اللبنانية، وهنا، أيضاً، يجد المواطن اللبناني نفسه متخبطاً بين سعري صرف لليرة اللبنانية مقابل الدولار، وهنا تكمن المهزلة لا بل المأساة التي لا مجال للخروج منها، في بعض الأحيان وفي بعض الظروف.

وفي المقلب الآخر، وربما لحسن الحظ، نجد اللبناني مواطناً بارعاً ناجحاً في بلاد الاغتراب، لأن الدولة التي يقيم على أراضيها قد أمنت له سبل العيش الكريم ومجالات النجاح والابداع كافة. طبعاً لهو أمر مفيد جداً ونافع للأدمغة اللبنانية في بلاد الاغتراب، ولكن في الوقت نفسه، على ما نظن، ونحن في القرن الحادي والعشرين علينا ايجاد السبل والأطر اللازمة لإستقطاب الأدمغة اللبنانية الى وطنها الأم، عبر خلق الأطر القانونية، أولاً، التي تحمي تلك الادمغة، وتحمي كل مواطن لبناني، أمياً كان أو متعلماً، في محاولة، ستكون صعبة في البداية، لاسترداد لبنان لدوره الريادي بين الحضارتين الشرقية والغربية، لبنان بلد التعايش الاسلامي - المسيحي، بلد التلاقي والحوار، كي لا يبقى المواطن اللبناني يجد نفسه مغترباً في بلده وعلى أرضه، في وقت يجد المغترب نفسه مقيماً ومواطناً، شأنه في ذلك شأن أي مواطن، في بلاد الاغتراب.

الدكتورة سلوى شكري كرم

دكتوراه دولة في علم الاجتماع

 

الوسوم