بيروت | Clouds 28.7 c

خليفة سليماني أكثر تشدداً أنشأ مجلساً عالمياً لطرد اميركا من المنطقة / بقلم: محمد خليفة

خليفة سليماني أكثر تشدداً

أنشأ مجلساً عالمياً لطرد اميركا من المنطقة

بقلم / محمد خليفة – مجلة الشراع 31 كانون الثاني 2020 العدد 1936

 

  • *حرب عصابات على نطاق العالم, وخصوصاً في الشرق الأوسط

 

بقلم: محمد خليفة  

الهجوم الذي تعرضت له السفارة الأميركية الأحد الماضي بثلاثة صواريخ كاتيوشا, أصابت المطعم, وتزامن مع وقت العشاء, لم يكن سوى هجوم مبرمج, يندرج في اطار استراتيجية دشنتها ايران قبل أيام في اجتماع على قدر كبير من الأهمية في قم ترأسه قائد الحرس الثوري الجديد اسماعيل قاآني لإخراج القوات الاميركية من الشرق الاوسط, وإعادة رص صفوف القوى والجماعات الموالية والحليفة, وإعادة ترتيب وتكييف ساحات المواجهة مع متطلبات الاستراتيجية الجديدة.

والملاحظ أنه في الايام التي سبقت الهجوم الأخير على السفارة الاميركية في بغداد تعرضت السفارة ذاتها لثلاث هجمات بصواريخ وقعت في محيطها من دون وقوع خسائر بشرية, ما يعكس هشاشة أوضاع العراق الأمنية وعجز حكومته وادارته السياسية. ويستنتج من الهجمات المتتالية منذ اغتيال قاسم سليماني في 3 كانون الثاني/ يناير 2020 الجاري تواتر العمليات وتصاعدها من محيط السفارة الى داخلها, ومن يدري كيف تكون الهجمات القادمة, إذ ربما ستستهدف مكاتب الدبلوماسيين الكبار, وربما تقصف بصواريخ باليستية, لا بالكاتيوشا فقط!

لفهم هذا التطور واحتمالاته المقبلة لا بد من وضعه في سياق الاحداث المتسارعة في العراق والاقليم. فيوم الجمعة السابق شهدت بغداد تظاهرة مليونية بدعوة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عنوانها البارز (( لا لا للوجود الأمريكي في العراق)).

صحيفة ((لوفيغارو)) الفرنسية ومحطة ((بي. بي سي)) البريطانية أوردت كل منهما ان اجتماعاً عقد في مدينة قم لقادة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في عموم المنطقة, ضم مقتدى الصدر وهادي العامري وفالح الفياض وقيس الخزعلي, وممثلين عن فصائل الحشد الشعبي, وعن الحوثيين اليمنيين, وحزبي الله العراقي واللبناني, وآخرين  لم يعلن عن أسمائهم , من فلسطين وأفغانستان ودول أخرى وترأسه الجنرال اسماعيل قاآني واستمر عدة أيام , تركزت أعماله على إعداد استراتيجية جديدة لمقاومة الوجود الاميركي في الشرق الاوسط والعالم.

ويبدو أن الإجتماع يضع إجابة حاسمة عن السؤال الذي تداوله المحللون عن مستوى وطريقة الرد الايراني على اغتيال قاسم سليماني, ويؤكد ان ايران ستحشد جماعاتها في المنطقة لشن حرب عصابات ضد قواعد ومنشآت الولايات المتحدة في الشرق الأوسط كله.

كما يبدو أن اللقاء تعمد توجيه رسالة مزدوجة للولايات المتحدة وللغرب, شقها الاول أن مقتل سليماني لن يحقق آمال الرئيس ترامب بتحقيق الأمن للأميركيين. وشقها الثاني التأكيد أن الجنرال قاآني لن يكون أقل حزماً من سلفه, وهو ما كان قد قاله  بنفسه منذ اللحظة الأولى لتعيين المرشد له, بقيادة الحرس الثوري وملء الفراغ الذي أحدثه رحيل سليماني, إذ قال قاآني ((إن العالم سيشاهد قريباً جثث الأميركيين في كل مكان من الشرق الاوسط)). بل قال خبراء الشأن الايراني إن سليماني كان معتدلاً ولم يكن متطرفاً, وإن القائد الجديد متطرف جداً مقارنة بسلفه, ولذلك اختاره المرشد!

وحسب المعلومات التي وردت في مقال ((لوفيغارو)) فإن اجتماع قم أسفر عن تشكيل ((المجلس العالمي للمقاومة ضد القوات الأميركية)), أي أنه يتبنى سياسة انتقام استراتيجي لقتل سليماني, والرد على تهديدات ترامب بقصف منشآتها الرئيسية إذا تعرض جنوده لأي هجوم من ايران أو جماعاتها في المنطقة. أي أن قول ترامب السابق بأن الرد الايراني انتهى بقصف قاعدتيها في العراق قول غير دقيق , وأن الرد بدأ بذلك الهجوم ولم ينته. ويترجم أيضاً ما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه قبل أسبوعين بأن الرد لن يقتصر على ضربة أو ضربتين, بل سيكون بمثابة ((مسار دائم)) لأطراف وقوى محور المقاومة في المنطقة.

ماذا دار في قم؟

ذكرت مواقع اعلامية عراقية أن اجتماع قم دشن استراتيجية من مستويين:

 الأول يسمى ((المقاومة الناعمة)). والثاني يسمى ((المقاومة العنيفة)). ويتمثل الأول في تعبئة القوى الشعبية للتحرك في الشارع ضد الوجود الأميركي الاجنبي في دول المنطقة والضغط على الحكومات لإخراجه. وإذ ذكرت المواقع أن زعيم التيار الصدري هو قائد المقاومة الناعمة في العراق, وأن التظاهرة التي دعا لها يوم الجمعة الماضية, جاءت كترجمة سريعة لمقررات مجلس المقاومة العالمية , وتوكيد لجدارته بتكليفه بهذه المهمة في العراق. والجدير بالملاحظة أن مقتدى الصدر كان قد أعلن الاسبوع الماضي أيضاً عن إعادة تشكيل ((جيش المهدي)) الذي قام بحله عام 2010 بعد قرار ادارة أوباما بانسحاب قواته من العراق. ولكن قرار إعادة تشكيل جيش المهدي الآن يعني استعداد الصدر لاستئناف القتال ضد الأميركيين في العراق وبقية المنطقة, وهو الذي سبق أن قاتل في سورية لصالح النظام.

وأشارت المعلومات الى أن اجتماع قم شهد مصالحة مقتدى الصدر مع بعض قادة الحشد الشعبي الذين يختلف معهم, كما ذكرت أن قائد حزب الله اللبناني ساهم بدور فعال في تنظيم اللقاء وعقد المصالحات, ويعود له الفضل في اقناع الصدر بحسم تردده بين المحاور والانضمام الى محور المقاومة الذي سيقاتل الوجود الاميركي في المنطقة لإخراجها .

ويلفت الانتباه في التظاهرة المليونية التي دعا لها مقتدى الصدر الجمعة الماضي أنها كانت ضمن خطة دعوة العراقيين للاتحاد ورء شعار لا لا لأميركا, ولكن الخطة فشلت فشلاً ذريعاً لأن الحراك الشعبي رفض الهتاف الذي اختاره الصدريون وهتفوا لا لا إيران بدلاً من لا لا أميركا, مما أغضب الصدر وتياره واستفزهم فانسحبوا من الساحة وسحبوا قواتهم التي كانت تحمي المتظاهرين, وسمحوا لفصائل الحشد وقوات السلطة بإطلاق الرصاص الحي وقنابل المسيلة للدموع بكثافة واحراق الخيام, ولكن رغم ذلك فشلت التظاهرة الصدرية, خصوصاً أن عدد الذين لبوا الدعوة لها لا يزيدون عن عشرات الألوف, بينما كان الذين يلبون دعوته في الماضي يعدون بالملايين. إضافة الى أن المتظاهرين هتفوا ضد مقتدى الصدر بعبارات مسيئة, ووصفوه بالخائن.

 وذكرت مواقع عراقية تفسيراً لإنقلاب الصدر انه موعود بإعطاء رئاسة الحكومة القادمة لأحد أتباعه , إذا شارك في القضاء على الثورة الشعبية. وذهب محللون أن الصدر بنى زعامته السياسية بعد الاحتلال الاميركي على مقاومته العسكرية  للاميركيين, ولا يمكنه الآن الوقوف متفرجاً أو محايداً إزاء أي خطة لشن حرب عصابات ضد الاميركيين في العراق والمنطقة, ولذلك سار في هذا الاتجاه.

 ولكن إذا كانت تظاهرة الجمعة الماضية هي التطبيق العملي السريع لاستراتيجية ((مجلس المقاومة)) الجديد فإن حجمها غير الكبير أرسل اشارة سلبية عن فعالية المجلس المذكور واستراتيجية الرد الايراني المنتظر. ورأى محللون عراقيون أن اجتماع قم لو كان جدياً واستراتيجيته فعالة لما كشفت عنه ايران, ورأوا أنه اجتماع لإظهار بأن ايران قوية, وأنها لن تتراجع عن استراتيجيتها في التصدي للأميركيين حتى طردهم من العراق وبقية المنطقة.

ويجدر لفت الانتباه الى أن التصعيد في الساحة العراقية تواكب وتزامن مع تصعيد مماثل في ثلاث ساحات, الساحة اللبنانية, وغزة , واليمن خلال الأيام القليلة الأخيرة.  

السؤال الآن كيف سترد الولايات المتحدة, وكيف ستتعامل مع التحديات الجديدة التي تريد كسر هيبتها, لا في العراق وحده, وإنما في عموم المنطقة. التحدي ليس لترامب, بل هو للولايات المتحدة, ومن هنا فلا شك أنها سترد بقوة, الأمر الذي يؤشر لمرحلة جديدة من الصراع الكبير. 

 

الوسوم