بيروت | Clouds 28.7 c

بعد مرور ثلاثة اشهر على انطلاقتها: عودة الروح الى ((الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية)) خاص الشراع

بعد مرور ثلاثة اشهر على انطلاقتها: عودة الروح الى ((الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية))

خاص الشراع / مجلة الشراع 17 كانون الثاني 2020 العدد 1934

 

  • *من بغداد الى بيروت وبعد مقتل سليماني: الطائف يتهاوى وفدراليات في المنطقة لتقسيم المقسم؟
  • *حيوية الانتفاضة تسقط رهانات الطبقة السياسية على انكسارها وخمودها
  • *الطبقة السياسية تؤكد عجزها في  معالجة الأزمة وتعود لممارسة السياسات المسببة للأزمة
  • *الثورة السيادية في الأدبيات الايرانية في مواجهة الثورة الملونة في الأدبيات الاميركية
  • *العراق عاد ليؤدي دور المركز الرئيسي للاحداث في المنطقة ومآل الصراع الاميركي - الايراني يحدد مستقبله
  • *مقتل سليماني وانتفاضة 17 تشرين زعزعا الطائف وطبقته السياسية ولبنان امام واقع جديد
  • *الحدث العراقي سيرسم مستقبل ما سيحصل في سورية ولبنان وحتى ليبيا
  • *لبنان يفقد ميزته كبلد النظام الاقتصادي الليبرالي والسؤال الى أي نظام يذهب؟
  • *انتفاضة 17 تشرين غيرت نظرة العالم الى لبنان وزعزعت نظام الطائف

 

خاص – ((الشراع))

دخل لبنان بحسب دبلوماسي غربي في بيروت مرحلة جديدة لا تشبه بأي حال المرحلة التي كان يتموضع فيها منذ توقيع اتفاق الطائف والتي استمرت لغاية نهايات العام الماضي.

ويفصل الدبلوماسي قائلاً: هناك حدثان كبيران حصلا خلال فترة الأسابيع القليلة  الماضية، الأول هو انتفاضة 17 تشرين الاول- أكتوبر والثاني هو مقتل قائد  فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني. وهذان الحدثان نقلا لبنان من مرحلة الى مرحلة.

 فانتفاضة 17 تشرين أدت الى تغير نظرة العالم الى الوضع الداخلي اللبناني، ونهاية فترة الطائف او قوى الطائف السياسية المؤلفة من الاحزاب الستة اللبنانية المعروفة وبداية فترة مخاض لإنتاج مضمون سياسي داخلي للبنان مختلف بالشكل والمضمون عن ذاك الذي كان قائماً منذ بدء نظام الطائف.

ومع مرور نحو ثلاثة أشهر على انطلاق الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية, عادت الروح هذا الاسبوع اليها بعد ان كان راهن أطراف الطبقة السياسية على تعب المنتفضين واحباطهم ووأد تحركاتهم, فإذا بهذه الانتفاضة تعود بزخم أكبر  لترد بوضوح  على حال اللامبالاة واللااهتمام من قبل أطراف الطبقة السياسية بحل الأزمة غير المسبوقة القائمة في البلاد, والتي تعاطت مع أوجاع الناس ومطالبهم بطريقة ان دلت على شيء فإنما تدل على أحد أمرين وهما:

إما العجز عن القيام بأي خطوة جدية من أجل معالجة الازمة والعمل جدياً على الاصلاح ووقف الفساد ومحاسبة المرتكبين.

وإما محاولة التطنيش عما يجري ومحاولة كسب الوقت ليس لحل الأزمة بل للإلتفاف على مطالب الشعب اللبناني والحفاظ على مكاسب السلطة ومغانمها وما نهب منها وما لم ينهب بعد.

((الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية)) تؤكد من جديد حيويتها رغم كل ما تعرضت له من استهداف وها هي اليوم ومن جديد تؤكد انها تمثل النبض الحقيقي والحي للبنانيين سواء الذين نزلوا الى الشارع او الذين يتابعون عن كثب كل ما يجري وهم متضامنون مع ما يحصل ومستاؤون جداً من سلطة او طبقة سياسية ما زالت تتعاطى مع الأمور من منطلق منطق الزبائنية والمحاصصة وتوزيع المكاسب  المشكو منه, وكأنها في وادٍ واللبنانيون في وادٍ آخر.

ورغم ما شاع من أجواء خلال اليومين الماضيين حول قرب تشكيل الحكومة بعد تراجع عدد من الأطراف عن شروط كانوا وضعوها, وهو أمر قد يكون وارداً وقد يكون جزءاً من المناورات التي درجت الطبقة السياسية على اعتمادها, فإنه في الحالتين ثمة فجوة عميقة اليوم بين زعماء لبنان وأحزابه وبين شرائح واسعة من الشعب اللبناني، خصوصاً وان الطبقة السياسية هي التي راكمت الديون على البلاد  ومارست كل أنواع الفساد والهدر وسرقة المال العام الذي يطالب الثوار اليوم باستعادته.

ورغم كل ما يمكن ان ينتج عن الاجواء الجديدة فإن حال الطبقة السياسية اليوم يشبه كما عبر أحد الناشطين في الانتفاضة حال مريض السكري الذي لم يعرف بمشكلته او يتجاهل مرضه رغم هزاله وتعدد المظاهر المرافقة للمرض ومن دون ان يقدم على وقف ما يسبب استفحال هذا المرض او هزال جسده.

كما يشبه حال الطبقة السياسية اليوم, كما يعبر ناشط آخر في الحراك حال انسان مخمور وثمل بشدة ويحاول ان ينهض وقوفاً فلا يستطيع ليس لأنه أسير السكر بل لأنه مثقل للغاية وغير قادر على الحركة بسبب ما اقترفته يداه.

وجاء مشهد عملية تشكيل الحكومة المتعثرة ليزيد الطين بلة, بعد ان عادت حليمة لمعزوفتها القديمة وكأن لا مشكلة في البلاد وضعتها ليس على حافة الانهيار بل في خضمه, من خلال الشروط التي وضعها كل طرف سواء للمشاركة في الحكومة بحصة او اسم من هنا او هناك و((فيتو)) على توزير فلان او علان او من خلال البحث عن جنس الملائكة في اطلاق توصيفات للحكومة, فيما غابت حكومة تصريف الأعمال في سبات عميق أدخلت الدولة ومؤسساتها معها في حالة من الغيبوبة.

وفي موضوع تشكيل الحكومة أصبح الأمر وكأنه حتى استقالة منها، بين طرف يعلن انه لن يشارك مع كل ما في ذلك من تغطية لموقفه التعطيلي او محاولة لرمي الكرة في ملعب الآخرين, وكأنها لعبة صماء مستهلكة لا تشير الا الى أمر واحد وهو انعدام أي حس بالمسؤولية لدى افراد هذه الطبقة السياسية, في مواجهة تصاعد الازمات تباعاً ووصول المعاناة لتطال كل جيوب اللبنانيين من خلال ارتفاع اسعار السلع الرئيسية او انخفاض القوة الشرائية لرواتب العاملين في القطاعين العام والخاص او غياب مواد أساسية طبية وغير طبية فضلاً عن الغاز والمازوت هذا اضافة الى معاناة المودعين لدى المصارف الخ.

والموضوع هنا ليس موضوع عدم قيام حكومة تصريف الأعمال بممارسة مهماتها التي يتستر البعض بها لتبرير فرض شروط على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة رغم أهميته, وليس موضوع الشروط والشروط المضادة التي توضع في عملية تشكيل الحكومة, بل الموضوع هنا هو في سقوط الطبقة السياسية عمليا كمقدمة لسقوطها الكامل, بعد ان تأكد هذا الأمر بشكل جلي وواضح كعين الشمس, من خلال عجزها عن القيام بما هو مطلوب منها ولو في الحد الادنى في ادارة البلاد وانقاذها مما تتخبط فيه وما ينتظرها من اوضاع قد تكون الأوضاع السيئة الحالية اقل سوءاً منها. الا ان ما عبرت وتعبر الانتفاضة عنه من حيويات تعبر عن حيوية الشعب اللبناني بنخبه المميزة وكل قطاعاته، وخصوصاً على صعيد الشباب والمرأة يؤكد ان ارادة الحياة والتطور والاصلاح أقوى من كل الارادات التي لا هم لها الا الحفاظ على سرقاتها ومكاسبها وأدوارها وان كل ما يحصل يؤكد ان ما بعد 17 تشرين الاول - اكتوبر الماضي لن يكون كما كان قبله.

مقتل سليماني وارتداداته

اما مقتل سليماني فهو وضع لبنان ضمن نطاق جغرافيا سياسية استراتيجية جديدة، حيث بات عليه التفاعل ضمن صراع ما صار يعرف بجغرافيا غرب آسيا، وهذا اصطلاح ايراني استراتيجي لمنطقة الشرق الاوسط.

 ففي بدايات هذا القرن كان منظرو الاستراتيجية الاميركية السياسية والعسكرية في المنطقة تحدثوا عن الشرق الاوسط الجديد الخالي من هيمنة النفوذ الايراني، وبالمقابل صاغ الايرانيون نظرية غرب آسيا الخالي من هيمنة النفوذ الاميركي.

وخلال شهر تشرين الاول - أكتوبر الماضي انطلقت في كل من لبنان والعراق انتفاضتان شعبيتان رفعت خلالهما شعارات متشابهة من حيث الشكل والمضمون، ومفادها المطالبة بانتقال هذين البلدين من حكم الاحزاب التي يجمع بينها انها فاسدة ويوجد لطهران بين بعضها نفوذ كبير فيها، وذلك الى حكم ليبرالي يمتاز بدولة المواطنية الوطنية. وفي العراق واجهت الاحزاب العراقية ذات الصِّلة بإيران هذه الانتفاضة بكثير من التشدد ما أدى لسقوط المئات من الضحايا، اما في لبنان فإن انتفاضته راكمت وعياً تغييرياً سياسياً واجتماعياً جديداً لا يزال يعتمل حتى اليوم. 

وفي غمرة ما اعتبره مراقبون انها ثورات ملونة تحدث في لبنان والعراق ضد النفوذ الايراني وتشبه ما حدث في ثورة اوكرانيا ضد النفوذ الروسي، فإن حدث مقتل سليماني على يد واشنطن وبشكل صريح وسافر ومعلن، أدخل الى هذين البلدين معادلة جديدة وازنة مقابل معادلة الانتفاضتين الناشبتين فيهما. وعليه فإن المستقبل القريب سيطرح على هذين البلدين تطورات عدة ستحدد بأي اتجاه ستذهب الأحداث الكبرى فيهما: 

التطور الأول او السؤال الأول هو: هل تنسحب واشنطن من العراق ام تستمر بلاد الرافدين كمساحة مشتركة بين النفوذين الايراني والاميركي وفقاً لما كانت عليه منذ الاجتياح الاميركي للعراق واسقاط نظام صدام حسين، وبالمقابل هل ينسحب لبنان من واقع خضوعه لمعادلة المساحة المشتركة في النفوذ بين ايران واميركا، وذلك لصالح غلبة أحدهما. 

الإجابة عن ذلك في العراق هي رهن ما ستقوم به ايران من فعل انتقامي على مقتل سليماني، حيث كل المؤشرات تقول ان الانتقام الايراني بعد الرد من جهته وسقوط الصواريخ العشرة على قاعدة عين الاسد الاميركية سيتركز على محاولة  تحقيق هدف اخراج الجيش الاميركي ونفوذ واشنطن من العراق، وحينها فإن انتفاضة العراق ستصبح أمام خيارين اثنين: إما الانسحاب من الشارع او ايجاد صيغة تحولها من انتفاضة تطالب بالإصلاح وخروج العراق من العباءة الايرانية الى انتفاضة تطالب بإصلاح زائد خروج العراق من العباءة الاميركية وليس الايرانية . والواقع ان كلاً من الحشد الشعبي وطهران عمدا الى استغلال جنازة المهندس وسليماني في العراق لتأخذ شكل انها أكبر من عملية تشييع، بل هي بداية حراك شعبي وثورة سيادية ضد الوجود الاميركي في العراق، وتوصيف الثورة السيادية هو مصطلح تتبناه الادبيات الايرانية بمواجهة مصطلح الثورة الملونة الذي تتبناه الأدبيات الاميركية. 

التطور الثاني او السؤال الثاني المطروح على لبنان والعراق يتعلق بحسب وصف الدبلوماسي الغربي بنقطة هامة وقوامها ان مركز الاحداث في منطقة المتوسط بعامة والمشرق العربي بضمنها، بات او عاد ليتمركز في العراق. فالحدث العراقي هو الذي سيرسم طبيعة مسار التغيرات داخل دول المنطقة، سواء في سورية او لبنان او حتى في ليبيا الواقعة عند الطرف الاقصى من المتوسط. وعليه فإن ساحة الصراع الكبرى بين ايران واميركا في مرحلة ما بعد اغتيال سليماني ستتمركز في العراق وعليه.

ففي حال ذهب العراق الى محور غير اميركي، بمعنى انه بات سياسياً يدور في فلك ايران واقتصادياً في فلك الصين وجيو – سياسياً ((نفط وغاز)) في الفلك التركي - الروسي، فإن هذا سيعني ان لبنان سيذهب الى الخيار ذاته، وسيعني ايضاً ان نظام الطائف فيه أصبح غير صالح كصيغة حكم للبنان في اطار تموضعه الجيو سياسي والاقتصادي الجديد. اما فيما لو حسمت اميركا خيار فرض ارادتها على الخيار  الجيو- سياسي للعراق، فهذا سيعني ان العراق ذاهب لنوع عميق من الفيدرالية بين مكوناته الثلاثة: السنة والشيعة والأكراد، وحينها فإن سبحة النظام الفيدرالي ستتتالى لتطال لبنان وسورية وحتى ليبيا.

والكلام عن هذا السياق ليس جديداً وهو قائم وان بأشكال مقنعة في أكثر من مكان في دول المنطقة التي شهدت أزمات وحروباً , وكل ذلك يحصل على قاعدة ما كان يتم التحذير منه أي تقسيم المقسم في اتفاقية ((سايكس – بيكو)) السيئة الذكر وتجزئة المجزأ. 

ويلاحظ انه في حال ذهبت المواجهة الحالية الى فرض تطبيقات دخول المنطقة مصطلح غرب آسيا او ذهبت لدخولها تطبيقات مصطلح الشرق الاوسط الجديد، فإن نظام الطائف في لبنان بات يبدو انه بائد او فاقد للمواصفات القادرة على الإجابة عن التطورات الجديدة، وعليه فإن بديله سيتراوح بين ثلاثة احتمالات: اولها وأقله تعديله بشكل نوعي وثانيها استبداله بنظام فيدرالي وثالثها التوجه لنظام سياسي جديد يعكس التسليم بنفوذ المحور السياسي الاقتصادي الايديولوجي في المشرق المكون من ايران والصين وتتناغم معه روسيا وتركيا.  

التطور الثالث يتصل بتغير الوجه الاقتصادي للبنان. وضمن هذه النقطة يشدد الدبلوماسي الغربي على تحول يعتبره في غاية الأهمية حصل في الأسابيع الاخيرة في لبنان، وهو فقدان بلد الأرز ميزته الاقتصادية الليبرالية. وفي هذه النقطة يركز على ثلاث رمزيات انهارت: 

أولها رمزية الثقة الداخلية والعاملة بالقطاع المصرفي اللبناني، علماً ان خصوصية القطاع المصرفي في لبنان هي التي اعطت لبنان ميزته الاقتصادية الليبرالية. وعليه فإن لبنان يفقد هذه الميزة بشكل تدريجي ولكنه سريع، خصوصاً وان الثقة بالنظام الليبرالي في حال سقطت سيكون من الصعب إعادة ترميمها. ولذا فإن لبنان يواجه تغيراً في نظام اقتصاده وليس فقط أزمة نظام اقتصادي لديه. 

ثانيها ليس من السهل تحديد أي نظام اقتصادي سيعتمد لبنان في مرحلة ما بعد خروجه من أزمته، ولذلك اصبح اليوم واضحاً ان طبيعة انعكاسات الصراع بين مصطلحي غرب آسيا والشرق الاوسط الجديد على لبنان، هي التي ستحدد أي لبنان اقتصادي سيولد غداً، هل هو لبنان الناهض من ركام الافلاس كما حال دول أنقذها صندوق النقد الدولي بشروط معيشية واقتصادية ومالية صارمة ام لبنان الملحق بأنشطة جانبية للدول الكبرى الصاعدة كالصين وايران، الخ.. وبالحالتين فإن لبنان الاقتصادي لن يكون هو ذاته، ولن يحتفظ بميزته الجاذبة المعروفة بالليبرالية الاقتصادية.

الوسوم