بيروت | Clouds 28.7 c

السودان: البدء بتصفية النظام البائد/ بقلم: محمد خليفة

السودان: البدء بتصفية النظام البائد/ بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 3 كانون الاول 2019 العدد 1929

 

*تفكيك الدولة العميقة وحظر الحزب السابق والغاء قانون التمكين

*قوى الاسلام السياسي انتعشت وتهدد بالجهاد والنفير!

 

بقلم: محمد خليفة

خطت الثورة السودانية يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي خطوة جديدة وكبيرة في تجربتها الواثقة لتطهير البلاد من مخلفات النظام البائد, ونقلها الى عصر جديد. إذ أصدر المجلس السيادي والحكومة بعد اجتماع استمر 14 ساعة متواصلة قانونين انتظرتهما قوى الثورة والشعب منذ اقرار الوثيقة الدستورية في آب/أغسطس الماضي,  يقضيان بـ((تفكيك نظام الانقاذ))، وقانون ((إزالة التمكين)) الذي كان مطبقاً في عهد البشير المخلوع.

يمثل القانونان خطوة عملية باتجاه القطيعة مع النظام السابق, ويؤسسان للانتقال الفعلي الى عصر جديد يجسد آمال السودانيين الذين ثاروا قبل عام في التحول النهائي الى الديموقراطية بعد تجارب مريرة وخائبة متكررة مع الأنظمة الديكتاتورية ذات الألوان الايديولوجية والسياسية والعبثية المختلفة.

وأوضح وزير العدل نصر الدين عبد الباري أن قانون تفكيك النظام يلغي بصورة مباشرة حزب ((المؤتمر الوطني)) ويؤدي لحجز واسترداد الممتلكات والأموال المملوكة للحزب والواجهات التابعة له، لتؤول لوزارة المالية. وقال إنهما شكلا لجنة تضم 18 عضواً تتولى تنفيذهما, ولها اختصاصات تتمثل في التوصية للجهات الحكومية بحل أي جهاز حكومي أو حزبي ، وأي ((منظمة أو جمعية أو نقابة أو اتحاد مهني أو اتحاد طلابي أو مؤسسة أو مفوضية أو شركة أو شركة قطاع عام او خاص، وأي أذرع حزبية سياسية أو أمنية أو اقتصادية للنظام البائد)). كما أشار الوزير إلى أن هناك صلاحيات أخرى للجنة تفكيك النظام. وأكد أن ((توصياتها ملزمة لجميع الجهات الحكومية)).

وأكد عبدالباري أن القانون سيتيح الكثير من الأموال التي نهبت من الخزينة العامة للدولة لصالح دولة الحزب الموازية ((حزب المؤتمر الوطني الحاكم)).

وبينما تباكى أمين عام الحزب ابراهيم غندور على فقدان الحريات (!) في بلاده بعد سقوط النظام السابق واتهم اليساريين والشيوعيين بالانتقام من الاسلاميين كتب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على صفحته على ((فايس بوك)) ((إن قانون تفكيك النظام البائد وإزالة التمكين ليس قانوناً للانتقام، بل هو من أجل حفظ كرامة الشعب)).

وأصدر الحزب الذي حكم البلاد ثلاثين سنة بالارعاب والقوة بياناً حذر فيه ((من حالة احتقان ستشهدها البلاد حال إنفاذ القانون حل الحزب ومصادرة ممتلكاته)). واتهم القائمين على البلاد ((بالسعي لجر البلاد للاحتراب والفوضى وعدم الإستقرار)) وقال إن صبره على ممارسات الحرية والتغيير ليس ضعفاً منه.

وأصدر ((المجاهدون بالدفاع الشعبي)) بياناً أعنف من سابقه إذ نادوا فيه بالجهاد. وجاء فيه حرفياً ((الآن حصحص الحق وانكشف الوجه الكالح لقوى اليسار التي اجتمعت في تحالف قوى الحرية والتغيير وأنتجت حكومة ستقود البلاد إلى الهاوية بفعل سياساتهم غير المدروسة فعلى شباب السودان الخروج جميعاً لإسقاط هذه الشرذمة وإستعادة مكتسبات الثورة التي ضحى من أجلها رفاقكم. أما المجاهدون فإن الخيل مسروجة وأذن المؤذن بنداء الجهاد فكونوا في وضع الاستعداد وإنتظار التعليمات من قادة وأمراء الكتائب والسرايا فنحن قادة وأمراء المجاهدين أعددنا العدة للمعركة الفاصلة ودك الباطل وهد حصون العملاء, ولنعيد للأمة عزتها وكرامتها ونأتيهم من حيث لا يحتسبون وأن النصر آتٍ بإذن الله)).

وعلمت ((الشراع)) من مصدر سوداني مطلع أن اصدار القانونين لم يكن ضمن أولويات قادة البلاد الجدد, بل كانت الاولوية للخطط الاقتصادية العاجلة لانقاذ البلاد من أزماتها المعقدة, ولكنهم رصدوا تهديدات جدية من قبل خلايا النظام السابق في أجهزة الدولة العميقة السابقة جعلتهم يقفزون الى حل الحزب الحاكم السابق ومنظماته ورموزه الذين ما زالوا يسيطرون على المناصب العليا في كل الوزارات والمؤسسات الحكومية.

وأضاف المصدر إن قوى الثورة والحراك الشعبي هي التي رصدت تحركات خلايا النظام البائد لافشال عملية الانتقال الديموقراطي وحشد القوى للانقلاب , فقامت - قوى الثورة - بتحركات ضاغطة على مجلسي السيادة والحكومة للتصدي للثورة المضادة فأقر المجلسان بارتفاع مستوى التهديدات الأمنية والسياسية  فتقرر تقديم اولوية تصفية النظام السابق وتفكيك الدولة العميقة على الملفات الاقتصادية ووضعها في الدرجة نفسها مع جهود إحلال السلام مع الفصائل المقاتلة, لا سيما أن تفكيك النظام السابق, وحل حزب المؤتمر الوطني سيوفر لخزينة الدولة مليارات الدولارات التي نهبها سابقا لبناء أمبراطوريته الداخلية, وهذه الأموال تسد حاجة البلاد الماسة حالياً للأموال. كما أن عملية تفكيك النظام السابق ستقود حتماً لمحاسبة المسؤولين السابقين وإقصائهم عن مناصبهم التي احتلوها أيضاً بطرق غير مشروعة وكلا الأمرين يعدان مطلبين من مطالب الثورة والشعب, ولذلك فإن البدء بالتطهير والمحاسبة وتصفية الدولة العميقة تمثل البداية المنطقية والعملية لإجراءات المسار الانتقالي نحو الديموقراطية, وكان لا بد من الانطلاق منها, بدل البدء بالملفات الاقتصادية التي تحتاج وقتاً طويلاً, خصوصاً وأن قوى النظام السابق ما زالت ترتع وتتآمر لإعادة عقارب الساعة الى الوراء.   

 

    

 

الوسوم