بيروت | Clouds 28.7 c

بمكارم الأخلاق تُدرك الآمال/ بقلم الشيخ أسامة السيد

بمكارم الأخلاق تُدرك الآمال/ بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 15 تشرين الثاني 2019 العدد 1925

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم ولو كنتَ فظًا غليظَ القلب لانفضُّوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمتَ فتوكَّل على الله إن الله يحب المتوكلين)) سورة آل عمران.

ليُعلم أن للأخلاق في الإسلام قدرًا عظيمًا ومكانةً رفيعةً وقد حثَّ نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم على حُسن الخُلُق حثًا بليغًا وأكَّده تأكيدًا شديدًا، فإنه لا يخفى ما لحسن الخُلق من أثر كبيرٍ في النفوس، وكثيرًا ما يصل المرء بحسن خلقه إلى مراده وتتفتَّح له أبواب النجاح ويُدرك بمكارم الأخلاق ما لا يدركه بالقوة والبطش، ثم إن حُسن الخُلق ليس مجرد كلامٍ يتغنَّى به الناس بل هو مرتبةٌ عالية لا ينالها إلا القليل، ولا بد للوصول إلى محاسن الأخلاق من تحمُّل أذى الغير وكفِّ الأذى عن الغير وبذل المعروف لمن يعرفه لك ومن لا يعرفه لك، وكل خصلةٍ من هذه الخصال يُحتاج في تطبيقها إلى مجاهدة النفس الأمَّارة بالسوء، وقد مدح الله تعالى نبيه الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم في الآية أعلاه وأثنى عليه بما اتصف به من اللين والرحمة حيث لم يكن فظًا ولا غليظًا كما هو حال كثيرٍ من الناس اليوم، بل وأمره تعالى أن يُشاور أصحابه مع أنه صلى الله عليه وسلم مؤيَّدٌ بالوحي.

الخلقُ الحسن

ولقد مدح اللهُ تعالى نبيه الأكرم بحسن الخُلق في غير موضع من القرآن الكريم فمن ذلك قوله في سورة القلم: ((وإنك لعلى خُلقٍ عظيم))، وأرشد نبينُا صلى الله عليه وسلم أمتَه إلى التزام الأخلاق الطِّيبة فقال: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) رواه البيهقي عن أبي هريرة. وعن أبي ذَرٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيضًا: ((وخَالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسن)) أي عاملهم بالحُسنى كما تُحب أن يُعاملوك.

فكم من عدوٍ انقلب صديقًا بسبب حُسن الخلق، وكم من طالبٍ غايةً أدركها بمكارم الأخلاق، وكم من بلدٍ انتشر فيها الإسلام بغير سيفٍ ولا غزوٍ بل بمحاسن الأخلاق كأندونيسيا أكبر بلدٍ إسلاميٍ اليوم حيث كان أهل البلاد وثنيين فآمنوا بسبب ما لمسوه من أخلاق تُجَّارٍ حضارمةٍ ((نسبةً إلى حضرموت في اليمن)).

إن ثمرة الأخلاق الطيِّبة حُلوةٌ لا يعرف طعمها إلا من ذاقها، وشأن المؤمن الرفق والتواضع وخفض الجناح وكل ذلك من مكارم الأخلاق التي حثَّ عليها نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد روى الطبراني في ((مكارم الأخلاق)) عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن كالجمل الأنِف إن قِيد انقاد وإن سِيق انساق وإن استُنيخ على صخرةٍ استناخ)) والجمل الأنِف هو الذي في أنفه قُرحةٌ ((حلقة)) إن قاده الصغير أو الكبير ينقاد له وإن أثاره يثور وإن أبركهُ ((أقعده)) على صخرة يبرُك.

 والمعنى أنه ينبغي للمؤمن أن يكون ليِّنًا مع أخيه المؤمن فيطاوعه ولا يترفَّع عليه، ويتواضع له ولا يتكبَّر عليه، بل يتحبَّب إليه ويكون عونًا له فيما نزل به من الشدائد فإن من صفة المؤمن الكامل اللين والسهولة فعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((المؤمنون هَيِّنون ليِّنُون)) رواه البيهقي. وروى ابن حبَّان عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أُخبركم بمن تحرُم عليه النار. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: على كل هينٍ لينٍ قريبٍ سهل)) ففي الحديث حثٌ على أن يكون المؤمن هينًا ((من الهَون وهو السكينة والوقار والسهولة)) ليِّنَ الجانب ليس فظًا ولا غليظًا ولا فاحشًا، قريبًا من الناس سهلاً يقضي حوائج المسلمين ويُسهِّل أمورهم وأن من كان هذا حاله يُرجى له النجاة من النار فتحرم عليه أي يُمنع منها.

أهل الفضل

وروى البيهقي في ((شعب الإيمان)) عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جمعَ اللهُ تعالى الخلائقَ نادى مُنادٍ أين أهل الفضل؟ فيقوم ناسٌ وهم يسيرٌ فينطلقون سِراعًا إلى الجنة فتلقّاهم الملائكةُ فيقولون: إنَّا نراكم سِراعًا إلى الجنة فمن أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الفضل. فيقولون: ما كان فضلكم؟ فيقولون: كنَّا إذا ظُلِمنا صبرنا وإذا أُسيء إلينا غفرنا وإذا جُهل علينا حَلِمنا. فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنِعْمَ أجرُ العاملين)).

وهنا نقول: من رام حاجةً أو طلب أمرًا أو أهمه نيل مُرادٍ فليترفَّق وليستعن بحسن الخُلق فعن أم المؤمنين عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عزَّ وجل يُحب الرفق في الأمر كله)) رواه الإمام أحمد.  ففي الحديث حثٌ على الرفق والصبر وملاطفة الناس ما لم تدعُ حاجة إلى الشدة.

وقد قال الله تعالى لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ((واخفض جناحك للمؤمنين)) سورة الشعراء. قال القرطُبي في ((تفسيره)): ((أي ألِنْ جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم، وأصله أن الطائر إذا ضمَّ فَرخه إلى نفسه بسط جنَاحه ثم قبَضه على الفَرخ فجُعل ذلك وصفًا لتقريب الإنسان أتباعه. ويُقال: فلانٌ خافض الجَنَاح أي وقورٌ ساكنٌ، والجناحان من ابن آدم جَانباه)).

وجديرٌ بنا نحن أن نكون على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فنلتزم اللين والرفق والسهولة ونُحصن أنفسنا ومجتمعنا بمكارم الأخلاق، فقد روى مسلمٌ عن عبدالله بن عمروٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فمن أحب أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يُحب أن يؤتى إليه)). والمعنى: فليثبت على الإيمان إلى الموت إذ به تحصل السلامة من الخلود الأبدي في جهنم، وليُعامل الناس كما يُحب أن يعامله الناس وإذا ما كان الواحد منَّا يحب أن يعامله الناس باللين والحسنى فليعامل الناس بمثل ذلك.

والحمد لله أولاً وآخراً. 

 

الوسوم