بيروت | Clouds 28.7 c

الانتخابات البرلمانية الثالثة في تونس بعد الثورة: الناخبون عاقبوا ((حركة النهضة)) مجدداً, وتضامنوا مع القروي! بقلم: محمد خليفة

الانتخابات البرلمانية الثالثة في تونس بعد الثورة:

الناخبون عاقبوا ((حركة النهضة)) مجدداً, وتضامنوا مع القروي! بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 11 تشرين اول 2019 العدد 1920

 

*15000  متنافس في 1500  قائمة على 217  مقعداً  

*برلمان جديد متنوع.. يثري الديموقراطية ويصعب الحكم

 

بقلم: محمد خليفة    

مرة أخرى أظهر التونسيون انحيازهم القوي والثابت للديموقراطية قبل انحيازهم لأي مكون سياسي. هكذا أكدوا في مناسبتين قريبتين, الأولى كانت يوم 15 ايلول/ سبتمبر الماضي حيث جرت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية, والثانية كانت في  6 تشرين الأول/اكتوبر حيث جرت الانتخابات البرلمانية.

أرقام قياسية في الانتخابات العامة كما في الرئاسية:

15000 مرشح يتوزعون على 1500قائمة حزبية ومستقلة يتنافسون على 217 مقعداً في البرلمان. ونسبة مشاركة ناهزت 41% من الناخبين الذين يناهز عددهم السبعة ملايين. وهي نسبة تقارب نسب الانتخابات في الدول الأوروبية الديموقراطية العريقة.

أرقام تدل على حيوية سياسية في بلد يتميز بتجربة عريقة في التعددية والحياة البرلمانية شهد انتخابات عامة إحدى عشرة مرة, كما يتميز بمجتمع مدني يتفوق على غالبية البلدان العربية, ولا سيما بلدان المغرب العربي. والأمر الذي يثير الاهتمام والاحترام أنه لم يسجل أي حادث يعكر سير العملية الانتخابية في جميع أنحاء البلاد. وقد تابع مراقبون من منظمات محلية ودولية الانتخابات النيابية في كامل مراكز الاقتراع. وقال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات، فابيو ماسيمو كاستالدو: ((لاحظنا انه تم احترام جميع التدابير في مناخ سلمي. كما أبدت فرق مراكز الاقتراع حرفية في العمل)).

وبينما أعلنت الهيئة العليا للاشراف على الانتخابات مساء الأحد الماضي أنها ستعلن النتائج النهائية لعملية التصويت خلال ثلاثة ايام , أعلنت شركات استطلاع الرأي النتائج الأولية للانتخابات على النحو الآتي (حسب سيغما كونسايي لسبر الآراء) :

في المركز الأول: ((حركة النهضة)) ذات الاتجاه الاسلامي المعتدل بنسبة 17,5% .

في المركز الثاني: حزب قلب تونس الذي ظهر للوجود حديثاً ويرأسه رجل الاعمال نبيل القروي بنسبة 15,6%.   

 في المركز الثالث: حل الحزب ((الدستوري الحر)) بنسبة 6.8 %.

في المركز الرابع: حل  ((ائتلاف الكرامة)) بـ6.1 %.

 في المركز الخامس: حل التيار الديموقراطي بـ5.1 %.

ومنذ نهاية التصويت تنافس الحزبان الرئيسيان على اعلان كل منهما الفوز بالمركز الأول. واحتفل انصار الحزبين بالنتيجة.

 وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قال إن حزبه قد فاز في الانتخابات فوزاً لا غبار عليه. وأشار خلال مؤتمر صحفي إلى أن تونس مقبلة على تحد اقتصادي واجتماعي، يتمثل في محاربة الفساد والفقر وتطوير مؤسسات الدولة.

كما أكد الغنوشي عزم حركة النهضة على تشكيل حكومة شراكة تتكون من كفاءات متعددة بعد تكليفها رسمياً.

وفي المقابل أعلن رئيس حزب قلب تونس رجل الاعمال نبيل القروي من داخل السجن فوز حزبه ((قلب تونس)) بالمركز الأول في الانتخابات. وهذا الحزب الذي تأسس قبل شهور قليلة خلال العام الجاري قفز الى الصف الأول على الرغم من الحملة التي تعرض لها القروي وأدت لاتهامه بالتهرب الضريبي وغسيل الأموال والفساد, ما زال يشكل رقماً صعباً في جولة الانتخابات الرئاسية الثانية التي ستجري خلال أيام, إذ احتل زعيمه القروي المركز الثاني في الجولة الاولى بفارق غير كبير مع الفائز الاول قيس سعيد, ويمكن أن يفوز بالرئاسة ويصبح رئيس الجمهورية القادم.

وإذا ما تحقق ذلك الاحتمال فيتوقع أن تعرف تونس نظاماً سياسياً برأسين متضاربين, يكون القروي فيه رئيسا للجمهورية , وتكون الحكومة بأيدي النهضة, وقد يشهد النظام درجة غير قليلة من التوتر بسبب العداء المعلن بين الطرفين. خصوصاً وأن القروي صعد قبل أيام من هجومه على النهضة واتهمها بالضلوع مع يوسف الشاهد رئيس الحكومة في تلفيق تهمة الفساد له وتوقيفه لكي تحرمه من فرصة المشاركة في الحملة الانتخابية.

وعلى الرغم من احتفال حركة النهضة بالنصر, وفوز راشد الغنوشي بمقعد في البرلمان عن الدائرة الاولى في العاصمة فإن هذا الاحتفال بالفوز لا يعكس النصر في الواقع بل يعكس تغطية على هزيمة حقيقية لحقت بها تتمثل في تراجع حصتها داخل البرلمان من 69 مقعداً في الانتخابات السابقة عام 2014 الى نحو 40 مقعداً في الانتخابات الجديدة, وهي خسارة كبيرة لها, وتؤكد تراجع ثقة الناخبين بها. وتجدر الاشارة الى ان النهضة خسرت عام 2014 20 مقعداً مقارنة بانتخابات 2011 التي فازت فيها ب 89 مقعداً ! ويعكس هذا التراجع المتتالي نقمة الناخبين على الحركة التي كانت في المركز الأول بعد ثورة 2011. كما يعكس استمرار معاقبة الناخبين لكل الاحزاب السياسية, وبحثهم عن قوى بديلة ومرشحين مستقلين سواء في الانتخابات الرئاسية أو العامة.

ويتوقع المراقبون المحليون أن يكون البرلمان الجديد شديد التنوع, ويمثل طيفاً واسعاًَ من السياسيين الحزبيين والمستقلين, الأمر الذي سيغني التجربة الديموقراطية من ناحية, ولكنه سيعقد من ناحية ثانية معادلات الحكم, بسبب افتقار كل الاحزاب للغالبية الساحقة ((109 مقاعد)) وحاجة الحزب الفائز للتحالف مع نواب من أحزاب عديدة أخرى, وهي مسألة غاية في التعقيد والصعوبة, خصوصاً مع تزايد نقمة القوى السياسية الليبرالية واليسارية معاً على التعاون مع حركة النهضة ذات الاتجاه الاسلامي.

لذلك تتركز الأنظار على الجولة الثانية الحاسمة من الانتخابات الرئاسية خلال هذا الشهر, لأنها ستحسم الكثير من الخيارات والرهانات الافتراضية حالياً!     

       

الوسوم