بيروت | Clouds 28.7 c

الفوضى او مجلس رئاسي / خاص – ((الشراع))

الفوضى او مجلس رئاسي / خاص – ((الشراع))

مجلة الشراع 11تشرين اول 2019 العدد 1920

 

*الحوار مطلوب مع كل الشرائح الاجتماعية لضمان عدم تحول الاحتجاجات الى كرة ثلج متدحرجة

*الابتعاد عن التطييف والتمذهب والجهوية احد شروط نجاح عملية المساءلة والمحاسبة ووقف الهدر

*لجنة الطوارئ الاقتصادية باتت حاجة ملحة شرط تضافر كل القوى في العمل بموجباتها

*واشنطن لا تريد تقويض الدولة في لبنان او الحكومة ولكنها تريد اخراج حزب الله من النظام المصرفي اللبناني

*العقوبات الاميركية على الحزب هي بمثابة حرب بديلة عن محاولات ضربه عسكرياً

*قرار اميركي باستمرار العقوبات على حزب الله حتى لو توقفت مستقبلاً ضد ايران

*ما تريده واشنطن هو ضرب وزن الحزب الاقليمي من خلال تحويله الى صاحب ((دكان صغيرة))

 

هل للأزمة  الحالية في لبنان علاقة باجراءات منظورة واخرى خفية دولياً واميركياً للنيل من حزب الله وضربه في بيئته الحاضنة وامتداداً في بيئته الأوسع التي تضم حلفاءه في البيئة اللبنانية الأوسع؟

 أم ان ما يجري يتجاوز كل ذلك ليصل الى تحويل لبنان الى ساحة مشتعلة بالاحتجاجات والازمات الداخلية من جراء اشعال فتيل الانفجار الاجتماعي والاقتصادي والمالي واغراق الحزب بالتالي في مستنقع من وحول المشكلات والمحن والمواجهات؟

وهل ان ذلك مطروح اليوم في مواجهة الحزب كبديل عن طرح موضوع سلاحه في حوار على استراتيجية دفاعية وما شابهها او في جره الى مواجهات عسكرية ثبت، وخصوصاً للاميركيين انها لن تجدي نفعاً ولن توصلهم الى اي نتيجة يتوخونها لا بل يمكن لها ان تحمل نتائج معاكسة لما يريدونه كما حصل بعد حرب تموز/ يوليو 2006 عندما نجح الحزب في الحؤول دون نجاح العدو الاسرائيلي في تحقيق أهدافه, وتحول من يومها الى قوة اقليمية تتجاوز مؤثراتها الداخل اللبناني.

في موازاة ما يقوله خبراء اقتصاد ومال عن ان ((دود الخل منه وفيه)) وان أصل المشكلة وأساسها هو الاداء العام اللبناني, فإن مسألة وجود الضغوط على حزب الله من قبل الاميركيين لا جدال حول وجودها وانعكاسها على الوضع ككل.

 

 حقيقة الموقف الاميركي

 

والواقع, حسب مقاربة أجريت مؤخراً من قبل احدى الجهات النافذة في لبنان انه منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى البيت الابيض، فإنه بمعدل مرة كل شهر تقريباً  يصل الى بيروت مسؤول اميركي له صلة إما بالبنتاغون او بوزارتي الخارجية والخزانة الاميركية او بالبيت الأبيض. وفي كل هذه الزيارات تبحث عدة مواضيع ولكن يبقى هناك ثلاثة مواضيع دائمة الحضور: 

الاول: غاز لبنان في بحره واستتباعاً ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل. 

والموضوع الثاني هو دعم الجيش اللبناني. 

والموضوع الثالث العقوبات على حزب الله.

وبحسب متابعين لزيارات موفدي ((العم سام)) الى لبنان، فإنه يمكن تدوين عدة أهداف أساسية تريد واشنطن- ترامب تحقيقها في لبنان على مستوى حزب الله، وهي التالية:  

اولاً: التدرج في مسار عملية الفصل التام بين القطاع المصرفي في لبنان وكل الأنشطة المالية لحزب الله سواء المباشرة او غير المباشرة. وبكلام آخر، تريد واشنطن اخراج حزب الله وبيئته المباشرة الشيعية ومن ثم بيئته العامة الشيعية ومن الطوائف الأخرى من النظام المصرفي اللبناني. وهذا الهدف انتقته واشنطن للاسباب التالية، فمن جهة لكونه ممكن التحقيق، نظراً لأن الولايات المتحدة الاميركية تسيطر على القطاع المصرفي اللبناني من خلال حاجة مصارف لبنان للبقاء في السوق المالي العالمي الذي مركزه نيويورك وعملته الاساسية الدولار. فمثلاً ترى واشنطن انه لا يوجد لديها وسائل  فاعلة وحاسمة لمحاربة حزب الله في لبنان سياسياً، كون أي إجراء ضده يستطيع الحزب كبحه مستنداً الى وجوده القوي داخل النسيج الاجتماعي اللبناني وداخل الحكومة والدولة اللبنانية، واميركا لا تريد تقويض الدولة ولا الحكومة في لبنان لأسباب كثيرة. ومن جهة ثانية فإن اميركا تعتبر ان حركة حزب الله المالية هي جزء من الحركة المالية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني، وان لبنان يمثل لفيلق القدس ولحزب الله ولإيران محطة مالية، كما ان العراق يمثل لفيلق القدس ولإيران محطة اقتصادية.

اضافة الى ذلك, ووفق معلومات خاصة, فإن واشنطن تعتبر ان النظام في لبنان يقوم في احد ركائزه الهامة على القطاع المصرفي، وبالتالي يتوجب ابقاء الحزب خارج هذا القطاع، وذلك من اجل إبقاء قوته داخل النظام اللبناني غير مطلقة ويوجد بوجهها سدود. فالحزب، من وجهة نظر واشنطن، بات يملك العديد من اوراق القوة داخل النظام السياسي اللبناني: أولاً تأثيره الامني والعسكري، وثانياً تأثيره الديموغرافي ((الشيعة الطائفة الأكبر الى جانب السنة))، وثالثاً مكاسبه ضمن القانون الانتخابي الجديد ((حصل على نواب له من خارج حصة الشيعة في الانتخابات النيابية الاخيرة))، وأيضاً داخل الادارة. وعليه تسعى اميركا لحرمانه من التواجد داخل بنية قطاع المصارف لحرمانه من السيطرة على كل البنى الاساسية للنظام السياسي في لبنان. 

ويلاحظ ان واشنطن تقوم من ناحية بالحفاظ على استقرار القطاع المصرفي في لبنان ومن ناحية ثانية تقوم بهدم كل مصرف داخل هذا القطاع تعتبر انه على علاقة بحزب الله وبحركته المالية. وكان آخر مشهد لهذا السلوك الاميركي هو قيام الخزانة الاميركية بتوجيه ضربة قاضية لمصرف ((جمال ترست بنك)) الذي اتهم بأنه كان يوطن نحو 79 ألف راتب لعاملين بشكل مباشر او غير مباشر في مؤسسات حزب الله. 

ثانياً: تريد واشنطن - ترامب محاصرة حزب الله اقتصادياً في لبنان وذلك داخل أضيق بقعة مطلقة. بمعنى منعه من الدخول في مشاريع اقتصادية استراتيجية لبنانية كالسياحة والكهرباء والصناعة وحتى الزراعة. وبدل ذلك تريد تحويل الحزب الى صاحب دكانة صغيرة في مناطقه داخل القرى والاحياء. وفي المعلومات الخاصة بهذا الهدف، يقول متابعون ان الولايات المتحدة الاميركية لا يهمها حجم السوق اللبناني الصغير، ولكن يهمها التواجد داخل هذا السوق لإتمام حصارها الاقتصادي على حزب الله، ولذلك فإن واشنطن لا تقوم فقط بمنع الحزب او ايران من الدخول في استثمارات استراتيجية في لبنان بل تضع فيتو على دخول دول اخرى في هذه الاستثمارات كالصين وروسيا، خشية ان يدخل الحزب من خلال علاقاته بهذه الدول ولو بنِسَب معينة الى هذه الاستثمارات. وهذا ما يفسر لماذا تريد اميركا ان يكون استثمار الكهرباء لشركاتها في لبنان ولماذا تضع صعوبات بوجه بدء مشروع تصنيع الحشيشة في لبنان لأغراض طبية وما شابه، الخ.. 

ثالثاً - تنظر الخزانة الاميركية الى بيئة حزب الله الاقتصادية بوصفها مؤلفة من قسمين اثنين: الاول داخل لبنان البلد والدولة والنظام، والثاني حول العالم من خلال الاغتراب اللبناني ومن خلال علاقات حزب الله مع أنظمة حكم في بعض الدول ((افريقيا واميركا اللاتينية)) ومع بعض الاحزاب الاسلامية الوازنة في آسيا، الخ

 

  تحرك على ثلاثة مسارات

والواقع ان هذه النظرة الاميركية لانتشار حزب الله الاقتصادي، جعلت واشنطن تتحرك ضده في مجال حصاره من خلال ثلاثة مسارات: 

- مسار الملاحقة لنفوذه السياسي في الخارج والمقصود هنا لعلاقاته مع دول في الخارج.. 

- مسار ثان يتمثل بملاحقة اطره الاقتصادية في مطارات العالم.. ومؤخراً تكررت حوادث خطف لبنانيين في غير مطار خارجي. 

- مسار ثالث يتوخى ضرب المفاصل الاقتصادية للبيئات الشيعية الاغترابية، وخصوصاً في افريقيا. 

رابعاً - يركز متابعو حركة العقوبات الاميركية ضد حزب الله على الفكرة التالية ومفادها انه خلال السنوات الأخيرة طرأ تغير جوهري على نظرة واشنطن لحزب الله. فواشنطن لم تعد تنظر للحزب بوصفه مجرد ذراع عسكري وأيديولوجي تابع لايران، بل باتت تنظر اليه ككيان عسكري وسياسي وامني قائم بذاته، ولذلك فإن المسؤولين الاميركيين الذين يأتون الى لبنان يلفتون محادثيهم اللبنانيين الى ان الخزانة الاميركية تفرض عقوبات على حزب الله كون الاخير بات قوة خطرة تهدد الامن الاقليمي وليس فقط لأنه جزء من النشاط الارعابي في الاقليم. وكل الموفدين الاميركيين الذين زاروا لبنان مؤخراً أعلنوا في محادثاتهم المغلقة انه حتى لو لم يكن هناك عقوبات على ايران فإن اميركا كانت ستفرض عقوبات الحد الاقصى على حزب الله، وان العقوبات الحالية على حزب الله ستستمر حتى لو توقفت العقوبات الاميركية على ايران في المستقبل. 

وبصرف النظر عما يمكن ان تؤول اليه هذه الاجراءات الاميركية ضد الحزب وحلفائه وتأثيراتها على لبنان ككل, فلا شك بأن شكلاً جديداً من الحرب يعتمد اليوم ليكون بمثابة بديل عن الحرب العسكرية والامنية ضد الحزب. وهذه الحرب البديلة ما زالت تعتمد وسائل تحرص على الفصل بين الحزب وبيئته والحلفاء من جهة وبين ساحات داخلية لبنانية اخرى تعارض الحزب ولا مشكلة عندها في العمل الى أقصى مدى ضده. ما يطرح علامات استفهام حول اولوية وضع ضوابط داخلية المطلوب فيها من الجميع المسارعة بمعزل عن الضغوط الدولية والخارجية من اجل التفاهم على جدول اعمال يضمن تنفيذه ما يلي:

- العمل بكل الوسائل المتاحة ومن بينها الوقوف على مشكلات الشرائح الاجتماعية ومحاولة حلها وامتصاص نقمة الشارع المتصاعدة يوماً بعد يوم, ومصارحة اللبنانيين بحقيقة اوضاعهم والابتعاد عن المزايدات وعمليات تحقيق مكاسب صغيرة مصلحية لهذا الفريق او ذاك من أجل ضمان عدم الوقوع في الفوضى التي قد تنجم عن مسلسل احتجاجات باتت مبرراتها موجودة بسبب السياسات المتبعة والفساد المستشري وهدر المال العام, وهو مسلسل احتجاجات قد يكبر في أي وقت ككرة ثلج لن يوفر تدحرجها أحداً ولاسيما الطبقة السياسية بكل ألوانها وأحزابها وتياراتها .

- عدم الخلط بين ما يتعلق بعملية الاصلاح المطلوبة اليوم اكثر من أي وقت مضى وبين منطق التطييف والمذهبة والفئويات الجهوية, وهو المنطق الذي سرعان ما يتصدر المشهد العام كلما لاح في الافق احتمال الاقدام على خطوة تحمل شيئاً من  المساءلة او المحاسبة.

والكلام عن الوحدة الوطنية في هذا المجال يجب ان يتجاوز المناسبات العامة من قبل المسؤولين الى ترجمة ذلك من خلال التفاصيل التي يتم التعاطي معها بموجب قواعد لا صلة لها بالوحدة الوطنية التي تقتضي اول ما تقتضي تجاوز الأطر المصلحية الضيقة الى الاطار العام والجامع, خصوصاً وان الليرة اللبنانية هي العملة الوطنية للماروني والسني والشيعي وغيرهم وما يمكن ان تتعرض له سيصيب كل عائلة في لبنان في كل مناطقه وبكل طوائفه ومذاهبه فضلاًَ عن اعضاء احزابه وتياراته السياسية على اختلافها.

-اعلان حالة طوارئ اقتصادية شاملة وعامة يندرج من ضمنها العمل على خفض الانفاق غير المبرر والغاء كل مؤسسة لا حاجة لها ,وضبط الاسواق المالية بما تسمح به القوانين المرعية الاجراء, وعدم الانزلاق الى محاولة كم الأفواه، خصوصاً وان حالة الاعتراض تتسع شعبياً بعد ان باتت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة من أجل ((فش الخلق)) على الأقل.

وحالة الطوارئ هذه التي دعا الرئيس نبيه بري الى اعلانها تترافق مع ما يدعو اليه الرئيس ميشال عون الذي يبدو واضحاً انه جاهز للمضي بأية عملية انقاذية في هذا المجال, فضلاً عما يتمناه الرئيس سعد الحريري, وهو ما يفرض تضافر كل القوى الوازنة, وبما يضمن ان تتحول الرئاسات الثلاث - ورغم كل ما يقال عن الترويكا المرفوضة بسبب تجارب سابقة في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي- الى خلية عمل واحدة  تستنفر كل الطاقات ولا توفر وسيلة, ولا تترك مؤسسة او ادارة الا وتقوم بتوجيهها من أجل العمل على مواجهة الوضع القائم من اجل الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي وضمان التصدي لأي محاولة اختراق داخلي للعبث بأمن الناس المعيشي الذي من شأنه في حال انفجاره ان يؤدي الى زلازل اين منها تلك الناتجة عن انفجار أمني او عسكري.

هذه الترويكا المستعادة ولو في هذا الجانب وضمن نطاق لا يخرج عن نطاق الالتزام بما ينص عليه الدستور قد تكون اليوم من أكثر الضرورات التي يحتاجها لبنان, لا سيما في ظل ما بات يروى في الكواليس السياسية الرسمية وغير الرسمية عما يفيض به كأس ((القلوب المليانة)) من كلام واتهامات يطلقها هذا المسؤول ضد الآخر. ومنها ما توافر لـ((الشراع)) من معلومات حول ما دار في لقاء الرئيس سعد الحريري مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وما أعقب ذلك من لقاءات لبنانية مع الأخير ومسؤولين فرنسيين آخرين.

وامكانية ذلك ممكنة وقوية اذا توافرت الارادة لذلك, فالرئيس ميشال عون ((بي الكل)) ومصلحته المؤكدة تتجسد في ان يحقق عهده انجازات ولا يغرق في نكسات او أزمات, والرئيس نبيه بري يده ممدودة لكل تعاون وهو كما كان على الدوام يمثل أحد أبرز نقاط القوة لشبكة الامان الداخلية، والرئيس سعد الحريري موقفه واضح لا سيما عندما يتصدى للمزايدات ويعلن ان الأولوية في عمله دائماً هي لمصلحة الوطن والمواطن.

ولهذه الاسباب فإن امكانية الوصول الى الوضع المرتجى ممكن وبات ضرورياً ومن مصلحة الجميع، خصوصاً وان الهيكل اذا هدم سيهدم على رؤوس الجميع.

ويمكن القول ان خيارات العمل على الخروج من الوضع الحالي ممكنة مهما كان شكل الحرب البديلة التي قد يكون لبنان عرضة لها لاستهداف حزب الله, واول الطريق بات واضحاً وهو تعاون الرئاسات الثلاث ومعها الاطراف الفاعلة والرئيسية في لبنان فهو الوصفة التي تكاد تكون الوحيدة للمعالجة والحل.

نعم  المطلوب اليوم وصراحة العودة الى الترويكا الرئاسية ليس بوصفها مجلساً رئاسياً حاكماً يقضم من صلاحيات هذا الرئيس او ذاك, بل بوصفها صيغة يتكامل فيها عمل الجميع لتحقيق هدف واحد ووحيد وهو منع لبنان من السقوط والفوضى والانفجار.

 

الوسوم