بيروت | Clouds 28.7 c

قاسم سليماني عامل بناء دربته حركة فتح ليقود الحرس الثوري / بقلم السيد صادق الموسوي

  قاسم سليماني  عامل بناء
دربته حركة فتح ليقود الحرس الثوري
بقلم السيد صادق الموسوي /مجلة الشراع ١١ تشرين اول ٢٠١٩ العدد ١٩٢٠
 
 
برز اسم اللواء قاسم سليماني كثيراً في الإعلام في الفترة الأخيرة، وخصوصاً بعد اصطحابه الرئيس السوري بشار الأسد من دمشق إلى طهران ((أوردنا تفاصيل هذه الزيارة في مقال سابق في مجلة ((الشراع))) ومن بعده حضوره في اللقاءين بين السيد مقتدى الصدر والسيد حسن نصر الله ((أوردنا تفاصيل مهمة في المقال الذي نُشر في العدد السابق))، علماً بأنه صاحب أدوار كثيرة كونه قائد لواء القدس في حرس الثورة الإسلامية منذ العام 1996 تقريباً، وبدأ بممارسة دوره بشكل رئيسي لاول مرة في مواجهة حركة طالبان في أفغانستان، وإذا عرفنا المهمة الأساسية لهذه المؤسسة العسكرية لصار من السهل معرفة شخصية قاسم سليماني والدور المهم المنوط به.

 تأسيس حرس الثورة الإسلامية

 تشكل حرس الثورة الإسلامية بُعيد انتصار الثورة الإسلامية في ايران عام 1979من شباب متحمس لفكر الإمام الخميني، ولأن مؤسسة الجيش الإيراني قد تجذر ولاء قياداته لشاه إيران حيث كان شعاره: الله، الملك، الوطن، وهذا يعني أن الأولوية بعد الله هي الولاء للملك قبل حب الوطن والتضحية من أجله، وقد تورط قسم كبير من أفراده في مواجهة المتظاهرين العزل في مختلف المدن طوال فترة الإنتفاضة الشعبية وتلطخت أيديهم بالدم قبل أن تلتحق مجموعات منه بالشعب واضطرار قيادته إعلان الحياد يوم 10 شباط/ فبراير 1979، وكان هذا الإعلان بمثابة استسلام نظام الشاه وانتصار الشعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني.
وأمام هذا الواقع تداعى الشبان المتحمسون الذي كانوا قد انتظموا في إطار لجان ثورية ابتدائية طوعية في مساجد الأحياء ويقيادة أئمة الجماعة فيها إلى تأسيس كيان عسكري مهمته المركزية الحفاظ على الثورة في مواجهة المؤامرات التي ستحيكها حتماً الولايات المتحدة بعد خسارتها لأهم موقع استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وأوثق عميل لها بين حكام أنظمة العالم، خصوصاً وأن تجربة مؤامرة الـ CIA الأميركية بالتعاون مع الاستخبارات البريطانية MI6 ضد الدكتور مصدق عام 1953كانت ماثلة أمام أعين الجميع، وأن الاستفادة من الغوغاء ((القبضايات)) لخلق أجواء الرعب في العاصمة بشكل خاص، وعدم وجود مجموعات منتظمة تدافع عن تحالف مصدق آية الله كاشاني أدّيا إلى فشل الحركة الشعبية الوطنية وأعيد بعد انقلاب الجنرال اردشير زاهدي الذي أعاد شاه إيران الذي كان قد فرّ إلى العراق ثم انتقل إلى إيطاليا، وسلم مصير البلاد كلية إلى الإستعمار الأميركي وكان هو الدمية التي تحركها واشنطن كيفما تشاء.
ولكي لا تعاد الكرة تأسس حرس الثورة الإسلامية في إيران من العناصر الشابة التي كانت على استعداد للتضحية بحياتها للحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية، ولقد كان منهج الإمام الخميني الحفاظ على مؤسسة الجيش وإعادة تأهيله فكرياً وثقافياً ليتواءم مع الحكم الجديد وفي الوقت نفسه تطوير قدرات المؤسسة الوليدة التي بنيتها الأساسية تقوم على حماية الثورة.
 


حرس الثورة وفلسطين وحركات التحرر


 
كانت نواة قيادة الحرس الثوري من العناصر التي تلقت التدريب العسكري في لبنان على أيدى مدربي حركة ((فتح)) في الأغلب، وكان موضوع تحرير فلسطين هاجس الإيرانيين منذ نشوء الكيان الغاصب عام 1948حيث تمت محاولات من قبل علماء دين كبار في ايران لحشد مقاتلين إيرانيين بغية مواجهة الصهاينة المحتلين، لكن تواطؤ الأنظمة العربية منع التحاقهم كما أجهضت مبادرات في بلاد أخرى لنجدة فلسطين، وكان أحد اتهامات ((السافاك)) للمعتقلين هو التعاون مع الفلسطينيين، وكانت ترجمة كتاب ((القضية الفلسطينية)) لـ أكرم زعيتر من قبل المرحوم الشيخ هاشمي رفسنجاني العام 1964 بإسم ((سرگذشت فلسطين)) أهم خطوة في ذلك الوقت لتسليط الأضواء على المؤامرة الصهيونية والإستكبار العالمي على قضية فلسطين.
وكان أحد مرتكزات حركة الإمام الخميني هو العلاقة الوطيدة بين نظام الشاه و((إسرائيل))، ولذلك كانت الخطوة الأولى يوم انتصار الثورة الإسلامية في إيران قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني واحتلال مقر السفارة الإسرائيلية في طهران وتحويله إلى ((سفارة فلسطين)) وذلك في وقت لم تكن أية دولة في العالم اعترفت بفلسطين كدولة بل كانت ممثليات فلسطين في الدول العربية والعالم هي مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت الشخصية الأجنبية الأولى التي وطأت أقدامها هو الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وتمّ افتتاح سفارة فلسطين على يديه وكان هاني الحسن أول ((سفير)) لفلسطين في العالم، وكانت الحفاوة التي لا توصف بزيارة الزعيم الفلسطيني في مختلف المدن الإيرانية تعبيراً عن تعلق الشعب الإيراني بالقضية الفلسطينية.
وبناء ما أسلفنا تشكل منذ ولادة حرس الثورة الإسلامية قسم خاص في مجلس قيادته للعلاقة مع حركات التحرر وذلك تحت إشراف الشيخ محمد منتظري الذي قتل في انفجار مقر جمهوري اسلامي عام 1981، وكانت مهمتها تنظيم العلاقة مع مجموعة حركات التحرر في المنطقة والعالم وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، واستُبدل هذا القسم بعد ذلك بتشكيلة ((لواء القدس)).
لكن الإهتمام بلبنان كان هامشياً بسبب السيطرة الفلسطينية على الساحة اللبنانية ولوجود حركة ((أمل)) وحدها على الساحة الشيعية ووجود عناصر أساسية مرتبطة بها في مراكز السلطة في إيران كالدكتور مصطفى شمران الذي قتل في جبهة الاهواز اثناء الحرب مع العراق وصادق قطب زاده وصادق طباطبائي، وكان العنصر الشيعي اللبناني موزّعاً بين الأحزاب العقائدية اللبنانية المختلفة والتنظيمات الفلسطينية المتعددة، وكانت السلطة اللبنانية برئاسة إلياس سركيس هزيلة جداً، والبلد مقسم بين ((شرقية)) تحت هيمنة القوات اللبنانية بقيادة بشير الجميل و ((غربية)) موزع السيطرة عليها بين القوات السورية والتنظيمات الفلسطينية والأحزاب القومية واليسارية المتعددة، وكانت تندلع الإشتباكات المسلحة هنا وهناك بمناسبة وغير مناسبة بين تلك الأطراف، وبالنتيجة كان الجميع منشغلون عن الأمور الأساسية بالصراعات الداخلية في وقت كانت ((القوات اللبنانية)) تحيك المؤامرات مع العدو الصهيوني تحضيراً لقلب الطاولة والسيطرة على مقاليد السلطة رسمياً وبالكامل في لبنان كله.
 
 

بداية النشاط الإسلامي الثوري في لبنان


في هذا الوقت كانت الجمهورية الإسلامية الوليدة بعناصرها الثورية رغم انشغالها بالمشاكل الداخلية بدأت تهتم بالساحة اللبنانية عن غير طريق حكومة مهدي بازرگان التي كانت كما قلت تنحو باتجاه توجهات حركة ((أمل)) وحدها، فكنت أنا وإثنان من العلماء اللجنة الأولى التي قدمت إلى لبنان موفدين من مجلس قيادة الثورة الإسلامية بإيعاز من مكتب الإمام الخميني وتكليف من المرحوم الشيخ هاشمي رفسنجاني لدراسة إحتياجات الساحة اللبنانية من حيث المشاريع الخدمية.
وفي المرة الثانية جئتُ مع إخوة آخرين لصرف مبلغ خمسة ملايين ليرة الذي كان يوازي يومذاك مليونين وخمسماية ألف دولار والذي أقره مجلس قيادة الثورة الإسلامية، وشكلنا لجنة مني ومن المرحومين سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين وسماحة السيد محمد حسين فضل الله وسماحة الشيخ قاسم الرفاعي للإشراف على صرف المبلغ المذكور، وفعلاً قمنا بتنفيذ بعض المشاريع الخدمية في عدد من قرى الجنوب، وتمّ أيضاً تأسيس صندوق القرض الحسن برأسمال قدره عشرة ملايين ليرة لبنانية، وقمت بتأمين الترخيص الرسمي له بصعوبة بالغة من رئيس الوزراء ووزير الداخلية يومذاك شفيق الوزان.
ومن جهة أخرى تمّ تعييني ممثلاً عن ((حزب الجمهورية الإسلامية)) في لبنان، وبالفعل قمت بتشكيل لجنة مؤلفة مني ومن الشهيد الشيخ راغب حرب والأستاذين رئيس لجان العمل الإسلامي في لبنان عبدالحليم عطوي ومسؤول الإعلام في الإتحاد اللبناني للطلبة المسلمين محمد رعد لتنظيم العمل الإسلامي على الساحة اللبنانية تحت قيادة الإمام الخميني.
وفي السياق الإعلامي قمت بإصدار صحيفة أسبوعية بإسم ((الحق)) تعكس وجهة النظر لمنهج الإمام الخميني الثوري كانت توزع مجاناً على أبواب المساجد بعد صلاة الجمعة.
وكنت أيضاً ممثلاً كامل الصلاحية في بعثة الحج الإيرانية للإشراف على الأمور الثقافية والإعلامية فيها، وكنت أرسل على مدى سنوات بعض الإخوة انطلاقاً من لبنان وسورية حاملين كميات كبيرة من بيانات الإمام الخميني وملصقات ثورية ليتمّ إيصالها إلى بعثة الإمام الخميني في مكة المكرمة والمدينة المنورة متحدين الإجراءات السعودية المشددة، وكانت تلك المادة الإعلامية الوحيدة تقريباً للبعثة الإيرانية لتقديمها للحجاج القادمين من مختلف بقاع الأرض.
وأخيراً تم تعييني من قبل وزير الإرشاد الإسلامي الشيخ معاد يخواه وممثل الإمام الخميني لتنسيق الإعلام الإسلامي في حينه مسؤولاً عن تنسيق الإعلام الإسلامي في الشرق الأوسط.
 


الحرس الثوري والحرب العراقية - الإيرانية


م تمضِ إلاّ أشهر على الإنتصار حتى كانت الحرب المفروضة من قبل صدام حسين على الدولة الوليدة التي كانت تواجه حركات تمرد في مناطق عديدة وتجاذب قوى متصارعة في الميدان السياسي وتفكك البنية العسكرية الرسمية المتمثلة في الجيش وعدم وجود مؤسسة أخرى قوية قادرة على صد العدوان ضد الأراضي الإيرانية.
وفي ظل هذه الأوضاع تنظمت صفوف الحرس الثوري الإيراني وتعلم أعضاؤه أصول القتال وتدربوا على أساليب مواجهة العدوان مع فقدهم للإمكانات العسكرية المطلوبة وصعوبة الحصول عليها من مخازن الجيش بسبب العراقيل التي كان يضعها ابوالحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية والذي كان قد فوّض إليه الإمام الخميني قيادة القوات المسلحة يومئذ.
 
 

قاسم سليماني الشاب الثوري


 
وكان الشاب قاسم سليماني مواليد عام 1957 في قرية صغيرة تابعة لمدينة ((رابر)) التابعة لمحافظة ((كرمان)) في بداية صباه عامل بناء، ثم تطور قليلاً فصار يتعهد بعض الإلتزامات من ((مؤسسة مياه كرمان))، لكنه مع بدء تأسيس حرس الثورة انضمّ إلى صفوفه تطوعاً كما كثيرين من أقرانه من دون أن يتقاضوا راتباً، وكانت خطوته الأولى أن شارك في المواجهات العسكري مع التنظيمات الكردية اليسارية في مدينة ((مهاباد)) في محافظة ((كردستان)) والتي كانت تدعو إلى الإنفصال عن إيران وتأسيس دولة كردية شيوعية.
ولما عاد بعد فترة إلى كرمان تمّ تعيينه قائداً لقوات القدس أحد فصائل الحرس الثوري في المدينة.
 
 

سليماني في جبهات الحرب


ومع بداية الحرب العراقية بدأ قاسم سليماني بتدريب مجموعات من الشباب مستفيداً من التجارب التي اكتسبها وإرسالهم إلى جبهات القتال في جنوب إيران، وبعد فترة قاد هو مجموعة وذهب إلى جبهة ((سوسنگرد)) في الجبهة الجنوبية لمواجهة تقدم القوات العراقية في قاطع ((مالكية))، وبقي حاضراً في جبهات مختلفة طوال سنوات الحرب التي دامت 8 سنوات.
ومع توقف الحرب العراقية - الإيرانية عاد قاسم سليماني مع لواء 41 ثار الله إلى مدينة كرمان وتكفل بملاحقة عصابات تهريب المخدرات في المنطقة وعبر الحدود الشرقية لإيران.
 
 

الحرس الثوري والحضور المباشر في سورية ولبنان


 
في خضم الحرب العراقية -الإيرانية واشتعال جبهات القتال على طول 1458 كلومتراً حدود برية إضافة إلى كامل ساحل الخليج بحراً، واصطفاف كل الدول العربية ماعدا سورية وليبيا والجزائر نسبياً وجميع الدول العظمى خلف صدام حسين، في هذه الفترة بالذات كان العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982 بذريعة واهية وهي محاولة اغتيال السفير الصهيوني في لندن.
أحست الجمهورية الإسلامية في إيران بوجوب مساندة المقاومة الفلسطينية في وجه الصهاينة الغاصبين رغم ضراوة معاركها مع جيش صدام وبُعد المسافة والصعوبات الجمّة التي تعرقل المشاركة، فكان قرار إرسال 1000 من الحرس الثوري من قوات محمد رسول الله و 1000 من لواء ذوالفقار من الجيش الإيراني على عجل إلى سورية لأن القسم الأكبر من لبنان كان قد صار تحت سلطة الإحتلال، وتمكن أرييل شارون من تنصيب بشير الجميل قائد القوات اللبنانية رئيساً للجمهورية اللبنانية في ظل الدبابة الصهيونية، وبعد اغتياله تمّ تنصيب أخيه أمين مكانه وتم فرض اتفاق 17 أيار / مايو المذلّ من خلال مجلس النواب الممدد له.
كنت أنا في تلك الفترة مسؤولاً عن تنسيق الإعلام في الشرق الأوسط كما أسلفت، وكان السيد علي محتشمي قد تعين لتوّه سفيراً لإيران في سورية وكان محسن رفيق دوست في تلك الفترة المسؤول عن حرس الثورة فاستقبلنا سوياً في مطار دمشق الوجبة الأولى من القادمين بقيادة احمد متوسليان الذي خُطف بعد ذلك على حاجز البربارة من قبل ((القوات اللبنانية)) مع القائم بأعمال السفارة الإيرانية السيد محسن الموسوي في بيروت ومصور لوكالة الأنباء الإيرانية والذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم.
وبحكم تجربتي الطويلة في لبنان وسورية وعلاقاتي الواسعة بالمسؤولين في سورية يومذاك كان دوري أساسياً في توجيه القادمين لمواجهة العدوان الصهيوني وتنظيم نشاطاتهم، فكان الضباط في الجيش وقيادات الحرس يتحركون بناء على توصياتي، خصوصاً وأن الإمكانات المادية كانت موجودة بيدي وهم لم يكونوا قد تسلموا بعد حتى ثمن حاجاتهم الضرورية الأولية لكونهم انتقلوا مباشرة وعلى عجل من جبهات الحرب إلى الطائرة وتوجهوا نحو دمشق، فكان مرتضى رفيق دوست المسؤول عن تموين وتمويل الحرس يتلقى مني المال اللازم حتى تقررت بعد فترة الميزانية الرسمية، والسيد محتشمي أيضاً كان يأخذ في بعض الحالات الطارئة المال مني لتأخر وصول المبالغ من وزارة الخارجية الإيرانية.
وكانت الخطوة الأولى التي رتبتها لهم زيارة مقام السيدة زينب عليها السلام ليلة الجمعة بُعيد وصولهم، وألقيت فيهم خطبة حماسية قبل انطلاقهم من مكان تجمعهم في إحدى ثكنات سرايا الدفاع التابعة لرفعت الأسد ((نائب الرئيس حافظ الأسد)) يومذاك في منطقة المزة، ثم كانت المشاركة باليوم التالي في صلاة الجمعة في المسجد الأموي بالزي العسكري وهم يحملون أسلحتهم المختلفة وهذا يحدث لأول مرة، وهناك أيضاً ألقيت كلمة من على منبر المسجد في المصلين بطلب من وزير الأوقاف السوري يومذاك، وكانت هناك نشاطات كثيرة نقوم بها بالتنسيق مع السيد محتشمي الذي تربطني به علاقة قديمة منذ أيام النجف الأشرف وكنا معاً طوال فترة إقامة الإمام الخميني في باريس واستمرت العلاقة الوطيدة معه وهو يتبوّأ مناصب مختلفة قبل أن يتمّ تعيينه سفيراً.
والطريف أنه كان في تلك الفترة للجمهورية الإسلامية سفير في لبنان هو الشيخ فخر روحاني وكان من المفترض أن يكون العمل في لبنان تحت إشرافه، لكن لكون العلاقة المتينة والقديمة كانت بيني وبين السيد محتشمي وكنت وعدته قبيل تعيينه أني سأضع كافة إمكاناتي إلى جانبه، لذلك حملت بسيارتي الشهيد السيد عباس الموسوي والشيخ صبحي الطفيلي والشيخ محمد يزبك من بعلبك إلى دمشق، وكان الإجتماع الأول مع السيد محتشمي في مبنى السفارة في منطقة المالكي، وبعد انتهاء الإجتماع انتقلت مع السيد الموسوي والشيخين الطفيلي ويزبك إلى منزلي التي كنت استأجرته في شارع المالكي على مقربة من السفارة الإيرانية وتناولنا الغداء معاً ثم نقلتهم بسيارتي أيضاً عبر الخط العسكري إلى بعلبك، وهكذا استمرت العلاقة بين قيادة حزب الله في لبنان والجمهورية الإسلامية في إيران ولسنوات طويلة عبر السفارة الإيرانية في دمشق بعيداً عن السفارة والسفير في بيروت.
 
 

الواقع اللبناني ودور حرس الثورة

لقد أسلفنا أن حضور الحرس الثوري إلى سورية كان بهدف مواجهة العدو الصهيوني ومساندة المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين، لكن اضطرار المقاتلين الفلسطينيين والقيادة الفلسطينية للخروج من لبنان أوجد صدمة كبيرة في النفوس، وحتى الأحزاب اللبنانية التي كانت تتلقى الدعم من القيادة الفلسطينية بدأ كثير من قياداتها تعيد حساباتها، ومنها من تواصل مع الجيش الصهيوني واستقبله في مناطقه وتناول الشاي معه وأخذ صوراً تذكارية مع ضباطه.
لكن الحرس الثوري الإيراني تدارك الأمر وفتح ذراعه لاستقطاب الشباب المتحمس والمصرّ على استمرار مواجهة العدو الغازي، وكان منهم المظلوم عماد مغنية وكثيرون ممن كانوا في صفوف المقاومة الفلسطينية والأحزاب اللبنانية اليسارية.
 

بداية حزب الله

وبدأت المسيرة الفعلية لحزب الله في الساحة اللبنانية، حيث تمّ إحياء يوم القدس العالمي الذي كان أعلنه الإمام الخميني بالإنطلاق في مسيرة حاشدة بعد ظهر الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وذلك من مسجد الإمام علي عليه السلام في بعلبك بحضور عدد كبير من عناصر الحرس الثوري الإيرانيين الذين أُحضروا من ثكنتهم في الزبداني ومن تمّ تدريبهم في مراكز التدريب في جنتا والزبداني من اللبنانيين، وألقى المظلوم السيد عباس الموسوي كلمة حماسية في المحتشدين ، وانطلقت المسيرة وكان لها أثر بالغ في إزالة حالة الإحباط التي كانت قد أصابت عموم الناس بفعل الحرب النفسية الإسرائيلية وعنف غارات الطائرات الصهيونية ورفع المعنويات لدى عشرات الآلاف من المهجرين من مختلف المناطق والموزعين في مدارس ومؤسسات مدينة بعلبك. (وكنت ألقيت كلمة في منتجع ((سياستا) الذي حوله الاتحاد الاشتراكي العربي الى ضيافة مهجرين من تل الزعتر والمسلخ في مهرجان نظمه في الذكرى الأولى ليوم القدس الصديق حسن صبرا ((رئيس تحرير مجلة الشراع)) الآن.
وكنت قبل ظهر ذلك اليوم قد أشرفت على انطلاق مسيرة يوم القدس في دمشق ضمت الفلسطينيين والمهجرين العراقيين واللبنانيين الذي فروا من المناطق الواقعة تحت الإحتلال، وكان ذلك ابتداءً من ساحة الأمويين حتى المسجد الأموي.
بعد هذه الخطوات انتقلت بصورة سرية وعبر المطار إلى بيروت، وبقيت لمدة أشهر متنقلاً من بيت سري إلى آخر، وأسست أول فرع للجنة إمداد الإمام الخميني في لبنان بمبلغ أولي وهو مائة ألف دولار، فبدأنا البحث عن العائلات المحتاجة التي تضررت بفعل العدوان من دون ضجيج وقدمنا لهم المساعدات المالية والغذائية، ومن قبل كنت مسؤولاً لفترة عن مؤسسة ((الشهيد)) في سورية ولبنان أيضاً وقمنا برعاية مئات من عوائل المظلومين اللبنانيين جراء العدوان الصهيوني على لبنان وعائلات مظاليم المقاومة الفلسطينية في سورية ولبنان، وفي الوقت نفسه كنت أشرف من وراء الستار على النشاط لمواجهة سلطة أمين الجميل، فكانت الخطوة الأولى الدعوة لاعتصام علمائي في مسجد الإمام الرضا عليه السلام في بئر العبد بالضاحية الجنوبية اعتراضاً على إتفاقية العار بين السلطة اللبنانية والكيان الصهيوني وتزامناً مع إقامة حفل التوقيع عليه يوم 17 أيار/ مايو 1983 برعاية أميركية في فندق ((ليبانون بيتش)) في منطقة خلدة، وكان لقاء تشاوري عاجل لتجمع العلماء الحديث التأسيس في منزل أحد العلماء في الغبيري مساء يوم 16 أيار/ مايو وأنا كنت في غرفة أخرى أرتّب وأنسّق الأمور مع صاحب البيت، وحتى أني قمت بكتابة نص بيان الدعوة للإعتصام وطباعته على الآلة الكاتبة الخاصة بي وإرساله إلى الصحافة من دون أن يحسّ المجتمعون، وقد كنت على اتصال مباشر بالشباب الذين أداروا بعد ذلك عملية الإعتصام يوم 17 أيار/ مايو والذي تدخل الجيش لفضّه بالقوة فكانت المواجهة الشعبية مما أدى إلى مقتل محمد نجدي، ومع الأسف تمّ تهريب جثمانه في عتمة الليل وعلى عجل إلى الجنوب كي لا يستفاد من مراسم تشييعه لتزخيم مسيرة مواجهة السلطة المتواطئة يومذاك مع الصهاينة المحتلين.
وفي إطار بعث الروح الثورية وإزالة حالة الإحباط أتيت بأول فيلم سينمائي إيراني عن سفير الإمام الحسين عليه السلام قيس بن مسهر الصيداوي والذي أوجد عرضه في سينما ((مونت كارلو)) في شارع الحمراء حالة نفسية رائعة لدى جموع المشاهدين الذين بلغوا عشرة آلاف شخص على أقل تقدير، وفي فترة وجودي في بيروت أيضاً ألفت وطبعت كتاب ((نهج الإنتصار)) والذي جمعت فيه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وروايات الأئمة المعصومين التي تحضّ على الجهاد ومقاومة اليهود والظالمين من الحكام وضمّنته شرحاً مختصراً لتلك الآيات والأحاديث وتفسيراً لمعانيها، وتم توزيع الكتاب في صفوف الشباب المقاومين ليكون استنادهم بالحجة الشرعية، إضافة إلى طباعة فتاوى الإمام الخميني في باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على آلة التصوير ونشرها بين الناس لحثّهم على النهوض في مواجهة التحالف الصهيوني - الصليبي.
وكل هذا الجهد تكامل مع دور حرس الثورة الإسلامية والنشاط التبليغي للعلماء والخطباء والمبلغين الذين كان يأتي بهم في مناسبات مختلفة ليتوزعوا في مساجد القرى في مناطق مختلفة، وكذلك توسع دور حزب الله في بيروت والجنوب خصوصاً بعد انتقال قياداتها من بعلبك إلى العاصمة وتزايد العمليات العسكرية ضد الصهاينة من قبل الشباب المجاهدين، واضطرار الأساطيل الأميركية والفرنسية للإنسحاب من الشواطئ اللبنانية بعد العمليات الجهادية مما أضعف الروح المعنوية لحلفاء الغرب والمتعاونين مع الإحتلال.
ولكون النشاط في الخارج تمركز شيئاً فشيئاً في ((لواء القدس))، وبعد تعيين اللواء قاسم سليماني قائداً له وبدء الإستفادة من تجربته في مواجهة طالبان والقوات الأميركية والغربية المحتلة في أفغانستان كان تطور النشاط الثوري في لبنان ما اضطرت إسرائيل للإندحار مذلولة من لبنان عام 2000.
ولما احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003 توسع دور ((لواء القدس)) ومسؤولية اللواء قاسم سليماني ليشمل العراق، فكانت عمليات الكر والفر بينه وبين القوات المحتلة لانفساح المجال أمام الحضور الإيراني في الساحة العراقية بعد سقوط صدام حسين، خصوصاً أن غالبية المعارضين العراقيين العائدين إلى وطنهم بعد سقوط النظام البائد كانوا من الشيعة الذين هربوا إلى مختلف الأصقاع فراراً من بطش صدام، وهم على علاقة روحية مع إخوانهم الإيرانيين أو أنهم عاشوا سنوات في أحضان الجمهورية الإسلامية، وهؤلاء هم اللبنة الأولى لتوطيد العلاقة مع الساحة العراقية ((لقد كتب الأخ العزيز حسن صبرا في حينه مقالاً في ((الشراع)) تحت عنوان: إيران تحكم العراق من طهران، في وقت كان العالم كله يتصور أن السيطرة الكاملة هي للأميركيين))، ولم يستطع الأميركيون رغم محاولاتهم الكثيرة الحد من التحرك الإيراني في العراق بل كان نشاط اللواء سليماني يتوسع يومياً حتى اضطرت الولايات المتحدة إعلان الإنسحاب من العراق من دون أن تحصل على أية مكاسب أو امتيازات، ولقد قال أحدهم: إن أميركا قدمت العراق على طبق من ذهب لإيران من دون أن تكسب شيئاً رغم خسارة جنودها الذين ناهزوا الـ 4000.
ولما توافق العرب والدول الغربية على الإطاحة ببشار الأسد وإقامة نظام يتناسب مع مخططاتهم وهيأوا مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن قبل أن يوجد لاجئ واحد، وجمعوا كافة المعارضين المتعارضين من كل مكان ليكونوا البديل، وأوشكوا على تحقيق أحلامهم، وإذا برحلة قاسم سليماني القصيرة إلى موسكو ولقائه بالرئيس بوتين وإقناعه بوجوب المشاركة الروسية الفعالة في الساحة السورية، وهنا انقلبت المعادلة وبدأ التراجع خطوة خطوة حتى سلّم الجميع اليوم ببقاء بشار الأسد في السلطة.
 

خطة إغتيال سليماني


إذن اجتمعت الضغينة الصهيونية المهزومة في الساحة اللبنانية، مع الغضب الأميركي المندحر في الساحة العراقية، مع الحقد الفاشل في الساحة السورية، وعليه فلا بد من تكاتف هؤلاء للإنتقام من قاسم سليماني بأية طريقة وأية وسيلة ممكنة، ولا يهمّ الثمن الذي يتطلبه تحقيق الهدف هذا، فبعد الفشل في عدة محاولات اغتيال سابقة كانت المحاولة الأخيرة وهي تفخيخ الحسينية في قريته التي تعود لوالده المرحوم والتي اعتاد سليماني سنوياً أن يحضر مراسم يوم عاشوراء فيها وذلك عبر حفر نفق من منزل مجاور للحسينية تمّ استئجاره قبل أشهر وتعبئته بمواد متفجرة تزن بأكثر من 350 كلغ ليتمّ تفجير النفق أثناء حضور سليماني هذا العام المراسم في حشد يبلغ المئات من المشاركين في إحياء ذكرى مقتل سبط الرسول صلى الله عليه وآله، لكن استخبارات الحرس الثوري اكتشف المؤامرة وأفشل الخطة واعتقل أعضاء الخلية الثلاثة وهم فضحوا أثناء التحقيق الأطراف التي تقف وراء المؤامرة القذرة هذه.
إن اللواء قاسم سليماني منذ اليوم الأول الذي التحق بصفوف حرس الثورة كان مشروع قتيل سواء في كردستان أو في مختلف جبهات الحرب العراقية - الإيرانية أو في المواقع المختلفة في أفغانستان أو في المواجهات مع العدو الصهيوني في لبنان أو في مناطق المواجهة في سورية، ولكن هذه المرة كانت غاية الخلية المتآمرة استغلال مشاركته في مناسبة دينية استثنائية لدى الشيعة مثل مراسم عاشوراء ليتمّ اغتياله وقتل مئات من الناس العاديين معه في طريق تحقيق الهدف، لكن المؤامرة فشلت هذه المرة كما قبلها وحفظ الله اللواء قاسم سليماني ليغيظ أكثر الصهاينة والأميركيين والسائرين في فلكهم، وليقوّي عزيمة قوى المقاومة على مساحة المنطقة كلها وفي المقدمة فلسطين العزيزة، ((ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)) صدق الله العلي العظيم.
 
بقلم: السيد صادق الموسوي
 

 كلام الصور:
السيد صادق مع السيد علي محتشمي في نوفل لوشاتو خلف الامام الخميني
مع الزميل حسن صبرا اثناء الصلاة خلف الامام الخميني في باريس
مع الشهيد محمد منتظري في أحد المؤتمرات الصحفية في بيروت
مع السيد الامام موسى الصدر في معسكرات التدريب
تشكيل اول لجنة لتنظيم العمل الاسلامي في لبنان
خلال اقامة صلاة الجمعة مع افراد الحرس في ثكنة في منطقة المزة  - سورية
الاستقبال الأول لمجموعة من حرس الثورة في مطار دمشق ويبدو في الصورة محسن رفيق دوست وقائد المجموعة احمد تتوسليان
اثناء خطاب المظلوم عباس الموسوي امام مسجد الامام علي قبيل انطلاق مسيرة ((يوم القدس))
 

الوسوم